هذه العقبات حالت دون أن يؤتي ثماره..نجاح جهود التسويق يستدعي تعزيز التنافسية.. و ٣٠% حصة التسويق الإلكتروني من الأسواق المحلية

هذه العقبات حالت دون أن يؤتي ثماره..نجاح جهود التسويق يستدعي تعزيز التنافسية.. و ٣٠% حصة التسويق الإلكتروني من الأسواق المحلية

مال واعمال

الأربعاء، ٢٢ مايو ٢٠١٩

تقتضي أدبيات التسويق الحديث النظر إلى الأسواق بطريقة مختلفة، إذ لم يعد مهماً ما تنتج، إن لم تكن قادراً على تسويقه، ما يعني إنتاج ما يمكن بيعه، لا التباهي بإنتاج كميات كبيرة من السلع، التي تضيق بها فيما بعد المستودعات، لتحارب الشركة المنتجة على جبهتين.. التسويق والتخلّص من مشكلة تكدس المخازن، ما يحرمها الكثير من العوائد، ويعيق دورة رأس المال، وما إلى ذلك من هذه المشكلات، التي تتراكم وتكبر مثل كرة الثلج، فما أهمية، وكيف، ومتى يجب أن نسوق؟.
 
القديم ليس الأكثر رواجاً..
 
ليس ضرورياً أن تكون السلعة القديمة في الأسواق هي الأكثر رواجاً، فقد تكسب الجولة سلعة دخلت الأسواق منذ سنوات على أخرى دخلت قبل عشرات السنين، لا لشيء إلا لأن حصة الأولى من السوق تقدّمت على حساب الثانية، وبصرف النظر عن الأسباب والمبررات، فالعميل والزبون يتعاملان مع السلع كما هي في السوق، لا مع الحجج والمسوغات التي تقدمها الإدارة. في ممرات حارة دمشقية قديمة، ينتج أحد المعامل الحلاوة والطحينة، وهو يقدم علامته كواحدة من أقدم العلامات التجارية في البلاد، حيث يرجع تأسيسها إلى عام 1830، وهذا صحيح بلا شك، بالنظر إلى أن السوريين هم من قدموا هذين المنتجين إلى الموائد العربية، فضلاً عن الأجنبية، وفي الوقت الذي تمتاز فيه منتجات هذا المعمل بمكونات ومذاق متميز حافظت عليه طوال هذه السنين، إلا أنها حالياً ليست موجود على رفوف المحال ومنافذ البيع، قياساً بسلع منافسة عرفت طريقها إلى الأسواق قبل سنوات قليلة، فأين المشكلة إذن؟!.
 
ببساطة.. المشكلة أن هذه السلعة لم تنشط تسويقياً كنظيراتها في السوق، فقد اكتفت بأهم ميزتين تسويقيتين (العراقة والجودة)، لكن ذلك لا يكفي، لأن المنتجات المنافسة لم تتوقف عن التسويق لنفسها، بحيث خلقت مزايا جديدة تكافئ، إن لم تتفوق على هاتين الميزتين، وهكذا أصبحت السلعة الأكثر رواجاً هي الأكثر تسويقاً وقرباً من الناس وتلبية لاحتياجاتهم، لا تلك التي قد تكتفي بقدمها وجودتها، كما أن العمل على استدامة الأجيال المتعاقبة ذات الولاء للسلعة وللعلامة التجارية أمر مهمّ، وهو ما يفسّر كيف أن منتجاً قد يطلب من شريحة كبار السن، دون أن يطلب من الشباب، أو العكس؟.
 
على الرغم من أهمية جهود التسويق، وإقناع العميل وتلبية احتياجاته، إلا أن وجود قرار بالشراء لدى الأخير هو العامل الأكثر أهمية، لا بل تتولى إدارات التسويق عادة دراسات آليات وتقنيات نشوء هذا القرار، والذي من دونه سيتعثر وصول السلع إلى الأسواق المستهدفة، وهو ما حصل عند تصدير زيت الزيتون السوري إلى أسواق أميركا اللاتينية (فنزويلا تحديداً)، حيث لم تكن الكميات المصدّرة مشجعة، والسبب هو أن الناس هناك لا يستهلكون مثل هذا الزيت، الذي يوصف بأنه أحد مكونات (مائدة المتوسط)، درجت على استهلاكه عبر التاريخ الناس على ساحلي البحر، أي العرب والأوربيون على وجه التحديد.
 
وهكذا، فإن عراقة الإنتاج السوري من زيت الزيتون، كما جودته ومذاقه، لم تشفعا له في تلك الأسواق، لأن جهود التصدير لم تواكب بجهود التسويق والترويج وخلق الطلب، وبدفع المستهلكين قبل العملاء هناك أن يتذوقوا ويجربوا هذا الزيت. ومع تزايد الحديث عن استهداف أسواق جديدة (الهند، الصين، بعض دول أفريقيا)، فإننا من الواضح لم نعِ الدرس بعد، وفي لحظة من اللحظات قد تبحر بضاعتنا إلى هناك، مع الأسف، دون أن تلقى القبول الذي نتوقعه!.
 
استجابة لاحتياجات…
 
تسارع عادة إدارات التسويق والمبيعات في الشركات، وعلى نحو ذكي، للاستجابة لاحتياجات المستهلكين المستجدة، فمثلاً أصبحت هذه الاحتياجات خلال السنوات الأخيرة، وتحت ضغط تراجع القوة الشرائية، أكثر ميلاً للشراء بالقطعة بدلاً من الـ(دزينة)، وشراء وحدات صغيرة من السلعة نفسها، كما هي الحال مع ظرف الشاي أو القهوة أو المعلبات الصغيرة وحتى المتة، لا بل لجأت بعض محال بيع الخضار والفواكه إلى البيع بالقطعة والحبة، ولاسيما لبعض السلع المرتفعة السعر، ساعدها على ذلك انتشار الميزان الإلكتروني الذي يؤشر الوزن والسعر معاً.
 
هذا النوع من السلع المعبأة ضمن عبوات صغيرة (100 أو 200 غرام) أسهم في الوصول إلى عديد الشرائح المستهدفة بدقة، والتي قد لا تخولها قدرتها الشرائية الحصول على عبوات أكبر (فوق 500 غرام)، يقول طلال قلعه جي، صاحب شركة بن معروفة، والذي يشير إلى أن عدم إنتاج عبوات وأحجام صغيرة في الأسواق المحلية فيما مضى كان خطأ تسويقياً كبيراً، فمثل هذا الإنتاج موجود في الأسواق حول العالم، بصرف النظر عن الإمكانات الشرائية للمستهلكين.
 
الإعمار كمولد للفرص..
 
يُنتظر من مرحلة الإعمار تحريك القطاعات والأسواق المختلفة، وبالتالي توليد فرص تسويقية جديدة كلياً، وهي ستتركز لدى المنشآت المتوسطة والصغيرة، وفقاً لما يرى المستثمر اللبناني إيلي الصباغ، الذي يدعو لصياغة استراتيجية تسويق تناسب تلك المرحلة، وهو ما تتواصل بشأنه شركته مع الجمعية السورية للتسويق، ومع قطاعات الأعمال المحلية بالاستفادة من التجربة اللبنانية في هذا المجال، مع مراعاة خصوصية الأسواق السورية.
 
ويؤكد رئيس مجلس إدارة الجمعية المهندس حسام النشواتي أنه من الخطأ عدُّ مصروفات ونفقات التسويق نفقات كمالية، بل هي نفقات إنتاجية الآن واستثمارية في المستقبل، لأن جهود التسويق تبيع المنتج أو الخدمة في الوقت الحالي، وتؤسّس لزيادة مبيعاته والطلب عليه مستقبلاً عبر تنمية ولاء المستهلكين لهذا المنتج، ويضرب مثلاً على ذلك العلامات التجارية العالمية، كيف أنها ربّت المستهلكين في منطقتنا على طلب واستهلاك منتجاتها من خلال الجهود التسويقية طويلة الأجل، ومع ذلك تبقي على هذه الجهود لإنعاش ذاكرة المستهلكين، وتحصين ولائهم لاستخدامها وزيادة الطلب عليها.
 
لنتريث..
 
الحديث عن جهود وفعالية التسويق والترويج يستدعي تساؤلات عدة، لعلّ أهمها: آليات هذا التسويق، واستراتيجياته داخلياً وخارجياً، وما هي معوقاته محلياً، وهل هناك موازنات مخصّصة لغرض دعم أنشطة التسويق، وهل تتوافر دراسات مسحية وتوصيفية للأسواق خصوصاً الخارجية منها كخطوة سابقة للتصدير؟.
 
ونشط خلال السنوات الأخيرة التسويق الإلكتروني على نحو واضح، ويكفي للدلالة على ذلك تصفح العدد الهائل من الصفحات المختصة بهذا النوع من التسويق عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ويقدّر عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق منار الجلاد حصة هذا التسويق من الأسواق المحلية بنحو ٣٠%، بحيث بات ينافس نظيره التقليدي، الذي أصبح في موقع الدفاع بدلاً من الهجوم.
 
المزيج التسويقي..
 
يعتمد مخطّطو الحملات الإعلانية، ومن قبلهم المعلنون أنفسهم، على فهم تركيبة المزيج التسويقي (Marketing Mix) المناسب للمنشأة، والتي تحقّق أو تتوقع أن تحقق من خلالها أهدافها التسويقية والإعلانية على نحو يجعلها متميزة عن المنافسين الآخرين، فالمقولة المسلّم بها في هذا المجال تقتضي أن تسأل إدارة هذه المنشأة نفسها السؤال التالي: ما الذي يجعلني مختلفاً عن الآخرين حتى أبقى في السوق؟ فإذا كان الجواب بـ: لا يوجد، فعليها، والحالة هذه، أن تبحث عن رزقها في سوق أخرى.
 
ويتضمن المزيج أو الخليط التسويقي -كما يسميه البعض- مجموعة من العوامل التسويقية التي يمكن للمنشأة التحكم فيها، وتستخدمها في إشباع حاجات ورغبات عملائها وتحقيق أهدافها، حيث يتألف من أربعة عناصر رئيسية يطلق عليها الـ (4P`S) وهي: المنتج (Product) والسعر (Price) والمكان (Place) والترويج (Promotion). أو هو متغيرات السوق التي يستخدمها مدير التسويق لتحقيق تلك  الأهداف. وتجدر الإشارة إلى أن هناك بعض خبراء التسويق والإعلان أخذ يعتبر هذه العناصر خمسة بدلاً من أربعة، أي لتصبح (5P`S) عوضاً عن (4P`S)، حيث يضيف إليها عنصر الناس (people) باعتبارهم، وقبل كل شيء، محور الإنتاج والتسويق، أليس الزبون دائماً على حق، كما تقول إحدى بدهيات التسويق المعروفة؟!
 
أحمد العمار