الترقيع يخرب فنية المزايا والأصل

الترقيع يخرب فنية المزايا والأصل

الأزمنة

الجمعة، ٣ يوليو ٢٠١٥

زهير جبور
لم نتمكن إلى الآن من الوصول إلى غاية حقيقية تجعلنا نستنهض الشعور العام، لنربطه في إحكام ومسؤولية تدفعنا لاستجابة المنبه العام الذي يوفق علاقتنا اليومية بالبيئة كحالة تفرضها الظروف الصعبة التي نواجهها، وندرك أن الأمر لا يقتصر على علاقات اجتماعية مطلوبة ومن الضروري إقامتها، وجبهة مجتمعنا المدني تتطلب زج الطاقات في تفاصيل أخرى تأتي مكملة للدور الذي تؤديه الجهات المعنية في الخدمة العامة، خاصة النظافة، التي تهدد بأمراض لا نرغب في أن تنتشر، وتخرج عن السيطرة، والموضوع يأتي عبر التوعية التي أهمل الكثير منها، وفي شهر رمضان المبارك يمكن أن نصف اللاذقية بأنها مدينة مزدحمة تستهلك ما تنتج، خاصة الرمضانيات من طعام وشراب، وخير رمضان الذي انتشر على نطاق واسع، ويعرض بطرق غير صحية ولا سليمة، مع غياب الرقابة التي هي أحد شروط الأمان في حال تنفيذ مهامها كما ينبغي أن تكون، داخل المدينة الرياضية ذلك الصرح الذي سجل في الماضي أنه المميز بحدائقه وملاعبه ومهرجاناته وسياحته، أقيمت خيم وكرفانات الإخوة الوافدين من المحافظات، والذي مضى على وجودهم عدة سنوات، وهم يقيمون فيها، وبأي حال من الأحوال مقومات إقامتهم تتطلب مبادراتهم وتعاونهم بالمحافظة على بيئتهم وصحتها، ويستطيع المهتم أن يقدر من دون حسابات دقيقة جداً أن إعادة تأهيل المدينة بعد عودة الضيوف إلى محافظاتهم يتطلب المزيد من الإنفاق المالي، وبين الوافدين والمساحة التي شغلها (الدفاع الوطني)، يمكن تقدير الأضرار البيئية والمادية التي نجمت عن ذلك، ولا بد أننا سنجير هذا للحالة الأمنية التي تتطلب إجراءات تتجاوز الكثير من المفاهيم التي كانت سائدة في الماضي، والمسألة أيضاً تعني المقيمين ومدى حرصهم على موجوداتها وهذا بالضرورة يمتد على طول الشاطئ وصولاً إلى المدينة السياحية، كما هو الحال في مسبح جول جمال أقدم المنشآت التي عرفها الشاطئ، وصولاً إلى المنتجع الذي أخذته الشركة الروسية التركية. وفندق الديري المحاذي لمنتجع الشاطئ الأزرق، وجميعها لم تنجز أي نسبة تذكر، وهذا الموضوع بأمر السياحة ومجلس مدينة اللاذقية، وثمة متابعات لكنها لم تثمر حتى الآن، وجولة قصيرة على واقع الحال تبرز ما لا يمكن السكوت عنه وكأن المنطقة التي اشتهرت بزوارها وسياحتها، وعلى القرب منها مدينة أوغاريت الأثرية ذات السمعة العالمية تشير إلى أن نوع التقصير والإهمال والفوضى ورائحة مجارير المدينة الرياضية تنتشر إلى الأوتستراد المنتهي عند الشاطئ الأزرق وتسرب المياه المالحة، أما في رأس شمرا السياحية التي قطن فيها الإخوة الوافدون واستثمروا محالها وجعلوها مركزاً تجارياً، فثمة روائح مرفوضة، ثمة خليط بين روائح اللحوم والشواء والمجارير والمعجنات وطرق العرض المكشوفة للذباب والحشرات، وشراب عرق السوس، وتمر هندي، ببراميل بلاستيكية بلا أغطية، وأيدٍ تعمل في تعبئتها من دون حماية أو حرص، ولا نظافة، وإذا (لا قدر الله) تسربت جرثومة فتاكة إلى أي منها فسوف تؤدي إلى كارثة مرضية لا تحسب عقباها، وفي المنطقة بكاملها لا خدمات تذكر، ولا رقابة صحية، ونحن على يقين أن عيناً تتفحص هذا الوضع ترفضه وتحاربه، كل شيء مكشوف في العراء، ولأننا في فصل الصيف والحرارة مرتفعة فإن الحالة تتطلب إجراءات سريعة، في تطبيق شروط الصحة وسلامة الغذاء، والتأكد من جودته، والقدرة لا تحمي الناس إن هم لم يحموا أنفسهم، لكن صيامهم الطويل في الشهر الكريم يجعلهم يتقبلون كل شيء، فالسوق مزدحمة والأفواه مفتوحة، وإذا غادرنا السوق ودخلنا بين (الشاليهات) المستأجرة ومنذ بداية الأزمة المؤسفة وجدوا مأواهم بداخلها وبأسعار مرتفعة، وصفتها السياحة على أنها سياحة داخلية، وقام بعضهم وهذا من حقهم في استثمار محال تجارية وطرح بضاعة على الأرصفة، وفي شهر رمضان المبارك كثرت أصناف الحلويات الجاذبة للحشرات والذباب والبرغش والأطفال ينتشرون في الشوارع الداخلية لبيعها من دون أي إرشادات صحية ولا توجيه لهم أو توعية.
•    مكاني
هي خدمة موجودة في أجهزة النقال الحديثة، تخدم السياح في أي مدينة وجدوا فيها، تظهر اسم المكان، وشوارعه الفرعية، وأهم ما فيه من منشآت. فنادق. مطاعم. آثار. معالم أخرى، حين اطلعت على خدمة مكاني وأنا في المنطقة الموجود فيها ظهرت أوغاريت. رأس شمرا. منتجع الشاطئ الأزرق. فندق اللاذقية (الميرديان) سابقاً، مسبح جول جمال المغلق منذ أن أعطي للاستثمار، ومسبح أوغاريت الذي تعمه الفوضى حالياً، وهو حسب عين الناظر سيجد مكاناً مميزاً للسياحة إن قصد، وما رغبته من المسؤولين المحليين أن يرصدوا في مكاني نظافة الشوارع والغبار الكثيف وخاصة أن طقسنا في اللاذقية لم يستقر حتى الآن، فثمة غيوم بالسماء وهواء شديد على الأرض، ولهذا تفسيره عند أبناء اللاذقية القدماء الذين يربطونه بفيضان نهر النيل، وحسب قولهم حين يحدث ذلك هناك لا يستقر طقسنا الصيفي على امتداد الشاطئ، ويرصدون أيضاً القمامة التي لا تزال، ولا يكفي أن نضع في المنصفات الطرقية أكوام التراب من أجل تغذية التربة فيها، ولا أن ندهن جذوع الشجر باللون الأبيض، الموضوع بحاجة لاستكمال ولا يجوز تجزئة العمل، والاهتمام بجانب دون الآخر، وفي مكاني لا رقابة، ولا تشديد، وثمة مخالفات للبناء طالت أملاك الدولة، وأخذت أجزاء منها، وفي مكاني كأنه منفصل عن المدينة وكان شريان سياحتها وسندها الاقتصادي في المواسم السياحية.
•     ماذا يقولون
حقيقة الأمر إن الذين يقيمون في المكان من الإخوة الوافدين أو أصحابها الأصليين وجميعهم يرتبطون بها عبر شاليهات أقاموها واستثمروها وشكلت مصدر رزقهم، يعرفون الإهمال الذي يعيشونه، ويلحظون التقصير القائم، وبعضهم وضح أنهم اتصلوا وتواصلوا وطالبوا وما وصلهم إلا الشيء القليل والواقع الذي يشاهدونه لا يرضيهم، وهم لا يجدون سبباً لهذا الإهمال، لماذا تأخرت المشاريع السياحية التي كان من المقرر أن تندرج في جدول الخدمة السياحية منذ عدة سنوات؟ والأزمة المؤسفة المؤلمة التي حلت على البلاد لا تعني بالضرورة التوقف عن العمل، بل تتطلب النهوض والتخطيط للمستقبل، وإذا كان عدد زوار اللاذقية من قبلها يصل إلى مليون صيفاً فينبغي التخطيط لأن يكون بعد هزيمة العصابات والإرهاب أكثر من ذلك بكثير، هذا ما يؤكده علم المستقبليات وهو يخطط للقادم ويدرسه، يظهر أن جهاتنا المسؤولة هنا لم تتعرف بعد على هذا العلم ولم تفهم مضمونه، وهم يعملون ضمن مفهوم الآنية الذي لا يقدم إلا ترقيعات تشوه الثوب الجميل، وتفقده مزاياه الفنية، وإلى متى سنظل في الترقيع؟ وهو متعمد ولا يخدم إلا مصالح من لهم مصالح، ومن خلال مكاني سأطل على مدينة اللاذقية التي تحتاج الكثير من الخدمات والنظافة والعمل المخلص، وإذا ما انتقلنا إلى ريفها فسوف نجده شبيهاً في المعاناة والتقصير، وفي الملخص فإن للمكان والإنسان أهمية كبيرة في موضوع الانتماء والحنين والوفاء ومن يخرج عنهما بأي شكل كان فما هو إلا الناكر ويا لهول النكران وسوء نتائجه.