من دون معالجة أسباب انتشاره سيبقى خاصرة رخوة للرسوم..التهريب آفة تقضم الاقتصاد.. هل تنجح حملة الجمارك في مكافحته؟

من دون معالجة أسباب انتشاره سيبقى خاصرة رخوة للرسوم..التهريب آفة تقضم الاقتصاد.. هل تنجح حملة الجمارك في مكافحته؟

الأزمنة

الاثنين، ١٥ يونيو ٢٠١٥

أحمد سليمان
لعل الحملة التي تقوم بها مديرية الجمارك لمكافحة المهربات في السوق المحلية في عدد من المحافظات قد لا تستطيع أن تعالج المشكلة من جذورها في ظل الظروف الراهنة، لكنها يمكن أن تحد من تواجد المهربات في منافذ البيع، في ظل التشدد في الإجراءات، ما يجعل من يتعاملون بهذه البضائع قد يحسبون لها حساباً.
 وفيما تشد الغرف التجارية والصناعية في خطاباتها الرسمية على يد الدولة في إجراءاتها حفاظا على مصلحة أعضائها بشكل عام وعلى المنتجات التي بين أيديهم سواء أكانت مستوردة أو مصنعة محليا لكي تحصل على منافسة عادلة فيما بينها بعد أن دفعوا الرسوم المتوجبة على تلك البضائع، في حين لو بقيت المنتجات المهربة في الأسواق ــ وهي بالطبع غير مدفوعة الرسوم الجمركية ولا تخضع لأي فحوص أو إجراءات ولا أحد يدري عن جودتها أو مطابقتها لأي مواصفات سواء كانت عالمية أو حتى محلية ـــ ستشكل منافسا قويا في السوق المحلية نتيجة انخفتض أسعارها مقارنة بمثيلاتها، ما يجعل المستهلك يقبل عليها وخاصة في ظل تراجع دخله أو تآكله مع فقدان مئات آلاف فرص العمل في القطاع الخاص وثبات دخل القطاع العام المتراجع أصلا بفعل ارتفاع الاسعار، وانخفاض سعر صرف الليرة مقابل العملات الأجنبية وفقدانها لنحو 80 بالمئة من قيمتها فيما قبل الأزمة، ما يجعل الكتلة المالية المتوافرة بين أيدي المواطنين هي نفسها قبل الأزمة وإن شهدت بعض الارتفاع.
لم يرتق!!
 لكن ذلك لم يرتق إلى مستوى سد الاحتياجات الأساسية التي يتم التحايل عليها بالبحث عن البضائع الأقل والسلع الأقل سعراً لدى الجميع، فيما يستغني البعض عن موضوع المواصفة أو الجودة بهدف التمكن من شراء أغلب الاحتياجات الأساسية، حيث يمكن أن تكون بضاعة مهربة مادامت أقل سعراً من مثيلاتها الداخلة إلى السوق بشكل نظامي والتي تشكو في كثير من الأحيان من ارتفاع أسعارها بنسب خارج المنطق وبخاصة مع ارتفاع سعر الصرف وبقائها متناسبة مع أعلى قيمة لها وعدم انخفاضها عند تراجع سعر الصرف.
 صورة قديمة
وتعيدنا هذه الحملة إلى صورة فترة ثمانينات القرن الماضي والتي انتشرت خلالها عمليات التهريب بشكل كبير التي كانت تشهد فيه البلاد حالة حصار اقتصادي وعقوبات تشبه الحالة التي نمر فيها حالياً، ولكن اليوم الحالة مختلفة التفاصيل، ففيما كان الوضع الاقتصادي في البلاد ليس كما يجب في ظل عدم وجود قطاعات إنتاجية وبخاصة صناعية متطورة وعديدة تلبي احتياجات المواطنين وأذواقهم مع وجود عشرات الشركات الصناعية العامة ومثلها من القطاع الخاص والتي لم تكن قادرة منتجاتها أن تسد احتياجات السوق المحلية ما جعل الفراغ سيد الموقف على مدى سنوات في هذه السوق التي كانت تسده البضائع المهربة حتى ازدهرت تلك التجارة وجنى الكثير من المغامرين ـ المهربين ثروات طائلة وبخاصة في مناطق الحدود.
اتجاه معاكس
ولكن مع التطور الاقتصادي الذي شهدته البلاد منذ بداية التسعينيات وتسارعه في سنوات ما قبل بداية الأزمة على مستويي التشريعات والتواجد الاستثماري الفعلي في مجال الصناعة والتسهيلات وتسارع وتيرة النمو الاقتصادي والاستثماري وتعدد المنتجات الصناعية وعدم وجود أي اختلاف في الاسعار مع البضائع في دول الجوار إن لم نقل إنها كانت أقل في تلك الدول حتى كنا نجد الكثير من المنتجات السورية في منافذ البيع في تلك الدول مع تطور الصناعة الوطنية كماً ونوعاً وتقديم تسهيلات لها لم تشهدها سابقا في تاريخها.
 تضييق!!!
 لكن ومنذ بداية الأزمة فرضت الدول الغربية والولايات المتحدة الامريكية والعديد من الدول العربية والتي كانت عنصراً فاعلاً في الأزمة العديد من الإجراءات والعقوبات الاقتصادي المحضرة سابقا تحت شعارات لم تقنع أحدا بهدف التضييق على الدولة السورية وعدم قيامها بالتزاماتها الاجتماعية والاقتصادية تجاه مواطنيها فأدت هذه السلسلة من العقوبات إلى التضييق على قوى الإنتاج الرئيسية في القطاعين العام والخاص اضافة إلى مارافقها من اعتداءات الارهابيين على مطارح الإنتاج الرئيسية والبنية التحتية مما شهدته من سرقة ونهب لمحتوياتها ما أدى إلى خروج الكثير من المصانع عن الإنتاج وتوقف جزء كبير منها بشكل كامل حيث تعد محافظة حلب باعتبارها العاصمة الاقتصادية لسورية والصناعية للمنطقة خير مثال على ما حدث من سرقة ونهب الآلات وتهريبها إلى تركيا بتسهيلات من حكومة أردوغان.. كل ذلك أدى إلى عدم وجود إنتاج يكفي السوق المحلية ما شجع عمليات التهريب مع دخول الأزمة السنة الخامسة.
 خارج السيطرة
 فعدم وجود ضوابط بسبب خروج العديد من المناطق خارج السيطرة وبخاصة المناطق الحدودية مع سيطرة الارهابيين على المنافذ الحدودية البرية ساهم بشكل واسع في ازدهار عمليات التهريب ليس في تلك المناطق فحسب بحكم خروج إدارات الدولة منها وتسهيل مرور البضائع من الدول المجاورة ما جعل المناطق تعج بالبضائع المهربة، ومنها تجد طريقها إلى مناطق سيطرة الدولة بطريقة أو أخرى إلى جانب استخدام الحدود في مناطق سيطرة الدولة وبخاصة على الحدود اللبنانية مع حمص وطرطوس والبحرية في طرطوس واللاذقية لدخول هذه البضائع والتي انتشرت بكثرة في الفترة السابقة أي قبل خروج منافذ الحدود عن السيطرة.
 ولعل فترة الـ3 أشهر التي منحتها الدولة لمن لديهم بضائع مهربة لتسوية أوضاعهم لم تثمر كما قال وزير المالية الدكتور اسماعيل اسماعيل في الاسبوع قبل الماضي خلال اجتماعه بالهيئة باتحاد غرف التجارة السورية وانه لم يتقدم احد لتسوية اوضاعه رغم أن جزءا كبيرا من البضائع في الأسواق مهربة وخاصة في حمص والتي قال عنها الوزير انها تشكل في أسواق المحافظة نحو 70 بالمئة ما يتطلب اتخاذ أقصى الإجراءات مع هؤلاء المهربين عبر الحملة التي تقوم بها الجمارك.
 المكافحة والاستثمار
وفيما يعول صناعيون على هذه الحملة لمكافحة التهريب ومعالجة هذه البضائع المنافسة في السوق المحلية اعتبرها رئيس مجلس إدارة غرفة صناعة دمشق وريفها سامر الدبس أحد العوامل الجاذبة للاستثمار في القطاع الصناعي إلى جانب الإجراءات الاخرى المتمثلة بإجراءات الحد من مستوردات لها مثيل لمنتج صناعي محلي يكفي حاجة السوق المحلي كالأسعار الاسترشادية والتي جاءت لحماية الصناعة المحلية.. لكن ثمة من ينظر إلى أن الاسعار الاسترشادية تعد جزءاً من أسباب تزايد حجم التهريب رغم المخاطر الكبيرة بسبب رفع الأسعار الاسترشادية لبعض المواد بطريقة غير منطقية وهو ما يرتب على المستورد دفع رسوم جمركية عالية على أسعار عالية للمستوردات رغم أن سعرها العالمي أدنى من ذلك بكثير، وهو ما أجمع عليه تجار كثيرون، وهذا بدوره يفتح باباً للتهريب لعل معالجته تشهد الآن الكثير من التشدد داخل الأسواق التجارية في عدة محافظات، وهو إجراء يؤيده الجميع بالنظر إلى حجم الأضرار التي تلحق بالاقتصاد السوري جراء تنامي ظاهرة التهريب وانتشارها، إضافة إلى أن  ثمة سؤالاً يطرحه متابعون؛ هل ستقود هذه الحملة إلى قطع طرق إمداد السوق المحلية بالمهربات وهو الإجراء الأفضل بالطبع من مداهمة المستودعات التي تشهد الكثير من اللغط حسب ما يراه البعض ويقدم إشارات سلبية للمستثمرين والصناعيين والتجار، نظراً لما يمكن أن يقود إليه من فساد ومحسوبيات.
معالجة الأسباب
 وفيما يرى المتابعون أن القضاء على التهريب بشكل كامل يمكن أن يكون سهلاً في الظروف الطبيعية، وحين تكون الأوضاع مستقرة إلا أنه يشهد صعوبات كثيرة بسبب ترامي الحدود ووجود منافذ وتداخل قرى الحدود مع بعضها، والتي تشكل مستودعات للمهربات، فكيف الآن والوضع مختلف، والبضائع التي تدخل إلى حدود الدولة تدخل من دون علمها، ما يعني أنها قد تجد طريقها إلى مناطق أخرى وستظل تشكل خاصرة رخوة للموارد التي تحصلها الدولة من الرسوم الجمركية المستوردة، ما يجعلنا نتوقع أن ظاهرة التهريب ستستمر بطريق أو بأخرى مالم يتم معالجة أسبابه وذلك يتطلب زمناً مرتبطاً بالأزمة وتداعياتها.