ترميم خزائن «المالية» يُثير سخط المكلّفين ضريبياً.. باهظة.. عشوائية.. غير مُنصفة

ترميم خزائن «المالية» يُثير سخط المكلّفين ضريبياً.. باهظة.. عشوائية.. غير مُنصفة

مال واعمال

الثلاثاء، ٢ أبريل ٢٠١٩

يسرى ديب ـ ألين هلال:
حملات وزارة المالية الضريبية على المحلات وأصحاب المهن تتضاعف فجأة إلى أكثر من عشرة أضعاف، ويتحدث آخرون عن مفعول رجعي للضريبة.
الأطباء والصيادلة والفعاليات الاقتصادية يصفون الحملة بغير العادلة والعشوائية، في حين يصف رئيس قسم المحاسبة في كلية الاقتصاد د. إبراهيم العدي الأطباء والصيادلة والمحامين وأصحاب المهن بأكبر المتهربين من الضرائب. قصة أزلية لم تجد طريقها للحل..انتشار ظاهرة التهرب الضريبي بشكل كبير وخطير على الاقتصاد من جهة، وعشوائية وطرق استفزازية تجعل الظالم والمتهرب مظلوماً!
يقول الدكتور العدي: إن المكلف الضريبي ضيف مكروه في كل بلاد العالم، ولكن هذا يفترض ضرورة اعتماد قوانين تضمن حق الدولة بالتحصيل الضريبي، وبطرق منصفة ومحقة، فهل سنكون كمن يخترع الدولاب لتحقيق ذلك؟
اتفاق ضمني
أمين سر نقابة أطباء سورية الدكتور آصف شاهر لا يوافق على هذا الاتهام،
ويؤكد أن رفع الضريبة مع مفعولها الرجعي بمنزلة إشعار للطبيب برفع أجرة الكشفية الطبية، وعدم ضبط التعرفة الطبية بشكل صحيح أدى إلى فوضى وتفاوت بقيمة الكشف الطبي، وفي المحصلة الطبيب هو مواطن ارتفعت عليه الأسعار أيضا فإيجار الحلاقة الرجالية اليوم ألف ليرة، أما التسعيرة النظامية لمعاينة الطبيب ابن العشر سنوات خبرة 500 ليرة فقط! ومطالب الأطباء بخصوص الضريبة تقتصر على نظام ضريبي عادل ينصف الأطباء والمواطنين، فقد ارتفعت الضرائب على الطبيب بمعدل عشرين ضعفاً، بينما أجور الكشف الطبي بقيت على حالها منذ عام 2004، الأسعار ارتفعت لكن بقيت التعرفة الرسمية للطبيب700 ليرة المنصوص لم تعد منطقية، ويرى د. شاهر أن رفع الضرائب يشي باتفاق ضمني غير معلن عنه مفاده (أنتم كأطباء خذوا التعرفة التي تريدون، ونحن كوزارة مالية نأخذ الضرائب التي نريد»)، كما حدث مع أحد الأطباء الذي تبدأ معاينته من 15ألفاً وقد تصل إلى 45ألفاً، وهو مستعد لدفع الضرائب التي تترتب على ذلك، ولم تتم مخالفته لعدم ورود شكوى في حقه.
ليسوا كتلة واحدة
نقيب أطباء أسنان ريف دمشق، الدكتور مازن موسى يؤكد نيل أطباء الأسنان نصيبهم أيضاً من ضرائب ارتفعت بشكل كبير لعشرة أضعاف وبعشوائية، وأنه لم يتم الانتباه لمعاناة الأطباء في الريف، ولظروف عملهم في واقع معيشي صعب للسكان، إضافة لمشكلة الكهرباء، حيث يصل القطع إلى 12 ساعة وهذا يضيف مصاريف جديدة على الطبيب، من دون أن ننسى ارتفاع أسعار مواد أطباء الأسنان أضعافاً مضاعفة وخاصة أن 98% من المواد المستخدمة لأطباء الأسنان مستوردة، وهذا يعني أن تسعيرة الطبيب الحالية أعلى من الأوقات السابقة نظرياً، لكن عملياً ليست في مجملها للطبيب، فالطبيب الذي كانت معاينته قبل الأزمة 500 ليرة مثلاً كان يوفر منها أكثر من التسعيرة التي تقدر بنحو 5000 ليرة .
ويرى د.موسى ضرورة مراعاة وضع كل منطقة على حدة، وألا يتم التعامل مع الأطباء ضريبياً ككتلة واحدة.
ويرى أن الأسوأ من رفع الضرائب هو العودة عامين للوراء، وهذا سبب مشكلات كبيرة للطبيب، فالضريبة وصلت إلى المليون ليرة، وهناك أطباء يقسطون رسوم النقابة البالغة 30 ألف ليرة فقط!
لا ينفي د. موسى ظاهرة التهرب الضريبي، لكنه يرى أن هذا يصح على الأطباء المشهورين، وأنه يجب القيام بمسح كامل للأطباء مع استعداد النقابة لتزويد المالية بصورة حقيقية لعمل الأطباء في المحافظة، وهناك أطباء عملهم قليل ويجب إعفاؤهم من الضريبة، لأن عملهم لا يحقق لهم مستوى معيشياً جيداً، وخاصة مع الأعداد الكبيرة من الأطباء من جهة، وأماكن التمركز من ناحية ثانية، ويرى أن هنالك أطباء قادرين على تحمل رفع الضريبة عشرة أضعاف، ولكن في المقابل هناك أطباء غير قادرين.
وختم د.موسى بتأكيده على ضرورة التنسيق بين اللجنة المختارة من قبل النقابة للمراقبة وتقدير نسبة الضرائب، ولحظ رأيها من قبل المالية لكن هذا لا يحصل، وغالباً يكون القرار جاهزاً!
الحصة الأكبر
نائب نقيب صيادلة سورية د. حسام الشيخ يعتقد أن نصيب صيادلة طرطوس كان الأكبر ضريبياً هذا العام، من دون وجه حق، وأنه خلال الثلث الأول من عام ٢٠١٨ تم تفعيل ما يسمى لجان الاستعلام الضريبي التي استهدفت الصيادلة في محافظة طرطوس وغيرها من المحافظات، حيث دخل إليها موظفوا الضرائب بطريقة وصفها صيادلة بغير المقبولة، ووصلت التكاليف الضريبية عند أحدهم إلى 3 ملايين ليرة، وبلغت1,4مليون ليرة لآخر في ريف طرطوس، ولم تقل الضريبة عن 400 ألف ليرة عند كل الصيدليات التي دخلتها لجان الاستعلام الضريبي والتي يتراوح عددها بين 20- 25 صيدلية وهذا رقم وصفوه بالظالم!
يضيف نائب نقيب صيادلة سورية د. حسام الشيخ أن نصيب صيادلة طرطوس كان الأكبر من الضرائب، وأنه تم الضغط على بعض الصيادلة للموافقة على المبلغ المحدد، وأن أغلب تقارير اللجان وضعت نصف موجودات الصيدليات أدوية ونصفها الآخر إكسسوارات، لأن حساب الضريبة على أرباح الأدوية بين 10- 12% بينما أرباح الإكسسوارات 20% وهذا يرفع قيمة التحصيل.
يؤكد د. الشيخ أن مقارنة هذه الأرقام مع أي مهنة طبية أو غير طبية تبين مدى الغبن الذي وقع على ممارسي هذه المهنة في أغلب المحافظات، ويؤكد د. الشيخ أن شريحة ربح الصيدلة أقل شريحة بين كل المهن فهي لا تتجاوز 14- 16% وهذه النسبة لتغطية كل تكاليف حياة الصيدلي، بينما تصل هذه النسبة في الدول المجاورة مثلاً إلى 22-25%.
ليس كما تعتقدون
يؤكد الدكتور الصيدلي محمد الحمزاوي من دمشق حق الدولة على المواطنين بتحصيل الضرائب، ولكنه يضيف أن تكاليف تشغيل الصيدلية ارتفعت أكثر من عشرة أضعاف، وأن تكلفة تشغيل صيدلية في منطقة كعين الكرش مثلاً وصلت إلى أكثر من 60 ألف ليرة، فماذا سيبقى له من أرباح ليعيش بها وخاصة بعد رفع قيمة التكليف الضريبي أكثر من عشرة أضعاف؟ يضيف د. الحمزاوي أن أرباح الدواء تختلف عن بقية السلع لأنها موزعة على شرائح، ونسبة الربح على شرائح الدواء الأقل تسعيرة أعلى، وهذه الشريحة أصبحت أقل بعد ارتفاع أسعار الدواء، وتالياً الأرباح أقل، كما انخفضت مبالغ «الكاش» عند الكثير من الصيادلة بعد اعتماد التعاقد مع شركات الخدمات الطبية.
حنق
صادفنا في مديرية مالية دمشق مدير إحدى المدارس الخاصة جاء يشتكي من التكليف الضريبي لمدرسته، إذ إنه بعد مراجعة المالية للتربية، تم تسجيل الضريبة على أساس ما تستوعبه المدرسة من الطلاب، وأقساط المدارس الخاصة، فكان نصيبه مبلغ 9 ملايين ليرة، ويرى أن هذا المبلغ غير منصف لأنه في العديد من المدارس هناك ما يقارب 5% من أبناء الشهداء، أو أولاد الكادر التعليمي في المدرسة، وهؤلاء إما يقبلون مجاناً وإما يتم تكليفهم بنصف المبلغ فقط!
أصحاب محلات في بلودان طالبوا بمساواتهم عند التكليف الضريبي بأصحاب المحال في بقية بلدات المنطقة كمضايا والزبداني، لأن المنطقة كانت مغلقة في وقت سابق، والمشكلة التي وقعوا فيها هي عملهم على تسديد رسوم للبلدية «الترابة» رغم إغلاق العديد من المحلات، كي لا تتراكم المبالغ المالية، ما أدى لاعتبارهم عاملين في أوقات سابقة وتالياً تترتب عليهم ضرائب.
أما ما أثار استياء بعض تجار جبلة فهو الأرقام الجديدة التي اكتشفوا أن عليهم دفعها للمالية عن سنوات سابقة تم تسديد ضرائبها، ويؤكد أبو أيهم أن الضريبة تضاعفت في مدينة بالكاد تجد عملاً أكثر محلاتها.
العدالة فقط
لم يخف بعض الصناعيين استياءهم من إلزامهم بدفع كامل مستحقاتهم الضريبية قبل نهاية العام، فكانوا يدفعون ما يترتب عليهم على مدار أشهر العام، ولكن الآن أصبحوا ملزمين بدفعها كاملة في وقت محدد ولاسيما عند تجديد سجلهم التجاري، كما يرى رئيس اتحاد الحرفيين ناجي الحضوة أن نظام الضريبة المطبق على الحرفي، مازال يعفي 50ألف ليرة من الربح السنوي، بينما عملت وزارة المالية على رفع الضريبة عشرة أضعاف، وكان يجب عند رفع سقف الضريبة أن يتم رفع سقف الإعفاء من 50 إلى 500 ألف ليرة، ويرى أن هذا يحقق العدالة الضريبية تبعاً للوضع الراهن، ويؤكد الحضوة أن العدالة الضريبية أهم مطالب الحرفيين وذلك بتحصيل القيمة الأكبر من الضريبة من مستحقي الدفع، ويعتقد أن تطبيق الضريبة الإلكترونية التي تعمل على أساس مدخلات ومخرجات العمل لكل حرفي حسب عمله، عن طريق الحواسيب والاستغناء عن العامل البشري هي الحل الجذري للتخلص من التعامل المزاجي والشخصي من قبل بعض الموظفين العاملين على التكليف الضريبي، فمشروع الضريبة الإلكترونية يحد من هذه الأعمال.
لا ينكر الحضوة صدور العديد من القوانين والتشريعات التي أعفت قسماً كبيراً من الحرفيين الذين تضررت منشآتهم بشكل كبير، ولاسيما في دير الزور وريف دمشق، إضافة إلى حلب وريفها، ويصف الحرفيين بالشريك الأساس مع الحكومة في تمويل الخزينة.
ليس عشوائياً
المدير العام للهيئة العامة للضرائب والرسوم عبد الكريم الحسين يؤكد أن اختلاف الضريبة من دورة لأخرى هو السبب في زيادة حجم نشاط المكلف، ويمكن للمكلف الذي تنخفض فعالياته بنسبة 25% أو أكثر أن يتقدم للدوائر المالية بطلب إعادة تصنيف نتيجة انخفاض الفعالية، ويرى أن كل هذا يتم بموجب القانون وليس بعشوائية كما يقال، بل تبعاً لنشاط المكلف وموقعه ورأسمال المستخدم وخبرته وشهرته في السوق، وهذا كله يؤخذ بالحسبان، ويرى أن الضريبة تفرض على الربح، والنسب المفروضة على الأرباح ليست عالية، وأعلى نسبة ضريبة لا تتجاوز 28%، وهذه النسبة تفرض على الأرباح التي تزيد على 3 ملايين ليرة، وعندما لا توجد أرباح لا تفرض ضريبة.
وأكد الحسين أن هنالك لجنة تقوم بدراسة التشريعات الضريبية، وأخرى لتعديل القوانين الضريبية، لتصبح الضريبة موحدة على الدخل تفرض على صادر الدخل، وضريبة المبيعات تفرض على الاستهلاك.
اختلف الحال
أما مدير مالية دمشق محمد عيد فيؤكد أنه يحق للتجار والصناعيين تقسيط مستحقاتهم المالية، ولكن عند الحاجة للحصول على «براءة ذمة» للاستيراد هنا عليهم دفع مستحقاتهم كاملة للحصول على الوثيقة، وأنه في السنوات السابقة كانت الدوائر المالية تتأخر في إصدار التحققات ففي 2 من الشهر الأول يحصل التجار على براءة الذمة مدة عام، ولكن اليوم يتم إصدار التحققات في اليوم نفسه، وهنا مكمن الاختلاف، وهو حق للخزينة.
أضاف عيد: إن وضع الضريبة قبل الأزمة مختلف عما بعدها، فقبل الأزمة كان مبلغ عشرة آلاف ليرة لا يعد ضريبة، وحتى الآن لم تحصل الخزينة على ربع حقها من الضرائب.
ويؤكد ضرورة مراعاة الوضع الذي فرضته الأزمة، لكن يجب ألا يتحول الأمر إلى شماعة للتهرب من المستحقات، فمع تقلص المساحات الجغرافية تركز النشاط التجاري في مناطق عدة ما زاد العمل والأرباح عشرات المرات.
ورأت مصادر في الاستعلام الضريبي في مديرية مالية دمشق أن ارتفاع الأسعار لم ترافقه زيادة في رواتب اليد العاملة لدى التجار والصناعيين، فمن كان معاشه 50 ألف ليرة عند أحد التجار بقي كما هو مع أن ربح التجار تضاعف، وخصوصاً مع تقلبات سعر الدولار الذي استفاد منه التجار بشكل كبير، والضريبة تستند على الأرباح التي وصلت إلى أرقام كبيرة، وأنه في عام 2015 تم تشكيل لجان لطي ضرائب المناطق المتضررة.
جنة ضريبية
رئيس قسم المحاسبة في كلية الاقتصاد الدكتور إبراهيم العدي يصف سورية بأنها جنة ضريبية للفعاليات الاقتصادية، وسورية من أكثر الدول في العالم التي تعاني من التهرب الضريبي، ولذا من الطبيعي والضروري البحث عن مطارح ضريبية في الأزمة، ويؤكد د. العدي أن الأطباء من أكثر فئات التهرب الضريبي، وكذلك الصيادلة والمهندسون والمحامون، وهؤلاء جميعهم يدفعون مبالغ زهيدة، ففي إحصاءات 2010 مثلا يحدد الدخل اليومي لطبيب عيادته في الحمرا في دمشق بنحو 900 ليرة، وأيام عمله السنوي بنحو 170 يوماً ، أي إن ضريبته لا تتجاوز 10- 15 ألف ليرة، وهذه ضرائب كاذبة، ويصف ضرائب الدخل المقطوع بأنها تشرعن الفساد في سورية، وتعود لنظام ضريبي فاسد وبال، وأن ضريبة الدخل المقطوع التي تشمل الأطباء والمهندسين والمحامين ليست لهم أصلاً، وإنما للبسطاء الأميين الذين لا يقرؤون ولا يكتبون وليست لهم دفاتر، فعندما يفرض على الصيادلة والمهندسين والأطباء وأصحاب البقاليات ضريبة الدخل المقطوع من دون وجود دفاتر ضريبية حقيقية عندها ما الطريقة لتحقيق الضريبة عليهم، هل يطلبون منهم حلف اليمين؟
ولذلك من الطبيعي أن يشعروا بالاستياء، فمن كان يدفع ضريبة لا تتجاوز قيمتها عشرة آلاف ليرة، ومن ثم يطلب منه دفع 100 ألف ليرة سيحتج، ولكن هذا المبلغ الجديد طبيعي في ظل التضخم الحالي، وعملياً يصعب تحديد حجم التهرب الضريبي الحالي، والمؤشرات المعتمدة تعود لعام 2011، فهناك شيء اسمه العبء الضريبي وهو نسبه الضريبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهذا المؤشر كان في سورية 11%، بينما في مصر 22 % أي إن التهرب في سورية ضعف مصر، وأساس المشكلة وجود نظام ضريبي بال وبعض مراقبي الدخل الفاسدين الذين يرتشون لتصبح النتيجة لا أموال ضرائب في خزينة الدولة.
يضيف د. العدي أن الجميع يتهربون من الضرائب باستثناء الموظفين فالأستاذ الجامعي مثلاً يدفع نحو 200 ألف ليرة سنوياً، بينما الحيتان التي تحقق أرباحاً ضخمة تتهرب، وكثير من الأطباء والمهندسين لا يدفعون مبالغ كهذه مع أن دخولهم أضعاف دخل الموظف والأستاذ الجامعي، وعند محاولة المالية إنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال إيجاد مطارح ضريبية جديدة أو توسيع القديمة ظهرت احتجاجات الكثير من أصحاب الفعاليات، وكل أصحاب المهن يتهربون من الضرائب فجميعنا يعلم بالدخول الكبيرة لصالونات قص الشعر ولكنهم لا يدفعون ضرائب، والجميع يتهرب بطريقة أو بأخرى باستثناء الموظفين، لكل هذا نرى ضرورة إيجاد نظام ضريبي جديد يعتمد على مطارح حقيقية، والمشكلة أن ما يسوغ الاحتجاجات الحالية أنه ليست لدى المالية معلومات حقيقية، والفعاليات لا تقدم معلومات حقيقية، وهذا يفرض العمل بطريقة «الكبسة» أو ما يسمى «الطريقة الجنائية»، والخلاصة أن النظام المتخلف للتحصيل الضريبي الذي انقرض عالمياً بعدما أصبح عمره أكثر من 70 عاماً يفرض طريقة عمل متخلفة كالتي تحصل الآن وتثير استياء المكلفين، فالقصة أن التاجر السوري في حالة خصام دائم مع وزارة المالية، ويعتمد تقديم البيانات المزورة، فكانت هذه الطرق هي السبيل لأن آخر طرق العلاج «الكي»، فالجميع اعتادوا أن تقدم الدولة كل شي، دون أي التزام تجاهها.
وعن رأيه في أصل المشكلة في قضية التهرب الضريبي قال العدي: إن المشكلة اعتماد نظام ضريبي لم يعد موجوداً في العالم، وأن عدم تطويره ربما يعود لعدم رغبة، أو بسبب قوة وسلطة أصحاب المصالح الاقتصادية التي تعرقل تطوير التشريعات، وأن المالية تتحدث باستمرار عن أهمية الضريبة وعن ضرورة دفع الضرائب، والحقيقة أن الضريبة ليست خياراً بل يجب فرضها عليهم، لأن خزينة الدولة هي جيوب رعاياها، إذ ليست هناك دولة فقيرة وشعب غني، والحقيقة، مهما كانت الضرائب إلا أنها لا تمثل إلا جزءاً بسيطاً من حق الدولة على الفعاليات، المالية تسعى للحصول على جزء من حق الدولة قد تكون الطريقة التي تتم بها جباية الضرائب تشبه الأمن الجنائي أي طريقة جنائية لكن لا أحد منهم يقدم بيانات صادقة، بل يقدمون دفاتر مزدوجة أحدها مزور للمالية، والآخر لهم ويتضمن الأرباح الحقيقية!
ويرى أن بعض دول العالم تعتمد على «البوليس المالي» إذ كيف تتحقق المالية من تحصيل حقوقها؟
تهرب كبير
معاون وزير الكهرباء والباحث الاقتصادي الدكتور حيان سلمان يقول: إن خزينة الدولة هي جيوب رعاياها، قد يكون صحيحاً تعرض بعض الفعاليات الاقتصادية للظلم، وشكاواها محقة، ولكنني عموماً، كخبير اقتصادي، أنظر للأمور برؤية عامة وشاملة، فعندما تكون مساهمة القطاع الخاص وفعالياته في الاقتصاد الوطني تتجاوز 65 % من قيمة الناتج المحلي الإجمالي، بينما ما يسدده من ضرائب ورسوم لا يتجاوز 22 % فهذا في الحقيقة يطرح تساؤلاً: كم هو حجم التهرب الضريبي الذي تمارسه الفعاليات الخاصة سواء كانت فردية أم اعتبارية؟
لذلك ارتفع الصوت كثيراً من قبل الاقتصاديين بضرورة مكافحة التهرب الضريبي، وأن يتم تسديده وفق الشروط الموضوعة للنظام المالي، وأن يتم تحصيل مستحقات السنوات السابقة، ومن هنا قد يشعر البعض بالظلم، لكن الحقيقة أنه في سنوات الحرب يجب رفع شعار «مكافحة التهرب الضريبي إلى القدسية الوطنية»، ومن جهة أخرى، نجد أن العاملين في القطاع الحكومي يشتكون بشكل دائم من ارتفاع مستوى الضريبة التي تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 20 % وضمن هذا الإطار يمكن أن نقترح ونقول: إنه آن الأوان للعمل من أجل الوصول إلى تشريع ضريبي شفاف وعادل يحقق العدالة الأفقية والعمودية لأن الضريبة في جوهرها هي حماية الدولة للمواطن أو للفعالية الاقتصادية ولا يمكن أن تقوم حكومة من الحكومات بمهامها أمام مثل هذه المبالغ الخيالية للتهرب الضريبي، التي يقدرها الكثير من الدراسات الاقتصادية بأكثر من 40 % من قيمة الناتج المحلي الإجمالي وبأنها تتجاوز 1700 مليار ليرة، يضاف إلى ذلك وجود ظاهرة اقتصاد الظل، أي غير الرسمي والذي يستفيد من الخدمات الحكومية، لكنه لا يساهم في أي مستحقات عليه لخزينة الدولة، وهذا يساهم أيضاً في زيادة التهرب الضريبي.
أضاف د. سلمان أن بعض الدراسات تقدر حجم اقتصاد الظل، وخاصة خلال سنوات الحرب، بأكثر من 50 % من قيمة الاقتصاد الوطني، لذلك نرى أن مكافحة التهرب الضريبي أولوية بشرط أن تكون المتحصلات الضريبية قائمة على ثبوتيات وعلى شفافية واضحة ووفق أسس معتمدة يتم تفهمها من قبل أطراف الضريبة الثلاثة وهم: مستحق الضريبة، ودافعها ومطرح الضريبة.
تشرين