التعليم المفتوح صامد بعد سبعة عشر عاماً على التجربة... ومخرجاته لا تجد لها طريقاً إلى سوق العمل!

التعليم المفتوح صامد بعد سبعة عشر عاماً على التجربة... ومخرجاته لا تجد لها طريقاً إلى سوق العمل!

أخبار سورية

السبت، ٢٧ يوليو ٢٠١٩

بقيت سورية حتى العام 2000 أسيرة منظومة التعليم العام (الحكومي)، إلى أن تم إطلاق ما عُرف بالتعليم المفتوح في العام 2001 والذي تدور فلسفته حول عدم تحديد زمن مُحدد لسنوات الدراسة، ذلك على عكس التعليم العام المحكوم بسنوات دراسية مُحددة لكل كُلية.
أُحدث نظام التعليم المفتوح في الجامعات السورية بِموجب المرسوم 383 الصادر عام 2001، ويتضمن جواز قبول عدد من الطلاب من حملة الشهادة الثانوية السورية أو ما يعادلها، مع دفع رسم نقدي على كل مادة مقداره 3000 ليرة سورية، ويدفع الطالب نصف المبلغ في حال رسوبه بالمادة.
آلية القبول
تجري آلية القبول وفق مفاضلة محددة باختصاصات والبرامج المطروحة بعد صدور مفاضلة التعليم الموازي، ويُشترط أن يكون معدل الطالب في الشهادة الثانوية لا يقل عن 50% لكافة أنواع الثانويات قديمة أم حديثة، كذلك يمكن قبول حاملي شهادة المعهد المتوسط والشهادة الجامعية للتسجيل بالتعليم المفتوح على أن يُعفى المقبولون منهم من المقررات المماثلة وألا تزيد نسبة الإعفاء عن 25%
ووفقاً للقرار 92 لعام 2007 الناظم للتعليم المفتوح، فإنّه تم تحديد مستوى التعليم المفتوح بدرجة الإجازة. ويكون لكل طالب إضبارة توضع فيها جميع الوثائق المتعلقة به، ويتم القيد للطالب سنوياً سواء كان قديما أو في المواعيد التي يحددها رئيس الجامعة.
لكن في عام 2018 تم تعديل آلية القبول من قبل مجلس التعليم العالي ليحق لأي شخص حاصل على شهادة الثانوية منذ عامين على الأقل التقدم إلى مفاضلة المفتوح، ومهما كان تاريخ الشهادة قديما وحتى لو كان مقبولا في التعليم العام سابقاً ومتخرجا أو مستنفذا. إلا أنّه صدر مؤخراً بتاريخ 28/3/2019 قرارا سمح بموجبه للحاصل على الشهادة الثانوية في عام القبول نفسه التقدم لمفاضلة التعليم المفتوح شرط أنَ يتجاوز عمره 24 عاماً، وإذا لم يَسمح له معدله في الثانوية القبول بالجامعات الخاضعة لأحكام قانون تنظيم الجامعات أو معهد تابع للمجلس الأعلى للتعليم التقني.
رفع الرسوم بمفعول رجعي
في حين بدأ التعليم المفتوح برسوم خفيفة على جيب الطالب، إلا أنّها لم تستمر كذلك فيما بعد، حيث بدأ المنحنى البياني لها بالصعود تماشياً مع ارتفاع كل الرسوم الجامعية، حيث أصبحت الرسوم 5000 ليرة للمادة للمرة الأولى، وفي حال الرسوب تبقى كذلك. وصولاً للعام 2018 الذي عدل رسوم المواد الراسبة لتصبح 6500 ليرة للمرة الأولى، و7500 ليرة للمادة الراسبة للمرة الثانية.
تقول د. صفاء أوتاني، نائب رئيس جامعة دمشق لشؤون التعليم المفتوح لـ "الأيام"، " إنّ قرار رفع الرسوم رقم 46 كان لكل الرسوم الجامعية بما فيها التعليم المفتوح، حتى رسوم التعليم العام ارتفعت، وكذلك الموازي، ولذلك تم رفع رسوم المواد الراسبة فقط في التعليم المفتوح، وبقي رسم المادة 5000 ل. س".
ومن الجدير ذكره أنّ رفع الرسوم بالتعديل الأخير عام 2018 تم ومع الأسف بمفعول رجعي، حيث تقول نور طالبة حقوق سنة ثالثة "عندما أخبرنا بقرار رفع الرسوم كنا قد وعدنا بتصفير المواد، أي اعتبارها جميعاً كأنّها لأول مرة مهما كان عدد مرات الرسوب بها"، إلا أنّه عند التسجيل ووفقاً ل نور فوجئ الطلاب بالقرار أنّه شمل عدد المواد الراسبة قبل القرار ولم يتم تصفيرها.
وحيال ذلك تقول أوتاني "تتمنى لو تم استمزاج رأي المسؤولين عن التعليم المفتوح قبل أخذ هذا القرار لنقول لهم طبقوا القرار من 2018 وما تلاها، وليس بمفعول رجعي، حيث لا يوجد في العالم قرار بمفعول رجعي".
كما أنّه من المجحف بحق الطالب أن يتم اعتبار عدم تقديمه للمادة رسوب، حيث أنّ الطالب الذي سجل على مادة معينة، ولم يستطع الذهاب لتقديمها سوف يضطر في الفصل اللاحق لدفع 6500 على اعتبار أنّها مادة راسبة.
تضيف نور، أنّه نتيجة الوضع العام أو نتيجة لأي سبب شخصي، لا نتمكن من تقديم المادة، ومن غير المعقول اعتبار ذلك بمثابة الرسوب. وتطالب بإيجاد آلية مُنصفة لهذه الحالة، على اعتبار أنّ الطلاب لم يتمكنوا من فعل أي شيء حيال رفع رسوم المواد الراسبة.
في حين ترى أوتاني أنّ "رفع رسوم الرسوب تم لتشجيع الطالب على عدم الرسوب، و1500 ل. س لا تعد من باب تحصيل المال. في ظل الأسعار المرتفعة حيث لم يتم مضاعفة الرسوم مثلاً".
التعليم المفتوح بالأرقام 
كان قد أنهى دراسته في برنامج التعليم المفتوح حوالي 12 ألف طالب منذ بدئه بالعام 2001، ويختلف رقم الخريجين وفقاً ل أوتاني بين برنامج وأخر، فالترجمة مثلاً والإعلام أكبر من غيرهما وهذه الأرقام تعكس جودة التعليم أيضاً.
واليوم في جامعة دمشق حوالي 70 ألف طالب تعليم مفتوح مقيد في قيود التعليم المفتوح. لكن المنتظمين بالدراسة بلغ عددهم النصف فقط حوالي 30 ألف طالب أو أقل، وهذا الرقم يتراوح بين الفصل والثاني كون نظام التعليم المفتوح يعتمد على التسجيل الفصلي تقريباً وفقاً لما قالته د. أوتاني.
التعليم المفتوح وسوق العمل
لا شك في أنّ مُخرجات التعليم المفتوح تُشكل رافدا لسوق العمل، لكن هل سوق العمل سواء الخاص أو العام قادر على استيعاب كل هذه المخرجات؟ تجيب د. صفاء أوتاني بالقول: "إنّ الهدف من التعليم المفتوح كان رفد القطاع الخاص بالخريجين أو العمل المهني كالمحاماة مثلاً، وكذلك برنامج إدارة المشروعات الصغيرة والمتوسطة". مضيفةً أنّ شريحة التعليم المفتوح يُعوّل عليها بعملية إعادة الإعمار وفي البناء، وفي أي خطوة تنموية سورية مُقبلة، لذلك يجب تشجيعها.
يرى الدكتور في قسم الاقتصاد الدولي بكلية العلوم السياسية، قاسم أبو دست أنّ "الشريحة الأكثر استفادة من شهادة التعليم المفتوح هي شريحة العاملين في الدولة، بالإضافة إلى أنّه تم إدراج بعض الاختصاصات من التعليم المفتوح في المسابقات الحكومية". كما أنّ البعض الأخر بناء على شهادة التعليم المفتوح دخل لسوق العمل في القطاع الخاص وفقاً لـ أبو دست.
لكن ما زال مجلس التعليم العالي يُضيّق على خريجي التعليم المفتوح بتعديله لبعض مواده، رغم أنّ كل شهادات التعليم المفتوح مُعتمدة في سورية وصالحة للتعيين في الجهات الحكومية، حيث تم بتاريخ 28/3/2019 تعديل المادة 45 من قرار مجلس التعليم العالي رقم 236 تاريخ 15/7/2007 وتعديلاته لتصبح "لا تُعد الشهادات الممنوحة من برنامج التعليم المفتوح معادلة للدرجات الجامعية المؤهلة للتعيين بوظيفة مُعيد أو عضو هيئة تدريسية في الجامعات الحكومية والجهات الأخرى التي تقضي أنظمتها معادلة الشهادات للتعيين فيها في مجلس التعليم العالي".
تقول نسرين خريجة برنامج الترجمة لـ "الأيام"، "سُعدت كثيراً عندما سمعت بأنّ هناك مسابقة لوزارة التربية ذلك بعد عناء طويل في البحث عن فرصة عمل". وبدأت نسرين بتجهيز أوراقها للتقديم على المسابقة، لكن ما حدث معها عندما ذهبت لتسليم أوراقها، قام موظف التربية بتدقيق أوراقها ولاحظ أنّ شهادتها تعليم مفتوح، فاعتذر منها قائلاً "لا يحق لبرنامج الترجمة التقديم لمسابقات التربية للتدريس". علماً أنّ نسرين لديها 10 سنوات تدريس كساعات في مدارس حكومية.
وحيال هذه النقطة تقول د. أوتاني، "إنّ اختصاص الترجمة للقطاع الخاص أو بعض المظلات البعيدة عن التربية والتعليم وليس للتربية لتدريس الطلاب. وأنّ الهدف منه ليس لتدريس الطلاب اللغة الإنكليزية". وهذا السبب في عدم قبول وزارة التربية لخريجي الترجمة، وليس كونهم أدنى كسوية علمية من غيرهم. وإنّما كون اختصاصهم مختلفا كما أوضحت أوتاني.
سامر نايف خريج محاسبة تعليم مفتوح يقول، إنه عندما كان يدرس لم يكن لديه هاجس إيجاد فرصة عمل، وإنّما كان مرتاحا نفسياً كون شهادة التعليم المفتوح مُعترف بها من قبل الدولة. لكن عندما تخرج تعذب كثيراً لإيجاد فرصة عمل، ولكن ليس السبب كون شهادته تعليم مفتوح، وإنّما نتيجة قلة فرص العمل سواء في القطاع العام أو الخاص. حيث اضطر لإجراء 16 مقابلة عمل حتى وجد فرصته أخيراً في شركة تأمين.
سبعة عشر عاماً من عمر التجربة
يُعد التعليم المفتوح جزءا لا يتجزأ من منظومة التعليم العالي، وهو نمط تعليمي رديف يسمح بقبول أعداد إضافية من الطلاب بمجموعة من الاختصاصات تتضمن الحقوق والاقتصاد والآداب والعلوم الإنسانية والسياسية والتربية والسياحة والإعلام.
تقول د. أوتاني لـ "الأيام"، "إنّ التعليم المفتوح وفق ما خطط أن يكون عليه ضمن منظومة التعليم العالي، وضعه جيد بعد 17 عاما من افتتاحه، وهو سياق من التعليم المستمر مدى الحياة، وفي مرحلة لاحقة تم العمل على تطويره ليأخذ مكاناً في الاستيعاب الجامعي". بمعنى أصبح جزء من الطلاب ممن لا يستطيعون أن يكون لهم مكان بالتعليم النظامي يجدونه بالتعليم المفتوح".
وإحدى نقاط الضعف التي تواجه التعليم المفتوح، هي تشابه عدد من البرامج المفتتحة به مع برامج التعليم العام، والتي يُفترض أن تكون برامجه مُتميزة عن التعليم النظامي. حتى يكون لها منافذ إلى سوق العمل مختلفة عن منافذ التعليم العام. وفقاً لأوتاني.
وترى د. صفاء أوتاني أنّ "التعليم المفتوح بشكل عام استطاع خلال سنوات الأزمة وحتى قبلها أنّ يَحمل عبء جزء كبير من الاستيعاب الجامعي". مُؤكدة أنّه بالنهاية التجربة ككل تُعد تجربة مقبولة.
في حين يرى د. قاسم أبو دست، "أنّ التجربة تحتاج لمزيد من التطوير والعمل، مُشيراً إلى أنّها اُستقدمت من مصر وتم تدريس المنهاج المصري في بعض البرامج، كما أنّه تم إدخال بعض مواد التعليم العام إلى برامج التعليم المفتوح".
من مفتوح إلى شبه مُغلق
عندما أحدثت برامج التعليم المفتوح كانت المدة الزمنية للدراسة فيه مفتوحة انطلاقاً من اسمه، ولكن ما حدث مع بدايات العام الدراسي الحالي 2018/2019 ينبئ بتحويل التعليم المفتوح لتعليم مُغلق شبيه بالتعليم العام. حيث أنّه وفق القرار الجديد لا يجوز للطالب أن يبقى في السنة الواحدة أكثر من ثلاث سنوات. بمعنى حدد سنوات للاستنفاذ.
ترى د. أوتاني، "أنّ سنوات الانقطاع سابقاً كانت مفتوحة، أما حالياً فقد قرر مجلس التعليم العالي جعلها ثلاثة سنوات. يعني عملياً أكثر من التعليم العام كون التعليم العام لديه عدد سنوات محددة". مضيفةً أنّ سنوات الإبقاء في كل سنة أصبحت ثلاثة سنوات فقط، وبرامجنا قائمة على 4 سنوات وبالتالي الطالب لديه 12 سنة، وهي مهلة كافية.
كانت التجربة في سورية مثل مصر مَفتوحة. ولكن تم تحديدها ب 12 سنة ضعفي المدة. وتقول أوتاني، "إنّ التعليم بالنهاية بحاجة للاستمرارية للتكوين المعرفي الصحيح، وكل يوم هناك شيء جديد، وعند الانقطاع لفترة طويلة يُصبح الأمر صعباً". مشيرةً إلى أنّه تم تبرير فترات الانقطاع من 2011 وحتى العام 2018 ما أدى لإعادة ارتباط 3500 طالب ببرامج التعليم المفتوح.
تقول نور طالبة حقوق تعليم مفتوح، إنّه من غير المعقول تحديد التعليم المفتوح بسنوات محددة، كونه من الأساس الإقبال عليه كان بناء على أنه يؤمن الأريحية للطلاب من حيث الوقت. لاسيما أن الكثير من الطلاب يسجلون عددا قليلا من المواد بسبب وضعهم المادي.
ماذا عن استمرار التعليم المفتوح؟
يشكو التعليم المفتوح من نقص كبير في عدد الموظفين وفي أعضاء الهيئة التدريسية على حد سواء وفقاً لأوتاني، التي قالت إنّ "هناك محاولات لإلغاء التعليم المفتوح، لكن على الصعيد الرسمي لا يوجد شيء من هذا القبيل، بل على العكس من ذلك، وزير التعليم داعم لبرامج التعليم المفتوح". معتبرة أنّ قرار إلغائه ليس بالقرار السهل. وأنّ مفاضلته ما زالت تصدر كل عام في موعدها.
كما طالبت د. أوتاني بفصل التعليم المفتوح عن التعليم العام وأن يصبح له ذمة مالية مستقلة، وأوضحت بأنّ الموظف بالتعليم المفتوح ليس له ميزات مالية عن أي موظف في أيّة كلية أخرى، وأنّ ما يحكم موظفي التعليم المفتوح قانون العاملين الأساسي رقم 50 لعام 2004.
كما أوضحت بأنّه تمت أتمتة برنامج المحاسبة بشكل كامل (داتا كاملة)، وما ينقص بعض المساعدة للوصل لدرجة الأتمتة الكاملة للبرامج السبعة. وكل ذلك بجهود ذاتية داخلية بحتة، لكن هناك معوقات كانقطاع الكهرباء والنت.
وتؤكد أوتاني أنّ التعليم المفتوح مُستمر الآن ولاحقاً عبر ضخ دماء جديدة، من خلال إدخال برامج جديدة في التعليم المفتوح مطلوبة في سوق العمل، مشيرة إلى أن كل برامج وديبلومات والتأهيل والتخصص التي تقوم بها الجامعات، يجب أنّ تدخل تحت نظام التعليم المفتوح، فمثلاً المحامي يريد أن يقوم باتباع دبلوم تأهيل لا يستطيع الدوام خلال الأسبوع فيمكن له الاستفادة من يومي الجمعة والسبت.
ويعتقد د. قاسم أبو دست أنّ الخطوة المهمة في مجال التعليم المفتوح كانت بالسماح للحاصلين على الإجازة في التعليم المفتوح والذين أتموا دراسة الماجستير في الجامعات الحكومية العامة بالتقدم لمسابقة أعضاء الهيئة الفنية في الجامعات الحكومية والخاصة.
تختم أوتاني حديثها، "نقوم حالياً بإعداد برامج جديدة لإدخالها في مجال التعليم المفتوح، مثل برنامج علوم التغذية (اختصاص علوم وصيدلة) وتضيف "نؤمن بالتعليم المفتوح وهو يواجه تحديات لكن لم تصل لإلغائه".
يُمكن القول بإنّ سياسة التعليم المفتوح تم إطلاقها في سورية لاستيعاب مزيد من الطلاب في المرحلة الجامعية، لكن ما أصبح بحكم المؤكد بأنّ هذه السياسة لم يكن لها دراسة حقيقية لاستيعاب مخرجاتها في سوق العمل السوري، الذي يعاني أصلاً من ركود وبطالة مُقنّعة تفقده القدرة على توظيف هذه المخرجات بطريقة عقلانية منتجة.
حبيب شحادة - الأيام