بخصوص العيش... إنها الحالة من دون تغير

بخصوص العيش... إنها الحالة من دون تغير

الأزمنة

السبت، ١ أغسطس ٢٠١٥

زهير جبور
حلّ علينا رمضان الخامس وبلادنا صامدة، وشعبنا صابر، هو شهر الخير الذي يفرح القلوب، وينتظره الأطفال بتلقائية روحية، تربطهم به، وطقوسه تختلف عن أشهر السنة، وبهجته تتسرب إلى النفوس، وتحضيراته تأخذ أهمية قصوى بين الأسر التي تجعله استعداداً لافتاً يصب في أيام الشهر الكريم، وفي بعد الإيمان إنه لا يقتصر على الطعام وضبط مواعيده، بل أن تكون المناسبة الفضيلة فرصة للتأمل والخلق واتقاء الشك وتثبيت اليقين، والراحة الآمنة بين يدي الخالق، الذي لا يحمد على مكروه سواه، والمؤمن يسلم أمره لله، ويمضي في دربه وهو على كل شيء قدير، وفي مثل الظرف الذي تحياه بلادنا عاكسة بلواها على العباد، يأتي الحمد بلسماً للجراح، وطاقة تشحن النفس بقوة الاحتمال، حيث المصائب التي يتضاعف هولها ويصعب تقبلها، والتعلق بحبال الإيمان تخفف شدة الصدمة، وهو المنقذ من كل شر، والباعث للرزق، والهادي إلى طريق الخلاص، الناصر للحق مهما طغى الجناة وتجبروا، فكل عام وسوريتنا المجروحة النازفة وأنتم بخير والرحمة على الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم ولكل من بعدهم التمسك بالقيم والصبر واستمرارية الحياة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
•    الدنيوية
مما لاشك فيه أن الشعب السوري واجه ما لم يواجهه إلا قلة من الشعوب عبر التاريخ وسلاحه الوطني مكنه من مواجهة شرسة خالية من الإنسانية ومقومات الدين الحقيقية، وأمام تحمل الشعب تلك المسؤولية الدينية الدنيوية. الأخلاقية السامية كان من الممكن أن تتخذ الجهات الرسمية التي تدير دفة الشؤون العامة وتتعامل مع الأزمة بما يتفق مع استمرارية البسيط من الحياة اليومية وحماية مستلزماتها ودراسة أوضاعها بما يتناسب مع الدخل المادي للفقراء الذين أكدوا وفاءهم وانتماءهم وأخلصوا لوطنهم والقوت اليومي هو حاجتهم، ومن يملكوا المال ويستغلوا الظروف في الثراء والنهب فلن يشعروا أبداً بما يعانيه هؤلاء، وفي الدنيوية نماذج من الطمع والجبن والأنانيات المتعددة في طرقها وأساليبها، وملخصها (ليكن الطوفان من بعدي) (لتبكي كل الأمهات إلا أمي) وهؤلاء موجودون، مارسوا بشاعتهم المقذذة في سنوات الأزمة وقبلها، نشروا فسادهم، ولعله من أحد الأسباب التي ساهمت في إيصالنا إلى ما نحن فيه، وكان من المنطق الإنساني الذي لا يعرفونه أصلاً أن يتعظوا، يتقوا، ينظروا إلى الحياة من دائرة خير، ويغلقوا أبواب الشر وقد ابتدعوها، وعاشوا النكران الذي يحتاج لمزيد من الجهد، والنظريات النفسية المعاصرة لتحليله وصياغة جديدة لظاهرتهم المفرطة في التنكر والابتعاد، وسوف يحدث ذلك في المستقبل، وقد علمنا الدرس كيف سنفرز، من خان الوطن والشعب في أقسى المحن.
استعد شعب اللاذقية لاستقبال الشهر الكريم، وسعوا لتأمين احتياجاتهم وقد وضعوا في حساباتهم أسعار المواد المطلوبة، في ذلك الوقت بدأت الطاقة الكهربائية في الخروج من مواعيد تقنينها التي اعتادوا عليها رغم طول ساعاتها، ومع ذلك التبدل بدأت (البوظة) تذوب في الثلاجات، وما خزن في داخلها يضربه التلف ليفقد صلاحية استعماله للأكل والطبخ، بهذه الخيبة دخل الشهر من دون أن تعرف الأسباب أو يعلن عنها وتفسيرها كي تتخذ احتياطات مسبقة، ومنهم من أنفق كل ما ادخر، وكان الاستفسار الذي واجهنا ماذا نتصرف؟ ومن اتصلوا هاتفياً سألوا أيضاً وقد أفسد ما خزنوه، وفي الأيام الأولى للشهر المبارك طرأت زيادة على المواد بكاملها، شملت لحوم الدجاج والخضر والحبوب ومشتقات الحليب، مع غياب لعين الرقيب، وحلت في الأسواق فوضى الأسعار، وتصرف كل بائع حسب شطارته كما يطلقون عليها (التجارة شطارة) وهي في الفهم العلمي والديني والأخلاقي، ينبغي ألا تحمل صفة الشطارة التي ترمز إلى الغش، والتجارة الحقيقية تصب في مفهوم الربح الحلال واللقمة النظيفة، وليست الملوثة بدم أبناء الشعب، وبلا سابق إنذار أيضاً ارتفعت أجور النقل الخاص / فالمسافة التي كان يصل أجرها إلى /150/ ل.س أصبحت /200/ ل.س وحين سألت السائق عن السبب أجابني ببساطة (ما بتوفي معي غير هيك.. مانك شايف هالزحمة) لكنك لم تستهلك من الوقود إلا القليل، فرد بغضب (شوا نسيت الزيت والكوليات واهتراء الدواليب ونرفزتي) حاولت أن أتابع النقاش فلم يرد عليّ وتجاهل وجودي إلى جانبه، وحصل على المبلغ الذي يريد من دون نقاش، سكت مرغماً فلا شرطي سوف يقف إلى جانبي ولا حماية مستهلك، بل على العكس ربما يوجه إلي اللوم (الأستاذ حط عقلو بعقل شوفير) وبسبب الازدحام الرمضاني صارت باصات النقل الداخلي تتأخر ويطول انتظارها، والسرافيس تتحكم ولا أحد يردها، وهم يوجدون الأزمة متى أرادوا، وثمة أسف من الجهات المسؤولة لأنها لا تتمكن من متابعة الجميع، ولا سد الفراغات الفوضوية اللامسؤولة الموجودة في الأسواق، والنقل والشوارع والمؤسسات الحكومية والاستهلاكية والمواطن هو المغلوب على أمره، وحين يتم النقاش يرددون أنه لا يتعاون معنا، وعليه أن يمضي في السوق ساعات من الإرهاق متنقلاً، معالجاً، مستغلياً، باحثاً عن الأرخص دون الأجود، وساعات أخرى في انتظار واسطة النقل ليضربه الإنهاك، ويفقد النشاط، وأن يتعاون كي لا يخرج هو المقصر، ويستحق ما يقع عليه، بهذا المنطق يأتي التبرير، حدّثني أحد الباعة أنهم غيروا مراقب حماية المستهلك، كان يعبر الشارع من الجهة اليمينية يحصل على ما يحصل، يمضي ليعود في اليوم الثاني إلى الجهة اليسارية، أي يوم علينا ويوم على جيراننا الذين يواجهوننا، وكنا مقتنعين به، والحال عم يمشي، حضر الجديد وراح يأخذ الشارع على الجانبين في يوم واحد ليعود باليوم الثاني، طالع نازل، أعيدوا لنا المراقب السابق لأنه كان أرحم، ويترك لنا فرصة يوم من دون ابتزاز، ضحكت، وشرّ البلية ما يضحك.
إجمالاً بين السوق وحماية المستهلك وتجارة الجملة والمفرق، فالخاسر واحد هو المواطن (المعتر) الذي تؤثر الليرة الواحدة في موازنة شرائه، وعلمنا بأن السيد محافظ اللاذقية إبراهيم سالم الخضر دعا إلى اجتماع مع مديري الدوائر والمؤسسات والمنظمات الشعبية، وأبدى في حديثه استغراباً مما يراه في اللاذقية، وآخر فضيحة فساد كشفت في بنك التوفير للدخل المحدود، حيث يدفع الحاصل على قرض مبلغ 25000 ل.س للقرض بمبلغ 300000 ل.س وهي سرقة في وضح النهار، وصفتها التي يمكن أن تحملها الوقاحة بكل أبعادها، والاستهتار بالقانون والعمل، والمواطن، اتخذت الإجراءات القانونية وفي حال ثبوت الجرم ينبغي أن تطبق بحق الفاعلين أقسى العقوبة القانونية.
السيد المحافظ أبدى استغرابه في الاجتماع أمام من يثيرون الغرابة في قاعة الاجتماع، الذين يطالبون بمحاربة الفساد، كأنهم أبرياء منه، وإن لم يكونوا هم فمن يكون المواطن الذي هو ضحيته، وإذا كان الاستغراب يؤدي إلى معرفة الأسباب والوصول إلى النتائج فكيف فسر أن لا إجراءات تتخذ وثمة من يعتلون كراسيهم الإدارية منذ أكثر من 15 سنة، ولتكن تلك الغرابة بداية الانطلاقة التي تأخرت كثيراً وتجاوزها العديد من المحافظين الذين سبقوا سيادته وانتهت مهمتهم والحال على ما هو عليه.
كل عام ووطننا بخير، وكل شعبنا السوري المؤمن المضحي الصابر بخير، ونأمل أن يكون فطرنا في الانتصار الذي هو رجاء الجميع وأمنيتهم المنتظرة.