قصة النفط التي غطت على كورونا من الألف للياء.. من المستفيد؟

قصة النفط التي غطت على كورونا من الألف للياء.. من المستفيد؟

مال واعمال

الأربعاء، ٢٢ أبريل ٢٠٢٠

اشترِ برميل خام غرب تكساس واحصل على 37.63 دولار! نعم، الجملة صحيحة، ستحصل على الخام إضافة إلى 37.63 دولار يدفعها لك المنتج. فجأة أصبحت قصة النفط وانهيار أسعاره حديث الساعة حول العالم وغطت على أخبار وباء فيروس كورونا القاتل، فهل يعني ذلك أنك ستحصل على أموال عندما تزوّد سيارتك بالبنزين من محطة الوقود؟ وماذا يعني خام غرب تكساس وخام برنت؟ وماذا تعني العقود الآجلة؟ وهل انهيار الأسعار للسالب موقت أم سيستمر؟
ما الفرق بين خام غرب تكساس وبرنت؟
بداية هناك أكثر من 180 نوعاً من النفط، على حسب عاملَي كثافة الخام ونسبة الكبريت فيه، الكثافة تحدد جودة الخام من الخفيف إلى المتوسط إلى الثقيل بينما تحدد نسبة الكبريت كون النفط “حلواً أو حامضاً”، وفي ظل هذا التصنيف هناك خام برنت وخام غرب تكساس الأميركي.
خام برنت هو الأكثر شهرة عالمياً ويستخدم كقيمة لتسعير ثلثي واردات النفط في العالم، والاسم أطلقته عليه شركة شل التي تستخدم أسماء الطيور في تسمية حقول النفط التي تكتشفها، وأطلق الاسم “مشتق من إوز برنت” على الحقول المكتشفة في أوروبا (المملكة المتحدة والنرويج)، ويتميز خام برنت بأنه من النوع الخفيف الحلو (كثافته 38 درجة ونسبة الكبريت فيه منخفضة 0.37%).
أما خام غرب تكساس فقيمته تستخدم كمعيار لتسعير النفط والسلعة الأولية الأساسية في العقود المستقبلية في النفط لبورصة نيويورك – نايمكس، ويتميز بمستوى أقل من الشوائب، ما يجعله سهل التكرير مقارنة بالنفط الثقيل العكِر، الذي يحتوي على مكونات شمعية عالية الكثافة ولزوجة أعلى.
ما سبب انهيار الأسعار التاريخي؟
قبل الخوض في الأسباب نوضح نقطتين: الأولى أن انهيار الأسعار الذي حدث مساء الإثنين 20 أبريل/نيسان يخصّ فقط خام غرب تكساس الأميركي، وليس برنت، والنقطة الثانية هي أن وصول سعر البرميل لسالب 37.63 دولار (سعر الإغلاق) -أي أن من اشترى ألف برميل (الحد الأدنى لعقود النفط) صل على أكثر من 43 ألف دولار من صاحب النفط- أمر موقت انتهى مساء الإثنين وأسعار امس الثلاثاء 21 أبريل/نيسان مستقرة وقت كتابة التقرير عند 20.54 دولار للبرميل (لعقود يونيو/حزيران).
 
أما عن أسباب الانهيار التاريخي فهي متعددة وبعضها مباشر والبعض الآخر غير مباشر؛ السبب المباشر هو أن التعاملات على خام غرب تكساس تكون في صورة عقود آجلة والإثنين كان اليوم الأخير لعقود مايو/أيار والخام المعروض تم إنتاجه بالفعل ووصل إلى نقطة التسليم، وعدم بيعه يعني اضطرار المنتج لتخزينه وتحمُّل تكاليف التخزين وهي مرتفعة وتصل أحياناً لـ40 دولاراً للبرميل كتكلفة تخزين.
 
أما الأسباب غير المباشرة فتتمثل بالأساس في انخفاض الطلب على النفط بسبب الإغلاق الاقتصادي جراء وباء كورونا من جانب، ووفرة المعروض في الأسواق جراء حرب الأسعار التي أشعلتها السعودية مطلع مارس/آذار ما تسبب في انهيار الأسعار، وأقبل المستوردون للنفط على شرائه وتخزينه حتى أوشكت المخازن على الامتلاء ويستخدم البعض الناقلات البحرية للتخزين.
هل تأثر سعر خام برنت؟
صحيح أن خام برنت لم يتعرض للكارثة غير المسبوقة التي تعرض لها خام غرب تكساس، إلا أن أسعار برنت تراجعت أيضاً بشكل كبير الإثنين والثلاثاء، حيث وصل لحدود 23 دولاراً للبرميل بعد أن كان في حدود 30 دولاراً.
الظروف التي يمر بها النشاط الاقتصادي في العالم حالياً تشير إلى أن انهيار أسعار النفط سيتواصل بسبب وفرة المعروض وامتلاء أماكن التخزين مع تدني الطلب جراء تأثيرات وباء كورونا التي لا يعرف أحداً على وجه اليقين متى يمكن القضاء على الفيروس.
هذه العوامل تعني أن ما حدث الإثنين مرشح للتكرار يوم 20 مايو/أيار المقبل، أي اليوم الأخير في تسليم عقود الآجل لشهر يونيو/حزيران.
ماذا يعني السعر الفوري والسعر الآجل للنفط؟
هذه نقطة هامة توضح الصورة الأكبر لما حدث من انهيار للأسعار بنسبة أكثر 306%، أي سالب أكثر من ضعف البيع، ومن الضروري شرح عملية بيع النفط حتى تكتمل الصورة.
 
السعر الفوري للخام يعني توقيع العقد بين المنتج والمشتري واستلام الخام فوراً، بينما يعني السعر الآجل الاتفاق بين الطرفين على سعر محدد للبرميل في وقت محدد لإتمام العملية في المستقبل، وإذا كان السعر الفوري للخام أقل من سعر الآجل فهذا يعني أن المستثمرين الذين يشترون العقود الآجلة يتوقعون زيادة الطلب على الخام في المستقبل بفعل عوامل كثيرة، وإذا كان العكس فهذا يعني وجود مؤشرات أو توقعات على انخفاض الطلب على النفط.
 
ونظراً لطبيعة النفط كسلعة تحتاج وقت لتأجير شاحنات النقل وتأمينها وعوامل أخرى كثيرة مرتبطة بالتسليم والتوصيل لمصافي التكرير وغيرها، فإن معظم تعاملات بيع وشراء النفط تكون في شكل عقود آجلة، والحد الأدنى لتوقيع عقد لشراء النفط هو 1000 برميل.
 
ويتحدد سعر العقود الآجلة في ظل عوامل كثيرة منها المضاربات وتوقعات المستثمرين والظروف الاقتصادية والسياسية في مناطق الإنتاج ومناطق الاستيراد، وبالتالي يتم الاتفاق على السعر وسداد المشتري لجزء بسيط من المقابل المتفق عليه حتى يحين موعد التسليم.
 
والذي يحدث هو أن المشتري في الغالب يكون مستثمراً يعرض ما اشتراه بسعر أعلى مما اشترى به ليضيف هامش الربح الذي يريده، وغالباً ما يتم تداول تلك العقود الآجلة في البورصات (بورصة بيميكس في نيويورك – خام تكساس وبورصة القارات – خام برنت)، وتكون التداولات أكثر نشاطاً على عقود الشهر التالي (تنتهي التداولات على عقود مايو/أيار يوم 20 أبريل/نيسان وهكذا)، وما حدث الاثنين هو أن أصحاب العقود الآجلة تسليم مايو/أيار لم يجدوا طلباً على ما لديهم من الخام فاضطروا لخفض الأسعار حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه عند الإغلاق.
 
 
 
هل هناك مستفيد من انهيار أسعار النفط؟
في الوقت الحالي لا يبدو أن هناك طرفاً مستفيداً بسبب الظروف المرتبكة جراء وباء كورونا والإغلاق الكبير للنشاط الاقتصادي، وحتى مستهلكو المنتجات النفطية التي انخفضت أسعارها بالطبع يجد معظمهم أنفسهم ملتزمين بالبقاء في المنازل كوقاية من الفيروس المنتشر.
 
المستوردون للنفط يبدو أنهم أحد الأطراف المستفيدة، لكن في ظل تدني الطلب وارتفاع تكلفة التخزين، سواء في المخزونات التجارية أو التخزين العائم على الناقلات العملاقة، واقتراب الخزانات من الامتلاء التام، تزداد المخاطر بالنسبة للمستثمرين في مجال النفط بشكل عام، خصوصاً مع استمرار ضبابية المشهد العام في ظل عدم وجود موعد متوقع لانحسار الوباء، وقد أصدرت منظمة الصحة العالمية بياناً اليوم يحذر من أن “القادم أسوأ” فيما يخص كورونا.
ترامب يدرس وقف واردات النفط السعودية
نأتي للجانب السياسي من قصة النفط، فنجد أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب واحد من أبرز المتضررين من هذه القضية التي تأتي في توقيت سيئ للغاية للرجل الذي يسعى لهدف واحد وهو الفوز بفترة رئاسية ثانية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
 
وعلى الرغم من أن ترامب في بداية الأمر لم يبدِ انزعاجاً من حرب الأسعار التي أشعلها ولي عهد السعودية ضد روسيا، وقال للأميركيين إن انخفاض الأسعار يصبُّ في صالحهم، معتبراً أن انخفاض أسعار الوقود للمستهلك “تخفيضاً ضريبياً”، إلا أن كارثية الأمر بالنسبة لقطاع الطاقة الأميركي اضطرته للتدخل بشكل مباشر وممارسة الضغوط على السعودية لوقف حرب الأسعار، وتم بالفعل التوصل لاتفاق تخفيض قياسي للإنتاج بين أوبك وروسيا والولايات المتحدة، لكن الواضح أنه ليس كافياً.
 
وأثناء الملخص اليومي بشأن وباء كورونا الذي أودى بحياة أكثر من 42 ألف أميركي- حاول ترامب التقليل من كارثة انهيار سعر خام غرب تكساس التاريخية، واصفاً الأمر بالموقت، ولوّح بأن إدارته تبحث إمكانية وقف شحنات النفط القادمة من السعودية كإجراء لدعم قطاع التنقيب المحلي المتضرر.
 
ولدى سؤاله عن مطالبات من بعض النواب الجمهوريين بوقف الشحنات بموجب سلطته التنفيذية قال ترامب للصحفيين في مؤتمر صحافي: “حسناً.. سأبحث الأمر”، وأضاف أنه سمع عن الاقتراح قبل المؤتمر الصحفي مباشرة وقال: “بلا شك لدينا كميات كبيرة من النفط.. وبالتالي سأبحث الأمر”.