واشنطن تتجاهل جميع التحذيرات: ذخائر اليورانيوم ستُرسل إلى كييف
أخبار عربية ودولية
الجمعة، ٨ سبتمبر ٢٠٢٣
أثار إعلان البنتاغون، أمس، أنّ الولايات المتّحدة ستزوّد أوكرانيا بذخائر تحتوي على يورانيوم منضّب، تنديداً كبيراً من جهة روسيا، إذ وصف نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، إرسال واشنطن هذه الأسلحة بـ«العمل الإجرامي»، فيما اعتبرت السفارة الروسية في واشنطن أنّ القرار الأميركي الأخير يمهد «لنهاية أجيال بأكملها». وفي وقت سابق، كان البنتاغون قد أوضح، في بيان، أنّ هذه القذائف ستكون من عيار 120 مليمتراً، وهي مخصّصة لدبابات «أبرامز» الأميركية، التي من المتوقع أن تستلمها كييف في الخريف، في إطار دفعة جديدة من المساعدات العسكرية، التي تبلغ قيمتها 175 مليون دولار. ويتزامن إعلان البنتاغون مع زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى كييف، والتي تعهد خلالها أيضاً بتقديم مساعدات بقيمة مئات المليارات من الدولارات، مشيداً بـ«الهجوم الأوكراني المضاد»، معتبراً أنّه يحقق «تقدماً مهماً». على أنّ «التفاؤل» الأميركي لم ينجح في إخفاء أنّ الزيارة، وما رافقها من إعلان عن مساعدات ضخمة، و«مثيرة» للجدل، تهدف بشكل رئيس إلى إعطاء بعض الزخم لـ«الهجوم المضاد»، الذي يعاني لاختراق الدفاعات الروسية، وسط نفاد الوقت أمامه، ونقص في الذخائر لدى القوات الأوكرانية، تبدو واشنطن غير قادرة على سدّه، ما دفعها، مرة جديدة، إلى تزويد كييف بأسلحة يحذّر الخبراء من أنّها قد تسبب أمراضاً مميتة على المدى البعيد، بحسب تحذيرات الخبراء والمنظمات المعنية.
ما هو اليورانيوم المنضب؟
اليورانيوم المنضب هو مادة ثانوية تنتج من عملية إنتاج اليورانيوم الأكثر ندرة وتخصيباً، والمستخدم في الوقود النووي والأسلحة النووية. وعلى الرغم من أن اليورانيوم المنضب أقل قوة بكثير من اليورانيوم المخصب، وغير قادر على توليد رد فعل نووي، إلا أنه مكثف للغاية، وأكثر كثافة من الرصاص، ما يعطي القذائف المزودة به ميزة خاصة، لاسيما أنّها تصبح قادرة على اختراق الدبابات المدرعة.
استخدمت الدبابات الأميركية ذخائر اليورانيوم المنضب، وكذلك الدروع المعززة به، في حرب الخليج عام 1991 ضد دبابات العراق «T-72»، ثمّ مرة أخرى خلال غزو العراق في عام 2003، وكذلك في صربيا وكوسوفو. وفي السياق، سلطت مراجعات حديثة، في مجلة «BMJ Global Health» الصحية، الضوء على «الارتباطات المحتملة» للمشاكل الصحية طويلة الأجل في أواسط العراقيين باستخدام اليورانيوم المنضب في ساحة المعركة، بحسب وكالة «أسوشيتد برس» الأميركية.
كما خلص تحليل أجرته «منظمة الصحة العالمية» إلى أنه «في بعض الحالات يمكن أن تؤدي القذائف إلى ارتفاع مستويات التلوث في الغذاء والمياه الجوفية بعد بضع سنوات»، مشدداً على ضرورة رصد تلك المستويات، واتخاذ إجراءات لتنظيفها، نظراً إلى الخطر الذي قد يشكله ارتفاع مستوياتها.
بدورها، تحذر «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» من أنّه يجب تجنب التعامل مع هذه المواد قدر الإمكان، «مع الحرص على ارتداء الملابس الواقية والقفازات»، مضيفة أنه «قد تكون هناك حاجة إلى إطلاق حملة إعلامية تدعو الناس إلى تجنب الاحتكاك بالمقذوفات». كما تؤكد الوكالة الدولية أنّ اليورانيوم المنضب هو مادة كيميائية سامة في المقام الأول، وليس خطراً إشعاعياً، ما يعني أنه يمكن استنشاق الجزيئات الموجودة في الهباء الجوي أو ابتلاعها، فيما يمكن لبعضها، في حال استمرار تنشقها، دخول مجرى الدم والتسبب في أضرار في الكلى، ما قد يودي أخيراً إلى فشل كلوي. في السياق نفسه، يؤكد عدد من الخبراء أنّ «الإشعاعات المنخفضة» في هذه الذخائر هي «مشكلة»، لا «سمة»، مؤكدين أنهم يفضلون أن يجد الجيش الأميركي مادة أخرى بنفس الكثافة، إنّما لا تمتلك نشاطاً إشعاعياً.
المزيد من القذائف العنقودية
وفي سياق الحديث عن المساعدات الأميركية الأخيرة المثيرة للجدل، نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية عن مسؤولين أميركيين، قولهم، أخيراً، إنّ إرسال الذخائر العنقودية في وقت سابق إلى أوكرانيا، أدى دوراً أساسياً في «الزخم الذي اكتسبته قواتها أخيراً على الجبهة الجنوبية ضد القوات الروسية». وتابعت المصادر نفسها أنّ إدارة بايدن تخطط، على إثره، لإرسال المزيد من تلك الذخائر، وفي وقت قريب، على الرغم من الإدانات الدولية الواسعة التي تعرضت لها الخطوة، والتي جاء بعضها من حلفاء واشنطن المقربين.
65 مليار من الدعم
وبالإضافة إلى المساعدات المذكورة، أعلن بلينكن عن 100 مليون دولار للتمويل العسكري الأجنبي، و90.5 مليون للمساعدة في إزالة الألغام، و300 مليون لدعم «إنفاذ القانون في المناطق التي استعيدت من روسيا»، و206 ملايين للمساعدات الإنسانية، و203 ملايين لجهود الإصلاح والتحقيق في جرائم حرب. وللمرّة الأولى، قدمت واشنطن أكثر من 5 ملايين دولار من الأصول الروسية، «لدعم خدمات المحاربين القدامى».
واللافت، أنّ حزمة المساعدات الأخيرة تتضمن أكثر من 200 مليون دولار لدعم جهود «مكافحة الفساد»، في أعقاب استبدال وزير الدفاع الأوكراني أخيراً في إطار الحملة. وبالمجمل، تكون الولايات المتّحدة قد قدمت، حتى الآن، أكثر من 65 مليار دولار من الدعم الأمني والإنساني والمالي لأوكرانيا منذ بدء الحرب في شباط عام 2022. إلا أنّه، وعلى الرغم من «الرسالة» التي وجهها بلينكن من كييف إلى زيلينسكي والشعب الأوكراني، حول أنّ واشنطن «ستبذل قصارى جهدها لدعم أوكرانيا»، و«ستمضي معها» في حربها، متحدثاً أيضاً عن «وحدة» المعسكر الغربي في ما يتعلق باستمرار تدفق الدعم، إلا أنّ حدة الانقسام السياسي والشعبي في الولايات المتحدة تزداد كلما طال أمد الحرب، ما يطرح تساؤلات حول المدة التي ستكون واشنطن قادرة فيها على الاستمرار في تمويل الحرب الأوكرانية مستقبلاً.