طيب تيزيني

طيب تيزيني

نجم الأسبوع

الأحد، ١٩ مايو ٢٠١٩

«أحلامي لم تتغير، سورية هي حلمي، لا أملك حلماً آخر». لطالما الدموع انهمرت دون أي خجل، تشق طريقها على الوجنتين لتعبّر عن أسمى العواطف والشجون. هي بحبها العميق أوجعته، وما حلّ عليها من سواد ظلمات لم يكسره رغم الأحزان، لكنه قرر بأنه سيبقى في سوريته، مواجهاً الأزمة مع كل أمين على هذا الحب العميق، متمسكين بالأمل بأن سورية لن تسقط وإن حصل-وهو أمر مستبعد- فسيسقط معها العالم بأسره، عاش المفكر والباحث الطيب تيزيني على أمل أن ينتهي زمن الحرب، وبأن أبناء سورية سيعيدون بناءها، لكنه ودّعنا منتظراً هذه اللحظة في مدينة حمص مسقط رأسه عن عمر يناهز 85 عاماً، منكبًّا على كتابة سيرته الذاتية، بمساعدة ابنته الباحثة الاجتماعية منار تيزيني، التي واظبت على تحرير السيرة، وعلى تنظيم مواعيد الدواء، كما أشرفت على مراسلات الأب مع مؤتمرات ولقاءات وندوات دولية. غادرنا الطيب بعد أن قدّم لنا إرثا ثقافيا علميا تنويريا، مؤلفا في مشروع نهضوي، معتمدا على الفلسفة في تقديم قراءة للفكر العربي منذ ما قبل الإسلام حتى الآن. في وداع مفكرنا وباحثنا الطيب تيزيني نتوقف معكم في بعض المحطات والآراء الخاصة به في حواراته السابقة.
 
بداية المشوار
نشأ المفكر الطيب تيزيني في بيت ذي مناخ معرفي وثقافي، واستطاع من خلال مضافة والده-«قوناق» وهي تسمية تركية تعبّر عن معنى صالون أو مضافة- الفكرية والثقافية أن يلتقي شخصيات مختلفة ذات اتجاهات فكرية متباينة، ولعلّ من أهمها:الشيخ طاهر الرئيس، والخوري عيسى أسعد. الجو المناخي الذي نشأ به اتسّم بالانفتاح على الفكر والثقافة والأدب والفلسفة والفنون، وحتى تديُّن والده لم يكن من النوع المنغلق على الفكرة أو الذات، بل كان تديّناً منفتحاً على الفكر الآخر، وبالعودة إلى المضافة الثقافية، تعلّم الطيب بأن هناك عالماً آخر من الأفكار، وسعة هذا العالم الفكري تضطرُ الإنسان إلى التواضع والتفكير عميقاً في هذه السعة، التي كان يغذيها من خلال مشاويره التي لطالما كان يقضيها مشيا على الأقدام لأنه رجل لا يحب أن يركب سيارة، فالمشي عنده متعة ومعرفة لا محدودة بالجانب الآخر، ووسيلة تؤمن اتصالا بينه وبين الناس عبر اللقاءات والمناقشات والحوارات، وفي تأملهم لنشاطاتهم وحركاتهم، فبنظره هذه طريقة تعلّم، وأسلوب يخلق متعة «المشي حالة فريدة من التعلّم والتعرف إلى الحياة، لأرى ما أراه، وأسمع ما أسمعه، وأنا أسير وأتحرش بحالات كثيرة وخصوصاً الفقراء».
 
عن حمص
بقيت حمص نابضة في وجدان الطيب تيزيني، وحسب أحد المواقع الالكترونية، لطالما اكتشف الطيب في شبابه أن حمص مركز سياسي وثقافي مهم في سورية، وقد قال فيها: «حمص في حياتي هي المبتدأ والمنتهى، وهذا لا يعني إغفال حقّ المدن التي زرتها، وأخذت كثيراً منها، وخصوصاً فيينا وبرلين». ويتابع في مكان آخر «إنّ رجالات حمص ومجموعاتها الشبابية ولّدت حالات لا تُنسى». لقد تعلّم الطيب الكفاح ضدّ فرنسا من مؤذن كان يؤذن في الحي الذي كان يسكنه في حي باب الدريب، وما استفز باحثنا في هذا الرجل هو مداخلاته السياسية التي كان يقدمها من على المئذنة، المداخلات كانت محرضة لسعي معرفي-لم يكن كافيا في كلام الشيخ-في الشؤون السياسية، لهذا اقترب من الأحزاب للتعرف إلى مبادئها وأهدافها، فاقترب من حزب الشعب ومن الحزب الوطني، وتعرّف إلى مصطفى السباعي زعيم حركة الإخوان المسلمين آنذاك، ولكن الأقرب إلى وعي الطيب في تلك الآونة كان الحزب الشيوعي السوري الذي يرفع شعار«يا عمال العالم اتحدوا». وهنا لابد لنا من الإشارة إلى أن فهم الطيب تيزيني للتجربة السوفييتية، هو فهم نقدي يستند إلى المنهج النقدي الجدلي، حيث يقول الطيب «التاريخ لا يغفر لمن يتجاوز مرحلة فيه، ولأي اسم كان، ما حدث في روسيا أضرّ بروسيا أولاً، كما ببلدان أخرى منها العالم العربي».
 
في النهضة
التطورات التاريخية والأحداث التي تعصف بالعالم، سواء بالسيطرة الأميركية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، كلّها دفعت باحثنا الراحل تيزيني إلى القيام بمراجعة جذرية لمشروعه النهضوي قائلا في أحد حواراته «حامل المشروع الجديد، النهضوي، لا يمكن الآن إلا أن يكون تحالفاً طبقياً أو سياسياً يضم كل فئات المجتمع. العالم اختلف كثيراً، منذ تفكك الاتحاد السوفييتي وبروز عالم جديد تقوده الولايات المتحدة وحدها. وتبين لي من موقع علم الاجتماع السياسي أن الحامل الحقيقي الاجتماعي لمشروع نهضوي ما يتمثل في الأمة كلها من أقصاها إلى أقصاها. وبتحديد أيديولوجي أكثر، وجدت أن الحامل الاجتماعي لأي مشروع مستقبلي يتمثل في مروحة تنطلق من أقصى اليمين القومي الديمقراطي إلى أقصى اليسار الوطني. أخذت ألاحق هذه المسألة السوسيولوجية الثقافية والسياسية ليتبين لي أن حديثنا عن«المشروع الثوري»، ليس مضللاً فقط، بل هو خطير أيضاً، وهكذا انتقلت إلى الموقف الجديد، وفكرت في أن أعيد النظر في مشروعي النظري القديم…وأصيغه حتى في عنوان جديد، معيداً بناء ما يتعين عليَّ بناؤه…ثم تركته جانباً، لأصيغ بدلاً منه مشروعاً آخر تماماً، عنوانه «من التراث إلى النهضة».
 
عن الغالية… سورية
في حوار نشر عام2017 في جريدة الأخبار، وفي سؤال عن الأزمة السورية قال مفكرنا الطيب التالي «هذا ينذر بأن سورية قد تمزقت، لكن هذا لن يحدث. سورية في لحظة واحدة يمكن اكتشافها متآخية حتى الثمالة، حيث لا يستطيع هؤلاء الأغراب أن يأخذوا ما يأخذون. ولذلك نطمئن رغم أن الأمر سيكلف كثيراً، ونقول:«ليكن، إن سورية تساوي تاريخاً بأكمله». متابعا في مكان آخر: «أحلامي لم تتغير، سورية هي حلمي، لا أملك حلماً آخر. ازداد هذا الحلم حضوراً في حياتي، بخاصة بعد زيارتي إلى ألمانيا وتقديمي محاضرة أمام مستشرقين كان سؤالهم الأكبر:هل تعود سورية؟ قلت لهم: أريد أن أسمع آراءكم أنتم. قالوا:سورية التي نعرفها لا يمكن انتزاعها من أرضها. قلت لهم: هذا رأيي. حينما تسقط سورية، يسقط العالم، وهذا لن يحدث. وسأروي هنا حادثة عشتها: كلما مررت في الشوارع والبيوت، اكتشف طاقات هائلة. واجهت رجلاً معمراً في الشارع يبتغي المساعدة، سألته: ماذا تريد غير المساعدة؟. قال: أن أستعيد صحتي وأعمل من أجل سورية. قلت له: هل تستطيع العمل؟ قال: الآن لا، لكن سأمتلك قوة جديدة حين أسمع أخباراً جديدة عن سورية. بالمختصر، الناس يريدون بارقة أمل. لذلك، لا شك في أن سورية عائدة، ستعود حتى لو ذهبنا نحن. سيكون هناك من يقوم بالعمل، فالمشروع مفتوح». وفي ختام الحوار نفسه يتابع دكتور الطيب تيزيني «لست غاضباً ولا محبطاً ولا يائساً أبداً، كل الأمل أملكه، سورية ستدافع عنها البشرية بأكملها. بمجرد أن ينتهي زمن الحرب، سيعيد أبناء سورية بناءها. إننا نسعى إلى هذه اللحظة، لحظة إعادة البناء».
 
سيرة ذاتية
• ولد الدكتور طيب تيزيني في مدينة حمص سنة 1934، وفيها قضى طفولته وتعلم دراسته الابتدائية والإعدادية والثانوية.
• انتقل إلى تركيا ليبدأ رحلته مع دراسة الفلسفة، وغادرها إلى بريطانيا ثم إلى ألمانيا.
• حصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة سنة 1967 عن أطروحة بعنوان «تمهيد في الفلسفة العربية الوسيطة»، وهو بحث نشر بالألمانية عام 1972.
• حصل على الدكتوراه في العلوم الفلسفية سنة 1973.
• تم انتخابه عضوا في مجمع اللغة العربية بدمشق.
• عمل في التدريس في جامعة دمشق وشغل وظيفة أستاذ في الفلسفة حتى وفاته.
 
مؤلفاته
ظل الطيب تيزيني طوال فترة دراسته مقلاًّ في الكتابة والتأليف، حتى أصدر أول كتاب باللغة الألمانية عام 1972 بعنوان «تمهيد في الفلسفة العربية الوسيطة»، والذي كان مقتبسا من دراسته لنيل درجة الدكتوراه، إلا أن ذلك كان بداية لانطلاق تيزيني وإصداره لكتب ومؤلفات عديدة كان منها:
• مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط عام 1971.
• حول مشكلات الثورة والثقافة في العالم الثالث: الوطن العربي نموذجاً عام 1971.
• روجيه غارودي بعد الصمت عام 1973.
• من التراث إلى الثورة- حول نظرية مقترحة في التراث العربي عام 1976.
• فيما بين الفلسفة والتراث المؤلف نفسه عام 1980.
• التفكير الاجتماعي والسياسي: أبحاث في الفكر العربي الحديث والمعاصر عام 1981.
• مشروع رؤية جديدة للفكر العربي منذ بداياته حتى المرحلة المعاصرة من 12 جزءا عام 1982.
• الفكر العربي في بواكيره وآفاقه الأولى: مشروع رؤية جديدة للفكر، الجزء الثاني عام 1982.
• من يهوه إلى اللـه (في مجلدين) مشروع رؤية جديدة للفكر العربي الجزء الثالث عام 1985.
• دراسات في الفكر الفلسفي في الشرق القديم عام 1988.
• ابن رشد وفلسفته مع نصوص المناظرة بين محمد عبده وفرح أنطون/ تأليف فرح أنطون، تقديم طيب تيزيني عام 1988.
• في السجال الفكري الراهن: حول بعض قضايا التراث العربي منهجا وتطبيقاً عام 1989.
• على طريق الوضوح المنهجي– كتابات في الفلسفة والفكر العربي عام 1989.
• فصول في الفكر السياسي العربي عام 1989.
• مقدمات أولية في الإسلام المحمدي الباكر نشأةً وتأسيساً مشروع رؤية جديدة للفكر العربي، الجزء الرابع عام 1994.
• من الاستشراق الغربي إلى الاستغراب المغربي– بحث في القراءة الجابرية للفكر العربي وفي آفاقها التاريخية عام 1996.
• النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة: مشروع رؤية جديدة للفكر العربي الجزء الخامس عام 1997.
• من ثلاثية الفساد إلى قضايا المجتمع المدني عام 2001.
• من اللاّهوت إلى الفلسـفة العربية الوسيطة عام 2005.
• بيان في النهضة والتنوير العربي عام 2005.
• وصدر له بالاشتراك مع آخرين:
• تاريخ الفلسفة القديمة والوسيطة بالاشتراك مع غسان فينانس 1981.
• الإسلام ومشكلات العصر الكبرى مع بحث لباحث آخر عام 1998.
• الإسلام والعصر: تحديات وآفاق، بالاشتراك مع محمد سعيد رمضان البوطي سلسلة حوارات لقرن جديد، إعداد وتحرير: عبد الواحد علواني عام 1998.
• الواقع العربي وتحديات الألفية الثالثة مع آخرين، مراجعة وتقديم ناصيف نصار عام 2001.
• آفاق فلسفة عربية معاصرة بالاشتراك مع د. أبي يعرب المرزوقي عام 2001.