تطويق الحريق … بقلم المهندس باسل كويفي

تطويق الحريق … بقلم المهندس باسل كويفي

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٨ أغسطس ٢٠٢٣

على الرغم من النقص الحاد في الإمكانات والتجهيزات، إلا أن عدم اهتمام السلطات المركزية والمحلية بدعم هيئة لإدارة الكوارث وتحديث أدواتها الأساسية، فإن رقعة الحرائق تتزايد في ظل تأخر امدادات الاطفاء وضيق أفق الكوادر وتدريبها، والتريث عن دعمهم بالتقنيات الحديثة التي تقلل من حجم الأضرار وتُعزز سبل الوقاية لحفظ سلامة الناس وممتلكاتهم الخاصة والعامة.

 إن الأجواء الحارة ووجود أعشاب قابلة للاشتعال، وغيرها من الظروف، كلها أمور تشكّل ظروفاً مواتية لاندلاع حرائق، وترفع من احتمالية حدوثها، دافعة ورافعة بالجميع للسباق مع ألهبة النار وتطويقها.

بإسقاط سبل الوقاية والحماية من اندلاع الحرائق ومقاربتها على الانسدادات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مجتمعاتنا الأوسطية، على المستويات المحلية والاقليمية تتشابه النيران بما يُنذر من اندلاع وتوسع الحرائق في مجتمعاتنا وخصوصاً مع وجود رياح غربية او شرقية، شمالية أو جنوبية تزيد من سعير النيران ولهيبها، في وقت نحن بأمّس الحاجة الى اخمادها.

ولكن بدلاً من ذلك وفي سباق مع النار، تتجاذبنا تساؤلات حقيقية تتخللها جدّالات بيزنطية قديمة وعميقة حول السبل الى ذلك، هل عبر سياسات التطويق أو الاحتواء ( وهو ما مارسته الادارات الامريكية مع الاتحاد السوفياتي سابقاً ) أو تطبيق سياسات الاستيعاب ؟

في مصر ، ( منقول من صفحة د عمار حسن ) ، "بسبب شجار مع الزوجة حول "مصروف البيت " حاول الاب قتل اولاده في ظاهرة تتسارع لتتحول الى ظاهرة اجتماعية " لا سمح الله " كونها أشبه بدخان يُنبه إلى نار مستعرة تحت رماد كثيف. إنه رماد الصبر على الضّيم والإفقار، إما بحكم تمرس المصريين عليه، أو لخوفهم المزدوج مرة على المجتمع من الفوضى إن خرجوا بصدور عارية يئنون مما هم فيه، ومرة من عقاب سلطة، زجت في السجون بآلاف من المعترضين لفظًا"

باعتقادي أن مسار التناحر هو الاشد قسوة في تآكل المجتمع والاكبر فداحة في الخسارة من حيث التفتت الاجتماعي، فالسعي إلى البحث عن حل فردي لمشكلة مجتمعات محلية دون اعتبار ملموس لمشكلات الآخرين في ظل ندرة وقهر، يؤدي بالنتيجة إلى صراع مع الآخرين حول تحقيق المصالح الصغرى، وانتزاع المنافع الضيقة. وهذا الصراع قد يقف لدى البعض عند حالة من التربص والحنق، وإلحاق الأذى المعنوي والمادي بالتقابل، وللأسف، فإن ما مضت فيه بعض الحكومات رغم اختبار الأزمات وعدم تحويلها الى فرص ، قد تكررت وتجددت (بعيداً عن تقييم الماضي ولو كان أليماً للاستفادة منه للحاضر والمستقبل)، حيث صمّت آذانها عن مطالب الشعب المحقّة ، وأعطت ظهرها لتنبيه ذوي الخبرة ومضت فيما تراه بعين واحدة ، رغم آثارها الجارحة على المجتمعات كلها ، وانعكاسها بالتأكيد على كيان الدولة ، التي يكون المجتمع في قلبها من حيث التكوين ، وفي مقصدها من حيث الوظيفة، وفي صُلبها إن تحدثنا عن بقاء الدولة ووجودها .

 ففي أوقات الفقر والظلم الشديد ، وحين يعجز الناس عن استيعاب ما يجري لهم، ولا يقدرون على بذل أي جهد في سبيل تغييره ، ولا يرون ضوءََا في نهاية النفق الذي يمرون به ، يلجؤون إلى الانخراط في الرهان على من يزعمون إطلاعهم على بعض الغيب ، باختلاف أنواعهم حيث يجدون  في كنفه بعض العدل والرأفة ، لا سيما إن وجدوا أن بقاءهم على قيد الحياة مهدد ، بعجزهم عن تدبير قوت يومهم ، في غياب قوى فاعلة تعزز سُبل ترشيد القرار، وتحسين الأحوال .

وهنا لا بد من تأمين الحماية الاستباقية للمجتمعات التي هي الهدف الاستراتيجي لبقاء الدولة، عبر تحقيق وتعزيز قيّم الديموقراطية والمواطنة وسيادة القانون بدلاً من خيارات خاطئة وقرارات لا تصب في مصلحة الشعب.

 لقد أكدت معظم السياسات الدولية على ضرورة تنفيذ القرار الاممي رقم 2254، فهو خارطة الطريق المشتركة المتاحة وفق التوافق الدولي، إلا أن صعوبة إحراز تقدم فيه حسب تصريحات المبعوث الخاص بيدرسون يحول دون بدء مرحلة التعافي المبكر للاقتصاد السوري، مما يتطلب تشجيع تجدد الزخم للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة، وفي نفس السياق باعتقادي أن تنفيذ القرار بنكهة وطعم سوري - سوري (حوار وطني حقيقي) من شأنه تدوير الزوايا وتحريك الحل السياسي بما يتوافق مع رغبة الشعب السوري .

 إننا لأول مرة في تاريخ سورية الحديث ، نعيش بشكل جدّي صراع مع المنعطفات التاريخية المؤلمة شكلاً ومضموناً ، والتي عبرها تصطف البشر وتهرب طلباً للنجاة والحياة ، متأثرين بالتفاعلات والتحولات السياسية والجيواستراتيجية الكبرى في الاقليم والعالم والمتغيرات السريعة التي تطال منطقتنا في محاولة للمشاركة بأن نكون فاعلين فيها بدلاً من الرفض في وقت الفرض .

 

علينا ان ننهض من كبوتنا ومحنتنا القاسية لنعود منارة من منارات الحضارة والاشعاع الثقافي والتنويري والمعرفة والفنون والتسامح والتنوع بدلاً من وطن مهجور بلا ملامح تميّزه، عبر مشروع وطني جامع شامل يحقق الاستقرار والثقة والسلام المستدام بعيداً عن المشاريع الوهمية الاحادية الاطار والهدف، لحل مشكلات المستقبل بالبناء والتنمية ، ولنتخذ مسارات الاستيعاب والحوارات بدلاً من التطويق والاحتواء ، ولنعمل جميعاً من أجل سورية والحفاظ عليها ما استطعنا فهي أمانة في اعناقنا للاجيال القادمة .

 

ونذكركم  بما قاله امير الشعراء

 

لولا دمشق لما كانت طليطلة

ولا زهت ببني العباس بغدان

آمنت بالله واستثنيت جنته

دمشق روح وجنات وريحان

 

والى لقاء آخر …