حقيقة العجز الكبير في ميزانية الكويت... الأسباب والإجراءات اللازمة

حقيقة العجز الكبير في ميزانية الكويت... الأسباب والإجراءات اللازمة

مال واعمال

الاثنين، ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٠

الكويت

كشف مصدر حكومي رفيع المستوى لجريدة الأنباء الكويتية عن أن العجز المالي الفعلي لميزانية الكويت يبلغ حوالي مليار دينار شهريا، أي ما يعادل 3.26 مليار دولار.
 
وتابع المصدر للجريدة الكويتية بأن السيولة في الصندوق الاحتياطي على وشك النفاذ خلال الشهرين المقبلين، وبأن الاقتصاد الكويتي بحاجة لوضع خطة إنقاذية اقتصادية سريعة لمعالجة الاختلالات في الميزانية العامة ووقف الهدر.
الحقيقة والأسباب
ولمعرفة أسباب هذا العجز وحقيقة هذه الأرقام تواصلت وكالة "سبوتنيك" مع الخبير الاقتصادي الكويتي أشرف فؤاد تناغو، والذي تحدث عن أسباب هذا العجز قائلا: ميزانية الكويت تعتمد بأكثر من 90% منها على النفط ويعتبر المصدر الرئيسي لمصدر الدخل وهنا نتكلم عن الإيرادات، الفرق سواء ربح أو خسارة هو بين أمرين الإيرادات والمصاريف، والخسارة هي عندما تزداد المصاريف وتقل الإيرادات.
 
ويكمل: الحاصل الآن هو أن الأمرين حدثا معا، فانخفضت إيرادات الكويت، بسبب هبوط سعر النفط جراء كورونا وانخفاض الطلب العالمي، حيث وصل في وقت من الأوقات إلى أقل من 20 دولار، والسعر مقيم في الموازنة بين 40-50 دولار، وهذا كله عجز.
 
ويضيف تناغو: الأمر الثاني التكاليف زادت فبسبب كورونا معظم الناس احتاجت الكثير من الأمور، وهذا سبب رئيسي للعجز، وأنا أتحفظ حول مدى دقة الأرقام، لأننا في كل مرة نسمع رقما جديدا، ولا أحد يعرف كيف يتم حساب هذه الأرقام، ولكن إذا صحت فهذه هي الأسباب.
بدوره تحدث الخبير الاقتصادي عصام الطواري لوكالة "سبوتنيك" عن هذا الموضوع، ورجح أن الأمر هو عبارة عن تجاذبات سياسية لا أكثر، ويوضح: هناك تصريحات تؤخذ مأخذ الجد وهناك تصريحات لأغراض سياسية، ونحن عندما نتكلم عن الكويت لا نتكلم عن دولة إفريقية أوبلدان مثل لبنان أو اليمن فيها ما فيها، مع احترامنا لجميع هذه البلدان.
ويكمل الطواري: الغرض من مثل هذه التصريحات هو غرض سياسي حتى يتسعجل إقرار قانون الدين العام، وهي مناورات سياسية لا أكثر ولا أقل، وحتى هذا المصدر المسؤول يعرف أن المصاريف الحكومية تختلف بين شهر وآخر، لذلك هذا تبسيط وتسطيح لمالية الدولة.
ويضيف: مع ذلك وعلى أساس هذه الفرضية هناك عجز، لكن اليوم نحن نتكلم عن أمرين الأول هو أن أسعار البترول في تحسن، واليوم المصاريف التي كان لها علاقة مع وباء كورونا استقرت، ولم يعد هناك نفس المصاريف، لذلك أنا لا أرى أن هذه التصريحات لا يمكن أن تؤخذ على محمل الجدية.
قانون الدين العام والميزانية
ووفقا لجريدة "الأنباء" فإن المصدر الحكومي قد أبدى أسفه لما آلت إليه الأوضاع المالية للكويت، وربط ذلك بعدم إقرار قانون الدين العام وإصلاح منظومة الدعوم في البلاد، وعن مدى ارتباط هذا الأمر بالعجز الحاصل في الميزانية، يقول الخبير تناغو:
 
المشكلة الأساسية عندما حصل الانخفاض الكبير وحدث العجز، وبتصريح وزير المالية الذي أحدث المشكلة بقوله بأننا إذا لم نقر قانون الدين العام ففي شهر نوفمبر لن نجد ما يصرف به الرواتب.
 
ويواصل حديثه: بناء على ذلك تلقفت وكالات التصنيف العالمية هذا التصريح وبدأت بتخفيض تصنيف الكويت السيادي، وهذه هي المرة الأولى التي يخفض فيها تصنيف الكويت، وهذا أثار مشكلة أكبر من الأول.
 
ويستطرد: كان هناك مقترحات بأن يتم الأخذ من الاحتياطي وإعطاء بديل عن ذلك، ولم تتم الموافقة على هذا الاقتراح، وكان هناك اقتراح آخر من الجمعية الاقتصادية الكويتية وبعض رجال الأعمال، وهناك نوع من التناحر السياسي بين مجلس الأمة وبين مجلس الوزراء، لذلك لم يقر مجلس الوزراء مقترح رئاسة الوزراء.
ويضيف: هناك انتخابات قادمة وكل طرف يريد أن يظهر بأنه مهتم بمصلحة البلد، وهنا تكمن المشكلة الأساسية، وهنا يأتي الشق السياسي وليس الاقتصادي.
 
وكذلك يقول الخبير عصام الطواري: كان هناك سجال بين مجلس الأمة والحكومة في إقرار قانون الدين العام، وكذلك هناك مساومات، لكن اليوم عمر مجلس الأمة قارب على الانتهاء، وفي نهاية هذا الأسبوع ستكون الجلسة الختامية لمجلس الأمة.
ويكمل: فإذا لم يتم إقرار قانون الدين العام سوف يقر كمرسوم ضرورة، وبذلك يمكن للدولة أن تباشر عملية الاقتراض، ويعرض هذا القانون على المجلس الجديد لإقراره، ولكن يكون القانون نافذ في ذلك الوقت، والمسألة الآن هي مسألة وقت لا أكثر ولا أقل.
 
سياسة تنويع مصادر الدخل
وبعد أن أوضح الخبراء أن العجز في الميزانية مرده انخفاض أسعار البترول، سألت "سبوتنيك" عن سياسة تنويع الدخل وعدم الاعتماد على البترول كمورد وحيد، يقول أشرف فؤاد تناغو:
 
نحن في وقت الرواج لم نستطع العمل بهذه السياسة، وهذا الاقتراح موجود من أكثر من 15 سنة، ونقول الكلام ذاته كل يوم، وأعطيك مثالا بسيطا على ذلك: أحد الأشخاص فشل في حياته العامة وقالوا له، سنعطيك مركبا في البحر فمن الممكن أن تنجح، فقال لهم إذا لم أنجح في البر فكيف سأنجح في البحر؟
 
ويكمل: فإذا نحن لم نستطع النجاح في أوقات الرواج والرخاء، فسنأتي الآن في أيام كورونا ونتحدث عن مصادر تنويع الدخل، المفروض أن يبدؤوا بذلك، وأن تأتي متأخرا أفضل من أن لا تأتي أبدا.
أما عصام الطراوي فيرى أن هناك عدة مجالات نجح الكويت في استثمارها، ويعمل عليها في المستقبل، ويوضح قوله: كان هناك الكثير من المقترحات التي قدمت للابتعاد تدريجيا عن الاقتصاد أحادي الدخل إلى الدخل من موارد أخرى، جسم الموارد في الكويت تأتي من خلال دخل الاستثمارات، وفي فترة من الفترات السابقة كان دخل الكويت من الاستثمارات يفوق دخلها من البترول.
ويتابع: المصادر الأكثر استدامة هي من خلال التوجه إلى مصادر الدخل التي تأخذ موقع الكويت الجغرافي بعين الاعتبار، ومن خلال الخدمات اللوجستية، لأن الكويت نقطة ارتباط بين ثلاث كيانات كبيرة من ناحية السكان وهي العراق وإيران والسعودية.
 
ويردف بقوله: لذلك ممكن للكويت أن يكون معبرا لهذه الأسواق، والأمر الآخر هناك مشاريع مثل مدينة الحرير أو مدينة الشمال، والذي يقدر أن يدر على الكويت بين 4-6 مليار دينار كويتي سنويا، بالإضافة إلى خلق ما يقارب 200 ألف وظيفة، فلو يتم إقراره سيعزز مركز الكويت في عدة مجالات منها الغاز المسال مثلا.
 
إصلاح الوضع المالي
وحول الإصلاحات التي يتطلبها الوضع المالي في الكويت، يقول الخبير الكويتي تناغو: يجب أولا تنويع مصادر الدخل، وثانيا يجب إقرار الضرائب حتى لو كانت عبارة عن شرائح، وإشراك القطاع الخاص والعام في مشاريع عملاقة، وتنمية الكويت بشكل عام، وعندما نتكلم عن اقتصاد قائم فقط على النفط، فهذه مصيبة.
 
ويواصل: نحن سمعنا كثيرا عن مدينة الحرير وعن المشاريع السياحية وعن غير ذلك، لكن لم نرى شيء، لذلك يجب التنويع ويجب فتح الاقتصاد.
فيما يقول الطراوي: إذا ما تكلمنا عن المدى المتوسط والطويل فالموضوع غير مطمئن، ويحتاج إلى الأخذ بعدة إجراءات لتصحيح هذا الوضع، وهذا الأمر يعتمد على وقف الهدر وإجراءات إصلاحات اقتصادية، وفرض الرسوم وتقليل الديون وخفض الإنفاق الحكومة الذي يذهب منه بين 80-90% على الرواتب.
 
ويكمل: يجب تعزيز دور القطاع الخاص حتى يستقطب العمالة المطلوبة، وهناك أمور كثير يجب القيام بها، لكن هذه الإجراءات تحتاج إلى قرار سياسي شجاع، لأن هناك ردود فعل شعبية قد لا تتقبل هذه القرارات، وهذا يحتاج إلى تمهيد الجو، ومثل هذه التصريحات قد يكون القصد منها التخويف والتهويل في تمهيد الجو.
 
إجراءات عاجلة
وعن الإجراءات العاجلة التي يمكن أن تتخذ في الكويت، يقول تناغو: يجب أن يكون هناك تدخل لإنقاذ الاقتصاد، أعرف أن الموضوع هو صراع فقط واختلاف بين الهيئات المالية، ولكن الكويت تمتلك واحدا من أكبر الصناديق السيادية ولديها ملكيات وأسهم كبيرة في الخارج، وهو من رابع أو خامس وأحيانا ثالث صندوق سيادي في العالم.
 
أما الخبير عصام الطواري فلا يرى أي ضرورة لاتخاذ أي إجراءات، ويوضح قصده بما يلي: لا يوجد هناك ما يسمى إجراءات عاجلة، بل يجب أن تأخذ وقتا بين 5-6 سنوات، والكويت ليس بحالة طارئة، والمطلوب هو أخذ قرار حاسم وشجاع، والتردد باتخاذ القرارات هو مشكلة الكويت.
ويختم حديثه: هذه الإصلاحات تحتاج إلى وقت ولا تأتي بين ليلة وضحاها، فهي تحتاج إلى تعديل قوانين وخلق بيئة تشريعية جديدة، وتندرج في عملية الإصلاحات وخفض الدعم على الوقود والأغذية وغيرها، وعمل أنظمة شرائح حتى لا يتأثر الأقل دخلا، لذلك الأمر ليس مجرد جرة قلم.