الأمن الاقتصادي السوري.. هل يتعافى؟!

الأمن الاقتصادي السوري.. هل يتعافى؟!

الأزمنة

السبت، ١٩ سبتمبر ٢٠١٥

الأزمنة – مجد سليم عبيسي

في نهاية عام 2010 كانت سورية تقف على عتبة الاقتصادات الصاعدة سريعة النمو، وجاءت سورية ثالث أقل دولة نامية في العالم في عام 2010 من حيث حجم المديونية الخارجية- وذلك وفق بيانات المديونية الدولية للبنك الدولي، جاءت بعد إيران والجزائر وكلتاهما منتج كبير للغاز. وقفت سورية غير مرتهنة في قرارها الاقتصادي للمؤسسات المالية، فكان ذلك تحدياً كبيراً ربحته سورية في العقود الماضية. وكان استقلال القرار الاقتصادي جزءاً لا يتجزأ من استقرار القرار السياسي، فجاءت الحرب لتوقف تقدمها.
وبما أن البيروقراطية هي المسيطرة على مجتمعاتنا العربية، تمت بموجبها الحسابات لضرب الاقتصاد السوري وصولاً لانهيار قطاعات الدولة كافة. إلا أن التفكير بطرائق جديدة ليست بمتوقعة كفلت الخداع في الحرب وتحقيق النصر المبطن والخفي. وبقراءة موضوعية اليوم من الجانب الاقتصادي فهناك مؤشرات جيدة على تحسن ملحوظ بمواضيع تخص الأمن الاقتصادي السوري، رغم حجم المأساة الكبرى التي لحقت بالشعب نتيجة الحرب التي فُرضت عليه قسراً.
إن معظم البحوث والدراسات التي علقت على الاقتصاد السوري وتمحصت بتبعات الحرب عليه، أودت نتائجها إلى صيرورة أن الاقتصاد السوري يسير نحو الغرق في مستنقع الخسائر المتحركة التي لا فكاك منها. ولكن بإقرار الجهات الحكومية مؤخراً متمثلة بوزير الاقتصاد والتجارة الخارجية همام جزائري فإن المعطيات تشير إلى أن الحكومة كانت قد أحكمت أولى الخطا في تعافٍ اقتصادي، وقد تم تحقيق بعض الإنجازات على هذا الصعيد منذ نهايات 2014، متمثلة برفع القدرة على الاكتفاء الذاتي، كصناعة الأدوية التي أصبحت تلبي 85٪ من الاحتياجات للسوق المحلي، ولكن...
قال: استطاعت سورية أواخر 2014 تحقيق نمو اقتصادي وصل إلى 1٪ وكان هذا النمو الذي يحصل لأول مرة خلال الأزمة، ولكن هناك إشكالية واجهت الاقتصاد السوري إذ تنبهت الدول المعادية لسورية إلى تحسن نمو الاقتصاد، فعملوا على إعاقة استمراره وعرقلة التعافي، وذلك عن طريق زيادة وتيرة الحصار الاقتصادي، وبدء حرب إضافية أصبح المحور الاقتصادي أساساً فيها، تجلى ذلك في إغلاق المعابر واصفاً إياه بالإغلاق السياسي، مثل إغلاق معبري التنف ونصيب، ما أدى إلى خلق أثر سلبي مباشر على السوق وعلى المنتجين، إضافة إلى التأثير السلبي على تطور الإنتاج لأن معظم صادراتنا برية، والذي بدوره أدى إلى خلق حالة قصور في الإنتاج وخلق تحد جديد بات من الواجب العمل للتكيف معه، وإيجاد حلول جديدة عبر الشحن البحري..
تمكنت الحكومة من إبرام عقود للملاحة البحرية مع المرافئ السورية، مشيراً أيضاً إلى الضغط على سورية للحد من قدرتها على توليد الكهرباء بعد ضرب خط الغاز، وبات الخيار هو الفيول بدل الغاز وهذا ما كلف الحكومة مبلغاً من 50 وحتى 60 مليون دولار ثمن عقود الفيول التي أدت إلى التقليل من بعض المستوردات الأخرى.
نتيجة العراقيل الدولية التي مورست جراء إرهاصات التعافي الأول، تم الانتقال إلى مرحلة ثانية جديدة للعمل على توفير مقومات النمو الاقتصادي حيث إن الأسواق هي الدافع، وبات التحدي الاقتصادي هو التحدي الطاقوي وتأمين الحامل الطاقوي لرفع معدلات الإنتاج مع تأمين القدرة على تأمين المشتقات النفطية التي لا ننتجها وإنما نستوردها لتأمين الكهرباء. وهنا لفت الوزير إلى تحد يتمثل بالقدرة على تأمين الموارد للدولة التي باتت لا تعتمد كلياً على النفط والمحاصيل الاستراتيجية وإنما على الاقتصاد ذاته.
قال: هي معادلة جديدة بتنا نتعامل معها عبر الإنتاج ثم التصدير لتحقيق موارد يضاف إليها الضرائب التي علينا فرضها على القطاع الخدمي الذي ما زال يعمل ويستمر رغم الظروف الصعبة، وعبر تحصيل موارد الدولة من الاقتصاد. والمجتمع بمستويات دخله الحالية غير قادر على تحمل عبء تحقيق هذه الموارد، ويمكن أن تتحقق من الضرائب والمستوردات إلا أن الأمر يحتاج إلى وقت لتحصيلها.
وتعرض الجزائري لموضوع هجرة السوريين المتزايدة خلال سنوات الحرب وأثرها الاقتصادي، كاشفاً عن رقم صادم لكلفة المهاجرين وصل إلى 420 مليون دولار مؤخراً، إذ إن كلفة كل مهاجر تصل إلى نحو 7 آلاف دولار، يتم سحبها من سوق الصرف، نظراً لأن الكثير من المهاجرين باعوا ممتلكاتهم وبيوتهم وسياراتهم ومصاغهم واشتروا دولارات لدفع تكاليف الهجرة، وهو نزيف آخر لموارد الدولة.
 
2015 خروج من تحت الرماد:
 
يمكن القول: إن ملامح التعافي ظهرت في الصناعات النسيجية بصفتها الأكثر مرونة لإعادة التشغيل ولارتكازها على الورشات الصغيرة والمتوسطة (التي أصبحنا نشهدها في الأقبية والحارات داخل المدن). تبعتها الصناعات الغذائية الصغيرة وبعض الصناعات الممكنة.
تلقفت الحكومة هذه الإشارات فتبينت سياسة اقتصادية تقوم على:
•تعزيز مقومات التعافي للصناعات الصغيرة والمتوسطة.
• تعزيز سبل استمرارية هذا التعافي.
وهنا برز تحول مهم في السياسة الاقتصادية من أولوية تأمين السلة الاستهلاكية (استيراداً) إلى أولوية تأمين السلة الإنتاجية (محلياً) وتبنتها الحكومة تدريجياً لحماية صناعاتها الناشئة (التي تتعافى) وتناولت عدداً من القطاعات الرئيسية في برامج التسهيلات والدعم.
كما تم تسهيل دخول المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج وتمويلها عبر مصرف سورية المركزي خفضاً لتكاليف الإنتاج ودعماً للتصنيع المحلي.
عدا تعزيز الاستثمارات في المؤسسات العامة الارتكازية الصناعية والزراعية (المؤسسة العامة للدواجن) والإنشائية، فعودة القطاع العام الإنتاجي لم تكن عودة طارئة فرضتها الأزمة، وإنما خيار إستراتيجي لدعم البنية الصناعية والارتكازية في سورية. فتمت إعادة الاستثمار العام ترميماً وتوسعاً في الصناعات الهندسية كصناعة الكابلات والأبراج الكهربائية والصناعات الكيميائية وخاصة الأسمدة والصناعات الغذائية والنسيجية، ودور مؤسسات التدخل الإيجابي في محاولات جيدة لضبط الأسعار في الأسواق وهذا تطلب استثمارات جديدة في القدرات التخزينية وخاصة من خلال تفعيل دور الشراء من المنتجين المحليين.
وبمقارنة الوضع المصرفي من حيث السيولة بين العام المنصرم 2014 وحتى الربع الأول من عام 2015 الجاري قياساً إلى منتصف العام 2012 خلال الفترة التي وصفت بأنها ذروة الأزمة نجد أن سيولة المصارف تشهد تحسناً مستمراً مع ارتفاع معدل الإيداعات لديها بل إن سيولتها سجلت ازدياداً ملحوظاً مع انفراج أجزاء من ظروف الأزمة اقتصادياً، وفي نفس الوقت فإن مصرف سورية المركزي أعلن عشرات المرات عن استعداده التام لتلبية احتياجات أي مصرف من السيولة في أي وقت.‏
وبجولة رقمية عاجلة نجد أن سيولة المصرف العقاري قد قاربت 37% بعد أن انخفضت إلى ما دون 7% خلال تلك الفترة في حين أن سيولة المصرف التجاري السوري قد قاربت 45% مؤخراً بالليرات السورية و34% بالقطع الأجنبي مقارنة بنسبة تقارب 20% خلال تلك الفترة.
وعلى نفس الخط نجد المصرف الصناعي قد وصل إلى نسب مختلفة من السيولة تتراوح بين 17 و20% بعد تعب وإرهاق وإشاعات طالت وضعه العام، أما المصرف الزراعي التعاوني فقد استمر في مهمته بتمويل المحاصيل الزراعية والمواسم الزراعية بعد موافقة الجهات الوصائية المعنية، كما استند مصرف التوفير على سيولته التي تتجاوز بكل يسر وسهولة حاجز 50% حتى يستمر في تقديم القروض لشريحة متنوعة من المواطنين السوريين.‏
وفي حدث تم في نهاية 2014 حول منح جائزة مجلة "غلوبال فاينانس" لأحد البنوك العاملة في سورية، علق يومها حاكم مصرف سورية المركزي الدكتور أديب ميالة: الحدث ما هو إلا دليل على قوة ومتانة القطاع المصرفي في سورية بعد سنوات من الأزمة التي تمر بها البلاد، رغم ما يواجهه القطاع المصرفي من تحديات وصعوبات عمل في ظل ضغوط اقتصادية وظروف غير اعتيادية.