قصّة 14 شباط وارتباطها بدماء القديس فالنتين … الحبّ والمحبّة مفهومان يتقاطعان في جانب فقط لتكون المحبّة أعمق مستوى من الحبّ

قصّة 14 شباط وارتباطها بدماء القديس فالنتين … الحبّ والمحبّة مفهومان يتقاطعان في جانب فقط لتكون المحبّة أعمق مستوى من الحبّ

ثقافة

الاثنين، ١٥ فبراير ٢٠١٦

 عامر فؤاد عامر

شبح اللون الأحمر يغطي مساحاتٍ متجددة من شوارع الشام؛ ولكن هذه المرّة ليست بسبب أخبار السياسة ونشرات الأخبار، هذه المرّة احتفاء بيوم الحبّ أو يوم القديس فالنتين، وهو عيد سنوي اعتادته الناس في 14 من شباط من كلّ عام، ليتبادل فيه كلّ حبيبين وردة حمراء كتعبير عن الحبّ العميق بينهما. فخلف هذا المعنى معانٍ أخرى، وبعد هذا المعنى تفصيلات كثيرة.

الألفة والآلاف
في تراثنا الأدبي كتابٌ يُعرّف الحبّ، ويغوص في جذر الكلمة، إنه كتاب «طوق الحمامة في الألفة والألّاف» لمؤلفه ابن حزم الأندلسي، وفي ماهية الحبّ يذكر: «بأن أوله هزلٌ وآخره جدّ، دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة. وليس بمنكرٍ في الديانة ولا بمحظورٍ في الشريعة، إذ إن القلوب بيد اللـه عزّ وجلّ». هذا التعريف ينقل لنا باختصار آلاف الروايات التي تنهض وتنتهي بين البشر أينما عاشوا وأينما كانوا، لكن في حضارة اليوم تمّ تكريس الحبّ في يوم واحد من السنة كتكريمٍ له، على الرغم من أن مفهوم الحبّ لا يمكن له أن يرتبط بيومٍ من دون غيره!

علاقات حميمة
السيد «محمود مسعدة أبو ماهر» صاحب مشغل لهدايا عيد الحبّ، يقول: «لقد أحببت هذه المناسبة لأنّها تُدخل السرور والفرح إلى قلوب الناس، وعندما أراهم راغبين في شراء الهدايا مع ابتساماتهم العريضة؛ فعندها أكون قد حققت غايتي من وجود هذا المشغل، وعندما سألته عن أهمية هذا العيد في السنوات السابقة أجاب: في السابق لم يكن هذا العيد مهمّاً كما اليوم، وربما وضوحه بيننا بدأ منذ أكثر من 12 سنة تقريباً، واليوم أصبح مفهومه أكبر من اقتصاره على حبيبين يقدّمان لبعضهما الهدايا بل أصبح هذا العيد يمثّل العلاقات الحميمة بين الأهل، والجيران، والأقارب، والإخوة، والطلاب… وغيرهم، فهكذا هو مجتمعنا».

رمز الدّماء
لقد قدست الحضارات منذ أقدم العصور الحبّ واعتبرته أرقى مشاعر الإنسان، وبعودة سريعة إلى تلك الأزمنة البعيدة سنعلم بأن طقوساً وتقاليد كانت تُمارس ضمن احتفالاتٍ أو كرنفالاتٍ أو ما يشابه ذلك، تكريماً للحبّ ورغبةً منهم في استمراريته خلال أيامهم المقبلة.
إضافة إلى شكرٍ للآلهة وتقديم الأضاحي حتى تبارك لهم مشاعر الحبّ وتطيل مكوثه في قلوب الجميع، وما يفاجئنا أكثر هو أن الأغلبيّة العظمى من شعوب الحضارات القديمة كانت تربط وجود الدماء كرمزٍ أساسي في وجود مشاعر الحبّ واستمرارها بينهم، فقد أوجدوا طقوساً خاصّة يقومون خلالها بشرب الدماء أو وضع قطراتٍ منه في كؤوس الشراب وتوزيعها على الحضور… ويبدو أن هذه التقاليد القديمة هي التي مهدت اليوم لربط اللون الأحمر بمشاعر الحبّ ولتخصيص يوم في السنة نحتفل فيه بالحبّ.
وردة لمعلمتي

«تيم» طفل في السابعة من عمره، لفت انتباهي في حمله لباقة صغيرة من الورود الحمراء في مول «شام سيتي سنتر» ولدى استفساري عن مجموعة الورود هذه كانت إجابته: «اشتريتها من البائع في يوم العطلة لأصطحبها معي إلى المدرسة وسأقدمها لمعلمتي، فأنا أحبّها وأشعر بالتقدير الدائم لها، وفي كلّ مناسبة وعيد أفضل أن أقدّم لها هدية تليق بها».

القديس الشهيد
قد لا يعلم بعضنا بأن ارتباط يوم (valantin) جاء بعد مأساةٍ ومعاناةٍ حصلت مع القديس فالنتين الذي تمت إراقة دمائه في يوم 14 شباط، وتخليداً لذكراه عمد أهل منطقته إلى الاحتفال بذكراه في كلّ عام، ولكن بعيداً عن الأحزان والآلام، وهكذا انتشرت الفكرة من بلدٍ إلى آخر، فهذا العيد لم يأت إلا بعد معاناةٍ اصطبغت بالدّم وباللون الأحمر الصافي، والبعض بات يسمي هذا القديس بشهيد الحبّ.

ارتباط
«سماهر» شابّة بلغت الـ«سبعة عشر» عاماً من العمر، مرتبطة بأحمد الذي يقاربها السنّ أيضاً، تقول لنا: «أجمل ما حصل معي في حياتي هو لقائي بأحمد فأنا أشعر بأن حياتي كلّها كامنة في لقائي به، وأتمنى أن نعيش معاً في الحياة المستقبليّة، ونبني أسرتنا وبيتنا يداً بيد، وفي يوم الفالنتين أحضر له مفاجأة كبيرة ما بين الزهور الحمراء وقالب من الكيك ومعطف من الصوف الأحمر».

معاناة
«ماجد» موظف في إحدى المؤسسات الحكوميّة شارف على بلوغ الـ36 عاماً، لديه زوجة وطفلان، وعن معنى هذا العيد بالنسبة له يشرح: «لا أميل إلى هذا التقليد السنوي الذي أجده مفروضاً علينا بطريقة أو بأخرى، لكن زوجتي ستفرح بالتأكيد إذا وجدتني أحمل وردة حمراء في أمسية يوم الفالنتين، لكن هذا قد يتبع كثيراً من الترتيبات من سهرة واحتفال وموعد وحجز في مطعم ما.
كلّ ذلك سيرهقني ولاسيما أن ظروف البلد لا تسمح لنا بالاحتفال كما يجب فلن أتمكن من التصرف بحريّة وأن أجد وجوهاً عابسة تذكرني بما حصل من مصاعب أرهقتنا على مدى 5 سنوات من الأزمة والحرب على سورية».
تذكرنا أساطير القدماء بالكثير من رموز المحبّة العالية التي ترتقي بالمستوى العاطفي البشري إلى مستوى سماوي أعلى ليصبح الاسم «المحبّة» فـ«كيوبيد» كان على مهمّة عاجلة من السماء يراقب فيها كلّ متنازعين في العواطف ليرمي بسهمه إلى قلبيهما فيؤلف بينهما من جديد، والحكيم «شيفا» في الهند كان يرفع من مستوى المرأة دائماً فيجلس حبيبته على ظهر البقرة، ويسير بالقرب منها كنوع من التقديس والإجلال لمعنى المحبّة الكوني.
هناك فرق واضح بين المستويين ونقصد مستوى الحبّ ومستوى المحبّة فالمستوى الأخير يحمل سموّاً أكبر في المعنى ويحمل حالة من التضحية والعلاقة الروحانية التي تجمع بين الكائن والخالق.
فالمحبّة السامية هي لغة الكون وارتباط الموجودات بخالقها ومانحها الوجود، وهذا المعنى العميق نجده مفصلاً في لغتنا العربيّة أكثر من غيرها من لغات العالم التي تخلط شعوبها بين مفهومي الحبّ والمحبّة فهل سيأتي اليوم الذي سيكون للمحبّة عيدها أيضاً في حياتنا؟