استيراد النسيج المصنر إنعاش للصناعة أم تدمير وتسهيل للتهريب والإغراق والاحتكار؟!

استيراد النسيج المصنر إنعاش للصناعة أم تدمير وتسهيل للتهريب والإغراق والاحتكار؟!

مال واعمال

الثلاثاء، ١٢ أكتوبر ٢٠٢١

تجتهد وزارة الصناعة وغيرها من الجهات المعنية بمسألة تنمية القطاع الصناعي وخاصة النسيجي الذي كان يشكل يوماً ما 45% من صناعتنا المحلية، و25 % من صادراتنا غير النفطية، حيث صدر قرار سابق يسمح للصناعي باستيراد مخصصات من القماش المصنر حتى وإن كان ينتج وطنياً للتغلب على ظروف قلة الإنتاج، والآن خرج القرار رقم 790 تاريخ 4/10/2021 الذي سمح لأي مستورد  (وليس فقط الصناعيين) باستيراد القماش المصنر شريطة عدم وجود مثيل محلي له، إضافة للاستمرار باستيراد المخصصات من قبل الصناعيين، وقد أثار القرار الثاني ضجة كبرى وسجال بين صناعيي النسيج من جهة، والتجار من جهة ثانية، فماذا عن الواقع الذي سيولده هذا القرار، وهل سيصب في مصلحة تدوير عجلة الإنتاج، أم سيحولنا مع ما سبقه من قرارات إلى مستهلكين بامتياز؟!
 
إمكانية التعديل والإلغاء
 
كما هو معروف فإن حلب هي معقل الصناعات النسيجية، وقد أبدى عدد من الصناعيين الذين يمثلون هذا القطاع تحفظهم على المادة الثانية من القرار رقم 790 الصادر عن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، وطالبوا بوضع خطط ومحفزات تسهم في تشجيع إنتاج كافة الأقمشة المصنرة محلياً، التي سمحت للصناعيين باستيراد كافة أنواع الأقمشة المصنرة وفق نظام المخصصات، وهو ما يؤدي إلى تضرر عدة حلقات إنتاجية تعمل في مجال الصناعة النسيجية، كما طالبو بإعادة النظر سريعاً بالقرار، وتلافي كافة سلبياته، وذلك خلال لقاءهم وزير الصناعة زياد صبحي صباغ في مقر غرفة صناعة حلب.
 
وبدوره الوزير أكد خلال اللقاء على أهمية دعم القطاع الصناعي بكل مكوناته، وحمايته، مؤكداً أن كل قرار هو قابل للمناقشة والتعديل بما يحقق المصلحة العامة.
 
وذهب المدير العام للمؤسسة العامة للصناعات النسيجية الحارث مخلوف إلى التريث في إبداء رأي المؤسسة حيال الموضوع، كون وزارة الصناعة حملت على عاتقها توضيح كافة الأمور المقلقة للصناعيين عبر عقد مجموعة من الاجتماعات معهم، ولن تقصر المؤسسة في إبداء أي رأي، أو مشورة للوزارة حيال القرار.
 
لا تستسهلوا
 
في العام 2017 تقرر منع استيراد الأقمشة بغية تمكين المنشآت الصناعية من الإقلاع، وتشجيع الصناعيين على ترميم منشآتهم المدمرة، وساهم ذلك بافتتاح معامل جديدة، وسعي الصناعيين في ترميم معامل كثيرة، إلا أن ذلك وفقاً لنائب رئيس غرفة صناعة حلب مصطفى كواية أدى لتوقف عمل التجار المستوردين، والمهربين الذين اعتادوا إغراق أسواقنا ببضائعهم، والحصول على أرباح خيالية سهلة المنال، فدخول ثلاث حاويات ألبسة أو أقمشة كفيل بإغراق أسواق كبيرة كسوق دمشق أو حلب، وللأسف فقد أدى قرار السماح باستيراد مخصصات قماش أجنبي لكل معمل ألبسة للتلاعب من قبل ورشات وهمية في مناطق لا تصنع الألبسة بتلك الكثافة الإنتاجية العالية كالرقة، ودير الزور، ومنطقة جبلة، حيث يتم إدخال كميات قماش تفوق 400-500 طن من القماش كمخصصات سنوية لكل ورشة بغية احتكارها، والمتاجرة بها دون استخدامها لصالح الصناعة، وطالب الصناعيون بإيقاف استيراد المخصصات، ومع ذلك تم السماح باستيراد مخصصات من القماش المماثل للقماش الوطني من قبل صناعيي الألبسة في القرار الأخير مجدداً، وتابع كواية: فوجئنا بإدخال أنواع من الأقمشة يتم تصنيعها محلياً من قبل بعض التجار والمهربين، ونطالب حالياً بإرسال مندوب من غرف الصناعة إلى الجمارك ليتمكن من الكشف الفني على الأقمشة قبل إدخالها إلى القطر ولمنع دخولها في حال كان يتم تصنيع نوع مماثل لها.
 
ووصف كواية القرار بالخطير كونه يؤثر على حلقات كاملة لصناعة النسيج الزراعية والصناعية، ومعامل البوليستر، ومعامل وشركات المؤسسة العامة للصناعات النسيجية، ومعامل الصباغة والتحضير، ومعامل لصناعيين عادوا من مصر إلى سورية مؤخراً حيث ستحتضر صناعاتهم جميعاً ويبقى التاجر، وصاحب الورشة الصغيرة.
 
آلية القرار.!
 
ثمة معاناة من وجود آليات خاطئة لاتخاذ القرارات، لذا غالباً ما نجد أنفسنا أمام ثنائيات متناقضة، فعلى سبيل المثال تم إنشاء برنامج إحلال مستوردات، ومع ذلك قمنا باستيراد أشياء تصنع محلياً في آن معاً، وبين رئيس منطقة العرقوب الصناعية ونائب رئيس القطاع الهندسي في غرفة صناعة حلب تيسير دركلت أنه بالرغم من ذلك مع أية قرارات إذا كانت نابعة عن رؤية معينة شريطة إيضاح تلك الرؤية، وإشراك الغرف والصناعيين وأصحاب الشأن بها، كما أن القرار الأخير وإن سمح باستيراد ما لا تتم صناعته محلياً، لكنه بالمقابل استمر بالسماح باستيراد مخصصات من القماش لكل مصنع رغم وجود صناعات نسيج محلية مماثلة لتلك المخصصات، فعلينا بالبداية أن نضع هدف بصناعة كل شيء، أو صناعة ما نستطيع، وما نستطيع كثير _والكلام لدركلت_ ، مع توفير الحماية اللازمة للصناعة المحلية لحين وصولها مرحلة التعافي التام، ومن ثم التوجه لاستيراد ما لم نتمكن من صناعته محلياً، دون الاستسهال في أي قرار، والمقابل هناك أمور كثيرة كان من الأجدى أن تصدر لصالحها قرارات السماح بالاستيراد، ومنحها التسهيلات، كموضوع المواد الأولية التي من المفترض أن تكون رسوم استيرادها صفر أو 1% ونحن كقطاع صناعي هندسي نفاجأ بفاتورة بيان جمركي تصل إلى 30 %، وهذا الأمر يعتبر كارثي بالنسبة لهذه الصناعة التي تسعى لإضافة أكبر نسبة من القيمة المضافة.
 
نخشى المتابعة
 
يعاني قطاع الصناعة النسيجية من وجود خيوط سيئة بسبب تهريب الأقطان الجيدة، وبيع واستيراد الرديء منها لأسواقنا، حيث أنها قد تكون مجرد مخلفات أو فضلات قطنية، وطبعاً هذا انعكس على وضع النسيج المصنر المصنع محلياً، إضافة لاحتكار كميات من القطن من مزارعه، وحتى الخيوط الجيدة لصالح مجموعة من المتنفذين بالتعاون مع غرف الصناعة، وبين رئيس لجنة صناعة الأقمشة في غرفة صناعة دمشق الدكتور أسامة زيود أن هناك بدائل كان من المخطط أن يتم استخدامها في حال عدم كفاية القطن للحد من الاستيراد، ومن المستغرب صدور قرار يسمح باستيراد الأقمشة المصنرة بعد ذلك رغم تغني وزارة الصناعة بهذا القطاع مراراً وتكراراً، وتعاونها مع هيئة البحث العلمي لتقديم دراسات تطور هذا القطاع.
 
ويرى زيود أن أخطر ما في القرار هو افتقاره لضوابط واضحة، وبذات الوقت نعاني من مشكلات في قرار إعادة القطع التصديري، كما أن القرار يجب أن يتلافى ما حدث في السابق لجهة سوء تحديد مخصصات استيراد الأقمشة لكل صناعي، فيجب الاستناد إلى عدد الآلات الصناعية، وقدم المنشأة، والعمال المسجلين في التأمينات حصراً، كون هناك مجموعة من الأشخاص قاموا بتسجيل شركات وهمية وفتح سجل صناعي بتكلفة لا تتعدى بضعة مئات من الألوف من الليرات، وتشغيل عمال لفترة ثم طردهم بغية قيام هؤلاء بالاحتكار والمضاربة بالقماش عبر بيعه.
 
وحمل زيود هذا القرار مسؤولية حدوث شرعنة للتهريب، وإدخال ألبسة جاهزة مهربة من تركيا والصين عبر لبنان أو الإمارات، لأن القماش الأجنبي أصبح وجوده مبرر، ولا يمكننا ضبط قطعة الملابس المهربة التي كتب عليها في تلك البلدان عبارة (صنع في سورية)، حيث تكلفة القطعة منها لا تتجاوز 3-4 دولارات، في حين تباع بأسواقنا بسعر يفوق العشرين دولاراً، وسبق وأن تم ضبط إحدى شركات الألبسة الكبرى التي أدخلت مع شركة ثانية 20 حاوية شحن تحوي ملابس صينية المنشأ كتب عليها عبارة صنع في سورية.
 
وحذر زيود من أن هذا القرار سيتسبب بتوقف الكثير من معامل النسيج التي تقدر تكلفة بنائها مع الآلات بملايين الدولارات، في حين ستزدهر ورشات صغيرة لا تساوي تكلفتها ثمن آلة واحدة، وتقوم باستيراد القماش، فما هي نسبة القيم المضافة التي ستحققها هذه الورشات لاقتصادنا إذا علمنا أن القماش يشكل 80 % من صناعة الملابس.؟
 
وطالب زيود وزارة الصناعة بالشفافية وإعلام صناعيي النسيج في حال كانت تخطط لإيقاف مثل هذه الصناعة، كون القرارات الصادرة ومنذ عدة سنوات توحي بأن هذه الصناعة تحارب بكل ما للكلمة من معنى، وبالمقابل إذا كان هدف القرار هو تطوير الصناعة، فلماذا لا يتم السماح باستيراد آلات حديثة بدلاً من القماش الجاهز؟، والصناعي لم يعد أمامه خيار واضح في أن يطور ويتابع، أو يتوقف حيث بات يعمل على مبدأ “مشتراة العبد ولا تربيته”.
 
أمر جيد
 
إن قرار السماح باستيراد بعض أنواع الأقمشة قرار حكيم صدر بعد دراسة، ومطالبة من صناعيي هذا قطاع كبير، خاصة وأن آلاف ورشات الألبسة مهددة بالتوقف لعدم توفر المادة الأولية، وآلاف العمال أيضاً معرضون للتوقف عن العمل، لكن بالمقابل هناك أصوات تطالب بإلغاء القرار تحت مسمى دعم الصناعة الوطنية.
 
واستغرب خازن غرفة تجارة حلب ورئيس لجنة الاستثمار في الغرفة أيمن الباشا أنه قبل الأزمة كانت الصناعة الوطنية في أوجها، وآلاف المصانع تدور كان الاستيراد مسموحاً لأن الصناعة مدعومة حكومياً، ورسوم الضرائب والجمارك كانت أقل بكثير على المستوردات، وهذا متبع في كل دول العالم فحين يحتك المنتج الوطني بالمستورد يرتقي وترتفع جودته ليستطيع منافسة المنتجات في أسواقنا وأسواق البلدان الأخرى، ولكن البعض يريدون الاستئثار بالسوق على حساب مصير عشرات الألوف من التجار، والحرفيين، والصناعيين، موضحاً أنهم في الغرفة سبروا آراء بعض الصناعيين حول تأثير هذا القرار فأكدوا أنه لا يؤثر على صناعتهم.
 
جودة وعدم احتكار
 
إن السماح بالاستيراد لكافة أنواع الأقمشة، والتي هي مادة أولية لصناعة الألبسة هو بحد ذاته منع لاحتكار السوق، وإنهاء لحالة فرض أنواع جودتها دون الوسط وأسعارها فلكية في أسواقنا، وطالب أحد صناعيي وتجار الألبسة في دمشق _ فضل عدم ذكر اسمه_ بالسماح باستيراد كافة أنواع الأقمشة من قبل التجار بما فيها المصنرة، لأن معامل الألبسة في سورية شبه متوقفة، وغالبية صناعيي الألبسة لا يمكنهم الاستيراد لأن رأسمالهم عبارة عن آلات، ولوازم تصنيع، وعلينا العمل كتجار وصناعيين لإعادة صناعة الألبسة إلى مكانتها العالمية كما في السابق، والحفاظ على دوران الآلات، واليد العاملة.
بشار محي الدين المحمد