قراءة تحليلية في كتاب درب حلب للدكتور نضال الصالح

قراءة تحليلية في كتاب درب حلب للدكتور نضال الصالح

ثقافة

السبت، ٧ نوفمبر ٢٠١٥

نبوغ أسعد
درب حلب كتاب جديد للأديب الدكتور نضال الصالح الذي جاءت فاتحته بقلم الدكتور نبيل طعمة مبيناً فيها ما يدور في صفحات الكتاب إضافة إلى شهادة في مناقب الدكتور نضال الأدبية وأهمية ما ذهبت إليه النصوص التي غذاها بثقافته العميقة واطلاعه الواسع وإبداعه الفكري.
في الكتاب مجموعة من النصوص الأدبية تتحلى بمستوى ليس قليلاً يبدؤها بنص جاء عنوانه – القلم وما – فيعبر عن نزيف وطنه صاحب المجد والسمو وعن الخراب ودموع الثكالى في وطن تميز بثرائه التاريخي وبنخوة أبنائه عبر التاريخ الذين وقفوا بوجه الغزاة، ولم يسمحوا لأحد أن يدنس أرضهم.
يناجي نضال الصالح القلم كي يعلم الخونة ما لم يعلموا ويوضح لهم أن الحياة كرامة وأنه بالحب تفنى الضغائن ويندثر الحقد ويشع الأمل وتستنهض الحياة ومن خلال مناجاته للخالق بما يصبو إليه يرى أن الخالق يستجيب ويلبي دعوة الكريم فيحمي الحق ويزهق الظلم.
يتابع الدكتور الكاتب نضال الصالح مسيرته الحياتية عبر نصوص فلسفية صوفية ممزوجة بوجدانيات خلاقة ومشاعر إنسانية منبثقة من ذات الأديب الذي يربط الماضي بالحاضر عبر رؤاه المستمدة من عقيدته وإيمانه بالخالق فينتمي بكل هذا الألق إلى مدينته الخالدة حلب ويربط سيرورة التاريخ بحاضره من خلال مراحل معرفية مجسدة بشخصية الجليل الذي ابتكره خياله المجنح.
فالنص الفلسفي بحاجة لرؤية تتوضح ملامحها لتصل إلى المتلقي نظراً للعمق الفلسفي الذي أشار إليه بالدلالات الموضحة لما يريده من مكنونات نفسية، وإيحاءات شعورية صوفية عبر ممرات العواطف الإنسانية في خشية من الخالق وعظمته حتى يدعو ذلك الإنسان أن يقارن بين الخير والشر ويذهب بروحه المجنحة والشفافة ليستجيب إلى العقل المدبر، فهو لا يأخذه إلا إلى الجمال والقيم ثم يبعده عن الشر والفتنة والفوضى والقتل.
كما يكون في شخصية الجليل قوة تعبر المحيطات والأنهار والسهول والجبال ويصل إلى تداعي أفكار وذكريات، فتتجلى سعة الخيال ويسلط كل قدراته على الشوارع والمدن والأزقة والأبواب والحركة الاجتماعية ويستحضر التاريخ والأقوال المأثورة والشعراء والكتاب والاجداد ليكشف ما يدور وليتصدى للشر ثم ليبرز هوية ذات طابع عربي مكونة من حدث وتاريخ تتشرف بما أتى به من آيات كانت داعمة للقيم الخلاقة ولجمال وبهاء سورية ولخياله الذي ارتفع بالكلمات عالياً.
إن نضال الصالح يكثف كثيراً من إيحاءاته وأحياناً يستخدم القلم ثم يعود ليستخدم الريشة وغالباً أو دائماً يتكئ على وجدانه ليرسم الأمل والألم والأمنيات ثم يتكون النص الفني وينبثق منه الحق والعدل في زمن يسوده الظلم والكراهية والضغينة.
يأخذك نضال الصالح إلى عذوبة وبهاء بلا منازع كعذوبة ذكريات الماضي يمر بك في طرق وشعاب ملأى بالجمال والأحداث دائماً تتصاعد في تشويقها، وما تأتي به من أفكار تفتح أمام المتلقي آفاقاً تضعه أمام وقائع. ثم يأتي صراع بين الروح والفكر والعقل والمادة وعبر ساحات الشعور يتسع المدى ويظل متحركاً بعنفوان نحو اليم الأزرق ليفرد أجنحة الأمل والعطاء كل ما ينشده هو برد وسلام ووطن دافئ يتسع للجراح، ولا بدَّ من الوصول إلى ذلك بتحقيق أسمى محبة وبرفض كل ما هو غريب.
تأتي نصوص الصالح في بنى فنية متقنة مكونة من أسس غريبة مبتكرة تماماً، لا يوجد فيها أي تقليد ولا يوجد فيها أي انهيار بنيوي، كل ما قرأه ورآه الكاتب كان في خدمة وطنه ذلك الوطن الذي تجلى حبه عبر صفحات قليلة في عبارات لا تضاهى، وعواطف نقية جداً لا يمكن لمنشئها إلا أن يكون صافياً، لأن الله كان حاضراً إلى جانب الوطن.