الساميون...أصولنا! أعداؤنا

الساميون...أصولنا! أعداؤنا

ثقافة

الخميس، ٢٧ سبتمبر ٢٠١٨

بالرغم من صرامة القوانين ضد العنصرية واعتبار العدالة والمساواة احدى المبادئ الأساسية التي ترتكز عليها الدساتير والقوانين الغربية إلا ان هناك شامة عار في تلك القوانين التي لا تزال تؤيد التميز العنصري وتؤسس له من هذه القوانين: قانون تعقب معاداة السامية الأمريكي[1] الذي يجرّم ويحاكم أعداء اليهود ويرفع راية العدل والمساواة ،ولا أعلم عن أيّة مساواة يتحدثون وبأيّة عدالة يطالبون فقد جسّد هذا القانون العنصرية بكلّ أشكالها بما ضمّ بين ثناياه من تكميمٍ للأفواه ومصادرة للحقوق بل وتذهب خطورة الموضوع إلى أكثر من ذلك إذ يجمّد أيّ بحث أو دراسة خاصة باليهود أو بكتبهم المقدسة في حين يحقّ لأي باحث  البحث بحرية في أي مجال آخر أو ديانة أخرى أو أي كتاب مقدس كما يحق له نقده وتكذيبه ونفي ما يشاء منه ونسخ ما يريد بحسب نتائج أبحاثه ودراساته. ولا شك أن كل هذا يتعارض مع مبادئ العدالة والمساواة المعروفة لدى الجميع. لسنا هنا بصدد مناقشة قانون من تلك القوانين غربية كانت أم شرقية عربية، ولكن ما يستوقفني في هذا الحديث معنى السامية وفكرتها ومبادئها الكاذبة التي حملتها وأهدفها المزيّفة وأقنعتها الخادعة، فلنعد للبحث في هذا المصطلح ماهي السامية؟ ومن هم الساميون؟  

أطلق العالم اللغوي النمساوي أوغست لوديك شلوتزر عام 1781م مصطلح الساميين على شعوب نشأت في منطقة غرب آسيا، تجمعها علاقات لغوية وعرقية محددة. ثم قام (ايشهورون) بإشاعة وتعميم هذا المصطلح[2]. وقد اعتمد شلوتزر في هذا المصطلح على قصة نوح التوراتية عندما أنقذ البشرية من الطوفان إذ انحدرت شعوب العالم من نسل أبنائه سام وحام ويافث، وقد أشار شولترز إلى الأقوام التي سكنت غرب آسيا باسم سام في حين أطلق على من سكن مصر وأفريقيا أبناء حام وأطلق أسم أبناء يافث على سكان أوروبا وشرق آسيا.

تم اعتماد هذا المصطلح وفقاً لقصة الطوفان المذكورة في التوراة وبعد تتبع نسب أولاد نوح -رجل الطوفان-بحسب التسلسل الوارد في كتبهم المقدسة. تقول تلك المعتقدات والنصوص أن الساميون هم من أبناء نوح، صانع السفينة التي حملت من تبقى من أهله يوم الطوفان وكان معه من أبنائه سام وحام ويافث فكان سام أبو الساميين والعرب، وكان حام أبو الحبش ويافث أبو الروم[3]. أما إبراهيم فهو ابن آزر بن سام أنجب ولديه إسماعيل من هاجر واسحق من سارة اللذين أنجبا يعقوب (إسرائيل) وكان له اثنا عشر ولداً وهم يوسف واخوته الذين تاهوا في صحراء سيناء، إلا أن هذا التقسيم كان فيه تجاهلاً وغضّاً للنظر عن أبناء إسماعيل من القبائل والشعوب العربية.

لمس شولترز اليهودي في تلك الفترة حماسة كبيرة لدى الباحثين والعلماء اللغوين لدراسة اللغات الشرقية القديمة فوضع تحت أيديهم مشروعه الجديد الذي اعتمد على نظريته القائلة: (من البحر المتوسط إلى الفرات ومن أرض الرافدين إلى بلاد العرب سادت لغة واحدة فكان السوريون والبابليون والعبريون والفينيقيون يتكلمون لغة واحدة أودّ أن اسميها اللغة السامية)

في القرن 19 تلقف نواة المشروع الصهيوني لاهوتيون يهود وتبنوا الفكرة ووضعوا نصب أعينهم نشرها بعد صياغة تاريخ الشرق العربي القديم بطريقة يبرزون فيها العبريين اليهود ويسفهون العرب وتاريخهم وديانتهم وعاداتهم وتقاليدهم ويظهرون أن العبريين هم سكان الأرض الأصليين المنتشرين في المنطقة، لما تحمله تلك المنطقة من أهمية حضاريّة وتاريخيّة وجغرافيّة. وأن العرب ليسوا إلا قبائل تعيش في الصحراء وتعتاش على الحروب والسرقة والاعتداء على القبائل المجاورة لها. من أهم هؤلاء المستشرقين المستشرق الألماني اليهودي ابراهام جيجر والمستشرق الألماني اليهودي جوزيف ديرنبوغ والمستشرق الروسي دانيال شولسون[4].

بعد الحرب العالمية الأولى أنشأت القوى الاستعمارية مؤسسات ومنظمات استشراقية أصبح عملها الأساسي بالتعاون مع الحركة الصهيونية العالمية تشويه تاريخ العرب وتقزيم حضارته القديمة وهنا بدأ التزوير في التوراة وجغرافيتها وتحول التاريخ العربي إلى تاريخ عبري وامبراطوريات هندو أوروبية مزعومة بعد أن أنكروا عروبتهم وأطلقوا عليهم اسم شعوب البحر واعتبروهم شعوباً غريبة عن المنطقة، وعشائر آراميّة تتصارع من أجل بئر ماء ومجموعة من الإبل التائهة في الصحراء من شمال سوريا إلى جنوبها.

وهنا ظهرت مصطلحات جديدة لم تكن على الساحة من قبل مثل بلاد الرافدين وبلاد ما بين النهرين والشرق الأوسط وظهرت دولة جديدة لأول مرة سميت بالدولة العبريّة بل وظهرت على أنها من أهم دول المنطقة وأطلق على سكانها اسم الساميين وهم الذين سكنوا ما بين الفرات والنيل. بعدها تم تعميم هذا التاريخ الكاذب على الجامعات والمعاهد في الدول الاستعماريّة، ونشطت الحركة الاستعماريّة من أجل ترسيخه وتعميمه. وهنا كان على أصحاب الدولة العبرية اختراع لغة لشعب عريق أقام دولة عظيمة في منطقة عربية تعج بالآثار والحضارات القديمة فكانت ما أطلق عليها اللغة العبرية لغة اليهود العبريين التي لم تكتب كتبهم بها ولم تسطّر شريعتهم بحروفها وقد كانت في القدم لهجة من اللهجات العربية القديمة عملوا على احيائها وبحثوا في مفرداتها لتكون شاهدا على أصالتهم إلا أنها حقيقة لم تشهد إلا على قبحهم وجرائمهم.

ان ألقينا نظرة متعمقة إلى مشروع السامية والنظرية الشولتزرية وانكارها نجد أنّ سام بن نوح تحدث بلغة والده نوح وأجداده العرب الذين ملأوا الساحة العربية منذ آلاف السنين وقد تحدث بتلك اللغة نفسها أحفاد سام ابن نوح وهم الآراميون، جميعهم من العرب العاربة وكلمة عاربة لا تعني الهاربة أو الضائعة في الصحراء وإنما تعني العروبة المتأصلة الضاربة جذورها في أعماق التاريخ.

 ونذكر أيضاً أن كل ما اكتشف من آثار قديمة وآلهة ومعابد ورقم في الأرض العربية هي آثار عربية لا ذكر فيها للسامية أو الساميين وهي تعود لآلاف السنين قبل سام فكيف تلصق الأسماء والألقاب الحديثة والتي هي جزء من الكلّ بالأقوام القديمة أي الأجداد فالساميون هم جزء صغير من العرب وهم أحفاد الأجداد الذين اخترعوا الكتابة المسمارية واستخدموا الرقم في تدوين لغتهم وكلماتهم وحضارتهم ومن ثم اخترعوا الأبجدية التي ساهمت في نشر وتوسيع تلك الحضارة المتأصلة القديمة، والتي لم يظهر فيها اسم الساميين لا من قريب ولا من بعيد ولم تذكر في أي من الكتب القديمة اللغة السامية أو الحضارة السامية أو العبرية فقد أطلقت كلمة العبريين على الأقوام التي عبرت المنطقة من نهر الفرات إلى نهر النيل وهي أقوام عربية هاجرت من شبه الجزيرة العربية وانتشرت في بلاد الشام وأحواض نهر الفرات ومنهم الأراميون والعمونيون والآشوريون و.....

لم تذكر الساميّة أو الساميون أو خط النسب السامي لسام وأحفاده إلا في التوراة. ونريد أن ننوه هنا إلى أن اليهود هم الوحيدون تقريباً الذين كتبوا تاريخهم بأيديهم وبحسب هواهم ثم زعموا أن هذا التاريخ قد انزل من السماء وأنه فوق الجدل والنقاش. وهم عندما كتبوا تاريخهم هذا أغاروا على المأثورات الشعبية للأمم القديمة التي عرفوها وأضافوا إليها من بقايا الفلكلور الذي حفظته ذاكرتهم فنسجوا من ذلك كلّه اسطورة اختلطت فيها حكمة الحكماء وشرائع الأنبياء بحكايات الأبطال الخرافيّة وترجمات تكاد تكون حرفيّة من أمم أقدم منهم. وهم أنفسهم إذا تكلموا عن أصولهم تلجلجوا واختلفوا، فبعد أن جعلوا الكنعانيين من نسل حام في الإصحاح التاسع من سفر التكوين

(و كان بنو نوح الذين خرجوا من الفلك ساماً و حاماً و يافث. وابتدأ نوح يكون فلاحا وغرس كرما. وشرب من الخمر فسكر وتعرى داخل خبائه فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه، وأخبر أخويه خارجا. فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على اكتافهما ومشيا الى الوراء، وسترا عورة أبيهما ووجهاهما الى الوراء فلم يبصرا عورة أبيهما. فلما استيقظ نوح من خمره، علم ما فعل به ابنه الصغير، فقال ملعون كنعان، عبد العبيد يكون لإخوته، وقال مبارك الرب إله سام وليكن كنعان عبداً لهم. ليفتح الباب ليافث فيسكن في مساكن سام )[5] ثمّ عادوا وجعلوا أنفسهم من نسل سام   الآرامي في نفس التوراة (سفر التثنية26/5) فقالوا على لسان موسى: (كان أبي آرامياً تائهاً) وبعد أن قاموا بنسبه لآرام نجدهم تبرأوا من كنعان يعودون فيسمون اللغة العبرية (لسان كنعان) (سفرأشيعا19/18)[6] ، وكأنهم كلما رأوا نسباً أفضل نسبوا أنفسهم إليه ليكونوا الأعز نسباً والأكثر عدداً على أرض المعمورة.

وان عدنا لتاريخ الطوفان في كتب التاريخ والكتب المقدسة نجد أن زمن الطوفان يعود بحسب اجماع المؤرخين إلى الألف الثالث قبل الميلاد أما تاريخ الممالك العربيّة والثورة الزراعية بحسب المنطقة الجغرافية المزعومة بل وعلى نطاق أوسع من النيل إلى الفرات ومن الخليج إلى البحر المتوسط نجد أن تاريخها يعود إلى الألف التاسع قبل الميلاد ويمتد حتى زمن اختراع الكتابة الألف الرابع قبل الميلاد. هؤلاء العرب الذين سكنوا المنطقة العربية منذ الأف السنين قد سبقوا الطوفان وسام وابنائه بحضارتهم وتاريخهم ووجودهم وعراقتهم فكيف نسبوا الأجداد إلى الأحفاد وكيف سلخوا الأحفاد من أجدادهم!

 هؤلاء هم العرب أجداد سام وأبناؤه الذين يعتبرون فرعاً من فروعهم، والذين سكنوا الجزيرة العربية وهاجروا منها بحثاً عن الماء وكان من أبنائهم عليم وآشور ولاوذ وعابر وآرام.......الخ، أمّا سبب بقاء خارطة النسب الساميّة التي استخدمها سارقو التاريخ ونسبوا أنفسهم لها، عن بقية الأنساب العربية كان سببها أنّ النبوة ظهرت في أحفاد سام ما جعل أتباع الديانات السماوية الثلاث يهتمون بنسب الأنبياء ويحفظونه ويدونوه ما جعل منه خطّ نسب واضح ومحفوظ لا سيّما فرع آرام.

من كل ما سبق يتّضح لنا أن الساميين هم أبناء إبراهيم العرب الذين سكنوا الجزيرة العربية ومن ثم هاجروا إلى مناطق الوديان في الفرات وبلاد الشام وأسّسوا ممالكهم وحضاراتهم هناك، وليس لليهود ولا للديانة اليهودية علاقة بهم فاليهود القدماء الذين هم من بني إسرائيل (يعقوب) بن اسحق بن إبراهيم قد انتهى نسلهم ولم يبق منهم إلا أعداداّ قليلة ضاعوا بين الأمم المحيطة بهم منذ الغزو الأشوري وقد تم القضاء على من تبقى منهم في أبان الحكم الروماني إلا من استطاع الهرب نحو البوادي والاختباء في الجبال والمغاور المحيطة وهم أفراد معدودون. وهؤلاء فقط هم الساميون وقد سموا باليهود نسبة إلى سبط يهوذا وليس نسبة لديانتهم. أما يهود العصر الحديث فهم من الخزر الذين ظهروا في القرن الثامن للميلاد بين قوتين عظيمتين الإمبراطورية الإسلامية والامبراطورية الرومانية، كان عليهم أن يحافظوا على قوّتهم أمام تلك القوى العظمى، وحتى يكوّنوا لهم كيانًا عظيماً، عليهم أن يعتمدوا على مرجعيّة دينيّة قويّة تختلف عن مرجعيّة الامبراطوريتين المناهضتين. هنا وجد ملك الخزر أن عليه اعتناق الديانة اليهودية وإعادة احيائها خاصة وأن كتبها المقدسة تنال احترام الديانتين المسيحية والإسلامية ، واعتمد في هذا على الأعداد البسيطة من اليهود الذين وصلوا إلى أراضيهم هرباً من الاضطهاد الروماني والسبي والقتل. وهكذا بدأ يزداد عدد اليهود الذين اعتنقوا الدين اليهودي بالرغم من اضمحلال امبراطورية الخزر لأنهم بدأوا بالهجرة إلى أوروبا الشرقية في أوكرانيا وجنوب روسيا والمجر وبلغاريا، وهم شعوب يهوديّة لا علاقة لهم لا من قريب ولا من بعيد بالساميّة أو الساميين. يقول ابن سعيد المغربي في وصفهم:( أما بالنسبة للخزر فهم يسكنون إلى يسار(شمال) المسكونة تجاه الإقليم السابع، يتألق فوق رؤوسهم برج الدب الأكبر، وأرضهم باردة رطبة، لذلك فإن بشرتهم بيضاء، وعيونهم زرقاء، وطبيعتهم باردة، ومنظرهم وحشي)[7]

واجهت تلك الشعوب اضطهادات كبيرة فقامت بعدة هجرات، التقوا فيها بأعداد قليلة متبقية من اليهود الساميين المنتشرين في البقاع الأوروبية كالبرتغال واسبانيا، هرباً من الحكم الروماني واضطهاده لهم وقد سموا بالسفارديم. ولتقريب الفكرة نذكر أنه مثلا في عام 1960م قدّر عدد اليهود السفارديم بحوالي نصف مليون يهودي والمضطهدين أصلا من قبل اليهود أنفسهم، مقابل 11مليون من اليهود الأوروبيون الخزر[8].أي أن نسبة اليهود السامين أقل من 1% من نسبة يهود الخزر أو ما يطلق عليهم اسم الأشكيناز.

هنا قامت أحداث كبيرة تم بعدها اضطهاد اليهود مجدداً بسبب جشعهم وسيطرتهم على الاقتصاد وما تلا ذلك من انتشار الطاعون بأوروبا وتحميل هؤلاء اليهود المسؤولية عن انتشاره نتيجة لكره الشعوب لهم ما جعل أعداد اليهود الأصلين تتناقص بشكل واضح.

ومع نهاية القرن السادس عشر نشأت موجة نزوح كبيرة من أوروبا الشرقية إلى أوروبا الغربية مثل ألمانيا بسبب الاضطهاد وسوء المعاملة، بعدها وفي القرن التاسع عشر كان وعد بلفور المشؤوم وهو وعد من لا يملك لمن لا يستحق.

 ونتيجة لتلك الدراسات التاريخية يتضح لنا أنّ يهود اليوم تعود أصولهم إلى أو إلى يهود الخزر، الذين ينسبون إلى يافث بن نوح حسب تقسيم شولتزر، ولا علاقة لهم بسام وسلالته من العرب، واننا نحن الساميون أصحاب الأرض والحضارة والتاريخ ولسنا أعداء للساميّة فكيف لنا أن نكون أعداء الساميّة وكيف لنا أن ننسى جذورنا وأصالتنا العربية وكيف لنا أن نتحرر من تاريخنا وهويتنا. 

الباحثة: نجلاء الخضراء

 



[1] نص القانون الأمريكي لتعقب معاداة السامية عالمياً، دنيا الوطن، 26ديسمبر2004

[2] خزعل، ماجد، الاتحاد، 25 فبراير 2016

[3] برغوث. سمير، من هم الساميون، الوطن، 29 أغسطس 2017

[4] داود. أحمد، العرب والساميون والعبرانيون وبنو إسرائيل واليهود، دمشق، دار المستقبل، 1991، ص66

[5] الكتاب المقدس ، سفر التكوين ، الأصحاح التاسع ، 18-27 .

[6] ظاظا. حسن، الساميون ولغاتهم، دمشق، دار القلم، 1990، ص59-60.

 

[7] زكار. سهيل، يهود الخزر، دمشق، دار حسان، 1990م، ص30.

[8] السيد. علاء الدين، مالا تعرفه عن اليهود وتاريخهم وأصلهم، ساسة، 2014