محافظ حلب في حوار شامل وخاص للأزمنة

محافظ حلب في حوار شامل وخاص للأزمنة

نجم الأسبوع

الأحد، ١٠ يناير ٢٠١٠

 

نهيب بالإعلام أن يتناول حالات الفساد وكشف الفاسدين

 

 

قدم إلى حلب يحمل إرثاً كبيراً من الإنجازات خلّفه وراءه في محافظة السويداء فسبقته شهرته إلى حلب.. كانت أولى لقاءاته مع الشأن المحلي فيها حين استمع لمشكلات المحافظة لأكثر من ساعتين فكان هذا منواله في الاجتماعات اللاحقة, فمن يدخل أحدها لا يعرف متى ينفض ..الزمن مقرون بانتهاء المشكلة والوصول إلى حلول واقعية.. يحلل الأمور بعقلية المفكر ويتحدث بلسان الأديب ويتابع عمله بهمة المشغول بالوطن..خصص يوماً للقاء المواطنين أسبوعياً فلا يغادر مكتبه حتى ينتهي آخر مواطن من عرض مسألته والوصول إلى حل.. شجعنا ذلك أن نقترب منه أكثر ونحاوره في هموم المحافظة ومتطلباتها بل وندخل إلى موقع حلب في أمنياته.

المهندس علي أحمد منصورة محافظ حلب في حوار مع الأزمنة حول واقع محافظة حلب الخدمي والثقافي وتطلعاتها المستقبلية.

- كيف يمكن وصف المرحلة الزمنية من 24 نيسان الماضي تاريخ تكليفكم مهمة محافظ حلب إلى الآن ؟

- لا يمكن أن يقاس العمل بمدة زمنية لأن العمل مستمر وبالتأكيد كنت أسعى خلال الفترة الماضية إلى نقل الأفكار التي هي بالأساس موجودة في ذهني من أفكار على الورق إلى التنفيذ على أرض الواقع وهذا التنفيذ سيأخذ مساحة زمنية كبيرة لأن محافظة حلب كبيرة جغرافياً وسكانياً ولكن يمكن أن أصنف العمل الذي نقوم به إلى محاور مختلفة: المحور الأول والأهم هو مد جسور الثقة مع المواطنين مع أننا ندرك تماماً أن هناك مشاكل لا يمكن حلها كالمشاكل الفردية والخاصة التي تحتاج إلى قضايا قانونية أو تكون مخالفة للأنظمة والقوانين، ولذلك هناك لقاء أسبوعي يوم الاثنين يستمر حتى آخر مواطن من أجل الاطلاع وتحويل هذه الشكاوى إلى جهتها الأساسية والإجابة عليها وفق آلية معينة للوصول إلى الصيغة الأفضل.. المحور الثاني هو إعادة برمجة أولويات العمل بالمحافظة وأن تأخذ كل أولوية حيزها من الاعتمادات المتوفرة وفق منهجية صحيحة بحيث تحدث تغييراً في المؤشر فإذا أنفقنا مليار ليرة على أبنية التعليم دون حدوث تحسن بالواقع فإننا في الحقيقة لا نتقدم من حيث المؤشر والمواصفة.. وقد وضعنا هذا المنهج في أولويات التعليم وفي مشاريع مياه الشرب أيضاً حيث اتجهنا فيها تجاه التجمعات التي لم تصلها المياه واتجاه آخر نحو تحسين جودة المياه وزيادة نصيب الفرد من المياه في المدينة، وقد أدخل خط جديد هو خط الجر الخامس الذي سيؤمن تدفق مهم للماء وستستخدم لإغلاق ملف المياه خلال الخطة القادمة.

كما توجهنا بمنهجية المعيار إلى موضوع الصرف الصحي وهو حاجة القرية إلى الصرف الصحي لأن هذه المشاريع يجب أن تكون في التجمعات السكانية عالية الكثافة أو لوجود مشكلة بيئية، وسيكون هناك مسار كامل من الشبكات الفرعية والمتوسطة إلى الشبكة الرئيسية ثم المجمعات ومحطات المعالجة وبغير هذا الإجراء نكون قد نقلنا المشكلة البيئية إلى خارج القرية فقط... أما حالياً فهناك إجراءات إسعافية في هذا المجال بتوسيع وادي جوح الذي يستقبل قسماً كبيراً من مياه الصرف الصحي من 44 قرية هي مراكز تتواجد فيها اللايشمانيا بشكل أساسي وينتهي هذا الخط إلى منطقة بعيدة ستزرع فيها نباتات تقوم بالتصفية الأولية للصرف الصحي لحين إنشاء محطة معالجة في خان طومان وكذلك الأمر في وادي الذهب من منطقة الباب.

- ماذا عن الخدمات الأخرى كالطرق والمخطط التنظيمي؟

من خلال ورشة عمل أقامتها المحافظة أوجدنا منظومة متكاملة لآلية تنفيذ الطرق إلى جانب تأهيل الطرق القديمة والتركيز على الطرق الزراعية بالإضافة إلى التركيز على المخططات التنظيمية في القرى والمناطق التي لا يوجد فيها مخططات تنظيمية لأن المواطن لا يستطيع أن يبني حينها، وقد بدأنا بتنفيذ المخططات التوجيهية.

- هذا الاهتمام ينصب على الريف أين هي مدينة حلب من اهتمامكم ؟

للمدينة حيز كبير من الاهتمام، فالحركة المرورية في المدينة يعاد النظر فيها بالتعاون مع جانب فرنسي وهناك مشروع لتحسين طريق المطار وجعله طريقاً دولياً.

وهناك مشروع كشف نهر قويق وإعادة إحيائه بعد تدفق مياه نهر الفرات فيه وافتتاحه من قبل السيد الرئيس بشار الأسد، إلى جانب التوسع بالمخطط التنظيمي وما يتضمنه من إقامة منصفات وحدائق وشوارع يضاف إليها مشروع المشتل الزراعي وحديقة باب قنسرين التي ستبدأ قريباً بالمراحل التنفيذية.. مشاريع كثيرة في حلب تؤطرها رؤية دائمة لوضع البنى التحتية الهامة والاهتمام أكثر بالأحياء الفقيرة.

- خصصتم يوماً للقاء المواطنين والاستماع إلى شكاويهم..إلى أي مدى أسهمت هذه الخطوة بحل المشكلات التي تعترض المواطنين ؟

هناك شكاوى تردنا ويمكن حلها من قبل الجهات الإدارية الأدنى ولكن للأسف لا يتم حلها ولذلك توجهنا إلى هذه الجهات باستقبال المواطنين ومعالجة شكاويهم، نحن لا نريد أن نحل مكان أحد في معالجة المشكلة ولكن إذا كان هناك خلل سنعالجه وقد شكلنا لجاناً في المحافظة من أجل متابعة قضايا الشكاوي بما فيها مخالفات البناء وهذه اللجان تقدم تقارير دورية ومشاهدات.. فنحن في آلية المراقبة لا ننتظر أن يتقدم المواطن بشكوى بل هناك الكثير من المخالفات التي ضُبطت عن طريق هذه اللجان، نأمل أن تمحى ثقافة المخالفة من ذهن المواطن فنحن لن نسمح بهذه الثقافة وسنضرب بيد من حديد على من يثبت أنه تعامل بطريقة غير شرعية، وإن لم نقض على المخالفة بالمطلق فنحن لن نتهاون بقمعها.

- هناك حالات فساد في بعض الدوائر يسلط الإعلام عليها الأضواء، ما حجم هذه المشكلة في حلب ؟

الحياة فيها السالب والموجب فالكون مبني بالأساس على قانون ومبني على أن هناك من يخالف القانون ولكن الخطأ في التعميم، فإذا كان لدينا العشرات من الموظفين واكتشفنا فساد عدد منهم لا يعني ذلك فساد الجميع، صحيح أن الفساد موجود ولكن هناك قانون يعاقب الفاسدين ولدينا أجهزة متابعة تضبط من يخالف وهناك عقوبات متدرجة حسب نوع المخالفة ابتداءً من العقوبات المسلكية إلى العقوبات الشديدة ونسعى إلى كشف هؤلاء الفاسدين، ونهيب بالإعلام أن يتناول هذه الحالات ولكن مع وجود بينة ودليل وتوخي الدقة لأن ما ينشر يثبت في عقول الناس فليتق الصحفيون الله فيما يكتبون، وهذا لا يمنع أن للصحفيين الحرية المطلقة في تناول حالات الفساد فنحن ليس لدينا تغطية لشخص ومن يدعي أن هناك تغطية أو أنه محمي أو مرتبط، اكشفوه أكثر لنعرف من وراءه.

من صور الفساد أنه عندما يتم إرسال ضبط مخالفة إلى بلدية معينة لقمع المخالفة لا يتم الهدم ولذلك أعفينا عدداً من رؤساء بلديات نتيجة هذا التجاوز وهناك عدد آخر قيد البحث، فأي مخالفة لم تؤخذ على محمل الجد وتهدم فالمعني بالهدم سيعتبر شريكاً, أحيانا قد لا يكون شريكاً بل مقصراً ومع ذلك ستطاله العقوبة وستهدم المخالفة فهناك قانون يجب أن يطبق.

محاربة الفساد ليست أمراً سهلاً ولكن بالتأكيد لن نتوانى عن مكافحته والأهم أن يكون لدينا منظومة مجتمعية نعمل من خلالها لاختيار الشخص الصحيح في المكان الصحيح.

- في المشهد الثقافي بحلب هناك حديث عن الإعداد لمشروع مهرجان ثقافي وفني ضخم، أين وصلت مراحل هذا المشروع وأين وصلت مراحل إنجاز دار الأسد للثقافة، وهل يمكن بأن نشهد إنجازاً على المدى المنظور بجعل حلب محافظة خالية من الأمية كما أصبحت السويداء عندما كنتم محافظاً لها ؟

- أجد نفسي دائماً في المشهد الثقافي، وحلب حاضنة للفكر في الحاضر وفي الماضي فهي التي استقبلت المتنبي وأبي فراس الحمداني والمعري والسهروردي والنسيمي وغيرهم الكثير، فحلب هي مدينة الأدب والشعر والثقافة وتستحق أن يكون لها مهرجان ثقافي ضخم، وقد شكلنا لهذه الغاية لجاناً للوصول لرؤية حول تسمية المهرجان ومكانه وفعالياته التي ستتضمن ملتقى للنحت والشعر ومسابقات شعبية، وسيجد المشروع قريباً طريقه إلى النور، هناك منابر ثقافية في حلب عامرة بالمحاضرات الثقافية سيضاف إليها دار الثقافة التي تغيرت وظيفتها لتصبح أوبرا وستصبح في حال إنجازها معلماً في حلب يشار إليه كما يشار إلى قلعة حلب.

أما محو الأمية فهي أحد القضايا الهامة في حلب وهي في سلم الأولويات لأن زيادة الأمية ستؤدي إلى تفشي الجهل والمرض والجريمة.

وفي حلب دورات لمحو الأمية تحتاج إلى إعادة تأهيل وبرمجة وقد نفذنا استمارة ليتم توزيعها لرصد كل الأميين على مستوى المحافظة بالكامل لتحديد عددهم وكيفية استهدافهم ومن هي الجهة التي تستطيع الوصول إليهم وسنضع على ضوء نتائج هذه الاستمارة برنامجاً يستهدف أضعف منطقة لجعلها خالية من الأمية،

وحالياً نتوجه إلى منطقة جرابلس ثم نعمم التجربة على كل المحافظة... أتمنى أن نحتفل بحلب خالية من الأمية كما احتفلنا بالسويداء التي كانت تجربة رائدة تدرَّس في بعض البلدان العربية.

- من يستمع إليك في لقاءاتك يجد شخصية جامعة فيها المهندس العلمي والأديب والمؤرخ والمفكر هل تحدثنا عن جوانب هذه الشخصية ؟

كل إنسان هو بصمة يختلف عن الآخر فأنا أحاول أن أهتم بكل شيء وأعطي كل شيء حقه وأقرأ وأحاول أن أفهم ماذا أقرأ.. فالإنسان لا يتشكل في مرحلة واحدة ولكن خلال سيرورته وعمره يكتسب المعرفة من الحياة ولا يوجد من يمتلك كل المعرفة، فكلما تعلم الإنسان تظهر حاجته إلى المزيد من كل صنوف المعرفة وأعتقد أن ما ساعدني على تحصيل هذه الجوانب المعرفية هو حبي للغة العربية التي هي الحاضنة لكل الفكر وهي التي نتواصل بها مع الآخرين.

- كل شخص لديه أحلام...أين حلب من أحلامك وأين أنت من أحلام حلب ؟

الحلم الأساسي عندي دائماً أن أكون صادقاً مع نفسي وأن ألبي حاجة الناس بقدر المستطاع وألاّ أنحرف قيد أنملة عن الهدف الذي عشت من أجله وهو الخدمة العامة بصدق وشفافية... لم يكن لدي طموحات شخصية فلم أتوقع أن أكون محافظاً ولم أفكر أن أكون في حلب محافظاً... وحتى إذا كنت مستقبلاً في بيتي فأهم شيء عندي أن أرضى عن نفسي وأن أنام دون أن أفكر أنني أسأت لإنسان أو أسأت لأي مفردة من المفردات التي تهم الوطن أو المال العام، أما لحلب فأحلامي أن تحقق عتبات كبرى من التنمية خلال السنوات القادمة من خلال ما نطبقه من فكر ومنهجية السيد الرئيس بشار الأسد.

حلب – محمد أحمد مهنا

تصوير بلال صابوني

md-muhanna@maktoob.com