أمير البُزق محمد عبد الكريم

أمير البُزق محمد عبد الكريم

نجم الأسبوع

الجمعة، ٣ مايو ٢٠١٩

الفنّان الّذي لم يتجاوز طوله طول آلة البُزق التي يعزف عليها !

في الصباح الباكر كانت إذاعة دمشق قبل أن تباشر بثّ برامجها تقوم بإذاعة شارة موسيقية لا تتجاوز مدّتها الخمس دقائق بشكل يومي لعشرات السنين، هذه اللّازمة الموسيقية والتي ليست إلّا عزف على آلة البُزق أصبحت علامة فارقة لإذاعة دمشق . مؤلّفها هو أحد المساهمين في تأسيس هذه الإذاعة وهو عملاق موسيقي من حمص ساهم في تأسيس الإذاعات العربية وعزف على شتّى مسارح العالم فأضحك وابكى .

يُقال أن الأمراء العرب ثلاثة "أمير الشعراء "أحمد شوقي" ، أمير الكمان :سامي الشوا" ،أمير البُزق"محمد عبد الكريم" . أما أمير البُزق فهو لقب أطلقه عليه ملك العراق آنذاك الملك فيصل حين استمع لعزفه المُتميز على آلة البُزق ، فطلب منه محمد عبد الكريم (فرماناً) يشير إلى ذلك، فماكان من الملك فيصل إلّا أن أصدر أمراً ملكياً بتسمية محمد عبد الكريم أميراً لآلة البُزق ليغلب هذا اللقب حتّى على اسمه الحقيقي .

في حي شعبي بحمص ولد هذا العملاق سنة 1911 ، أُصيب إصابة بليغة في طفولته إثر حادث عنيف مِما سبب له عاهة دائمة رافقته طيلة حياته وسبّبت له توقف نمو جذعه .
في العاشرة من عمره انتقل إلى دمشق وهناك بدأ أولى عروضه الموسيقية في مقهى النوفرة مرافقاً لفنان خيال الظل (الكراكوزاتي)"أبو شاكر" على البُزق ، من ثم توالت حفلاته في حلب ليسافر بعدها إلى القاهرة 1925 و يتعرف هناك على أقطاب الموسيقى كزكريا أحمد والقصبجي وليُفتن عمالقة الفن كمحمد عبد الوهاب و أم كلثوم بعزف لم يُسمع له مثيل على آلة البُزق

في عام 1927 عرض عليه وكيل شركة أوجيون للأسطوانات الموسيقية(ليتوباروخ) السفر إلى ألمانيا لتسجيل عدة اسطوانات فكان ذلك وسجّل أمير البزق خمس اسطوانات تضمنت مجموعة من المقطوعات الموسيقية والارتجالات .
ومن ألمانيا اتجه إلى فرنسا حيث أحيا العديد من الحفلات نال فيها إعجاب الفرنسيين قبل العرب. في إيطاليا انتزع إعجاب الايطاليين بعزفه على بُزقه لحنين شعبيين لمدينة نابولي .
سبّب مظهر أمير البزق الغريب نتيجةً لقصر قامته عدد من المواقف التي تبدو محرجة للوهلة الأولى ، لكنّه بتمرينه و عمله المتواصل و المبدع على آلة البزق استطاع أن يدهش الجميع ، حيث كان يتمرن بالعزف بأصابع قدميه على آلة البزق !
في أحدى زياراته للمملكة المتحدة بعد أن قُدّم على المسرح هزأ الجمهور منه لهيئته الغريبة وقصر قامته و استقبله بالضحك والاستهزاء فما كان منه ألا أن خلع حذاءه وأخذ يعزف بأصابع قدمه على البزق مقطوعة من التراث الموسيقي البريطاني، وفي بعض المصادر قيل إنه عزف النشيد الوطني البريطاني، مما جعل الحضور يقفون إجلالاً له و لعزفه المتقن، ثم غادر المسرح و لم يعد إليه إلا بعد اعتذار و تأسف لما حدث من الجمهور .
يقول محمد عبد الكريم عن نفسه في أحدى المقابلات الصحفية :" هل سمعت بالمثل القائل و زاد في الطنبور نغماً !؟ أنا قمت بذلك وضفت إلى البُزق وترين !
وجعلت من أربطة البُزق 38 بعد أن كانت 18 للتنويع في النّغم . لم يكتفي أمير البزق بذلك بل غير طاسة البزق وجعلها من خشب الموندرين و جدد بعقد البُزق و أضاف إليه ( زندّ و دساستين ) ،وكانت معظم آلات البزق حينها من صنعه ، كما أنّ لأمير البُزق مقام خاص مسجّل باسمه يدعى "مريوما".

أمير البزق من مؤسّسي إذاعة القدس في 1936 حيث عمل عازفاً ضمن فرقتها الموسيقية، ثم تولى رئاستها .عاد إلى دمشق و عند افتتاح إذاعتها الوطنية وضع شارتها الموسيقية وعمل ضمن فرقتها الموسيقية.
عدا عن كونه من المساهمين بتأسيس إذاعات كل من (دمشق ، القدس ،الشرق الأدنى) فأمير البُزق يعتبر من أسرع عازفي البُزق بالعالم، حيث سبق له وتنافس مع العازف التركي الشهير والسريع جداً (شنشلار) وتفوق عليه . وتُعد معزوفة "رقصة الشيطان" من أسرع المعزوفات على البزق في العالم و أصعبها . لُقّب أثرها بشيطان البزق .

كان الأمير من المعجبين والمحبين للموسيقى الغربية (الموسيقى الكلاسيكية موسيقى الباليه موسيقى الجاز موسيقى الحجرة)

قيل في أمير البُزق الكثير على لسان أم كلثوم و أحمد شوقي وعبد الوهاب وصباح فخري ولحّن بدوره الكثير من الأغنيات من مشاهير المطربين والمطربات
أما هو فيقول عن نفسه : " أشهد أنني عشت حياتي، وتمتعت بلذة العزف وسماع الموسيقى وإبداعها.
أنا أغنى رجل في التاريخ، لأنني ملكت قلوب الناس وعقولهم وأرواحهم، وهذا أعظم الثروات. ولسوف يذَكرني الناس كلما سمعوا ألحاني، أو ذُكِرَ اسمي. أو كلما شاهدوا ”غجرياً يتشيطن على بزقه ببراعة“.

في دمشق عام 1989أسلم شيطان البُزق وأميره الرّوح ، الموسيقي السوريّ القصير جداً قامتاً الفارع الطول فنّا وإبداعاً