اشتراك شهري يصل إلى 10000 ليرة.. النوادي الصيفية بين العبء والضرورة.. رسوم اشتراك تفوق طاقة الأسرة متوسطة الدخل والمستثمر يدافع!!

اشتراك شهري يصل إلى 10000 ليرة.. النوادي الصيفية بين العبء والضرورة.. رسوم اشتراك تفوق طاقة الأسرة متوسطة الدخل والمستثمر يدافع!!

الأزمنة

الاثنين، ١٧ أغسطس ٢٠١٥

محمد الحلبي – رولا نويساتي
كثيراً ما كنا نسمع عند انتهاء العام الدراسي عن النوادي الصيفية التي تقيمها المدارس في العطل الصيفية لتلاميذها، حيث كانت تعمل هذه النوادي على رعاية الأطفال من خلال نشاطاتٍ ترفيهيةٍ وتعليميةٍ وتربويةٍ هادفةٍ تنمي قدرات الطفل ومواهبه التي لا يمكن للحصص الدرسيَّة أثناء الدوام الرسمي في المدارس أن تصقل للتلميذ هذه الموهبة، فيجد الطفل في النادي الصيفي فسحةً جيدة من الوقت لينمِّي موهبته ونشاطه، وكانت منظمة طلائع البعث تشرف على هذه النشاطات بالتعاون مع وزارة التربية ومديرياتها في المحافظات كافة، ولكن اليوم انطفأت شعلة تلك النشاطات بسبب ظروف البلاد التي لا تخفى على أحد، ما دفع بالأهالي إلى البحث عن سبلٍ أخرى تستقطب أبناءهم في العطلة الصيفية لعدة أسباب، منها أن يكون أبوا الطفل موظفين وبحاجةٍ إلى مكانٍ آمن يقضي فيه طفلهما ساعاتٍ مفيدة ريثما يحين موعد عودة أحدهم إلى المنزل، أو بحثاً عن خبراء يستطيعون تنمية مواهب أطفالهم بشكلٍ مدروس...
رسوم تسجيل خيالية
 من هنا بدأت المعاناة، فرسوم التسجيل في النوادي الخاصة لا تستطيع الأسرة المتوسطة الدخل أن تتحمل أعباءها المادية، وخصوصاً إذا ما حوت الأسرة طفلين أو أكثر، فمن الصعب جداً تسجيل جميع الأبناء في هذه النوادي، أما المراكز الثقافية فهي لا تفي بالغرض دائماً، إذ لا يمكن ممارسة جميع النشاطات فيها، وخاصةً النشاطات الرياضية، وهذا ما يجعل الناس تحجم عن تسجيل أبنائها في المراكز الثقافية على كثرتها بحجة أن الأطفال ملُّوا من الدراسة طوال تسعة أشهر وباتوا بحاجة إلى نشاطاتٍ ترفيهيةٍ أكثر من نشاطاتٍ تعليمة بغض النظر عن نشاطي الرسم والموسيقا التي لا تستهوي جميع الأطفال كالألعاب الرياضية، ولا ننكر هنا أن بعض المراكز الثقافية قد عملت على إيجاد محاور أخرى لاستقطاب الأطفال إليها كرواية القصص والعروض المسرحية وغيرها، إلا أنه يبقى للنوادي الصيفية التي كانت تقام في المدارس امتياز شموليتها لجميع النشاطات الفنية والترفيهية والرياضية والتعليمية على حدٍ سواء...
أوجاع وهموم مشتركة بين الأهالي
أبو ياسين – مدرس – قال للأزمنة:
ابني متفوق في دراسته، وهو يحب رياضة كرة القدم، وكنت قد وعدته إن حصل على مجموعٍ جيد أن أسجله في أحد النوادي ليمارس هوايته هناك مكافأةً له على تفوقهِ، وعندما توجهنا إلى أحد نوادي العاصمة صُعقت عندما قيل لي إن قيمة الاشتراك في الشهر الواحد 6500 ليرة سورية، ما عدا قيمة اللباس وثمن البطاقة (هوية النادي)، أي ما يعادل ثلث راتبي في الشهر الواحد، وبصراحة لم أستطع أن أنكث بوعدي تجاه ابني فاضطررت إلى تسجيله لشهرٍ واحد فقط كي أبر بوعدي له...
فيما قالت زهور – موظفة:
قبل الأزمة كنت أواظب على تسجيل أبنائي في الدورات الصيفية التي تقيمها مدرستهم الحكومية برعاية منظمة طلائع البعث ومديرية التربية في المحافظة، وكانت رسوم الاشتراك رمزية وبسيطة، وبمتناول كل أسرة، حيث يجد التلميذ الفائدة والمتعة واللعب، فيما أذهب أنا إلى عملي مطمئنةً بأن أولادي في أيدٍ أمينة، لكن اليوم وبعد أن عزفت المدارس عن إقامة مثل هذه الدورات بات من المستحيل تسجيل الأولاد في النوادي الخاصة، لأن كل واحد منهم بحاجة إلى نصف راتب موظف شهرياً، فهل يعقل أن أسجل ابني بنادٍ كلفة الاشتراك فيه بالعطلة الصيفية(ثلاثة أشهر) حوالي 25 ألف ليرة ما عدا أجور النقل، هذا ضربٌ من الجنون...
فيما قالت أم سامر – موظفة أيضاً:
لقد وضعت ابني في المركز الثقافي القريب من منزلي، حيث يقيم دورات تقوية في اللغات الأجنبية، ومع أن رسم التسجيل رمزيٌ جداً إلا أنني أحس بالعبء الكبير أول كل شهر عند تسديد رسم التسجيل، وحقيقةً لم أستطع أن أسجل أخويه الآخرين رغم رمزية الاشتراك، فهناك أمور أهم من اللهو واللعب في الوقت الحاضر....
لماذا أحجمت المنظمات عن إقامة النوادي الصيفية
أبو نضال مدير إحدى مدارس العاصمة قال للأزمنة:
النوادي الخاصة لا تهتم بالأطفال بقدر ما تهتمم بالعائد المادي بالدرجة الأولى، وسأتحدث بدايةً من كوني أباً، فلقد قمت بتسجيل ابني والذي يبلغ من العمر اثني عشر عاماً في أحد النوادي، وقد رافقته عدة مرات، فلم أجد سوى مضيعة للوقت بأشياء تافهة ريثما تنتهي حصة التدريب في هذه اللعبة أو تلك، ففي كرة القدم مثلاُ يقوم مدرب واحد تبلغ حصته من الأطفال ستين طفلاً بأعمارٍ متماثلة بجعل الأطفال يركضون لبضع دقائق ومن ثم يلقي بكرةٍ إليهم ليقوموا باللعب وحدهم، فيما يجلس هو بغرفته ريثما ينتهي وقت الحصة التدريبية، فأي فائدة جناها الطفل في هذا النادي، وكيف لموهبته أن تُصقل... الهدف واضحٌ جداً، والغاية جليَّةٌ، ألا وهي الحصول على المال من دون تقديم أي مقابل، فيما كانت الدورات الصيفية التي تقيمها المدارس سابقاً تصقل موهبة الطفل وتنمِّيها، وتكتشف قدراته، وتعتني بالمتميزين من الأطفال، وتدعم مسيرتهم من خلال زجِّهم في مسابقات كرواد الطلائع والبطولات المدرسية، وكثيراً منهم أصبح ذا شأنٍ رفيعٍ عندما شبَّ وكَبُر، وأعتقد أن الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد هي السبب الرئيسي عن إحجام المنظمات عن إقامة الدورات الصيفية في جميع المدارس، بالإضافة إلى قلة الكوادر الراغبة بالمشاركة في هذه النوادي بسبب انخفاض العائد المادي لأن رسوم الاشتراك غالباً ما تكون رمزيةٌ جداً...
نعم.. رسوم تسجيل باهظة.. ولكن!..
على الطرف الآخر من القضية التقت الأزمنة مع السيد أبو طارق – مستثمر أحد نوادي العاصمة، وسألناه عن سبب ارتفاع رسوم التسجيل التي يتقاضاها النادي لقاء الدورة الصيفية فقال:
بدايةً كل الحق مع الأهالي، وأنا أوافقهم الرأي أن رسوم التسجيل في النوادي الصيفية الخاصة باهظة جداً، لكن هناك مصاريف يدفعها المستثمر قد يغفل عنها الكثير من الناس، أولها أجور استثمار المنشآت الرياضية، وأجور المدربين، وإذا ما أراد المستثمر الاستعانة بمدربين ذوي خبرة، واسم وشهرة، وسمعةٍ حسنة توجب عليه دفع مبلغ كبير من المال لقاء قبول هذا المدرب العمل معه، ناهيك عن ثمن المعدات الرياضية الباهظ أيضاً، كل هذا يؤدي إلى زيادة قيمة رسم الاشتراك بالنسبة للمتدرب، بينما النوادي الصيفية التي تشرف عليها الدولة تنخفض رسوم التسجيل فيها لأن هذه الأخيرة تتبنى الجزء الأكبر من المصاريف، كشراء المعدات بالإضافة إلى انخفاض أجور المدربين فيها.
فيما قال محمد روحي شلّار – مدرب في نادي بردى:
نلاحظ إقبالاً شديداً من المتدربين على الألعاب الجماعية ككرة القدم وكرة السلة، وعزوفهم عن الألعاب الفردية كالدراجات والترياتلون (سباحة وجري ودراجة معاً) رغم انخفاض رسوم التسجيل في هذه الألعاب، ما يجعل المستثمرين يرفعون رسوم التسجيل في الألعاب الجماعية، حيث تبلغ رسوم التسجيل في الشهر الواحد ما يقارب الـ 2000 ليرة سورية في اللعبة الواحدة، وغالباً ما يتم تسجيل المتدرب بثلاث ألعاب معاً ريثما يحين موعد عودة أهل الطفل من وظائفهم، مقابل رسوم تسجيل رمزية في باقي الألعاب الفردية التي لا تستهوي الكثير من الناس، علماً أننا نمتلك مدربين محترفين في هذه الألعاب، ولهذا السبب عملنا على إدخال محور آخر يضاف إلى الألعاب الفردية مثل دروس تعليمية في الرسم يقوم عليها مدرسون أكفاء لاستقطاب أعداد أكبر في تلك الألعاب.
أحلام مؤجلة
ما كان يحصل عليه الطفل في الأمس بات صعب المنال اليوم في ظل غياب المؤسسات والمنظمات الرسمية والشعبية، وعجز المراكز والنوادي عن استيعاب جميع الأطفال من مختلف الشرائح والأعمار، ما يضطرهم إلى رفع رسوم الاشتراك في النوادي الخاصة للحصول على الأعداد المطلوبة بأعلى الأسعار، بالإضافة إلى اقتصار إنفاق الكثير من الأسر على الأساسيات والضروريات من احتياجات المنزل على حساب بعض حقوق الطفل، ليطفو على سطح هذه القضية تساؤلاتٍ مهمة..
أين تلك النوادي الصيفية التي كانت تتبناها المدارس صيفاً؟
وأين منظمة طلائع البعث ونشاطاتها الواسعة؟
لماذا لا يكون هناك رقابة على رسوم الاشتراك في النوادي الخاصة من قبل الاتحاد الرياضي العام؟ أم إن حق الَّلعب بات محصوراً بأبناء الطبقة المخملية فقط؟!..