ناظم مهنا... رحل حارس القصة ومدوّن المتاهة

ناظم مهنا... رحل حارس القصة ومدوّن المتاهة

ثقافة

السبت، ١١ فبراير ٢٠٢٣

ناظم مهنا... رحل حارس القصة ومدوّن المتاهة

ها هو الموت يخطف ناظم مهنّا (1960- 2023) أحد أبرز أبناء جيل الثمانينيات. لحظة عبثية مباغتة تشبه مناخات قصصه العجائبية. خذله قلبه فجأة، في صبيحة يوم جمعة بارد، قبل أن نستيقظ من أهوال الزلزال الذي أصاب البلاد. بقي صاحب «الأرض الطيبة» مفتوناً بكتابة القصة القصيرة، ومخلصاً لسردياته الاستثنائية، كما لو أنه «بورخيس» آخر، يغوص في متاهته التي هندسها على مهل، كتاباً وراء آخر، من دون ادعاءات أو صخب، إذا لم نقل بصمت. اشتغل صاحب «مملكة التلال» على تقويض الأزمنة نحو زمن واحد يمتد إلى ثلاثة آلاف عام، مدوناً ميثولوجيا وأساطير بلاد الشام كحكاية عن الأبدية، في مزيج من السيرة الذاتية والفضاء العام. ارتباكات الريفي، وعنف المدينة، وجماليات اللحظة الفلسفية، متكئاً على مرجعيات متباينة، من موقعه كقارئ نهم، وفوضوي أراد هتك قسوة المدينة بنصوص مضادة، تنطوي على روح متمرّدة في اكتشاف ما يحيط بها من آثام، فلجأ إلى السوريالية كحائط كتابة تجريدية مفارقة، قبل أن يهجرها إلى مناخات أخرى وضعته في مقام «الكائن الوثني»، في تفسير العسف والأذى والخديعة. يقول موضحاً سبب وقوفه الصلب داخل خندق القصة دون سواها: «من جهتي، لا أزال أرى أنّ هذا الفن الرشيق مناسب للتعبير عن الأفكار من دون إقحام أو زيادة في الكلام، بل عبر التكثيف والتلميح، وهذا الفن لا يوجد حدود أو شروط تقيّده، وفي المقترحات المُنجزة للقصة عند أفضل كتابها يمكن أن يستوعب هذا الفن أطروحات عديدة في فن القول، وأن تتلاقى فيه الأجناس الأدبية وتمضي معاً في مجرى واحد، هو يشبه الأنهار القصيرة والعذبة ولا يشبه البحيرات المغلقة».
لطالما نافح صاحب «حرّاس العالم» عن «البورخيسية» في الكتابة، وبدا كمريد أوحد لنصوصه ومناخاته وحارساً للمتاهة بنَفسٍ محلّي يعيد تشبيك وهندسة مصائر شخصياته وإعادة توطينها في أرضها الأم. يعلّق على هذا الهوس في حوارٍ معه بقوله: «بورخيس ساحر في قصصه وفيما يكتبه حول القص، وهو كاتب كوني تجد كل الثقافات والحضارات حاضرة في عالمه القصصي، وعالم الشرق حاضر بقوة في سرده، وهو إنسان قديم ومعاصر في آن، إنه حالة مختلفة، كما أنه بارع في قراءة الآخرين».
غاب ناظم مهنا كطعنة مباغتة، من دون أن يستكمل أطروحته السردية، كما أنه لن يكتب افتتاحية مجلة «المعرفة» التي كان يدير تحريرها كآخر منبر فكري في البلاد.