د. نبيل طعمة: العلاقة الأفقية كي نلتقط الحياة.. نتحاور.. نقدم الأفضل

د. نبيل طعمة: العلاقة الأفقية كي نلتقط الحياة.. نتحاور.. نقدم الأفضل

ثقافة

الخميس، ١٢ أغسطس ٢٠٢١

احتفت جلسة “إصدار” (إعداد وتقديم ملهم الصالح) في ثقافي كفرسوسة، بمشروع د. نبيل طعمة الكاتب والمنتج وصاحب دار الشرق، في حوار فكري أنصت فيه الحاضرون إلى فلسفته الفكرية ضمن مشروعه الذي يعمل عليه منذ عشرين عاماً موسوعة “فلسفة التكوين الفكري” التي صدر منها حتى الآن ثلاثة عشر جزءاً، تتعلق بمحاور دينية وسياسية واقتصادية واجتماعية، ففي الجزء الثالث جاء الفهرست وفق مفاهيم تختزل بكلمة واحدة مثل الحاضر، الماء، الحقيقة، الوجدان، أو من كلمتين مثل الإدارة الميدانية، أسئلة تحتاج لإجابات، هل فكرتم كيف أننا نلغي بعضنا بعضاً، هل فكرتم كيف نكون بعضنا إلى جانب بعض؟.

البناء والنهوض

بدأ الصالح بسؤاله: لماذا فلسفة التكوين الفكري؟. فأجاب: تاريخ العرب لم ينتج فلاسفة على قدر واقعي ومنطقي، ولم نشهد خطاباً فلسفياً دقيقاً عبْر الأزمان، بل شهدنا نقلاً كبيراً لفلاسفة من الغرب أو الشرق مثل غوته ونيتشه وهيغل وغيرهم يستند إليهم، لأن الفعل الروحي يغزو مجتمعاتنا، وكان على نقيض مع الفلسفة القائمة على الشك من أجل اليقين، والفعل الديني القائم على التسليم.

لا يوجد فيلسوف عربي بل مفكر عربي، أردتُ إعادة ترتيب الفكر العربي بالاجتهاد الذي أشتغل عليه من أجل التطوير الحقيقي.

و*يعقب الصالح: هل يقتصر مشروع التكوين على الفكر فقط؟.

**التكوين مشروع فكري يمتلكه أي إنسان، فأي إنسان عليه أن يكوّن أسرة، الخلق عملية تكوينية، لنتأمل نظرية الإنسان والزمن، الزمن ثابت والإنسان متحرك، الزمن أربع وعشرون ساعة وقت ثابت لا يتغيّر، ونحن نكبر وننتهي، هذه قضايا إشكالية نتحدث عنها ونقارب بها وجودنا، والإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يتحرك عمودياً وأفقياً من أجل العلاقة الأفقية كي نلتقط الحياة.. نتحاور.. نقدم الأفضل.

*ويساله الصالح: مجتمعاتنا مازالت تحمل اسم المجتمعات المتخلفة، أطلقوا عليها العالم الثالث، فأين العالم الثاني؟.

**العالم الأول والثالث والثاني انتهى، علينا أن نبدأ بالبناء من أجل النهوض فبناء الوطن يكون بالعمل، أين البداية؟ البداية الحقيقية هي بناء الإنسان.

وتوقف الصالح عند الجزء الأول من فلسفة التكوين “ثمة حاجة لأن يكون هناك سرّ كي نسعى لنكتشفه”، فأوضح طعمة أن الأسرار من الضروري عدم البوح بها، لأسباب قد تؤذي أو تنعش، فهناك قضايا تفتح وقضايا تغلق، والحاجة الجسدية تقف في وجه التطور، فلا يمكن أن يتطور الإنسان وهو بحاجة إلى شيء روحي، ولا يمكن أن يفكر وهو جائع، فالعملية متكاملة بين الفكر والجسد.

شخصية ثانية

ثم انتقل الصالح إلى الاشتغال اللغوي؟. فتابع طعمة بأن تعدّد اللغات أمر مهمّ جداً في فلسفة التكوين الفكري من أجل الاطلاع على لغة الآخر، حتى الآن لا يمتلك الإنسان في المجتمع السوري شخصية ثانية لأن كل لغة تمثل شخصية، فمن خلالها نستطيع أن نطلع على مكتوب الآخر، وما نؤسّس له هو خطوات من عملية التكوين الحقيقي في شخصية الإنسان في مراحل متعددة.

الحب والخوف

ثقافة الحب كانت منعطفاً بالجلسة، إذ ربط طعمة بينها وبين الخوف، فيرى أن مجتمعاتنا تخاف من كل شيء، تخاف من الله ومن بعضها وتغدر ببعضها، فنحن لم ننشر ثقافة الحب في الأسرة، مازلنا نخيف الأطفال بالله بدلاً من أن نعلمهم أفكاراً بنيوية لها دور في عملية التكوين، متسائلاً كيف نبني بالحب؟ وكيف نتعلم أن نقول لا أو نعم في الأمور المفصلية؟، هذه الأدبيات التي نعمل عليها من أجل البناء الدقيق الذي ينقلنا إلى الأمام، وكي نتخلى عن النقل، وإذا نقلنا ننقل بموضوعية، مشيراً إلى ندرة الاعتراف بالاقتباسات.

ويخلص الصالح إلى أن هذا المنتج الإبداعي مختلف من حيث التبويب والفهرسة والترتيب حسب الأحرف الهجائية، وهو تجربة يستند فيها الكاتب إلى مرجعيات دينية وإلى ما يحيط به من قضايا يشاكسها ويفندها برؤى متعدّدة، فهل يمكن أن نطلق عليه اسم موسوعة؟. فأحال د. طعمة الإجابة للآخر.

درب الآلام

*فيلم “سبعة كيلومترات عن القدس” شغل حيزاً من الحوار، لماذا مُنع  من العرض في سورية؟.

**الفيلم من إخراج كلاوديو مالابونتي، وإنتاج إيطالي- سوري، 40% من مشاهده صوّرت في سورية، وحصل على جائزة عالمية وبعده كرّمت من قبل الفاتيكان بوشاح الصليب الوردي بحضور البابا بنيدكتوس، ومن قبل الرئيس الإيطالي في القصر الجمهوري في روما. ومنع من العرض في سورية لرفضه من قبل اللجنتين الإسلامية والمسيحية لأنه يجسّد درب الآلام ورؤية تصويرية للجحيم والنعيم، ورغم ذلك الفيلم أوجد جسور الثقافة بين المجتمعات والأمم على اختلاف انتماءاتهم.

حيّ الشيخ محيي الدين

في نهاية الحوار تحدث الصالح عن الكواليس فكثيرون يستغربون كيف يجمع د. طعمة بين التجارة والفكر، وربما يعود هذا إلى ما يُسمّى “بالنخب العلمية” فما رأيك؟. فأجاب طعمة: أنا ابن بيئة دمشقية بسيطة من حيّ الشيخ محيي الدين، وقد اعتادت العائلات الدمشقية تشغيل أولادها في المحال صيفاً حتى يفهموا الحياة، فعملتُ في طفولتي وكانت تستهويني الكتب فنما وكبر معي الشغف بالقراءة، وأذكر أنني اشتريت رواية “بين كنيستين” بربع ليرة وبعد أربعين عاماً شاءت الأقدار أن تصبح هذه الرواية نادرة وغير متوافرة، فليس غريباً أن يجمع الإنسان بين الأمرين، وبرأيي الناس لا تقاس بأعمارها وإنما بالمنتج الفكري لها.

نبرة الدبلوماسيين

اقتصرت الجلسة على هذه المحاور ولم يتسع الوقت لمناقشة تجربته الشعرية والدرامية والسينمائية وآلية عمله كناشر، وفي نهاية الجلسة قدم د. هيثم علي رؤية تحليلية من لغة الجسد تدلّ على شخصية طعمة، منها أن نبرة الصوت من البداية إلى النهاية واحدة ومتوازنة يرافقها الهدوء والوقفات، وهذا أسلوب يستخدمه الدبلوماسيون، كما يستخدم اليد اليسرى اليد الوجدانية الدالة على حرية الفكر متجاهلاً اليد اليمنى التي تستخدم للجانب الإدراكي للإقناع، وانطلاقه بالقدم اليمنى يدلّ على أنه شخص مباشر وغيرها.

قدّم د. طعمة مجموعة من كتبه هدية للحاضرين، وحظيت الجلسة بمداخلات واستفسارات أثارت جدلاً، كما اقترح د. خلف المفتاح إقامة ندوة حوارية لمناقشة القضايا التي طرحها د. نبيل طعمة وتتمحور حول الفلسفة والدين والفلاسفة العرب وتطوير الفكر.

ملده شويكاني