أنيس النقاش

أنيس النقاش

نجم الأسبوع

الثلاثاء، ٢٣ فبراير ٢٠٢١

رحل عنا المحلل السياسي أنيس النقاش صباح البارحة، بأحد مشافي العاصمة دمشق، بعد صراع حسمه مرض الكورونا، الذي أصابه وبمضاعفاته خطف من راحلنا أنفاسه عن عمر ناهز 70 عاماً.
وكان أُفيد قبل يومين عن دخول النقاش العناية المشددة في أحد مشافي بيروت بعد إصابته بالفيروس.
هذا ونعت حركة فتح أنيس النقاش، وسينقل جثمانه اليوم الثلاثاء من دمشق ليوارى الثرى في مدينة بيروت.
كان النقاش كاتباً وناشطاً لبنانياً، واختار لنفسه اسماً حركياً هو «مازن» عندما كان طالباً ثانوياً في بيروت تيمناً بـ«مازن أبو غزالة» الطالب الفلسطيني الذي ترك دراسته والتحق بالعمل الفدائي واستشهد غداة هزيمة الخامس من حزيران 1967 في معركة طوباس المشهورة التي وقعت في 4/10/1967.
للمزيد سنتوقف عند بعض محطات الراحل
 
في النشأة
 
ولد أنيس النقاش الباحث السياسي المتخصص بالشؤون الإقليمية ومنسّق شبكة الأمان للبحوث والدراسات الإستراتيجية، في بيروت عام 1951. تعلم في مدرسة المقاصد الإسلامية في العاصمة اللبنانية، وشارك منذ صغره في حركات احتجاجية، حيث خرج في تظاهرة تضامنية مع المناضلة الجزائرية «جميلة بوحيرد»، فتأثره منذ فترة مراهقته وشبابه كان واضحاً حيث عايش أوج النضال الفلسطيني وأجواء الحرب الأهلية اللبنانية.
 
في التجربة السياسية
 
انتسب أنيس النقاش في عام 1964 سراً إلى حركة فتح وأسّس «خلية المقاصد» في عام 1968 بصفوف حركة فتح الفلسطينية، ونشط لمصلحتها تحت أسماء حركية من أشهرها «مازن وخالد».
وقلبه النابض بالعروبة دفعه للإضراب عن الطعام «احتجاجاً على تخاذل الدولة والعرب»، عندما دمرت قوة كوماندوس إسرائيلية الأسطول اللبناني في مطار بيروت عام 1969، وانتهى به الأمر في المستشفى. وفي العام نفسه بدأ نشاطه العسكري، «بعد انتفاضة المخيمات بسبب قيام الشعبة الثانية بملاحقة الفدائيين».
كان يواكب الاحتجاجات الطلابية نهاراً، والجهوزية العسكرية ليلاً، رغم قلّة السلاح، وخلال حرب 1973 انتظم في المجموعات الأولى التي أطلقت الصواريخ على المستوطنات.
شارك النقاش في الكثير من العمليات الفدائية وروى قصصها، وأبرزها عملية «فيينا»، مع مجموعة «وديع حداد» -وأسماء أخرى برزت في تلك الحقبة منها الشاعر السوري كمال خير بك (قدموس) واللبنانيان فؤاد عوض وميشيل مكربل وآخرون- في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي هدفت إلى «تأديب بعض الأنظمة على دعمها القوى اليمينية في لبنان، والحصول على دعم للثورة»، عبر طلب فدية قيمتها عشرة ملايين دولار.
كما عرف عنه موقفه الصارم والمعارض في التورط بالحرب الأهلية التي أصيب في يوم انطلاقتها 13 نيسان 1975، حيث كتب إلى القيادة محذراً من كوارث الانخراط في هذه الحرب.
بعد انخراطه في فتح نسج علاقات قوية مع قادة كبار في منظمة التحرير الفلسطينية وتولى بعض المسؤوليات الأمنية والسياسية والعسكرية في الوطن العربي وفي بعض الدول الأوروبية، وكان له دور مهم في التنسيق بين قيادة الثورة الفلسطينية وقيادة الثورة الإيرانية.
ترك النقاش حركة فتح إثر اجتياح إسرائيل للبنان عام 1978، والتحق بتشكيلات الثورة الإيرانية عقب انتصارها عام 1979، وأيضاً لعب دوراً مهما في تعزيز انتصارات الثورة الإيرانية، ويزعم في الأوساط بأنه هو من كتب مشروع تأسيس الحرس الثوري الإيراني، وهو من أسس مجموعات مقاتلة في الجنوب اللبناني. سجن عشر سنوات في فرنسا بعد محاولة اغتيال رئيس الوزراء الإيراني الأسبق «شابور بختيار» في باريس وأفرج عنه في عام 1990.
 
أنيس النقاش أسرار خلف الأستار
 
كتب الباحث والصحفي الفلسطيني «صقر أبو فخر» عن محطات المحلل السياسي أنيس النقاش، وتوقف في مرحلة ماضية ارتبطت بانطلاقة راحلنا في العمل الفدائي الفلسطيني ونشاطه في لبنان في كتاب أجمع عليه النقاد بأنه كان منصفا بحق المسيرة وصاحبها، وجاء بعنوان «أنيس النقاش.. أسرار خلف الأستار».
وجمع الكتاب معلومات دقيقة حول المسيرة النضالية الحافلة للباحث والمحلل السياسي النقاش، والذي اعتمد كما ذكرنا أعلاه أسماءً حركية خلال العمليات التي كان يقوم فيها، وقد كان اسمه في حركة فتح «مازن» واسمه في عملية فيينا «خالد».
 
الكتاب الذي احتوى على ملحق بصور فوتوجرافية لشخصيات وأسماء هي تاريخية الآن، جاء في نحو 220 صفحة متوسطة القطع، وصدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، وجاء في المقدمة التي كتبها صقر أبو فخر، أن النقاش خلال مهماته الأمنية الكثيرة كانت بوصلته «تتجه دوما إلى فلسطين فهو أولا وأخيراً مناضل في سبيل تحرير فلسطين…».
 
الكونفدرالية المشرقية – صراع الهويات والسياسات
 
أصدر الباحث والمحلل السياسي أنيس النقاش كتابه «الكونفدرالية المشرقية، صراع الهويات والسياسات»، والذي أوضح عبر خطاب بحثي مُسهب عن رؤيته للمشرقية، وحدّد فيه صراع الإستراتيجيات والإقليم وصراعاته والطريق إلى الكونفدرالية المشرقية، خاتماً إياه بفصل «حِكمٌ مشرقية».
 
وأضاف راحلنا إلى كتابه «صراع الهويات والسياسات» على وَقْع ما يحدث في بلدان المشرق العربي: سورية والعراق والأردن ولبنان وفلسطين التي قُسّمت في سايكس بيكو وعانت ولا تزال من واقع تجزئة المُجزّأ ومن الحروب الخارجية والداخلية، وفيه يتحدث عن صراع الإستراتيجيات في قلب المنطقة وعليها، ويتطرق إلى الدور التركي التدميري، ثم يدخل إلى الإقليم وصراعاته وانزياحات حدوده وارتسامها بين الهبات والدماء، وعن مرحلة التحرر الوطني وتدمير الأمن الإقليمي والتدمير الذاتي في الحروب الداخلية، ويناقش مسألة الديمقراطية والعلمانية والخلاف بينهما.
 
في فصل الطريق إلى الكونفدرالية المشرقية يتحدث عن إستراتيجية بلاد الشام والهوية والوعي الجَمْعي في المشرق وعوامل الضعف والانحطاط في الهويات، ويأتي إلى موقع الإقليم في العولمة والصراع على دور القيادة بين دوله وإلى النظم السياسية مُستعرضاً بعض التجارب والاتحادات الإقليمية ومنظمات التعاون الدولية.
وأخيراً أفرد الكتاب القسم الأخير لعنوان «حِكَمٌ مشرقية» تطرّق في جزء منه إلى المسألة الدينية والدولة الإسلامية ذاهباً إلى إستراتيجية تصحيح المسار، ويُنهي الكتاب برسم صورة للكونفدرالية المشرقية بعد عشرة أعوام من قيامها المفترض.
وفي الحرب الكونية على سورية كان النقاش صاحب موقف صلب ورأي ثابت في مواقفه وداعماً لسورية الدولة ومواقفها.
وشارك في الحركة الإعلامية الكبيرة مقابل الحملات الإعلامية المغرضة التي كانت تستهدف سورية وصمودها ومواقفها، كما كان مشاركاً في الندوات والدراسات والكتب التي تؤرخ لهذه المرحلة الخطيرة، فقد شارك في كتاب «سورية في مواجهة الحرب الكونية» وغيره من الكتب والدراسات.
 
ويبقى النقاش من القلة بين المحللين والكتاب الذين تمترسوا بأرائهم وراهنوا على انتصار محور المقاومة في مواجهة قوى الغطرسة والعدوان المتمثلة بالهيمنة الأمريكية على مقدرات العالم والشعوب، وبمن يتبع هذا المشروع في كل مكان.
رحيل النقاش خسارة كبرى للفكر المقاوم ولحركة التحرير العربية.