عمر حمدي (مالفا)… اغترب عن الوطن وبقي أكثر قرباً إليه .. لم يقتنع محيطه بما يصنع من لوحات فاقتنع العالم به وصار عالمياً!

عمر حمدي (مالفا)… اغترب عن الوطن وبقي أكثر قرباً إليه .. لم يقتنع محيطه بما يصنع من لوحات فاقتنع العالم به وصار عالمياً!

ثقافة

الأربعاء، ٢١ أكتوبر ٢٠١٥

عامر فؤاد عامر :
«رحلة العمر تبدأ وتنتهي في عنوانٍ ورسالة»، فكيف لفنانٍ كان محور حياته مرتبطاً بقلمٍ وريشة ألا تكون رحلة عمره في سيرة لافتة للانتباه، وينطبق عليها مواصفات حياة الفنان النموذجي، فالرحلة بدأت منذ ولادته في «تل نايف» في محافظة الحسكة في سورية عام 1951، ومنها كانت ألوان الفرات والخابور تفيض باتجاه دمشق، وبعدها إلى أنحاء العالم، فاستقرت في الدانوب في فيينا العاصمة النمساويّة، التي هاجر إليها حاملاً تجربته الإبداعيّة في العام 1987، واليوم وعبر قراءاتٍ كثيرة نستذكر سورياً آخر، حمل في جعبته حروفاً من ألوانٍ ونور، قدّمها للإنسانية ببساطة المبدع ابن الأرض، التي حملت المدنيّة الأولى من سهول الفرات إلى العالم.

معاناة الهدف

مارس الفنّ في طفولته، ولم يلقَ الاهتمام من أسرته التي لم تقتنع بما تصنع يداه من إبداع، ولم تجد لوحاته طريقاً لها إلا في بئرٍ عميقة، هناك استقرت فيها حيناً إلى أن وجدت طريقها قبل الأخير باتجاه السفر إلى العاصمة دمشق، فكان المعرض الأول وخيبة الإبداع، وبعدها وجدت اللوحات طريقها الأخير من جديد نحو الاحتراق والرقص مع النار لمرّةٍ وحيدة. درس الفنّ في دمشق وعيّن مدرساً للفنون فيها عام 1970، وكان هذا دليل غرامه بما يستطيع أن يرضي ملكته الداخلية، لكن طريق العطاء ما زال يكتنز بالتجارب والمواقف والعيش بين مواقف الخسارة والربح، فكان له أعماله في الصحف السوريّة التي رسم فيها، وكان له أعماله التي قدّمها لمديريّة الكتب المدرسيّة، وبقي على حاله هذه إلى العام 1978.

في الغربة
الرحلة إلى فيينا كانت في ذلك العام 1978 فاستقر أمام نهر الدانوب في لوحةٍ تحاكي البداية، والمستقر هذا جعل من المسيرة أكثر توازناً، فمن هذا الموقع اكتملت تجربة خاصّة، حملت في سنواتها تجربة التشكيلي الراحل من يوم مولده، والمغترب عن موطنه منذ اللحظة الأولى، فكان للشوق والإبداع والاغتراب علامات مهمّة صعّدت من الحالة الإبداعيّة الخاصّة به باتجاه العالميّة. وأعماله الفنيّة اليوم لا مكان ينحصر بها في كلّ قارات الأرض فنجدها مقتناة في متاحف العالم وأهمّ صالات العرض، وفي أماكن ومواطن الثقافة والفنون العالميّة، وهذه هي الرحلة في العنوان والرسالة الخاصّة بمالفا.

في سيرة مالفا
كان عضواً في نقابة الفنون الجميلة في دمشق، وعضواً في الاتحاد العام للفنانين التشكيليين العرب، وعضواً في الاتحاد العام للفنانين النمساويين واليونسكو في فيينا. طُبع الكثير من أعماله على بطاقاتٍ بريديّة وملصقات من دور نشر عديدة، أقام العديد من المعارض الفردية داخل وخارج سورية، وشارك بالعديد من المعارض الجماعية. ومن هذه المعارض نذكر:
مشاركة بمعارض الخريف السنوية في المتحف الوطني بدمشق والمعارض الدورية لنقابة الفنون الجميلة بصالة الشعب جاءت بين عامي 1977- 1972.
مشاركة بمعارض الاتحاد العام للفنانين النمساويين داخل النمسا وخارجها بين عامي 1992- 1980.
مشاركة بالمعارض العالمية السنوية للفنون بفرانكفورت، ألمانيا بين عامي 1975- 1993.
مشاركات في معارض في إسبانيا وإيطاليا وفرنسا ومهرجان فيرونا الأوروبي والمعرض الفني في مهرجان المحبة والسلام وهنغاريا، ومن المعارض الفردية أيضاً:
معرض فني في صالة الشعب عام 1976
معرض المتحف الوطني في حلب عام 1977
ومعارض فرديّة في النمسا وآرت غاليري في شيكاغو وليتسون بتينيسي ناشفيل غاليري بسان فرانسيسكو وغاليري آرنوت بنيويورك وغاليري اتيليه، وغاليري سيليستا بفيينا ودار الفن بكوتينكن في ألمانيا وغاليري فرانكين شتاين ببرلين، وغاليري فيندلي في نيويورك وباريس، وغاليري آرت فوروم للفن الدولي المعاصر بـفيينا وغيرها الكثير.
وترأس لجنة التحكيم في غاليري «آرت فوروم» للفن الدولي المعاصر بفيينا.

الكلمة والتجربة مع الكتاب
التجربة الكتابيّة حالة رافقت الفنان «مالفا» الذي كان له تجربة في النقد الفني وفي الشعر، بالإضافة لصدور العديد من المطبوعات والكتب المصورة عن أعماله، ونذكر من المؤلفات التي تركها للأجيال من بعده:
(مالفا) عمر حمدي: الحياة واللون، باللغة العربية، دمشق- سورية عام 1976.
(من من) الفن العالمي، سويسرا1994.
قاموس عالم النقد الفني، باللغة الإنكليزية، فلاش آرت للنشر، عام 1999.
ألبوم (مالفا) إلى الألفية الجديدة، معرض أرنوت، نيويورك، الولايات المتحدة الأميركية عام 2004.
كتاب عشرات المعارض الفردية والمشتركة 1999.

وجه تشكيلي فريد
بعد صراعٍ مع مرضٍ عضال توفي «مالفا» الفنان التشكيلي السوري في العاصمة النمساوية في 18 تشرين الأول عام 2015 عن عمرٍ يناهز 63 عاماً، وهو أحد أبرز وجوه الحداثة في الفنّ التشكيلي في سورية، اعتمد على دلالة اللون وعلى الحامل البصري المكثف مع الحدث الرئيس، وتردد اسمه منذ بداية السبعينيات وما يزال؛ لثراء تجربته الفنيّة وخصوصيّتها في الرمزيّة التي تعدّ من أبرز العناوين والوجوه في لوحاته ويقول «مالفا» في أحد حواراته: «… أسافر كثيراً، للعرض والسياحة، وأتأمل كلّ شيء، وأعرف ما يحصل بالتفاصيل الدقيقة، احتفظ بها بذاكرة أكبر وأوضح من ذاكرة الموجودين هنا، وكلما أبتعد عن الوطن، أقترب منه أكثر، تحول مخزوني إلى عمل فني له لغة ثانية على علاقة بالخلاصات الموجودة بداخلي، وتظهر بحالة تعبيريّة».