السدود في درعا خارج الخدمة.. والفلاح أمام نارين..! والعجز المائي يدق ناقوس الخطر..!

السدود في درعا خارج الخدمة.. والفلاح أمام نارين..! والعجز المائي يدق ناقوس الخطر..!

الأزمنة

الأحد، ١١ أكتوبر ٢٠١٥

محمد العمر
يجد الفلاح في محافظة درعا زراعته أمام مأزق كبير نتيجة ما تعرضت وتتعرض له مشاريع الري من السدود والشبكات ومحطات الضخ من التخريب والتعديات، ولاسيما أن معظمها يقع في الأماكن الساخنة بالمحافظة، والذي أدى هذا بشكل واضح إلى الانخفاض الحاد في إنتاجية المشاريع المائية، كما أن الحفر العشوائي للآبار وسحب مياه السدود لاستخدامها في ري المزارع، كانت كفيلة بحصول الجفاف ونقص منسوب المياه في ابرز سدين هما سد درعا الشرقي وسد سحم الجولان.، وتفاقم هذا التراجع أكثر مع ظروف الأزمة التي تمر فيها البلاد، فخرجت مساحات كبيرة من العمل الزراعي وانكمشت زراعة بعض المحاصيل التي تحتاج إلى مياه ري وافرة.
هموم الفلاح
ما يهم الفلاح اليوم ورغم ظروف الأزمة بتأثيرها السلبي، هو حاجته للمياه لري زراعته خاصة أن اعتماده بشكل رئيسي هو على مياه الري من المشاريع الحكومية، مشيرا العديد ممن التقيناهم إلى أن الشبكات المطمورة والسطحية الممتدة من السدود والينابيع إلى مساحات واسعة من المحافظة وفّرت المياه بيسر وبكميات كافية من دون رسوم عالية، وأسهمت في توسع الزراعة وتحسين إنتاجيتها كماً ونوعاً ومردوداً، لكن مع سنوات الأزمة أخذت تتعرض منظومة الري ومنشآتها لتعديات وأضرار عديدة وبإضافة التقنين الطويل والأعطال المتكررة للتيار الكهربائي الذي يُعتمد عليه بشكل رئيس في تشغيل المشاريع وعلى الأخص محطات الضخ، أصبح أداء تلك المشاريع في حدود ضيقة، وهو ما عكس معاناة شديدة لديهم، إذ باتوا حائرين كيف يتدبرون أمور ري أراضيهم بعد خروج بعض مشاريع الري من الخدمة وقلة أوقات عمل بعضها الآخر، وناشدوا الجهات المعنية للعمل ما أمكن على صيانة المضخات والشبكات وإعادة الخارج منها إلى الخدمة ولو بنصف طاقتها قبل الأحداث بما ينعش الحقول ويعيد الإثمار لمحاصيلها.
علي العرجوني فلاح حمّل الآخرين من المزارعين بالمسؤولية عن نقص المياه والجفاف بالآبار الحاصلة بسبب الحفر العشوائي دون وعي أو إدراك مشيرا إلى أنه لابد أن تكون هناك حلول جذرية، لمنع التفريط بمخزون المحافظة من المياه الجوفية والسدود، الأمر الذي قد يشكل أزمة كبيرة في المحافظة خلال السنوات القليلة القادمة” إن لم نتفاد المخاطر..
جمال العطوان فلاح من المزيريب ترحّم على سنوات خلت من وفرة المياه ومتانة حين كان هناك 4 سدود تقوم بتوفير المياه لسقاية مواشي البدو الرحل بعتمان والبطم قرب السماقيات وابطع الصغير وغدير الصوف في الكرك، بينما كانت تتولى بقية السدود البالغة 12 سدا ري الأراضي التي تزرع بالمحاصيل المروية وأهمها القمح الذي يعد إلى اليوم من المحاصيل الاستراتيجية في المحافظة، وحينها أي منذ عشرين عاما، امتلأت السدود بالمحافظة مرتين، وفي باقي السنوات كانت تتراوح نسب التخزين مابين 20 إلى 40 بالمئة. وراح العطوان يضرب كفيه اليوم جراء ما يحصل من شح للمياه وعجز السدود المتبقية عن الري لمساحات واسعة من الزراعة، خاصة سد درعا الذي بات اليوم مهدداً بالزوال حسب قوله بسبب جفاف مياهه التي تكاد أن تكون أثراً بعد عين, وقد كان سد درعا يحتوي ما يقارب 15 مليون متر مكعب من المياه في وقت سابق, وكان يغذي مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في المحافظة، إلا أن مياهه في هذا الوقت تعتبر أقل بعشرات المرات عمّا مضى, بسبب انقطاع استجرار المياه إليه، وقلّة الأمطار مما يهدد بجفافه بشكل كامل، ما أدى إلى نضوبه بنسبة 90%. كما أن هناك عدداً من سدود المياه بريف درعا الغربي قد جفّت بشكل كامل وبعضها انخفض منسوب مياهه إلى أكثر من 60% ما يُشكل خطراً في المستقبل القريب على معظم مناطق المحافظة.
 
سدود بحاجة إلى تقييم وتأهيل
رغم الهموم والعقبات التي تواجه الزراعة اليوم، وصارت من التحديات الكبيرة في عدم القدرة على الري لمساحات زراعية، تضع مديرية الموارد المائية في درعا نصب أعينها الحصاد الأمثل والاستثمار المدروس للمياه المتاحة من جميع المصادر، وقد أوضح المهندس عكاش علوه - مدير الموارد المائية إنه يوجد في المحافظة 16 سداً طاقتها التصميمية تستوعب تخزين 92 مليون متر مكعب، في حين لم تتعد كمية المياه المخزنة فيها للموسم الحالي 20,115 مليون متر مكعب بنسبة تخزين 21,9%... وقد بدأت أعمال استثمار تلك المخازين لري المحاصيل الصيفية بدءاً من منتصف شهر نيسان الفائت، علماً بأن المساحة التصميمية المروية على شبكات السدود تبلغ 10144 هكتاراً، خطط منها لهذا العام وفق المتوافر المائي للمحاصيل الشتوية والصيفية 5023 هكتاراً. مشيراً إلى أنه سيتم تنفيذ خطة الري “حسب المتوافر من مخازين السدود” مستعرضا عوائق تنفيذ الخطة والمتمثلة “بالانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي وسوء شبكات الري من الناحية الفنية”. وأشار إلى أن المديرية تجري الإصلاحات الضرورية لمحطات الضخ والشبكات للسدود بما يضمن تنفيذ الخطة الزراعية على النحو المطلوب كما تمنح جميع المزارعين المياه اللازمة لري الخضراوات حسب الطلب وضمن آلية تضمن عدالة توزيع المياه. وذكر أنه على الرغم من إمكانية استثمار تلك السدود فمعظمها بحاجة إلى إعادة تقييم وتأهيل بسبب وقوعها في مناطق ساخنة، ولاسيما سدود الشيخ مسكين والعلان والغارية التي حدثت فيها انزلاقات خفيفة، علماً بأنها لا تؤثر في استثمارها بالحد الأدنى للتخزين، كما لا تشكل أي خطورة وهناك خطط لصيانتها وإعادة تأهيلها فور توافر الظروف المناسبة. لافتاً إلى أن جميع الشبكات على السدود والينابيع البالغ طولها 510481 كم ما بين أنبوبية ومكشوفة وسواء كانت رئيسة أو فرعية أو ثانوية وما دون يتم تشغيلها حسب المتوافر المائي ووفق إمكانية عمل محطات الضخ المرتبط بمدى توافر التيار الكهربائي، علماً بأن الشبكات تحتاج أيضاً إلى صيانة وإعادة تأهيل. ‏
 تحديات ولكن..!
لا يمكن نسيان أن الأزمة أثرت سلباً على واقع المشاريع المائية وما زالت تؤثر بشكل كبير إلى هذا الوقت بعدما كانت تشكل تغذيةً رئيسية للسدود، إذ كان يشكل مشروع اليرموك الأعلى الرافد الرئيس لتغذية سدود كل من درعا الشرقي وغرب طفس وعدوان والشهيد الباسل بالمياه خلال موسم الشتاء، وعن واقعه أشار المهندس طوني العبد الله رئيس قسم الاستثمار والموارد إلى أن محطات الضخ الأولى والثانية والثالثة والرابعة العاملة ضمنه تعرضت للتخريب ما أوقف تغذية السدود المذكورة بكمية مياه تقدر بحوالي 40 – 45 مليون متر مكعب، وأخرج حوالي 3 آلاف هكتار من الأراضي كانت تزرع بمحصول القمح الاستراتيجي ضمن نطاق خدمة هذا المشروع، وبشكل عام يوجد في المديرية 15 محطة ضخ للري الشتوي والصيفي وتتم متابعة تشغيل وصيانة العامل منها حسب الإمكانات والظروف المتاحة. لكن تبقى هناك التحديات والعقبات وتبقى هناك الظروف الأقوى لتوقف بعض المشاريع، إذ كان العمل جارياً في تنفيذ عدة مشاريع للموارد المائية خاصة إعادة تأهيل كل من سدي غدير البستان وعدوان وتطوير شبكة ري الهرير، لكنه توقف بسبب الظروف الحالية رغم وصوله نسباً جيدة، وذكر المهندس غزوان البوش رئيس قسم الشؤون الفنية في مديرية الموارد هناك مشاريع مدروسة ولم يتم التعاقد على تنفيذها وهي تطوير شبكة سد درعا الشرقي مرحلة 2 و3 لمساحة 765 هكتاراً وشبكة ري سد عابدين وشبكة العلان وصيانة سد درعا الشرقي ومحطة الضخ الأولى له وتطوير القناة المكشوفة في مشروع اليرموك الأعلى، ومجملها قيد التريث بالتنفيذ، أما المشاريع قيد الدراسة فهي صيانة سدي الشيخ مسكين والغارية الشرقية وتطوير شبكة ري سد سحم الجولان وسد الشيخ مسكين.
حتى على مستوى التحديات فهناك الإدارية أيضاً والتي طالت ظروفها الأزمة وسبب نقصاً حاداً بالعاملين، إذ يصل عدد العاملين فعلاً في المديرية إلى 718 عاملاً وعاملة من مختلف الفئات، ووفقاً لبيانات رئيس قسم الشؤون الإدارية والقانونية عبد الناصر غزلان بلغ عدد الحاصلين على إجازات خاصة بلا أجر 74 وعدد المستقيلين 38 ومن هم في حكم المستقيل 101 والمنتهية خدماتهم لبلوغ السن القانونية 25 وعدد المتوفين 17 والمصروفين من الخدمة 16 عاملاً وعاملة.
 فوضى الآبار
كما هي اليوم وبالسابق، من التحديات الكبيرة يبقى الحفر العشوائي، ما يسمى "فوضى الآبار" مشكلة بحد ذاتها والتي ما زالت تشكل أرقاً لمديرية الموارد المائية في جموحها والحد منها، إذ لا يقتصر الري على المشاريع الحكومية وإن كانت الحامل الأكبر له، إذ توجد في المحافظة آبار زراعية يصل إجماليها إلى 4739 بئراً منها 3439 مرخصة و1300 غير مرخصة، وقد قدمت طلبات ترخيص بشأنها، وهذه الآبار تروي مساحة 11967 هكتاراً، ووفقاً للمهندس علوه رئيس الموارد، فإنه جرى خلال سنوات الأزمة حفر عدد كبير من الآبار المخالفة ولمختلف الأغراض ضمن المناطق الساخنة ولا تتوافر إحصاءات حولها، وسيتم رصد ومتابعة هذه الآبار من قبل الضابطات المائية فور توافر الظروف المناسبة، علماً بأن هذه الضابطات تقوم بعملها ضمن الأماكن الآمنة وترصد وتعالج جميع الآبار المخالفة، وبشكل عام، فإن فوضى حفر الآبار العشوائي والمخالف سينعكس سلباً على واقع المياه الجوفية في الحوض المائي للمحافظة.
 
ومياه الصرف الصحي تزيد في الطابور نغماً
كما أنه خلال الأزمة انخفضت عمليات المراقبة تزامنا مع خروج سدود مائية، ما جعل ضعفاء النفوس تلجأ إلى الري بالمياه الآسنة والصرف الصحي خاصة في المناطق الساخنة، الأمر الذي يكتسب العمل على مراقبة نوعية المياه أهمية خاصة لما له من دور في الحفاظ على الصحة العامة، وفي هذا الإطار أشار المهندس مروان الربداوي رئيس قسم مراقبة نوعية المياه إلى أن القسم المختص كان يعمل على مراقبة ومتابعة نوعية المياه في جميع المصادر المائية من سطحية وجوفية ومياه معالجة وصرف صحي وغيرها، وذلك من خلال قطف عينات وإجراء التحاليل الكيميائية والفيزيائية والجرثومية والمعادن الثقيلة والكربون العضوي واللاعضوي والأثر المتبقي للمبيدات وتقييم نوعية هذه المياه، لكن بسبب الأحداث الجارية تم نقل الأجهزة المخبرية إلى المستودع حفاظاً على سلامتها، وبذلك توقف العمل في المخبر ولم يتم إجراء أي تحاليل خلال العام الفائت وحتى تاريخه، وحالياً تم تزويد المديرية من قبل الهيئة العامة للموارد المائية بجهازين لتحليل المياه حقلياً وفي مقر المديرية، وسيتم مراقبتها لجهة تحقيق هدف تنظيم استخدام المياه بشكل جماعي والحد من استنزاف المياه الجوفية وترشيد استخدامها وإدارتها بما يحقق عدالة توزيع المياه بين جميع المستفيدين وفق الحاجات وبأقل التكاليف، وقد قامت المديرية بتشكيل 16 جمعية لمستخدمي المياه في مدينة درعا بعد صدور قراراتها من الوزارة وتم منح هذه الجمعيات رخص حفر للآبار، لكن الظروف الراهنة حالت دون استكمال العمل في هذا المجال لوقوع معظم الجمعيات في مناطق ساخنة.