أدب الشباب من دون دعم … الأدباء الشباب: شروط نشر غير متكافئة ودور المسؤولين غائب والدعم مفقود

أدب الشباب من دون دعم … الأدباء الشباب: شروط نشر غير متكافئة ودور المسؤولين غائب والدعم مفقود

ثقافة

الأحد، ٢٧ أكتوبر ٢٠١٩

أدب الشباب هو المعبّر الأساسي عن هموم تتصل بالتحديات التي تواجه أبناء الجيل الجديد في نظرته للوجود، ومقدرته على التعبير عن تلك النظرة بفهم وحساسية جديدة، والأدب فن من الفنون الجميلة يعكس مظهراً من مظاهر الحياة الاجتماعية، وسيلته في التعبير عن تلك القيم الكلمة المعبرة الموحية، وهذا ما يلجأ إليه الشباب للتعبير عما يجول في داخلهم من أفكار وتعابير فنية تحكي عن موقف إنساني أو تجربة ينقلها هذا الشاب ويبغي من ورائها المتعة والفائدة.
بالرغم من ظروف الحرب القاسية على الجميع التي خلقت مشاكل كثيرة على كل الأصعدة وخاصة في مجال الثقافة فإن مشكلة من يمتلك موهبة إبداعية في هذه الأيام وخاصة الجيل الشاب مازالت مشكلة تتفاقم يوماً بعد يوم من دون إيجاد الحلول المناسبة لها، فمنهم من يبحث عن فرص لنشر إبداعهم، ومنهم من يرغب التشجيع من قبل المثقفين والشعراء والأدباء الكبار، ومنهم من يرى الإحباط في عيون هؤلاء وكأن الأدب خُلق للشيب أو الكهول، لذلك يبقى السؤال إلى أين يذهب هؤلاء الشباب بأدبهم؟.
وفي تحقيق أجرته «الوطن» كان لها عدة لقاءات مع الأدباء الشباب الذين حصلوا على فرص خجولة لعرض ونشر نتاجهم الأدبي.
 
معايير للجميع
تحتل القصة القصيرة حياته رغم دراسته وحصوله على شهادة في الهندسة المدنية، وقد حاز على الجائزة الأولى لدار دلمون للقصة القصيرة، وعن أدب الشباب وصعوبة نشر إبداعاته قال الشاب أحمد رزق حسن:
هناك طريقان إما عبر دور النشر العامة كالهيئة العامة للكتاب أو اتحاد الكتاب العرب، وشروطهم معيارية أي تنطبق على المبتدئين والمتمرسين معاً، بالنسبة لاتحاد الكتاب العرب لا يجتمعون بالشباب أبداً ولا يعطونا من وقتهم، فالأديب المبتدئ لابد أن يكون على احتكاك بالأديب المتمرس ليأخذ منه، أما الهيئة العامة للكتاب رفضت مجموعتي الفائزة «لعبة الشيطان»، وكنت قد وضعت عنواناً لا يتناسب مع الشروط والأحكام الأدبية وكنت لا أعلم بذلك، فرُفضت المجموعة لأن عنوانها يدل على الشر دون النظر لمحتواها، ولا أعلم إن كان ذلك حجة واهية ليجدوا تبريراً لتقصيرهم، والهيئة تطلب شروطاً صارمة ولا تراعي المبتدئ من المتمرس أيضاً، وهناك ما يشبه التوصيات، وتقول إنها تنشر للشباب ضمن سلسلة ونحن لم نعلم ولم نسمع بها، وصفحتها هي تمجيد وتهنئات.
أما فيما يخص الطباعة الخاصة فهي مكلفة جداً وبالوقت نفسه تصبح مكاناً لمهاجمة الشباب من قبل الأدباء الكبار الذين يقولون: «من يطبع على حسابه فهو يستسهل الأدب ويلوث الجو الثقافي»، في الواقع، الشباب من آخر اهتمامات اللجان الثقافية المسؤولة عن النشاطات الدورية.
وعن المطالب أضاف حسن: نحتاج لمهرجان حقيقي يشارك فيه كتاب القصة الشباب أو مهرجان الشعر للشباب يرعاه اتحاد الكتاب العرب أو وزارة الثقافة هذا كله يحتاج لقرارات من مسؤول وهي غير مكلفة مادياً. وختم بالقول: تمنيت أن يستدعيني مسؤول ثقافي ويسألني عن آخر كتاباتي، وأنا الآن على مشارف مجموعتي القصصية الثانية، باختصار يجب أن تخصص ميزانية مادية ومجلس لبحث مشاكل الشباب المثقف، والنظر لهم على أنهم من سيحملون لواء الثقافة في هذا الوطن الذي استهدفت ثقافة شبابه نتيجة الهجوم الفكري الممنهج من أعداء الوطن.
 
نشاطات تحفيزية
أما خريجة كلية الطب البشري سالي علي ترى أن فرص نشر الإبداع الشبابي قليلة جداً، ورقي الشعب بثقافته والثقافة لا تقتصر على علم محدد، حيث قالت:
لا يوجد أي نشاط ثقافي داعم ومشجع لمواهب الشباب، والندوات والمسابقات شبه معدومة، بالإضافة إلى غياب المساعدات المادية من قبل المؤسسة المسؤولة، لذلك إبداعات الشباب الأدبية قليلة سواء في الشاشة الصغيرة أو الصحف اليومية والمجلات والإذاعة فهل السبب لأن المشاهد والمستمع والقارئ أصبح مدمناً على وسائل التواصل الاجتماعي مثل «الفيس بوك وتويتر والانستغرام والتلغرام» لتصبح الصورة المنشورة هي بالمرتبة الأولى أم إن هناك قلة الاهتمام في تسليط الضوء على هذا الجانب المهم وخاصة في هذه المرحلة الحرجة؟.
ومن جانب آخر هناك نسبة قليلة جداً من القراء بمعنى أن هناك نسبة كبيرة من الشباب أصبحت اهتماماتهم بالأفلام والمسلسلات أكثر من الكتب ومحتواها، وأعتقد أن هذا الأمر يعود إلى قلة الاهتمام بهذا الموضوع وأقترح بدوري إقامة نشاطات تحفيزية للقراءة، وأن تصل إلى المدارس فأنا عندما كنت في الصف الخامس كان يوجد ملحق لكتاب القراءة في مادة اللغة العربية عبارة عن قصص قصيرة وتم إلغاؤه، وهو النشاط الوحيد ويجب أن يعاد مثل هكذا نشاط لتشجيع القراءة من الصغر.
حازت سالي على المرتبة الثالثة لمسابقة «الكلمة» التي أقامتها دار دلمون الجديدة للنشر بإدارة المهندسة عفراء هدبا وعن هذه المسابقة قالت: لولا هذه المسابقة لما أبصرت موهبتي النور، ورغم أنه دار خاص إلا أنه يشجع المواهب بالمسابقات الرائعة في ظل غياب هذا الدور للجهات المعنية بهذا الأمر. المسابقة بحد ذاتها كانت استقطاباً لإثبات الذات في الوقت الذي نبحث نحن عنه كشباب ولا نجد أي شخص مهتم بغض النظر عن المكافأة والطباعة المجانية من قبل الدار والمشاركة فيه في المعارض التي تعتبر فوق الحلم المتوقع بالنسبة لشابة تبحث بأي طريقة لإثبات ذاتها.
 
تهميش التجارب
يطمح أي أديب شاب إلى إيصال صوته ومحاولاته وتجربته عبر مختلف الوسائل بدءاً من المنبر وانتهاء بنشر كتابه مروراً بالنشر عبر المجلات والجرائد ووسائل الإعلام والتواصل الإلكتروني، الشاعر حسن الراعي من الشعراء الشباب قال:
أدب الشباب يتم حصراً عبر الوسط الأدبي إذا استثنينا النشر الإلكتروني المتاح لمن شاء، وللأسف فإن الوسط الأدبي لم ينج مثله مثل باقي الأوساط المختلفة من أمراض الفساد كالشللية والمحسوبية وتهميش بعض التجارب المهمة وتلميع غيرها لاعتبارات غير إبداعية، من دون أن أنكر طبعاً وجود الاستثناء لدى بعض القائمين على هذه المؤسسات وحرصهم على رعاية المواهب الحقيقية.
فمثلاً من خلال تجربتي الشخصية أنا أقرأ بفضل اتحاد الكتاب العرب فرع إدلب لأنه أول من رعاني وقدمني للمنبر وآمن بموهبتي في البدايات بالمقابل يتملكني الأسى فأنا موجود في دمشق منذ 15 عاماً ولم أصعد منبراً إلا مرات تعد على أصابع اليدين وبدعوات وجهت لي عبر أصدقاء شخصيين، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل في أحسن الأحوال على ضعف المتابعة والاهتمام من قبل القائمين للتجارب الشابة علماً أن الكثير من هذه التجارب -ولا أقصد نفسي هنا- حققت حضوراً عربياً بل وأحياناً عالمياً لافتاً.
لذلك وبطبيعة الحال نجد أن الأعم الأغلب من الشباب اتجه إلى الوسيلة الأسهل للانتشار والنشر وهي منصات التواصل والنشر الإلكتروني كالمنتديات والفيسبوك والتويتر وغيرها، فهي تؤمّن لهم ما لا يستطيعه الوسط الأدبي بمؤسساته وأدواته ورغم ما في الوسائل الالكترونية من سلبيات كثيرة واختلاط الحابل بالنابل فيها إلا أنها أفرزت أصواتاً وتجارب مهمة جداً وقدمتها لشريحة المهتمين بالأدب على اتساع العالم لذلك أجدها شخصياً الملاذ الأفضل للصوت الإبداعي.
 
رسالة سامية
شاركت الشابة ياسمين حسين من قسم اللغة العربية في جامعة دمشق في العديد من المُلتقيات الشعرية، وعن أدب الشباب قالت: إن الأدب بشتى أنواعه هو حاجة مهمة في حياة الإنسان ولاسيما في مُقتبل العمر ويجب على الشباب تغذية أفكارهم وعقولهم المُتّقدة واستغلال هذه المرحلة العمريّة في تعزيز الفكر، وقد انضممت إلى فريق «مئة كاتب وكاتب» في دمشق وانطلقت ضمن هذه المجموعة إلى عدة منابر وعرضت بعض القصائد الشعريّة في العديد من المراكز الثقافية، وحظيت بتشجيع بعض الشعراء؛ ولكنني لم أنشر أي نتاج أدبي في الصحف لعدم توافر الفرصة إلا أنني أؤمن بموهبتي وأعمل على تنميتها دائماً، واللغة العربيّة هي المُشجّع الأول لها للمضيّ في ميدان الشعر.
أما بالنسبة لركود المراكز الثقافيّة وانخفاض نسبة الحضور ونسبة الدعم سواء كان ماديّاً أو معنويّاً لهؤلاء الشعراء فالشاعر لا يقل قيمةً عن المُمثل والمُطرب وأتمنّى أن تُقام احتفالات وفعاليّات من شأنها أن تُعيد النشاط إلى الثقافة وأن يقوم الإعلام بتسليط الضوء على المواهب الشابّة الواعدة حتّى يقوم الشباب بإيصال رسالتهم السامية في الأدب.
 
دعم نفسي ومعنوي
بالنسبة للشباب هناك شباب طموح جداً لكن في المجال الثقافي كالقراءة والكتابة هناك جانب كبير من الخمول الفكري في هذه النقطة وهو جانب مهم يؤثر في الشخصية، كما وصفتها طالبة اللغة العربية منار أبو بكر حيث قالت: أما المنابر فهي خطوة في طريق مستقبل أدبي يصنع منّا أدباء يستحقون اعتلاء هكذا مكان راق، يقوي شخصية الكاتب المبتدئ.
أما بالنسبة لنتاجي الأدبي فأنشر بعضه على صفحتي الخاصة في الفيسبوك، ولها بعض المهتمين، لكنني أحب أن أصنع صفحة عامة لأرى تقبّل الناس لها، لكنني لم أجرب حتى الآن، وهناك صفحة فريق «مئة كاتب وكاتب في دمشق» تهتم بنشر نصوص أعضائها وهذا سمح لي مجالاً أيضاً لتعرّف الناس عليّ وعلى نصوصي.
أما بالنسبة للجرائد الوطنية لم يحصل لي أن نشرت بها من قبل مع أنني أتمنى هذا جداً، أما بالنسبة للدعم المعنوي والنفسي فيما أكتبه، فيعودُ التشجيع الأكبر لفريقي مئة كاتب وكاتب، ولبعض الطبقات المثقفة التي ترى موهبتي وتدعمها من خلال دعوتي للمسابقات والمراكز الثقافية والأمسيات العديدة.
وأخيراً وليس آخراً، نتمنى من كل من يستطيع الدعم ومساعدة هذا الشباب المثقف حتى يظهر ويصل صوته وطموحه إلى أعالي السماء، ألا يتهاون في هذا الموضوع، والشكر الكبير لكل من يساهم في دعم قلم فتيّ ويؤمن بموهبته.
 
في الختام
بالتأكيد الشباب هم جزء مهم وفعال في بناء المستقبل، إلا أن المشروع الثقافي لم يأخذ مداه لدعم الأدباء الشباب، فكل مبتدئ يبحث عن موجه له، وإن لم يحظَ بموجه يبحث عن مكان، وإن أخفق في إيجاده يقف في حيرة من أمره، لذلك لا بد من تقديم بعض التسهيلات والنشاطات والمساندة والدعم لهم، وهناك العديد من الاقتراحات يمكن أخذها بعين الاعتبار: مثلاً تقديم منصة دائمة يستطيع الشباب نشر إبداعاتهم الأدبية سواء مجلة أسبوعية أم شهرية وتكون بمتناول يد الجميع ومنبراً لتشجيع الآخرين على الكتابة، وكما تقام حفلات لدعم المواهب الغنائية للشباب والأطفال يمكن إقامة معارض كتب أو مهرجانات شعر للأدباء الشباب.