أديبات عشنَ الحب بلوعاته وفضّلن عذابات الفراق على القفص الذهبي

أديبات عشنَ الحب بلوعاته وفضّلن عذابات الفراق على القفص الذهبي

ثقافة

الاثنين، ٤ يناير ٢٠٢١

لوعة الحب وشجونه تغذّي الروح بالإبداع المتقد، وهذه الحقيقة ترجمها الواقع عبر شخصيات نسائية عربية، اقترن بالحرف وكانت كل واحدة منهن فكرة، لحياة تألقن فيها بنتاجات إبداعية مختلفة، كانت كلّ واحدة منهنّ وما زالت منبعاً دافقاً من المشاعر، حكمها الحب لتكون الأصدق والأبلغ بالأحاسيس، فبين الشرق والغرب، الحالات تكررت لسيدات جميلات ذبن قوافي شعرية، أو تشكلن كنصوص نثرية نابضة بتفاوت بين دفئها وجنون حبها، مشعِلة في نفوسنا مشاعر إنسانية راقية عاشتها كلّ واحدة منهن مجسّدة بقصص حبهنّ الموجعة، ورغم حالة ذوبان الهيام، اخترن اللوعة بهجر القفص الذهبي أبداً، ولم يقترنّ في حياتهن برجل، واليوم سننعش الذاكرة بأشهرهنّ وأقربهنّ إليكم.
 
إنك محبوبي وإني أخاف الحب
 
لم تكن أديبة عادية، عُرفت بذكائها ورقتها الممزوجة بخُلقتها الفاتنة، حصدت العديد من الألقاب كـ«سحر الشرق» أو «أسطورة الحب»، هي ماري زيادة أو المعروفة بـمي زيادة، الابنة الوحيدة من أب لبناني وأم فلسطينية. تمكنت مي من الاستحواذ على قلوب الكثيرين ومن أشهرهم نذكر: الشاعر والأديب المصري إسماعيل صبري باشا الذي يعتبر أحد أهم شعراء عصره ويلقب بـ«شيخ الشعراء».
 
كما عشقها الأديب والصحفي والشاعر المصري عباس محمود العقاد، والأديب والناقد طه حسين، ومصطفى صادق الرافعي، وأنطون الجميّل، وأمير الشعراء «أحمد شوقي»، وحتى إن شيخ الأزهر علي عبد الرازق صاحب كتاب «الإسلام وأصول الحكم»، كان واقعاً في حبها، إلا أنه لم يفصح عن حبه لها سوى في مراسلاتهما الشخصية.
لكن أديبتنا التي ساهمت في نهضة الأدب العربي في القرن العشرين، منحت قلبها لواحد فقط وهو الكاتب جبران خليل جبران، ودامت قصتهما لعقدين مستمرة بإرسال الرسائل البريدية من دون أن يلتقيا يوماً.
الاثنان حكما على حبهما بالاستمرار بعيداً عن التزام الزواج، وبقيت زيادة مخلصة لجبران الذي فارق روحها مودعاً إلى باريه في نيويورك عام 1931.
 
كانت مي هي من بادرت بمراسلة جبران خليل جبران، فكتبت له رسالة تعرفه فيها على نفسها، وتخبره رأيها بقصته «مرتا البانية»، ليرحب جبران ويشجعها على الاستمرار في مراسلته، كما أهداها روايته الجديدة «الأجنحة المتكسرة».
كما تجدر الإشارة إلى أن جبران بادل مي وأغرم بها أيضاً ولكنه لم يطلب منها الزواج.
وفي اعترافات مي بحبها لجبران كتبت له رسالة تعترف فيها قائلة: «ما معنى هذا الذي أكتبه؟ إني لا أعرف ماذا أعني به، ولكني أعرف أنك محبوبي وأني أخاف الحب. إني أنتظر من الحب كثيراً فأخاف ألا يأتيني بكل ما أنتظر. أقول هذا مع علمي بأن القليل من الحب كثير، ولكن القليل في الحب لا يرضيني، الجفاف والقحط واللاشيء خير من النزر اليسير».
 
الحب معنى لست تدركه
 
الوهن والضعف الذي أصاب عظامها لم يُقصها يوماً عن الوقوف بوجه الفساد، والثورة على الظلم والاستبداد، لطالما أمسكت بعكازتها لتمضي وتقف بقوة وشموخ بوجه الحكم العثماني، لكنّ الأخير حطم آمالها وقضى على أحلامها بإعدام خطيبها، إنها من اختارت الوحدة والاستقلالية هي ماري عجمي، التي احتضنت لقب «عانس» وجمّلته بالاندفاع والشجاعة لأنه لا ينقص من مقدارها أو قيمتها كأنثى مناضلة ومقاومة.
 
عجمي عُرفت بإقدامها وشجاعتها البالغين، وبالمقابل برقتها اللامحدودة والمتمثلة بإحساسها العالي ومهارتها بالعزف على البيانو، اشتهرت ماري كشاعرة وصحفية مجتهدة، وثابرت في مشوارها حتى أسست أول مجلة نسائية سورية حملت اسم «العروس».
 
أحبت ماري بصدق شاباً يدعى «باترو باولي» واتفقا على الزواج، وبالفعل تقدم حبيبها لخطبتها، ولكن القدر وغدر الحكم العثماني قرر بالقضاء على مشاركة المستقبل بين الحبيبين ولم يشأ لهما أن يعيشا بقفصهما الذهبي، فخطيبها سُجن ونُفذ به حكم الإعدام.
 
بعدها اتخذت ماري عهداً على نفسها بألا تقترن بأي رجل، وتفرّغت لشعرها ولعملها الصحفي في مجلة «العروس» التي عملت عجمي كرئيسة تحريرها، شرّعت المجلة الآفاق للنسوة ليكنّ حاضرات ويحكين عمّا في داخلهن مثل: روز شحفة وأُنس بركات وزينب فواز وأديل عجمي وسلمى كساب ونازك العابد وعفيفة صعب وغيرهن.
وبالمقابل كتب في «العروس» رجال الفكر والأدب في تلك الفترة كجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وجميل صدقي الزهاوي ومعروف الرصافي وإيليا أبو ماضي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم والأخطل الصغير وعباس محمود العقاد وغيرهم. وقُسّمت المجلة إلى أبواب عديدة مثل باب «حديث ذو شجون»، والتي تحكي فيه ماري عن انطباعها ورأيها في بعض القضايا وما تطالعه في المجلات الأجنبية، وهناك باب المباحث النفسية وباب الفنون الجميلة وباب الرواية وباب تدبير المنزل وباب الاجتماع، وتجدر الإشارة إلى أن هذا التنوع في الأبواب وتركيزه على العلوم النفسية والاجتماعية يبيّن دور هذه المجلة الرائدة، أما مقالاتها التي يعلو فيها نقدها فوقعتها باسم «ليلى». وأخيراً في فلسفتها للحب تقول:
 
ما الحبّ أن ترجو مواصلة
أو أن تظلّ الدهر من عشقه
الحبّ معنى لست تدركه
ما لم ترَ الأنوار منبثقه