“البورصـة” ما لهـا وما عليهـا…بانوراما تفصيلية حول أداء سوق دمشق للأوراق المالية… نجحت بالاستمرار وأخفقت بجذب المستثمرين

“البورصـة” ما لهـا وما عليهـا…بانوراما تفصيلية حول أداء سوق دمشق للأوراق المالية… نجحت بالاستمرار وأخفقت بجذب المستثمرين

مال واعمال

الجمعة، ١ أبريل ٢٠١٦

يسجّل لبورصة دمشق استمرارها بالعمل خلال سنوات الأزمة وعدم إغلاقها مطلقاً في خضمّ ما شهدته البلاد من أحداث ذات تداعيات خطيرة على جميع مفاصل الاقتصاد الوطني، على عكس نظيراتها في كثير من دول العالم التي سرعان ما تغلق لدى حدوث أدنى اهتزاز أو أزمة ما.

إلا أن ما يُؤخذ حقيقة على سوق دمشق للأوراق المالية هو محدودية قيمة التداول على مدى السنوات السبع من العمل، وافتقادها الصفقات الضخمة من جهة، ومن جهة أخرى فإن الشركات المدرجة فيها لا تمثل الاقتصاد السوري حيث يسيطر القطاع المصرفي على النسبة الأكبر من إجمالي عدد الشركات المدرجة، إلى جانب قطاع التأمين الممثل بست شركات، أما القطاعات الاقتصادية وبشكل خاص الصناعية فهي ممثلة بشركة واحدة فقط هي الشركة الأهلية لصناعة الزيوت النباتية، وشركة نماء الزراعية التي تندرج في السوق تحت القطاع الصناعي، وبشكل عام يمكن القول: إن البورصة السورية تمثل القطاع الخدمي في سورية وهي لا تعكس أبداً واقع الاقتصاد السوري المتنوّع، الأمر الذي يعني أنها لا يمكن أن تقدّم انعكاساً للحالة الاقتصادية السورية، كما أن ثقافة الاستثمار في البورصة لا تزال بحدودها الدنيا إن لم تكن شبه معدومة من جهة ثالثة.

المعني الأول
وفي هذا السياق يبيّن الدكتور زكوان قريط /كلية الاقتصاد– جامعة دمشق/ أن سوق دمشق للأوراق المالية يجب أن تكون معنية بتفعيل ثقافة الاستثمار في البورصة بشكل كبير، عبر القيام بحملات توعوية وتسويقية توضيحية حول عمليات التداول وجني الأرباح وغيرها من التفاصيل ذات الصلة، مشيراً في تصريح خاص لـ”البعث” إلى أن هذا النوع من الاستثمار جيد وذو جدوى في حال تم تفعيله بالمستوى المطلوب، معتبراً في الوقت ذاته أن هناك تخوّفاً لدى بعض -وربما معظم المدّخرين- من التوجّه لهذا النوع من الاستثمار، لأن الوضع الاقتصادي للشركات المدرجة في السوق مرتبط بشكل وثيق بالاقتصاد العام للبلد والأخير مرتهن بمصير الأحداث الجارية، وبالتالي فإن تخوّف هذه الشريحة نابع من احتمال تدهور أوضاع هذه الشركات المدرجة وربما الإفلاس، ما حدا ببعضهم إلى تحويل مدّخراته إلى الذهب، وبعضهم الآخر إلى الدولار.
وأضاف قريط: إن أحد عوامل ضعف البورصة هو طابعها غير المتجانس، فالقطاعان المصرفي والتأميني هما المسيطران عليها، في ظل غياب واضح للشركات الإنتاجية والصناعية الممثلة بشركتين فقط، ولعل هذا الأمر يؤثر في عملية الاستثمار في أسهم البورصة..!.

ليس حقيقياً
ويتوقّع بعض المراقبين لجوء الأيادي التي حرّكت أموالها من خلف الستار والمضاربين بسعر الصرف في السوق السوداء نحو مطارح استثمارية أخرى، علّهم يحققون مزيداً من الأرباح، ودون شك تعتبر بورصة دمشق وجهة استثمارية محتملة، ولاسيما أن الانخفاض الذي طرأ على أسعار الأصول المالية المتداولة في سوق دمشق للأوراق المالية خلال فترة الأزمة لم يكن حقيقياً ليعكس بدقة انخفاض النشاط الحقيقي للشركات المدرجة، وبالتالي من الطبيعي أن تعاود أسعار هذه الأصول الارتفاع بالتزامن مع عودة الثقة (جزئياً) إلى الاقتصاد السوري، كما أنه من المعروف في عالم الأعمال أن رأس المال ولاسيما الخاص منه يعتبر انتهازياً، وتتجلى انتهازيته بشكل خاص في أوقات الأزمات، وهذا لمسناه خلال الأزمة الراهنة، وبالتالي فإن انحسار اللعب والمضاربة بسعر الصرف في السوق السوداء، سينعكس على مطارح استثمارية أخرى ومن المتوقع أن يكون لبورصة دمشق حصة في ذلك، وستشهد سلسلة متعاقبة من تحسّن مؤشرات الأداء مدفوعة أيضاً بزيادة الطلب على منتجات هذه السوق.

انتعاش نسبي
شهدت بورصة دمشق انتعاشاً نسبياً عام 2013 مقارنة مع عام 2012، ومردّ ذلك هو الثقة الكبيرة التي حصلت عليها البورصة من المستثمرين على اعتبار أن السوق لم تغلق جلساتها طوال فترة الأزمة مثلما فعلت البورصات العربية التي تعرّضت لأزمات مثل مصر وليبيا، وفق ما أكده مديرها التنفيذي الدكتور مأمون حمدان، إضافة إلى أن تذبذب سعر صرف الليرة أمام الدولار وكذلك تذبذب أسعار الذهب دفع صغار المستثمرين إلى التوجّه إلى مطارح استثمارية أكثر أماناً وكانت البورصة هي الهدف بالنسبة لهم، يضاف إلى ذلك ما صرّح به أحد المستثمرين بقوله لـ”البعث”: إن انخفاضات أسعار الأسهم عام 2012 شكّلت إغراءً واضحاً للمستثمرين، وحرّضتهم على الدخول إلى سوق دمشق للأوراق المالية وشراء هذه الأسهم بأسعار منخفضة على أمل ارتفاعها لاحقاً، الأمر الذي انعكس إيجاباً على ارتفاع أسعار الأسهم خلال 2013، إلى جانب أن نتائج الربع الثالث للعام ذاته تشير إلى أن معظم الشركات المدرجة في السوق كانت رابحة وهذا الأمر انعكس أيضاً على أداء البورصة، لكن ما ثبت أن الاستثمار في الذهب كان أكثر إغراءً من الاستثمار بالأسهم، ما أثر بالنتيجة في توافد المستثمرين للبورصة بشكل سلبي…!.

الأرقام تتحدّث
سبع سنوات مرّت على افتتاح سوق دمشق للأوراق المالية بتاريخ 10/3/2009، وحتى نهاية عام 2015 بلغ إجمالي تعاملات السوق نحو 27 مليار ليرة سورية فقط، وبلغت كمية الأسهم المتداولة حوالي 90 مليون سهم، بواقع 1128 جلسة تداول خلال كامل الفترة. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن إجمالي قيمة التداول يشمل قيمة الصفقات الضخمة التي عقدتها السوق ويبلغ عددها 71 صفقة ضخمة وبلغت قيمتها الإجمالية نحو 6.3 مليارات ليرة.
في العام الأول لانطلاق البورصة السورية بلغ إجمالي قيمة التداول نحو 1.6 مليار ليرة، وكانت أعلى قيمة للتداولات في عام 2010 حيث بلغت أكثر من 9 مليارات ليرة سورية يليها 7.8 مليارات في عام 2011 ثم بدأت تتراجع قيمة التداول في الأعوام التالية بعد بدء الأزمة السورية وتأثيراتها السلبية الكبيرة في جميع القطاعات الاقتصادية لتصل قيمة التداول في عام 2015 إلى نحو 1.1 مليار ليرة سورية، وبلغ معدل التداول في الجلسة الواحدة نحو 24 مليون ليرة.
ويعود التطوّر الكبير في أحجام التداول في السنوات الثلاث الأولى إلى عدة أسباب، أوّلها زيادة عدد الشركات المدرجة في السوق من 12 شركة في 2009 إلى 19 شركة مع نهاية عام 2010، ووصل العدد إلى 24 شركة مع نهاية عام 2015، كذلك ارتفاع أعداد المستثمرين في السوق، يضاف إلى ذلك سبب جوهري هو إحداث السوق الموازية /ب/ التي ساهمت إلى حدّ كبير في تنشيط أحجام التداول بعد دخول سهم بنك قطر الوطني سورية الذي استحوذ نهاية عام 2010 على 18% من أحجام التداول.
دمشق – حسن النابلسي