الشاعرة المنسية عزيزة هارون…في شعرها مسحةٌ من الحزنِ وتعبيرٌ عن ذاتٍ موجوعةٍ وتجربةٍ مؤلمة
شاعرات وشعراء
الخميس، ٧ مايو ٢٠١٥
«تحتفظُ الشاعرةُ السوريةُ عزيزة هارون؛ بحقِّ الريادةِ في شعرِها الوطنيِّ والقومي على صعيد القطر العربي السوري، فقبل «عزيزة» لم تلتزم شاعرةٌ في سورية في شعرِها؛ الخط الوطني والقومي بعمق؛ باستثناءِ نفحاتٍ شعريةٍ محدودةٍ لدى الأديباتِ في مطلعِ عصرِ النهضة».
هذا بعضٌ مما كتبهُ الأديبُ والباحثُ عبد اللطيف الأرناؤوط، عن الشاعرةِ السوريةِ الراحلةِ عزيزة عمر هارون، التي وُلِدَت في «حي القلعة» بمدينةِ اللاذقية، وتتلمذت بدايةً على يدِ صديقِ والِدِها «سعيد مطرجي» لتتابعَ فيما بعد دراستها بمفردها.
الشعر أولاً..
استهوى الشعرُ عزيزة هارون منذُ نعومةِ أظفارِها، فحاولت نظمهُ قبلَ أن تتعلَّمَ قواعدهُ وبحورهُ، غير أن زواجها المبكِّرَ «وغير المتكافئ» بابنِ عمَّتِها، حالَ دونَ متابعتِها الدراسة، والانصراف إلى الشعر وعن ذلكَ تقول:
عصبوا عينيّ لم ألمح مِنَ الدنيا سوى دارٍ صغيره
فتوغلت بإحســاسي، بقلبــي بالبصيره
فعرفتُ الكونَ آلاماً، وأطماعاً حقيره
ولمحتُ الكونَ جناتٍ نضيره
رقةٌ… وبساطةٌ… وعفويَّة
تعودُ أقدمُ قصائدِ عزيزة هارون إلى عامِ 1946 م وقد وَسَمَتها يومها بعنوان: «خمرةُ الفن» وقد نشرتها يومذاك في مجلةِ «القيثارة» في اللاذقية، تلكَ المجلة التي كانت تحتضنُ المحاولاتِ الشعريةِ على دروبِ الحداثة.
اتسمَ شعرُ عزيزة هارون بالرقةِ والبساطةِ والعفويةِ والتأثرِ بالطبيعة، وقد انقسمَ شعرُها إلى ثلاثةِ محاور: الأرض والوطن، الإنسان، والغزل. ويُرجِحُ بعضُ الدارسين أن البساطةَ والعفويةَ عندَها مردُهما إلى بُعدِها عن الدراساتِ الأكاديمية، أما هي فكانت تبرِّرُ ذلكَ بقلةِ حظِّها من التعليم.
هنا لا بد لنا من أن نستعيدَ جزءاً مما قالهُ الدكتور طه حسين بعد استماعهِ إلى نماذجَ من شعرِها في مؤتمرِ الأدباءِ العرب الذي عُقِدَ في بلودان عام 1956م كقوله: «إنَّ موهبتكِ الأصيلةَ نابعةٌ مِن ذاتِ نفسكِ، ولو كنتِ تجيدينَ الفرنسيةَ لقلتُ إنكِ متأثِّرةٌ بالشعراءِ الفرنسيين وبخاصةٍ: «فرلين»..».
عزيزة هارون: الذاتُ الموجوعة
يتنوَّعُ شعرُ عزيزة هارون بينَ الالتزامِ بالوزنِ والقافية، والكتابةِ على الشكلِ التفعيلي، وينتمي شِعرُها موضوعياً إلى تيارِ الشعرِ التفعيلي، وفيهِ مسحةٌ من الحزنِ، وتعبيرٌ عن ذاتٍ موجوعةٍ وتجربةٍ مؤلمة.
عَمِلَت الشاعرة عزيزة هارون أمينةً لمكتبةِ الإذاعةِ السورية، وكانَ لها برنامجٌ إذاعيٌّ بعنوان «قرأتُ لك» تقدِّمُهُ بصوتِها في إذاعةِ دمشق، كما اختيرت عضواً في لجنةِ الشعرِ في المجلسِ الأعلى لرعايةِ الفنونِ والآدابِ والعلومِ الاجتماعيةِ إبَّانَ مرحلةِ الوحدةِ السوريّةِ المصريةِ، إضافة إلى كونها عضواً في لجنةِ الشعرِ في اتحادِ الكتَّابِ العرب بدمشق.
عزيزة هارون: مُلهِمَةُ رائعة
بدوي الجبل «اللهب القدسي»
في كتابهِ «محطات في الحياة» يتحدثُ الدكتور عبد السلام العجيلي عن حكايةِ أروعِ قصيدةٍ في الشعرِ العربيِّ المعاصِر: قصيدةُ «اللهب القدسي» للشاعرِ بدوي الجبل، ومُلهِمتِها الشاعرة عزيزة هارون، فيقول: «ويقطعُ كثيرٌ من المتأدبينَ في سورية بصورةٍ خاصة؛ بأن واحدةً من أجملِ قصائدِ الشعرِ العربيِّ في عصرنا الحاضرِ وهي قصيدةُ «اللهبِ القدسي» إنما استلهمها شاعرُها الكبير؛ من عاطفةٍ حَمَلَها ذاتَ يومٍ لهذهِ الشاعرة، وقد زادَ تأكداً من ذلكَ أن اسمَ ملهمةِ القصيدةِ «نعم» الذي وردَ فيها حينَ نُشِرَت في العددِ الأولِ من مجلةِ «شعر» عام 1957م قد أُزيحَت عنهُ التعميةُ عندما ظهر ديوانُ الشاعرِ الكبير عام 1978م فأصبح «عزة» ونقرأ:
مُدَلَّهٌ فيكِ ما فَجرٌ ونجمتُهُ
مُولَّهٌ فيكِ ما قيسٌ وليلاهُ؟!..
سكبت قلبك في وجدانهِ فرأت
يا عزُّ ما شئتِ لا ما شاءَ عيناهُ
وحدهُ الشعرُ كانَ كلَّ حياتِها
في أولى زيجاتِها، منذُ الرابعةِ عشرة؛ ترحلُ عزيزة هارون إلى بيتِ زوجِها الذي يكبرُها بثلاثينَ عاماً، لتعودَ بعدَ أشهر قليلةٍ مُطلَّقَةً إلى أهلِها، وفي الثانيةِ: تتزوجُ من شاعرٍ شابٍ حاولَ رغمَ «تقدميتهِ الظاهرية» وثقافتهِ الواسعة «بكلِّ ما أوتي من شرقية» إلغاء شاعريتها فكان الطلاق الثاني، أما الزيجة الثالثة فقد دفعتها إلى تطليق مجتمعها القديم لا الزوج فحسب، فغادرت اللاذقية إلى دمشق حيث أقامت في غرفة متواضعة حتى وفاتها.
لقد كانت عزيزة هارون شخصية معذبة إنسانياً وشعرياً، كانت حصيلة زيجاتها الثلاث الكثير من اليأس والمرارة، فهي خرجت من هذه الزيجات «بلا ولد ولا تلد»، وحده الشعر كان كلَّ حياتها.
هل تبقى منسية؟!!…
عزيزة هارون «الشاعرة المنسية».. هكذا وصفها الناقد يوسف سامي اليوسف متسائلاً: «هل يجوز أن ينساها الوطن مع أنها أحبته حتى سمت الرأس؟!».
بعد وفاتها صدر لها ديوان تحت عنوان «عزيزة هارون» قامت بإعدادهِ الشاعرة «عفيفة الحصني» وأصدرتهُ الندوة الثقافية عامَ 1992م وهو يتألفُ من ثلاثةِ أقسام، الأولُ للوطن، والثاني للإنسان، والثالثُ للغزل.
وإضافة لهذا الديوانِ؛ تركت الشاعرة عزيزة هارون الكثيرَ منَ القصائدِ الجميلةِ التي نشرتها في صحفِ ومجلاتِ عصرِها منها: «بين عهدين، جميلةُ القصيدةِ الجديدة، الغابة، أغنياتٌ للحبِّ والأرض، غربة، وطن، سنابلُ القمح».
لا يقاسُ بتعاقبِ الليل والنهار…
يوم سُئِلَت الشاعرة عزيزة هارون في أحد حواراتها عن مقياس العمر أجابت قائلةً: «لا يقاسُ العمرُ بتعاقبِ الليلِ والنهار، فالعمرُ يُقاسُ بضرباتِ النبضِ ووقعِ القلبِ والتحولَّات.!! ».
توفيتِ الشاعرةُ عزيزة هارون في دمشق في شباط من عامِ 1986م، بعدَ رحلةٍ غنيَّةٍ بالعطاءِ وحافلةٍ بالإبداع، ورثاها كثيرٌ من شُعرَاءِ عَصرِها.
هذا بعضٌ مما كتبهُ الأديبُ والباحثُ عبد اللطيف الأرناؤوط، عن الشاعرةِ السوريةِ الراحلةِ عزيزة عمر هارون، التي وُلِدَت في «حي القلعة» بمدينةِ اللاذقية، وتتلمذت بدايةً على يدِ صديقِ والِدِها «سعيد مطرجي» لتتابعَ فيما بعد دراستها بمفردها.
الشعر أولاً..
استهوى الشعرُ عزيزة هارون منذُ نعومةِ أظفارِها، فحاولت نظمهُ قبلَ أن تتعلَّمَ قواعدهُ وبحورهُ، غير أن زواجها المبكِّرَ «وغير المتكافئ» بابنِ عمَّتِها، حالَ دونَ متابعتِها الدراسة، والانصراف إلى الشعر وعن ذلكَ تقول:
عصبوا عينيّ لم ألمح مِنَ الدنيا سوى دارٍ صغيره
فتوغلت بإحســاسي، بقلبــي بالبصيره
فعرفتُ الكونَ آلاماً، وأطماعاً حقيره
ولمحتُ الكونَ جناتٍ نضيره
رقةٌ… وبساطةٌ… وعفويَّة
تعودُ أقدمُ قصائدِ عزيزة هارون إلى عامِ 1946 م وقد وَسَمَتها يومها بعنوان: «خمرةُ الفن» وقد نشرتها يومذاك في مجلةِ «القيثارة» في اللاذقية، تلكَ المجلة التي كانت تحتضنُ المحاولاتِ الشعريةِ على دروبِ الحداثة.
اتسمَ شعرُ عزيزة هارون بالرقةِ والبساطةِ والعفويةِ والتأثرِ بالطبيعة، وقد انقسمَ شعرُها إلى ثلاثةِ محاور: الأرض والوطن، الإنسان، والغزل. ويُرجِحُ بعضُ الدارسين أن البساطةَ والعفويةَ عندَها مردُهما إلى بُعدِها عن الدراساتِ الأكاديمية، أما هي فكانت تبرِّرُ ذلكَ بقلةِ حظِّها من التعليم.
هنا لا بد لنا من أن نستعيدَ جزءاً مما قالهُ الدكتور طه حسين بعد استماعهِ إلى نماذجَ من شعرِها في مؤتمرِ الأدباءِ العرب الذي عُقِدَ في بلودان عام 1956م كقوله: «إنَّ موهبتكِ الأصيلةَ نابعةٌ مِن ذاتِ نفسكِ، ولو كنتِ تجيدينَ الفرنسيةَ لقلتُ إنكِ متأثِّرةٌ بالشعراءِ الفرنسيين وبخاصةٍ: «فرلين»..».
عزيزة هارون: الذاتُ الموجوعة
يتنوَّعُ شعرُ عزيزة هارون بينَ الالتزامِ بالوزنِ والقافية، والكتابةِ على الشكلِ التفعيلي، وينتمي شِعرُها موضوعياً إلى تيارِ الشعرِ التفعيلي، وفيهِ مسحةٌ من الحزنِ، وتعبيرٌ عن ذاتٍ موجوعةٍ وتجربةٍ مؤلمة.
عَمِلَت الشاعرة عزيزة هارون أمينةً لمكتبةِ الإذاعةِ السورية، وكانَ لها برنامجٌ إذاعيٌّ بعنوان «قرأتُ لك» تقدِّمُهُ بصوتِها في إذاعةِ دمشق، كما اختيرت عضواً في لجنةِ الشعرِ في المجلسِ الأعلى لرعايةِ الفنونِ والآدابِ والعلومِ الاجتماعيةِ إبَّانَ مرحلةِ الوحدةِ السوريّةِ المصريةِ، إضافة إلى كونها عضواً في لجنةِ الشعرِ في اتحادِ الكتَّابِ العرب بدمشق.
عزيزة هارون: مُلهِمَةُ رائعة
بدوي الجبل «اللهب القدسي»
في كتابهِ «محطات في الحياة» يتحدثُ الدكتور عبد السلام العجيلي عن حكايةِ أروعِ قصيدةٍ في الشعرِ العربيِّ المعاصِر: قصيدةُ «اللهب القدسي» للشاعرِ بدوي الجبل، ومُلهِمتِها الشاعرة عزيزة هارون، فيقول: «ويقطعُ كثيرٌ من المتأدبينَ في سورية بصورةٍ خاصة؛ بأن واحدةً من أجملِ قصائدِ الشعرِ العربيِّ في عصرنا الحاضرِ وهي قصيدةُ «اللهبِ القدسي» إنما استلهمها شاعرُها الكبير؛ من عاطفةٍ حَمَلَها ذاتَ يومٍ لهذهِ الشاعرة، وقد زادَ تأكداً من ذلكَ أن اسمَ ملهمةِ القصيدةِ «نعم» الذي وردَ فيها حينَ نُشِرَت في العددِ الأولِ من مجلةِ «شعر» عام 1957م قد أُزيحَت عنهُ التعميةُ عندما ظهر ديوانُ الشاعرِ الكبير عام 1978م فأصبح «عزة» ونقرأ:
مُدَلَّهٌ فيكِ ما فَجرٌ ونجمتُهُ
مُولَّهٌ فيكِ ما قيسٌ وليلاهُ؟!..
سكبت قلبك في وجدانهِ فرأت
يا عزُّ ما شئتِ لا ما شاءَ عيناهُ
وحدهُ الشعرُ كانَ كلَّ حياتِها
في أولى زيجاتِها، منذُ الرابعةِ عشرة؛ ترحلُ عزيزة هارون إلى بيتِ زوجِها الذي يكبرُها بثلاثينَ عاماً، لتعودَ بعدَ أشهر قليلةٍ مُطلَّقَةً إلى أهلِها، وفي الثانيةِ: تتزوجُ من شاعرٍ شابٍ حاولَ رغمَ «تقدميتهِ الظاهرية» وثقافتهِ الواسعة «بكلِّ ما أوتي من شرقية» إلغاء شاعريتها فكان الطلاق الثاني، أما الزيجة الثالثة فقد دفعتها إلى تطليق مجتمعها القديم لا الزوج فحسب، فغادرت اللاذقية إلى دمشق حيث أقامت في غرفة متواضعة حتى وفاتها.
لقد كانت عزيزة هارون شخصية معذبة إنسانياً وشعرياً، كانت حصيلة زيجاتها الثلاث الكثير من اليأس والمرارة، فهي خرجت من هذه الزيجات «بلا ولد ولا تلد»، وحده الشعر كان كلَّ حياتها.
هل تبقى منسية؟!!…
عزيزة هارون «الشاعرة المنسية».. هكذا وصفها الناقد يوسف سامي اليوسف متسائلاً: «هل يجوز أن ينساها الوطن مع أنها أحبته حتى سمت الرأس؟!».
بعد وفاتها صدر لها ديوان تحت عنوان «عزيزة هارون» قامت بإعدادهِ الشاعرة «عفيفة الحصني» وأصدرتهُ الندوة الثقافية عامَ 1992م وهو يتألفُ من ثلاثةِ أقسام، الأولُ للوطن، والثاني للإنسان، والثالثُ للغزل.
وإضافة لهذا الديوانِ؛ تركت الشاعرة عزيزة هارون الكثيرَ منَ القصائدِ الجميلةِ التي نشرتها في صحفِ ومجلاتِ عصرِها منها: «بين عهدين، جميلةُ القصيدةِ الجديدة، الغابة، أغنياتٌ للحبِّ والأرض، غربة، وطن، سنابلُ القمح».
لا يقاسُ بتعاقبِ الليل والنهار…
يوم سُئِلَت الشاعرة عزيزة هارون في أحد حواراتها عن مقياس العمر أجابت قائلةً: «لا يقاسُ العمرُ بتعاقبِ الليلِ والنهار، فالعمرُ يُقاسُ بضرباتِ النبضِ ووقعِ القلبِ والتحولَّات.!! ».
توفيتِ الشاعرةُ عزيزة هارون في دمشق في شباط من عامِ 1986م، بعدَ رحلةٍ غنيَّةٍ بالعطاءِ وحافلةٍ بالإبداع، ورثاها كثيرٌ من شُعرَاءِ عَصرِها.