العنف ضد المرأة.. «خـراب» للأسرة والمجتمع.. جمعية تنظيم الأسرة: يجب إشراك الرجال في حملات الحد من العنف

العنف ضد المرأة.. «خـراب» للأسرة والمجتمع.. جمعية تنظيم الأسرة: يجب إشراك الرجال في حملات الحد من العنف

أخبار سورية

السبت، ١٣ يوليو ٢٠١٩

فراس القاضي:
أفرزت الحرب على سورية الآلاف من حالات العنف ضد المرأة، إن كان من الناحية النفسية أو الجسدية أو الاقتصادية، وتزايدت أرقام السيدات والطفلات اللاتي يحتجن إلى حماية ورعاية متعددة الأنواع، الأمر الذي دفع الكثير من الجهات الرسمية والأهلية إلى العمل على توفير هذه الحماية التي تختلف أشكالها ومستوياتها باختلاف تخصص الجهة العاملة عليها.
لكن من الناحية الاجتماعية، لا تزال هناك – إن لم نقل جهلاً – قلة معرفة ووعي بمعنى العنف ضد المرأة الذي يأخذ أشكالاً كثيرة قد نمارسها من دون أن نشعر أو نعرف أنها من أنواع هذا العنف، لذلك خصصت بعض الجهات الأهلية والجمعيات كوادر وندوات وأنشطة للتعريف بالعنف ضد المرأة، والتشجيع على المشاركة بنبذه والقضاء عليه، ومساعدة المرأة المعنفة لاسترداد كرامتها وعافيتها الصحية والنفسية للقيام بواجباتها تجاه الأسرة والمجتمع.
 
العنف هو كل فعل مؤذٍ
وللتعرف على أشكال هذا العنف ومردّه التقت «تشرين» مشرف مركز الشاغور في جمعية تنظيم الأسرة – الدكتور عهد شهاب الذي قال: إن العنف ضد المرأة هو من أنواع العنف المبني على أساس النوع الاجتماعي، وهو مصطلح شامل لكل فعل مؤذ يرتكب ضد إرادة شخص ما يعتمد على الفروق المحددة اجتماعياً بين الذكور والإناث، مضيفاً أن العنف ضد المرأة موضوع شائك ومنتشر في المنطقة العربية بطرق مختلفة، وقضية مهمة لانتهاك حقوق الإنسان وتدني الصحة العامة والصحة الجنسية والإنجابية تواجهه كل الجمعيات على جميع المستويات، إذ إن حوالي ثلث إلى ثلثي النساء يتعرضن للضرب، أو يجبرن على فعل بالإجبار، أو يتم إيذاؤهن أثناء حياتهن بوساطة الشريك «الحميم»، ومئات الآلاف من النساء والفتيات يتم الاتجار بهن عبر الحدود سنوياً.
وينقسم العنف ضد المرأة – حسب د. شهاب – إلى قسمين: عنف داخل إطار الأسرة (عنف جسدي وعنف جنسي)، وعنف داخل إطار المجتمع (عنف معنوي «نفسي» وعنف اقتصادي)، ومن أشكاله: الزواج المبكر والحرمان من التعليم والزواج القسري وختان الإناث.
أما العنف الأسري، فهو أسوأ أشكال العنف وأكثرها إيلاماً، حيث إنه يحدث للنساء داخل أسرهن حيث يفترض أن يشعرن بالأمن والحماية، وممارسة الزوج العنف مع زوجته يقلل من احترامها له وينعكس هذا على الأبناء ويتسبب بالمشكلات بين الزوجين وبين أسرتيهما وقد يؤدي إلى الطلاق، موضحاً أن على الرجل أن يتحلى بالشهامة مع زوجته وأسرته، ويشاركها آلامها وطموحاتها، ويساعدها في رعاية الأسرة، وعلى الأزواج تشجيع زوجاتهم على رعاية صحتهن ومساعدتهن في التخطيط للإنجاب (مناقشة المواعيـد المناسبة للحمل والإنجاب ومناقشة الطرق المتاحة لتنظيم الأسرة).
وركز د. شهاب خلال حديثه على أن زواج الأطفال (الطفلات) من أهم وأكثر أشكال العنف ضد المرأة، وله مجموعة من الأسباب المباشرة وغير المباشرة، ومنها الاعتراف فقط بالدور الإنجابي للمرأة بدءاً من بلوغها، وحماية العرض (حماية شرف رجال الأسرة)، وأمية الفتاة لبُعد المدرسة وارتفاع نفقات التعليم أو عدم موافقة الأهل في بعض البيئات، ومن أجل التخفيف من العبء الاقتصادي الذي يقع على عاتق الأسرة، وكذلك تفضيل الأبناء الذكور في التعليم وخلافه، وكبر حجم الأسرة بسبب عدم استخدام وسائل تنظيم الأسرة.
أما الأسباب الهيكلية (الجذرية) فهي الممارسات التمييزية على أساس النوع (العادات والتقاليد)، والفقر، والسياسات والقوانين السائدة.
ويعد هذا الزواج من أنواع العنف ضد المرأة لأن له مجموعة من الأخطار, أولها الأخطار الصحية مثل: ارتفاع نسبة وفيات الأمهات ونسب الإجهاض لعدم اكتمال نمو الرحم، وزيادة الإصابة بمرض الأنيميا مع الحمل، مع ارتفاع نسبة تسمم الحمل وتعسر الولادة لعدم اكتمال نمو عظام الحوض، وتالياً ولادة طفل ناقص النمو.
أما الأخطار النفسية والاجتماعية فتتمثل في عدم الوفاء بالالتزامات الزوجية ورعاية الأطفال، و«الفزع» من العلاقة الجنسية، والطلاق، والحرمان من التعليم وزيادة الأمية بين الإناث.
الآثار المترتبة
وأكد الدكتور شهاب أن زواج الأطفال الإناث يعد قضية من قضايا النوع الاجتماعي ومن المشكلات التنموية التي تؤدي إلى فجوات عديدة بين الرجل والمرأة؛ فهو فجوة تعليمية لأنه يعوق المرأة من الحصول على التعليم المناسب، وفجوة إنتاجية تتمثل في عدم الحصول على التعليم المناسب الذي يحرمها من العمل في أسواق العمل الرسمي والنقدي، وفجوة صحية، إذ إن الإنجاب في سن مبكر وامتداد فترة الإنجاب وكثرة عدد الأبناء تؤدي إلى تدني صحة المرأة والأطفال، كما أن زيادة معدل الإنجاب تؤدي إلى زيادة معدل النمو السكاني.
أما عن النتائج المترتبة على العنف ضد النساء، فأكد د. شهاب أنها متعددة وعلى عدة مستويات، أولها الصحي؛ من آلام شديدة وجروح وكسور في العظام وحروق وكدمات وصداع وآلام في البطن والعضلات وأحياناً المعاناة مدة سنوات، إضافة إلى مشكلات الصحة العقلية مثل الإحباط، والقلق، واضطرابات الأكل، يضاف إلى ذلك أيضاً مشكلات الصحة الإنجابية مثل الإجهاض والعدوى المنقولة جنسياً، والعدوى بفيروس نقص المناعة البشري، والحمل غير المخطط له وزيادة المخاطر الجنسية بين المراهقين، وزيادة معدلات وفيات الإناث والانتحار, وثانيها الاجتماعي؛ إذ يخلق العنف المبني على النوع مناخاً من الخوف وعدم الأمان داخل الأسر والمدارس والمجتمعات وأماكن العمل.
استراتيجيات المواجهة
وأوضح مشرف مركز الشاغور أن من أهم استراتيجيات مواجهة العنف ضد المرأة زيادة المعرفة وتغيير الاتجاهات، وإشراك الرجال في تغيير الاتجاهات الثقافية حول الذكورة والسلوكيات العنيفة، وإدماج التثقيف المتعلق بالنوع الاجتماعي والعنف على أساس النوع في التعليم الرسمي وغير الرسمي، مع ابتكار حملات للقضاء على العنف ضد النساء مثل زواج الأطفال وختان الإناث، وتثقيف النساء والفتيات حول حقوقهن القانونية، وتطوير القوانين ومتابعة الالتزام بتطبيقها مثل سن وتطبيق قوانين موجهة للعنف ضد النساء وتقييم تطبيق هذه القوانين، وتطوير أدلة إرشادية وبروتوكولات وتوفير تدريب إلزامي منهجي لرجال الشرطة ووكلاء النيابة والقضاة، وإنشاء محاكم متخصصة ووحدات شرطة، ووضع سياسات للقبض الفوري والمقاضاة والأحكام القضائية المناسبة.
وشدد د. شهاب على أنه لا بد من وجود دراسات وبحوث مثل البحث والتوثيق المتعلق بالعنف ضد النساء والفتيات، لأنه يزيد من الاعتراف بالمشكلة والالتزام بمواجهتها، وضرورة إشراك الشبان/الرجال/ في مواجهة العنف ضد المرأة، لأن الشاب /الرجل/ معرض أيضاً للعنف الجنسي مثل الفتاة/المرأة/، وللرجل دور مهم فيما يحدث، ويمكنه لعب دور كبير في الحد من العنف من طرف أقرانه، فالبرامج والحملات التي تشرك الرجل يكون لها صدى أكبر ونجاحاً أكثر، لذا فإشراكه وتوعيته يعدان وقاية من مشكلة العنف، لأنه سيتحول من مرتكب للخطأ ومهيمن، إلى ناشط متمكن للحد من هذه الآفة ومواجهة المسؤولية.
وختم دكتور شهاب بأن النساء اللاتي تعرضن للعنف وأطفالهن يحتجن إلى الوصول إلى خدمات متنوعة، ومن المثالي أن تكون في مكان واحد مثل: الخط الساخن والمشورة وشبكات الدعم وملجأ يلبي المعايير الآمنة والخدمات القانونية والرعاية الصحية متضمنة وسائل منع الحمل الطارئة لضحايا الاغتصاب، إذ يمكن لمقدمي الخدمة المدرّبين المساعدة في اكتشاف المتعرضات للإيذاء، ومساعدة الضحايا عن طريق تقديم الدعم الطبي والنفسي والقانوني والإحالة.
خدمات متكاملة
ومن حيث انتهى حديث د. شهاب، عن ضرورة تكامل الخدمات المقدمة للمعنفات في مكان واحد، كانت وجهتنا التالية إلى الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان التي قامت بتأمين كل الخدمات المذكورة سابقاً في مكان واحد هو وحدة حماية الأسرة في دمشق، التي تعد أول منتجع صحي نفسي قانوني متكامل في سورية، وعن تفاصيله، قالت مديرة القضايا الأسرية في الهيئة رنا خليفاوي مبيّنة أن هناك جمعيات كثيرة تعمل مع المعنفات ولديها مأوى لأعداد محدودة، مثل راهبات الراعي الصالح، وهناك جمعيات تعمل على العنف القائم على النوع الاجتماعي مثل جمعية تنطيم الأسرة، لكن كلها تقدم خدمات محددة، فجاءت وحدة الحماية لتكون شاملة لكل الخدمات، وتابعت: تصل إلينا إحالات من هذه الجمعيات والجهات، فنقوم بالتقييم، وإن كانت الحالة تتوافق مع المعايير، أي متعرضة لعنف حقيقي، أو هناك خطر على حياتها وليس لديها ملاذ أو مأوى ثانٍ غير المأوى الذي تعرضت فيه لعنف، يتم قبولها، إذ يوجد الكثير من الحالات اللاتي يتعرضن للعنف لكن من دون وجود خطر على حياتهن، ولا يحتجن إلى مأوى.
وقالت خليفاوي إن وحدة حماية الأسرة التابعة للهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان تعنى بالنساء والأطفال ضحايا العنف، وتقوم باستقبال المعنفات، وتقدم لهم حزمة كاملة من الخدمات (المأوى – دعم نفسي اجتماعي – خدمة طبية – استشارات قانونية ومرافقة إلى المحكمة – طعام وشراب ولباس) إضافة إلى التمكين الاقتصادي والاجتماعي، سواء من خلال العودة للتعليم أو التدريب على المهن مثل الخياطة والحلاقة، إضافة إلى مجموعة من الأنشطة مثل الرياضة وغيرها.
وبيّنت خليفاوي أن الناجية من العنف وفور وصولها إلى الوحدة يتم تقييم حالتها عن طريق مديري الحالات، وتوضع لها خطة علاج وخطة تدخل، وتتم متابعتها وتقديم الخدمات اللازمة لها، وتقدم لها الخدمة الطبية الكاملة، وبعض الحالات أجريت لها عمليات جراحية على نفقة الوحدة.
وأوضحت أنه وإضافة إلى نزيلات وحدة الحماية، هناك حالات خارجية من الناجيات من العنف، يتم التعامل معهن من دون إقامة في الوحدة، ويقدم لهن كل الخدمات اللازمة، وباستطاعتهن ممارسة كل النشاطات التي تقوم بها الوحدة، ويتم استقبال الناجيات في الوحدة كإقامة مدة ستة أشهر كحد أعلى، وتوجد حالات قليلة جداً تُمدد لهن الإقامة.
العمل مع البيئة المعنفة
وشددت خليفاوي على أن الهدف الأساس للعمل هو إعادة المعنفة إلى بيئتها وحل مشكلتها، لذا يتم خلال أشهر الإقامة التواصل مع مجتمعها ومحيطها وحل المشكلات والنزاعات إن أمكن، وهناك الكثير من الحالات اللاتي عدن إلى أزواجهن أو أسرهن، وهناك حالات لم يعدن، وقمن بالاعتماد على أنفسهن، فخلال الإقامة تكون المعنفة قد تعلمت مهنة، وتتم مساعدتها من قبل الهيئة بالتشبيك مع أسرتها الكبيرة والممتدة ومع الجمعيات الأهلية لإيجاد فرص عمل واستئجار منزل تُقدم لها المساعدة باستئجاره فترة.
وأضافت خليفاوي أنه وفيما يخص اللاتي عدن إلى محيطهن، فإن النتائج غير مضمونة تماماً، لأنه من غير الممكن إصلاح كل البيئات، لكن ما نستطيع تأكيده هو أن المعنفة خلال فترة الإقامة، تكون قد ازدادت شخصيتها قوّة عبر تعلم الكثير من أمور السلوك والمعرفة، فتكون أقوى بمواجهة الظروف لتستطيع تعديلها وتحسينها والمطالبة بحقوقها وبدء حياة جديدة.
كوادر مختصة ومدربة
وعن مستوى الكوادر التي تتعامل مع المعنفات، أوضحت مديرة القضايا الأسرية أن الفريق الذي يتواصل مع محيط المعنفات جميعهم من اختصاصات علم اجتماع وتربية وإرشاد نفسي واجتماعي، وأساساً تم إخضاعهم لتدريبات كثيرة وكبيرة من قبل الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان، ليكونوا قادرين على التواصل مع الحالة ومحيطها والمتابعة معهم, وهذه الكوادر تخضع لتدريبات مستمرة ومستقلة وتدريبات خلال العمل، وتشرف عليها خبرات مختصة كبيرة وخاصة بالدعم النفسي والطب النفسي، كذلك تتواصل مع أهل المعنفة وأسرتها عند الحاجة محامية الوحدة والمحامية الخارجية لتشرح لهم الاحتياجات والملابسات التي تخص الحالة.
تعميم التجربة في بقية المحافظات
وعن المشاريع المستقبلية، بيّنت خليفاوي أن لدى الهيئة حالياً وحدة حماية واحدة تستقبل المعنفات من كل المحافظات السورية، وتستقبل الأطفال (ذكور) أيضاً لعمر 9 سنوات، أما الإناث فلا يوجد عمر محدد لهن، ويوجد في الوحدة حالات أطفال مستقلين، إضافة إلى أطفال الحالات الموجودة في الوحدة، وتعد هذه الوحدة مشروعاً تجريبياً، بينما الفكرة والتخطيط هما للتوسع وافتتاح وحدات جديدة في المحافظات السورية الأخرى حسب الأولوية، وهذه الوحدة هي الوحدة الحكومية الأولى على مستوى سورية.
التمييز عنف وانتهاك
الباحثة الاقتصادية والمهتمة بقضايا المرأة- الدكتورة رشا سيروب كان لها رأيها في موضوع المعنفات، فقالت لـ (تشرين) إن السماح بوجود أي تمييز أو إخلال بمفهوم المساواة بين المرأة والرجل على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والسلوكية، سواء من خلال القوانين والتشريعات أو الأعراف والعادات والتقاليد الاجتماعية يعد عنفاً ضد المرأة وهو انتهاك صارخ لحق من حقوق الإنسان بالنسبة للمرأة.
وعلى الرغم من أن الدستور السوري نص صراحةً على أن «المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس» غير أن قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات مازالا يأخذان في الحسبان الأعراف والعادات والتقاليد التي تضع معاملة تمييزية لمصلحة الرجل على حساب المرأة.
مشيرة إلى أن خطورة عدم معالجة – أو التأخير – في معالجة قضايا العنف ضد المرأة يشكل عائقاً أمام التنمية الاقتصادية والتطور المجتمعي والسلم الأهلي، فالمرأة المعنفة والمنتقصة الحقوق ستعكس ذلك على تربية الأبناء وكيفية نظرتهم للمستقبل وبنائه وآليات معالجة المشكلات والتحديات التي قد تواجههم.
لذلك ينبغي إدانة العنف ضد المرأة بكل أشكاله بدءاً من الرغبة بالولادة بذكر تحت ذريعة أنه يحمل اسم العائلة، أو تعدد الزوجات من أجل قدوم الذكر، أو الاستمرار في الإنجاب حتى قدوم الذكر، وأيضاً على المستوى التعليمي, حيث يفضل أن تدرس الأنثى الاختصاصات التي تتميز بطبيعة عمل معينة، أو أن تختار مكان العمل القريب من المنزل والأسهل والذي لا يتطلب جهداً وليس انتهاء بالعنف الجسدي والجنسي والنفسي, ولا يجوز القبول أو التهاون بوجود أي شكل من أشكال العنف ضد المرأة تحت أي مسمى بذريعة الأعراف والتقاليد والدين، لأن انتهاك الكرامة الإنسانية وتقييد الحرية الشخصية محمي بموجب الدستور وهو حق من حقوق الإنسان وتالياً فهو واجب على الدولة للحفاظ عليه.
معالجة منقوصة
وأكدت د. سيروب أنه لا يمكن الاكتفاء بالمبادرات وبمراكز التأهيل لمعالجة هذه القضية الشائكة، فأي محاولة لمعالجة الخلل بعد حدوث التعنيف تعد معالجة منقوصة، فهي ليست عملاً شعبوياً بل هي واجب قانوني يقع على عاتق الدولة، ما يتطلب إصلاحات في القوانين والتشريعات تحد من أسباب حالات العنف ضد المرأة، وخلق مؤسسات وابتكار سياسات يمكن من خلالها معالجة النتائج المترتبة على العنف.
وباعتبار أن العادات والأعراف تفرض على المرأة القبول بالتعنيف، لذلك يجب العمل على محورين:
المحور الأول: محور سياساتي وتعديل القوانين بما يتوافق مع أهداف التنمية المستدامة وخاصة الهدف الخامس (المساواة بين الجنسين وتمكين النساء)، وسن تشريعات وعقوبات صارمة بحق كل إساءة أو تعنيف للمرأة أو تقييد لحرياتها، ويجب ألا نغفل العامل الحاسم في الحد من حالات العنف ضد المرأة – وخاصة المرأة المتزوجة – وهو الاستقلال المادي، وهذا يستدعي تخصيص مبالغ مالية في الموازنات الحكومية لتمويل نظم حماية اجتماعية للمرأة عموماً والمرأة المعيلة للأسرة أو المطلقة على وجه الخصوص، واتخاذ كل الإجراءات التي من شأنها تغيير السلوك الاجتماعي وكسر نمطية التفكير في أن أي انحراف في دور المرأة (عما هو معتاد) يعني خللاً في الأسرة والمجتمع، وهذا يستلزم إجراء تغيير في سياسات الثقافة والتعليم والمناهج الدراسية والتأكيد على أن المرأة ليست ناقصة، بل المرأة والرجل متكافئان ومكملان لبعضهما، وهما متساويان في الحقوق والوجبات.
المحور الثاني: محور اجتماعي وسلوكي يقوم على بناء شخصية المرأة من حيث تمكينها في مجتمع ذكوري، والعمل على تعزيز ثقتها بنفسها لنفسها، وعدم السماح – ولو بالإيحاء – بأن أي انتقاص من حقوق المرأة هو أمر طبيعي وأنه من عادات وتقاليد المجتمع، ونشر ثقافة بين النسوة بأن المرأة ليست ضحية للمجتمع، بل هي ضحية تصرفاتها وقبولها بالتبعية للجنس الآخر، وأن الحفاظ على كرامتها أهم من نظرة المجتمع إليها.
الأب صمام الأمان لكل أنثى
وترى د. سيروب بأن تمكين المرأة لا يقتصر على التوعية حول مخاطر العنف الممارس ضدها فقط، بل إن العبء الأكبر يقع على الأسرة، وعلى وجه الخصوص الأب، فهو صمّام الأمان والحماية لكل أنثى، وهو الأقدر على تعزيز وبناء الشخصية المتمكنة والواثقة من نفسها.
فالمرأة الواثقة من نفسها والمحمية بقوانين وتشريعات صارمة لن تسمح بتهميشها أو بانتقاص أبسط حقوقها في اختيار العمل والتعليم وحرية الحياة، وتالياً لن تقبل بحالات العنف الأقسى سواء الجسدي أو النفسي أو الجنسي.
والمرأة المتمكنة وذات الشخصية المستقلة، وغير التابعة، والتي لن تكون معنفة، هي التي تبني الأسرة الصحيحة التي هي نواة المجتمع، وهي التي تخلق مجتمعاً متوازناً ومتماسكاً، فلا يمكن بناء مجتمع نصف طاقاته معطلة أو تعمل بالحدود الدنيا وبأعمال هامشية.
تشرين