المرأة والمؤسسات النيابية العربية ..ومجلس الشعب السوري نموذجاً
ثقافة
الاثنين، ١٢ ديسمبر ٢٠١١
المرأة في مجلس الشعب(3)
قضية المرأة ودفعها إلى موقع صناعة القرار التشريعي والتنفيذي لا يمكن اعتبارها قضية خاصة بل هي قضية عامة تمسّ المجتمع برمته، تتصل بمستوى التقدم الاجتماعي والاقتصادي و...، تتأثر به وتؤثر فيه بعلاقة جدلية مميزة. كما وأن قضية المرأة ليست قضية مساواة قانونية فقط، (منحها حرية التعليم والعمل..) لأن المشكلة هي وعي المرأة بإنسانيتها. وإذا كان عنوان المرحلة الراهنة ما زال ينصبّ على قضية التطوير والتنمية، كما هو شأنه منذ عدة عقود، فإن التنمية لا تعني تطوير المستوى المادي فقط، بل تعني بالوقت ذاته تحرير الإنسان ليمارس حريته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإلا لن تكون هناك تنمية بشرية متكاملة. والإنسان المقصود هنا هو (رجل وامرأة). فالوعي بإنسانية المرأة من قبل كل من المرأة والرجل معاً، هي الخطوة الأولى. وصورة المرأة التي نريدها هي صورة الإنسان المشارك في التنمية بكل تبعاتها وإيجابياتها.
المرأة السورية:
تحتل المرأة السورية اليوم مكانة مرموقة على ساحة العمل السياسي وفي كافة مواقع صنع القرار، ولكن لابد من التأكيد والإشارة أن المرأة تعامَل وفق القانون المدني كمواطن كامل الحقوق والواجبات، ولكن هي ناقص الأهلية، في بعض مواد قانون الأحوال الشخصية، التي تفرض عليها الولاية، وتحرمها من الوصاية على أولادها، حتى لو كانت هي وحدها المتكفلة برعايتهم وتنشئتهم، بل إن المرأة القاضي هي ولية من لا ولي له بقوة القانون لكنها مع الأسف ليست ولية على نفسها وأولادها..؟ فالزوج السوري قد يمنع زوجته المتربعة على أعلى المناصب السياسية أو التشريعية من السفر إن رغب بذلك، ولا زالت المرأة السورية تعاني من جرائم الشرف برغم المواقف والتصريحات التي أدلى ويدلي بها يومياً رجالات الفكر والدين المسيحي والإسلامي.؟ كما أن المرأة السورية لا تستطيع منح جنسيتها لأولادها من الزوج الأجنبي، عكس المرأة في العديد من الدول العربية، حيث المرأة المغربية والتونسية والمصرية تمنح جنسيتها لأولادها من الزوج الأجنبي.؟ ولا نستطيع أن ننكر أن هنالك شريحة غير قليلة من مجتمعنا تعتقد أن المرأة إنما خُلقت لإدارة المنزل وتربية الأطفال وكل ما له علاقة بالدور الإنجابي. برغم أن المرأة السورية تساهم في المراكز العليا لمختلف المنظمات الحكومية والمدنية وفي النقابات المهنية والمنظمات الشعبية (نقابات المهندسين والأطباء والصيادلة والمحامين والفنانين والمعلمين وفي نقابات العمال والحرفيين والاتحادات الفلاحية، لكن بنسب مازالت دون المأمول) كما وليت منصباً وزارياً منذ عام 1976 وشاركت في بعض القيادات الحزبية، ففي المؤتمر الأخير لحزب البعث العربي الاشتراكي تم انتخاب امرأة عضواً في القيادة القطرية للحزب، كما تتولى امرأة أمانة الحزب الشيوعي السوري. وكذلك ظهرت مساهمة المرأة على صعيد الأحزاب السياسية بعد إقرار قانون الأحزاب، وأيضاً دخلت المرأة في سلك الشرطة وسلك ضباط الجيش والقوات المسلحة، وفي التدريس الجامعي والمنظومة الصحية.. إلخ، أي في كثير من المجالات التي لا مجال لتعدادها هنا.
بين القانون والدستور:
الدستور كما هو معروف مصدر التشريعات والقوانين والضابط لحركة الدولة بمؤسساتها المختلفة وبالتالي يجب أن تكون القوانين كلها منسجمة معه وهو ما يعرف ب (دستورية القوانين) ولكننا نجد بالواقع العملي لدينا بعض القوانين تتعارض مع الدستور مثل قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات وقانون الجنسية، هذه القوانين لا تعتبر المرأة مواطنة كاملة الأهلية، لذا لابد من تعديل القوانين انسجاماً مع الدستور. لقد نصت المادة 45 من الدستور الدائم على: " تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي". فدستور الجمهورية العربية السورية يؤكد في جوهره على التساوي في الحقوق والواجبات بين المواطنين، وأنه لا تمييز بينهم على أساس الجنس أو اللون أو العرق أو الدين. وأن حق الرجل والمرأة متساويان في الحياة والعمل والتعليم.. إلاّ أن ذلك يتعارض على أرض الواقع مع القوانين المطبقة كقانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات وقانون الجنسية.!؟
لقد تم إصلاح عدة قوانين مدنية في السنوات الثلاثين الماضية بهدف تحقيق المساواة بين الذكور والإناث. ولكن العديد من هذه الإصلاحات لم تطبق عملياً لدى شريحة من المجتمع السوري، لأن التقاليد الاجتماعية تمنع تطبيق القوانين التشريعية أو الوضعية.
مجلس الشعب:
لم تستطع المرأة السورية الدخول تحت قبة البرلمان إلاّ في حقبة الوحدة السورية المصرية (1958 إلى 1961) حيث ضم برلمان الوحدة المعروف باسم (مجلس الأمة) والمكون بمجموعه من 600 عضو، 200 منهم من الإقليم الشمالي (سورية) و400 عضو من الإقليم الجنوبي (مصر)، والذي أنشئ عام 1960، وكان من بين الأعضاء السوريين امرأتان هما السيدتان جيهان موصللي، ووداد أزهري، ومن ثم بدأت السلطات السياسية المتعاقبة بدعم مساهمة المرأة للدخول إلى ساحة القرار التشريعي، عدا فترة الانفصال حيث غاب تمثيل المرأة في البرلمان، ولكن هل حققت المرأة تواجداً على الصعيد البرلماني.؟
لا يكفي أن تقف القيادة السياسية إلى جانب المرأة كي تحقق تقدماً على الصعيد البرلماني فلابد من دعم قدراتها من قبل الهيئة البرلمانية حتى تستطيع المرأة زج طاقاتها في المجال التشريعي، وخلال السنوات العشر أو العشرين السابقة وبرغم تفوق المرأة على الرجل في الانتخابات التشريعية, (هذا دليل تقبل الشارع السوري للمرأة أكثر من تقبله للرجل, ففي الدور التشريع السابق كانت على رأس الفائزين في انتخابات مجلس الشعب عن دمشق امرأة تجاوزت 26رجلاً, وفي الدور التشريعي الحالي استطاعت امرأتان تجاوز 25 رجلاً من أصل نواب دمشق البالغ عددهم 29 نائباً..) برغم كل ذاك لم تأخذ المرأة حقها في حياتنا البرلمانية إلاّ بجهدها وإصرارها على الرغم من تجاهل القيادات البرلمانية لها!؟ فلم تحظ المرأة البرلمانية بالدعم من القيادات البرلمانية يوازي الدعم السياسي الذي تلقاه من الدولة، بل كان هنالك بعض الدلائل تشير إلى تهميش دورها كبرلمانية، فعلى سبيل المثال عُقدت ندوة "تفعيل دور البرلمانيات العربيات" في مطلع عام 2005 في بيروت "تحت رعاية نبيه بري، رئيس مجلس النواب اللبناني، رئيس الاتحاد البرلماني العربي آنذاك، بحضور وفود برلمانية نسائية تمثل المجالس في كل من الأردن، البحرين، السودان، فلسطين، لبنان، مصر، والمغرب. بغياب البرلمانيات السوريات عن فعاليات هذه الندوة.؟ فقد تواجد في جلسة الافتتاح والمناقشات التي تلتها رجلان فقط هما رئيس البرلمان اللبناني كونه رئيس الاتحاد البرلماني العربي، ورئيس الوفد السوري, مقابل كل النساء البرلمانيات العربيات, وحتماً انسحب من المناقشات رئيس الاتحاد البرلماني العربي وبقي رئيس الوفد السوري مع هذا الحشد النسائي يناقش دور البرلمانية السورية بتفويض غير قابل للعزل من البرلمان السوري الذي لا يهون عليه أن تناقش برلمانياته أوضاعهن وسبل تطوير أعمالهن..؟ وأيضاً ذكرت صحيفة النور الشيوعية في نفس الفترة الزمنية تحت عنوان "برلمانيون ونساء وعنف" عن مؤتمر الجمعية الثاني عشر بعد المئة للاتحاد البرلماني الدولي الذي عُقد في مانيلا/ الفلبين: (طرح في المؤتمر البرلماني الدولي الذي توقف هذه المرة وبحسب برنامجه عند قضايا المرأة، إذ فتح نقاشاً عاماً في جلسته العامة حول (تأثير السياسات المحلية والدولية على وضع النساء).
ويتابع المقال: (وفي هذا الإطار جرت نقاشات مستفيضة عكست واقع المرأة في العالم أجمع.. أن ظلماً ما، أو عنفاً ما، ما يزال يمارس ضد المرأة والطفل معاً.. وقد يقع الظلم رغم وجود القوانين التي تضمن حقوق المرأة وتصونها، وثمة أسباب كثيرة منها الفقر والحروب وتخلّف القوانين وانعدام الديمقراطية، ومنها أيضاً ما يتعلّق بالتقاليد والعادات، أو بفعل الهجرة، إذ ينقل المهاجرون أحياناً قيماً أخرى إلى بلدان المهجر المتحضرة.. كما أشارت إلى ذلك مندوبة البرلمان الهولندي (50% من سكان أمستردام غير هولنديين) التي رأت أهمية إخضاع الرجل لدورات يتحسن معها أسلوبه في التعامل مع المرأة..! وقالت بأن تلك القيم تمارس سراً، فالقاضي الهولندي يمكنه منع الرجل الذي يمارس عنفاً ما ضد المرأة، ومع ذلك يمارس العنف، وتحدثت عن فظاعات الزواج الجبري وختان البنات.. إلخ.
وتؤكد صحيفة النور على لسان كاتب المقال أن وفد مجلس الشعب السوري إلى هذا المؤتمر قدّم: (عدة مداخلات في المواضيع المطروحة، ومنها موضوع المرأة. تناولت المداخلات واقع المرأة السورية والأشواط التي قطعتها والطموحات الذاهبة نحوها، كما أشارت المداخلات في مجال الحديث عن العنف الواقع على المرأة في زمن النزاعات إلى ما عانته وتعانيه النساء في العراق وفلسطين بسبب الاحتلال القائم في البلدين الشقيقين). والملفت للنظر أن الوفد البرلماني السوري المشارك في هذا اللقاء البرلماني الدولي الذي تشارك فيه نساء العالم بما فيه العربي والأجنبي لمناقشة ومعالجة أوضاع المرأة لم يتضمن أي برلمانية سورية..؟ لا نستطيع أن ننكر أن هناك حالات استلمت بها المرأة موقعاً متقدماً في القيادات البرلمانية ولكن هذه الحالات أجهضت ولم تتكرر.
انتهى
شمس الدين العجلاني - أثينا
alajlani.shams@hotmail.com