رغم الحرب.. نشاط غريب في سوق السيارات !!

رغم الحرب.. نشاط غريب في سوق السيارات !!

الأزمنة

السبت، ٢٦ مارس ٢٠١٦

الأزمنة – مجد سليم عبيسي
السوق قلقة وغير مستقرة، الأسعار نار ومع ذلك حركة البيع والشراء جيدة !
هذا وضع سوق السيارات اليوم مميزاً عن غيره من الأسواق ودوناً عن غيره من السنوات، إذ رغم الأسعار التي لا واقعية فيها إلا أن حركة البيع والشراء تحسنت بشكل ملحوظ مع بداية هذا العام!! كلمة تحسنت تنم عن شعور جيد ولكن الحقيقة ليست كذلك لأنها فعلياً فارت وهاجت.
قنابل الواقع هذا فجرها تجار السيارات في رأسي حينما قصدتهم بصدد السؤال عن أمر ففوجئت بأمر آخر، وبعد سلسلة من الاعترافات والتحاليل خلصت إلى نتيجة قد تبرر هذه المفارقة الغريبة التي اجتاحت عام 2016 منذ بداياته وهي باختصار "الشلف بالأسعار ونشاط غير مسبوق في البيع والشراء".
 
الأسعار سببها الاستيراد :
في جملة من الاستبيانات السابقة في سنوات 2014 و2015؛ كانت سوق السيارات تعاني حالة ركود بسبب ارتفاع الأسعار. وهذه العلاقة منطقية بالمطلق؛ وكان التجار يبررون ويتشاكون ولكن على ما يبدو فهم كانوا يمهدون لهذه المرحلة..
يقول أحد تجار السيارات في لقاء أجريناه قبل عام تقريباً في استبيان عن منطقة سوق السيارات في الزاهرة في دمشق: كنا نبيع في اليوم الواحد سيارتين أو ثلاثاً، ولكنا الآن لا نبيع في الأسبوع الواحد أكثر من سيارة واحدة، وانعكس كل ذلك على أسعار السيارات المستعملة فزادت أسعارها.. وبقيت منافساً قوياً لأن أسعارها تبقى أقل من الجديد.
ومع تأكيد عدد من أصحاب وكالات السيارات وقتها أن أسعار السيارات السياحية الأكثر تداولاً ارتفعت نحو الضعف، في حين زادت أسعار السيارات ذات المحركات الأكبر أكثر من ذلك؛ فقد عزوا بدورهم هذا الارتفاع  والذي اعتبروه طفيفاً مقارنةً بالمعوقات التي استوجبت الزيادة إلى ارتفاع تكاليف الاستيراد وتأمين القطوع الأجنبية لذلك، إضافةً إلى صعوبة توصيل نفس الكميات السابقة من السيارات عبر الموانئ إلى داخل المدن، ما أدى إلى الاقتصار على نوعين أو ثلاثة لدى بعض الوكلاء، إضافةً إلى الفروقات الكبيرة في قيمة العملة في السنوات الأخيرة.
هذا وقد أرجأ البعض سبب جمود السوق إلى امتناع معظم المصارف الخاصة عن تمويل قروض السيارات، وبالتالي "إما الكاش.. أو بلاش".
 
"شمّاعة الارتفاع" :
هذا وفي وقت سابق فقد حمّل مسؤولو الجمارك تجار السيارات ووكلاءها سبب الارتفاع لكونهم كانوا يقدمون قوائم بالأسعار المصدقة أصولاً من بلد المنشأ وفيها أسعار بعض الطرازات، علماً أن الآلية المعتمدة للتسعير تقضي بقبول الأسعار المصدقة التي يقدمها الوكيل أصولاً ولا يمكن القبول بأقل منها عند إصدارها، بمعنى أنه من كانت فواتيره نظامية ومصرح عنها بشكل نظامي فأسعاره لم ترتفع أبداً، أما من يرفع أسعاره فهو من كان يصرح بسعر غير حقيقي وتكون فواتيره غير حقيقية.
وطبعاً هذه التبريرات غير منطقية ولم تعد مقبولة كسبب في ارتفاع أسعار السيارات لأن فواتير المؤسسة الهندسية واستيراد مكونات سيارة "شام" التي تصنعها شركة سيامكو ارتفعت رغم أنها بالأصل –حسب تصريحات مسؤولة سابقاً- ذات فواتير نظامية!!
كل ذلك ساعد خلال الأعوام السابقة على ارتفاع الأسعار دونما رقابة تفرض على أي جهة ومن أي جهة، وهذا ما بدأت به أصول أزمة الغلاء في كل القطاعات ومنها السيارات "شماعة الارتفاع" التي يعلق عليها الجميع شرعية المكاسب الضخمة التي لا يتوانون عن تقاضيها استغلالاً لفوضى الأزمة ولفساد قطاعات معينة وتقاعس أخرى عن الضبط والتوجيه بحجة عدم القدرة على السيطرة على السوق؛ ونحن ونعلم -والجميع كذلك- أنها حجج واهية وشمّاعة أخرى يعلقون عليها فشلهم في ملء موقعهم الوظيفي أو فسادهم باستغلاله، فيصبحون شركاء ضد محدودي الدخل في إعمار الفوضى المجتمعية التي تعصف بنا اليوم دونما هوادة وبغلاء قاهر!!
 
دلال السيارات القديمة..
ممكن مما سبق أن نأخذ فكرة عن أسباب ارتفاع السيارات الجديدة لدى الوكلاء والتجار. ولكن بالنسبة للمستعمل فما المبررات لارتفاعاته الكبيرة؟!
لدى سؤال بعض العارضين لسياراتهم المستعملة في سوق السيارات عن سبب ارتفاع أثمانها كانت الردود:
"حسب السوق بنسوق"
"إزا بعنا بالرخيص يجب أن نشتري بالغالي"
"الدولار ياعمي الدولار"
"شبك، شو عم نقلك.. عشر ملايين ليرة؟!!"
علماً أن صاحب آخر جواب كان صاحب سيارة كولف موديل 76 يعرضها بمبلغ مليون ليرة سورية فقط لا غير.. ومثيلاتها في السوق نفسه معروضة بنحو 700 ألف ليرة والتي كانت تساوي فعلياً 300 ألف ليرة قبل الأزمة!
وقد أرجع البعض حجة ارتفاع أسعار القديم مع أنه متهالك إلى مقارنته بأسعار الجديد بارتفاع نسبة وتناسب!! والبعض الآخر برر ذلك بسبب ارتفاع أسعار قطع الغيار للسيارات القديمة والجديدة على حد سواء؛ إذ لا يمكن أن يكون ثمن سيارة قديمة 200 ألف ليرة سورية وسعر محركها فقط إن لزم تبديله 150 ألف ليرة سورية؟!
 
أسعار قطع غيار السيارات ارتفعت 14 ضعفاً :
قد يكون ارتفاع قطع السيارات من الأسباب الرئيسة في ارتفاع كل ما يتعلق بها فيما بعد، إذ يتحمل المواطن العادي جريرة غلاء القطع عند ارتياده لأي سيارة أجرة، فتنتابه مشاعر الغبن والظلم بمجرد وصوله إلى المكان وأزوف وقت الحساب، مشاعر مختلطة تعتري الراكب لقاء التعرفة التي يطلبها السائق، فأي قيمة يريد تقاضيها يجدها الزبون غير منطقية إن قورنت بثمن البنزين مثلاً أو غيار الزيت، بالمقابل تبقى تلك القيمة عاجزة عن تغطية نفقات مهنته التي تتحمل تهالك سيارة الأجرة والتي تكلف قطع غيار للسيارة.
يجد الراكب أنه من المجحف طلب تعرفة 500 ليرة سورية لقاء الوصول لمكان يحتاج 10 دقائق من الزمن، بالمقابل يغفر السائق لنفسه تلك القيم التي يطلبها مع أول زيارة لسوق قطع السيارات، عندما يرى "صباب حرارة" كان يدفع ثمنه قبل الأزمة مبلغ 200 ليرة سورية، اليوم بات يساوي 2500 ليرة سورية، وعندما يرى سعر تبديل زيت المحرك ارتفع بمعدل 14 ضعفاً، ووصل سعر الكيلو لحدود لا يمكن تقبلها. هذه المعاناة المزدوجة تدفعنا للتساؤل أين المشكلة؟ من المسؤول؟
 
لماذا ارتفعت القطع؟!
مزاجية التجار والتلاعب بالأسعار والغش أصبحت ظواهر واقعية تشوب أي سوق، ولم تعد تسبب أي استغراب لدى المواطن، لكن في سوق قطع السيارات الأمر مختلف، فهناك وقاحة من الباعة في طرح الأسعار وفحاشتهم في احتكار القطع، وتحاصص المنتجات التي تحقق أعلى نسبة "نصب" من جيوب السائقين، فبكل "فجاجة" يرد عليك صاحب أحد المحال عند سؤاله عن منتج بالتالي: "ما بتلاقيه غير عند فلان"، ناهيك عن أن تنوع الأسعار تنوع بأشكال القطع وماركات السيارات، حيث من الممكن أن تحصل على 10 أسعار لمنتج واحد في نفس السوق.
 
مبرر التموين حاضر كالعادة والاقتصاد تخلي طرفها!..
مدير حماية المستهلك في "وزارة التجارة الداخلية" أكد في وقت سابق أن المديرية تولي اهتماماً كبيراً لسوق السيارات لا يقل عن اهتمامها بأي سوق آخر، مشيراً إلى أن المديرية نظمت عدداً كبيراً من الضبوط بحق أصحاب محال قطع تبديل السيارات، مؤكداً وجود معاناة كبيرة في ضبط هذا الموضوع بسبب وجود القطع المستعملة بصورة كبيرة في الأسواق، والقطعة المستعملة من المُحال تسعيرها.
هذا وقد سحبت الاقتصاد مسؤوليتها بفتح الاستيراد عبر تأكيد معاون "وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية" وجود تنسيق مع التجارة الداخلية في موضوع سعر قطع تبديل السيارات لكن موضوع التسعير مرتبط فقط بالأخيرة، مضيفاً: " نحن كوزارة نعطي الموافقات لاستيراد قطع التبديل بكافة أنواعها، وفي عام 2015 تم استيراد ما قيمته 26.700.000 يورو لقطع تبديل كافة أنواع الآليات، ومن بداية العام الجاري وحتى اليوم أصدرنا موافقات لاستيراد قطع سيارات بقيمة 1.416.000 يورو، طبعاً منها الجديد ومنها المستعمل".
إذا فإن جنون الأسعار لا يرتبط أبداً بقلة أو انعدام توافر القطع في السوق، بل مرتبط أولاً بارتفاع سعر الصرف، وارتفاع أجور النقل، ونهاية ضعف الرقابة، وهذا ما أثنى عليه معاون "وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية" وأكد الحاجة إلى متابعة أكبر للأسواق وتفعيل دور الرقابة بصورة أشمل، وهذا أيضاً ما وافقه فيه الرأي رئيس جمعية حماية المستهلك عدنان دخاخني مضيفاً: "إمكانيات الرقابة تبقى محدودة أمام هذا الكم الهائل من المحال والباعة والأسواق، والتسيب حاصل لدى التجار والباعة؛ فكل يبيع على مزاجه من دون التقيد بأي سعر يصدر عن التجارة الداخلية وحماية المستهلك.
وطبعاً جميع التصريحات تبقى تأكيدات وكلاماً لا نستفيد منه شيئاً على أرض الواقع !!
 
السمسرة.. باتت كار الكل :
أزمة غلاء القطع إذاً كباقي الأزمات، وحلها يتمثل بالخلاص من الجشع والتلاعب بالأسعار، أي بالرقابة، ففتح الاستيراد لم يفند ذرائع التجار برفع أسعار غير مبرر تحت حجة أن الطلب زاد على المعروض لديهم بعد غياب البديل المستورد... فالمبررات دائماً موجودة، تزداد وتكثر بغياب الرقيب والحسيب.
وبقي علينا حل المشكلة الأولى "القطع" لحل المشكلة الثانية "السيارات المستعملة"، لحل المشكلة الثالثة البازغة مع مطلع العام الجاري والتي كانت السبب الرئيس لحركة سوق السيارات ورفع أسعارها.. ألا وهي "السمسرة"..
الكل أصبح بائعاً والكل غدا مشترياً؛ وليس هناك مستهلك نهائي للسلعة!! فأنا أشتري السيارة لأبيعها وفلان كذلك وفي كل مرة يرتفع سعر المركبة أكثر وأكثر وبالتالي لا يهم إن كانت مرتفعة السعر أم لا إن كنت سأبيعها بأكثر مما اشتريت، فهي تجارة بالأساس منها برأس مال ومنها ما هو من دون رأس مال يندرج تحت مسمى سمسرة. يزيد السمسار على سعر المركبة –عدا ربح البائع- بين 50 إلى 200 ألف ليرة سورية. وهكذا ترتفع الأسعار مع نشاط في حركة البيع والشراء واستمرارية في الارتفاع.. وإلى أين؟! الله أعلم.