أزمة الثقة بين المؤجرين والمستأجرين سبب رئيسي في ارتفاع آجار الشقق السكنية

أزمة الثقة بين المؤجرين والمستأجرين سبب رئيسي في ارتفاع آجار الشقق السكنية

الأزمنة

السبت، ١٧ أكتوبر ٢٠١٥

الأزمنة| محمد الحلبي
تعد أزمة السكن هي أم الأزمات التي عصفت بالمواطن السوري خلال السنوات الأربع الماضية من عمر الأزمة, ومنها وعنها تفرعت باقي المصائب والعوائق التي أرهقت كاهل من تشرد من منزله, ووجد نفسه دون مأوى أو ملجأ يقيه ويحمي أسرته من شبح التشرد..
مشاكل اقتصادية واجتماعية وصحية وظروف معيشية صعبة أحاطت بالأغلبية العظمى من مواطني بلدنا وسط عجزٍ واضحٍ من الحكومة لإيجاد حلول مجدية تحت ذريعة أنها حكومة أزمة وتعمل بظروف صعبة, لا على العكس تماماً, فكثيراً ما وجدنا هذه الحكومة تقف مكتوفة الأيدي أمام بعض المشكلات التي كبلت من تضرَّر من المواطنين, ومنها أزمة السكن وإيجارات المنازل الخيالية, حيث فتح الباب على مصراعيه أمام جشع ملاك المنازل والمكاتب العقارية باستغلال حاجة المواطنين الباحثين عن مأوى, واتباع أساليب ملتوية من قبل هذه المكاتب وصاحب العقار المؤجر بتسجيل قيم آجار وهمية على العقد هرباً من الرسوم التي سوف تستوفيها المحافظة عن قيمة الآجار, ويبقى المستأجر هو الحلقة الأضعف في هذه الدوامة, ويقبل بأي شيء يمليه عليه المكتب العقاري أو صاحب العقار كي يبقى مستوراً بأربعة جدران تقيه من شبح التشرد في الشوارع والحدائق العامة...
أرقام وحقائق مرعبة
تفيد آخر إحصائية صادرة عن الأمم المتحدة أنه ما يقارب عشرة ملايين مواطن سوري تضرروا من الحرب الدائرة في البلاد, أي ما يقارب نصف سكان سورية, منهم 6,5 ملايين شخص نازح داخل الوطن 3,5 ملايين لاجئ خارجه, ومنهم حوالي مليوني مواطن فقدوا ممتلكاتهم بشكلٍ كامل, فيما وصل عدد المنازل المدمرة إلى عتبة المليوني منزل أيضاً كان لمحافظة حلب وريف دمشق النصيب الأكبر منها, وأشارت الإحصائية إلى أن إعادة إعمار ما قد تم هدمه وتخريبه يحتاج إلى ما يقارب 800 مليار ليرة سورية, وتبقى هذه الأرقام غير دقيقة بسبب استمرار الحرب والعمليات العسكرية في المناطق السكنية الساخنة ما يجعل إمكانية الحصول على أرقام أكثر دقة بالأمر الصعب حالياً..
إيجارات خيالية
أما عن قيمة إيجار الشقق السكنية فقد باتت ضرباً من الخيال, إذ إن أجرة الشقة وسط العاصمة في منطقة البرامكة وما حولها على سبيل المثال كان قرابة الـ(30 ألف) ليرة سورية قبل الأزمة, فيما تخطى عتبة المئة ألف ليرة سورية اليوم, أما أجار الشقق في العشوائيات (التضامن - دف الشوك - جرمانا...) فكان بحدود سبعة آلاف ليرة سوري شهرياً قبل الأزمة في حين وصل اليوم إلى حوالي الأربعين ألف ليرة سورية, ومع ذلك يلقى سوق العقارات رواجاً كبيراً وإقبالاً شديداً نتيجة الطلب المتزايد على استئجار العقارات مهما بلغت قيمتها..
قصص ترويها الدموع
طبعاً لا يمكننا الإحاطة بكل القصص فكل مستأجر لديه قصة معاناة قد لا تسعها صحف العالم, لكننا رصدنا نماذج مختلفة قد تشبه أحداثها قصص العديد من الناس المهجرين ومعاناتهم الدائمة والخوف الدائم من أن يكون التشرد هو مصيرهم..
كانت تقف بجانب سيارة نقل صغيرة مغلقة (بيك آب) وهي تعد الشاي, فيما كان زوجها مستلقياً في صندوق السيارة وأبناؤها الصغار يلعبون حولها, سألناها عن حالها فقالت ودمع العين يسبقها: تهجرنا من مخيم اليرموك.. لم نستطع أن نأخذ معنا أي شيء سوى بعض الأغطية وهذه السيارة.. قصدنا أقاربنا الذين كثيراً ما قمنا بواجب ضيافتهم واستضافتهم في غابر الزمان, إلا أننا لم نلقَ منهم عندما جار الزمان علينا سوى الذل والإهانات والمضايقات, إلى أن انتهى بنا المطاف على هذا الرصيف, فأصبحت هذه السيارة هي بيتنا, وعندما سألناها كيف تتدبر باقي أمورها الحياتية.. قالت: نقوم بالاستحمام وقضاء الحاجة في حمامات الجوامع كلما سنحت الفرصة.. حياة صعبة ولا شك لكنها أرحم من ذل وظلم ذوي القربى وإهاناتهم..
فيما وجدنا أول اتوستراد الزاهرة الجديدة عدّة خيام نصبها بعض الناس, اقتربنا منهم وسألناهم عن حالهم فقالوا إنهم تهجروا من منطقة الحجر الأسود ولا طاقة لهم في دفع أجور خيالية مقابل شقة سكنية, إذ إن أغلبهم كان متعيشاً, فمنهم من كان يعمل ماسح أحذية, ومنهم من يعمل على بسطة, وآخرون يعملون حمالين (بالعتالة), أي إنهم بالكاد يجمعون قوت يومهم فقط..
كان صوته يزلزل أرجاء المكتب العقاري في منطقة البرامكة وهو يقول: (ماعندك ضمير... لك رحمونا) سألناه عن حاله فقال هذه هي المرة الثالثة التي يزيد فيها صاحب الشقة قيمة الإيجار.. منذ ستة أشهر طلب مني ستين ألفاً قيمة الشهر الواحد في شقة لا تقبل الفئران العيش فيها, عبارة عن غرفتين ومنافع في أحد الأقبية, ووقتها لم يقبل إبرام العقد إلا لمدة ثلاثة أشهر فقط وقد قبلت بذلك, وبعد انقضاء المدة أردت تجديد العقد فوافق ولكن مقابل 75 ألف ليرة سورية للشهر الواحد, شرحت له ظروفنا الصعبة وطلبت منه الرحمة لكنه أبى, وخوفي من عدم الحصول على مأجور بسرعة وافقت على طلبه, واليوم يريد 85 ألف ليرة سورية ويقول إن هناك من أعطاه تسعين ألفاً.. لقد ماتت الرحمة في قلوب الناس.. وعندما سألناه عن عمله وكيف يقوم بجمع هذا المبلغ الكبير قال: أسكن في الشقة مع شقيقي وأولادنا.. أنام في غرفة مع زوجتي وأطفالي, وينام شقيقي في الغرفة الثانية مع زوجته وأولاده وكلٌّ منا يعمل عملين... نخرج في الساعة السابعة صباحاً ولا نعود حتى منتصف الليل.. أكثر الأيام ننام ومعدتنا خاوية لنوفر لقمة الطعام لأولادنا.
فيما قال (أبو فادي) وهو يعيش ضمن أحد المحال التجارية في منطقة جرمانا.. خرجت مع زوجتي وابنتي وابني وزوجته من منزلنا في الحجر الأسود, ونحن لا نملك قوت يومنا, مكثت في بيت أهلي بضعة أيام ريثما أتدبر أموري حتى أعياني البحث عن منزل يؤويني أنا وعائلتي قبل أن تتقطع بنا السبل أمام الأرقام الخيالية التي يطلبها ملاك العقارات والمكاتب العقارية, حتى حط بنا الرحال في منطقة جرمانا عندما استأجرنا محلاً تجارياً ليؤوينا, وجاد علينا أهل الخير ببضعة أغطية, وقد قمنا بوضع ستارة قسمت المحل إلى قسمين كي ينام ابني وزوجته في جانب, وأنا وزوجتي وابنتي في جانبٍ آخر.. حياة صعبة وقاسية بتنا نعيشها بعد أن كنا نملك بيتاً واسعاً وتجارتي وأعمالي على أتم وجه..
تبريرات ولكن؟!..
زوجي عاطل عن العمل منذ سنوات ورغم أن ولديَّ مع زوجتيهما وأولادهما يعيشون معي في ذات المنزل إلا أنني قمت بتخصيص إحدى الغرف من منزلي وإعدادها للآجار, هذا ما قالته (أم جهاد) حيث تابعت قائلةً: الحياة صعبة وقاسية.. أقوم بتأجير الغرفة بعشرين ألف ليرة سورية مع مطبخ وحمام مشترك, نعاني أحياناً من بعض المشاكل كانقطاع المياه نتيجة عدد الأفراد الكبير الذي يعيش في المنزل, أعلم أن قيمة الآجار مرتفعة, لكن لا حل آخر أمامي لأتدبر أمور حياتي اليومية..
أنا طاعن في السن كما ترى، ولا أستطيع العمل، أعيش في منزل وأقوم بتأجير منزلٍ آخر اشتريته لهذه الغاية منذ سنوات، حيث بات مصدر رزقي الوحيد، أعلم أن قيمة الآجار كبيرة لكن الموضوع لم يقف عند آجار الشقق، فكل شيء أصبح باهظ الثمن، وبدورنا نريد أن نعيش أيضاً...
بعض تصرفات المستأجرين أسهم بارتفاع أجارات الشقق
(أبو خالد) صاحب مؤسسة الأيهم العقارية قال للأزمنة: المكاتب العقارية تتقاضى عمولة عن تنظيم العقد بين المالك والمستأجر, لكن عندما يشعر صاحب المكتب أن قيمة الآجار المدونة في العقد وهمية يضطر إلى تخمين القيمة الحقيقية للمأجور كي يستوفي العمولة المستحقة, فمن غير المعقول مثلاً أن يكون آجار شقة مؤلفة من ثلاث غرف ومنافع في منطقة البرامكة بعشرة آلاف ليرة سورية شهرياً.. أما إن أرادت محافظة دمشق تصديق هذا الرقم لتستوفي الرسوم المستحقة لمثل هكذا شقة فهذا شأنها, وأحب أن أنوه هنا أن أصحاب المكاتب العقارية لا علاقة لهم بارتفاع قيمة المأجور, فكل مالك يقوم بتقدير وطلب الرقم الذي يراه مناسباً, والأمر متروك للعرض والطلب, وطبعاً بات أصحاب الشقق يستغلون حاجة المهجرين, وهناك جشع واضح من هذه الناحية, وأعتقد أن الدولة يجب عليها أن تنظم العلاقة بين الطرفين لتحفظ لكل ذي حقٍ حقه, وإن كان المستأجر هنا يبدو الحلقة الأضعف في الموضوع إلا أن بعض تصرفات المستأجرين دفعت بملَّاك الشقق إلى الخوف على ممتلكاتهم أيضاً, فكثيراً ما عبث المستأجر بأثاث الشقة المستأجرة انتقاماً من مالك الشقة, وكثيراً ما هرب المستأجر دون أن يسدد ما عليه من التزامات مالية لمالك الشقة كفواتير الماء والكهرباء والهاتف, كل ذلك دفع المؤجرين إلى زيادة قيمة الآجار, ودفع مبلغ تأمين أحياناً مع استيفاء قيمة آجار الشقة سلفاً...
نقطة نظام
قد تبدو العلاقة بين المستأجر والمؤجر شائكةً جداً, وهي أزمة ثقة وأخلاق بالدرجة الأولى.. هي مشاكل قديمة ألبستها الأزمة ثوباً جديداً رأى فيها أصحاب العقارات وبعض المكاتب العقارية نبعاً يروي طمعهم من إنسان ضعيف لا حول له ولا قوة, في ظل نوم وسبات الحكومة عن هذه المشكلة التي تحتاج إلى حلولٍ وأنظمةٍ لضبط العلاقة بين المؤجر والمستأجر, وتنظيم عمل المكاتب العقارية لحفظ حقوق طرفي العلاقة, وإن كان القانون رقم /6/ لعام /2001/ حاول ترميم الثغرات التي وجدت في قانون عام /1952/ والذي اعتبر خطوة متقدمة آنذاك في تنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين, إلا أننا اليوم بحاجة إلى قانون أزمة, أو قرارات استثنائية على أقل تقدير تضبط العلاقة في سوق العقارات, وتحدد قيمة الآجارات المستحقة في كل منطقة بضوابطٍ معينة, وأن تَشرَع الحكومة منذ اليوم إلى الاستعداد لبدء مرحلة جديدة هي مرحلة إعادة الإعمار, وخصوصاً أن حل الأزمة السورية بات يلوح في الأفق, وأن نعتبر أن العامل الإيجابي الوحيد لهذه الأزمة هو إعادة هيكلة وتنظيم البنيان العمراني للعشوائيات, وتعويض المتضررين بمساكن تتوافر فيها شروط السكن الصحي بآلياتٍ معينة, تضع الحكومة شروطها وبنودها آخذةً بعين الاعتبار الظروف الصعبة والقاسية وسوء الحالة المادية للمواطنين من جرّاء الأزمة التي أرهقت جميع أبناء الوطن.