ما حقيقة الانذار الروسي لتركيا بضرورة تنفيذ اتفاق سوتشي فورا؟

ما حقيقة الانذار الروسي لتركيا بضرورة تنفيذ اتفاق سوتشي فورا؟

أخبار سورية

الثلاثاء، ٦ أغسطس ٢٠١٩

تداولت بعض الاوساط الاعلامية والسياسية وليس الرسمية طبعا، عن انذار روسي حاسم وأخير، يقضي وباسرع وقت ممكن، بان تقوم تركيا بتفيذ أو برعاية تنفيذ النقاط الاساسية من اتفاق سوتشي الموقع العام الماضي ( ايلول 2018 ) بين موسكو وانقرة، والتي هي: سحب جميع المسلحين الارهابيين والمعتدلين من منطقة بعرض 20 كلم في منطقة خفض التصعيد في ادلب ومحيطها، وتكون منزوعة السلاح، ووقف فوري لقصف مناطق سيطرة الجيش العربي السوري ولمناطق القواعد الروسية في حميميم ومحيطها، والعمل الميداني لتأمين فتح طريق حلب دمشق التي تمر بريف ادلب الجنوبي وامتدادا الى حماه فدمشق.
مبدئيا هذه هي النقاط الاساسية التي كانت تركيا قد تعهدت في الاتفاق المذكور بتنفيذها، عبر الضغط على من ترعاهم وعلى من لا ترعاهم من الارهابيين او المسلحين المعتدلين، على اعتبار انها القوة الاقليمية صاحبة السيطرة الامنية والميدانية الاكبر على المناطق المحتلة من الشمال السوري، وحيث كان قد تعثر تنفيذ هذه النقاط لعشرات المرات، بالتواكب ايضا مع عدة انذارات روسية لتركيا حول ضرورة تنفيذها، فما الذي يجعل الانذار الروسي الاخير قابلا للتنفيذ فيما لو كان صحيحا ؟ وهل تغيرت المعطيات التي كانت تسبب عرقلة تنفيذ الاتفاق؟ واين تكمن المصلحة الروسية الحقيقية حاليا في الضغط على تركيا ؟.
من خلال اجراء دراسة سريعة للمعطيات الحالية التي تحكم الاوضاع في الشمال السوري، والتي تتحكم بالعلاقة بين الروس والاتراك من جهة او بين الاميركيين والاتراك من جهة اخرى، او حتى بين الروس والاميركيين فيما خص موضوع الشمال السوري من جهة اخرى ايضا، يمكن وصفها بالتالي:
لقد ساهمت تركيا بنسبة كبيرة في خلق وتوسيع الحرب على سوريا من خلال فتح حدودها بالكامل للارهابيين الاجانب من كل حدب وصوب، وتشكيل جسر عبور لهؤلاء للتغلغل في الداخل السوري، ومن خلال دعم الارهابيين مباشرة بالسلاح والعتاد والخبرات والتقنيات الالكترونية وغرف العمليات
اهداف تركيا من وراء ذلك كانت اهدافاً خاصة، ولمصالح مذهبية وتوسعية واقتصادية وسياسية، وايضا عملت انقرة وبفعالية خلال هذه الحرب التي شنت على سوريا تحت امرة واشنطن ولمصلحتها، ولكن نقطة التحول في سياسة تركيا كانت في الموضوع الكردي، بعد ان اكتشفت انقرة ان لواشنطن مخططاً غير بعيد عن دعم ادارة ذاتية كردية في الشرق السوري، وهذا الدعم الاميركي للادارة الذاتية الكردية كان لهدف استراتيجي يتعلق بمصلحة اسرائيل وبتحقيق اجندة اميركية ترمي الى تقسيم سوريا واضعافها وزرع دويلة كردية موالية لها بين العراق وسوريا.
هذا الخلاف التركي الاميركي حول الموضوع الكردي، والذي اعتبرته انقرة انه سيشكل ضربة موجعة للامن القومي التركي، كان النقطة المفصلية التي وضعت انقرة في موقع مختلف عن السابق في الملف السوري، بالنسبة للروس وحتى بالنسبة للسوريين ولو بنسبة بسيطة مختلفة.
انطلاقا من هذا الاشتباك المتقلب والمتوتر وغير الواضح المعالم بين واشنطن وتركيا، يمكن ان نستنتج ان تركيا لا تملك نقاط قوة تجعلها تثبت في الشمال السوري، خاصة انها ملتزمة مع روسيا باتفاق يفضي في نهاية الامر الى دعم وتسهيل تسوية سياسية، نهايتها سيطرة الدولة السورية على كامل جغرافيتها.
من جهة اخرى، لا يمكن الا أن ننظر الى الارتياح الروسي للاشتباك الاميركي – التركي، الامر الذي ينتج عنه تهاون موسكو مع انقرة في موضوع تنفيذ اتفاقي استانة وسوتشي ، وحيث طالما راهنت موسكو على هذا الخلاف الذي تعتبره فيما لو توسع وامتد، ثغرة استراتيجية داخل حلف الناتو، ستستفيد منها حتما في اشتباكها الواسع مع دول هذا الحلف (الولايات المتحدة الاميركية والاوروبيين ) في ملف اوكرانيا وملف شبه جزيرة القرم.
انطلاقا من كل ذلك، وحيث تظهر جليا المصلحة الروسية في عدم اغضاب انقرة حاليا، وخاصة لناحية دعمها في الاشتباك العنيف مع واشنطن، والذي يتمثل في اكثر من نقطة واهمها، ملف الصورايخ الروسية اس 400 ، والتي اصرَّت تركيا على استلامها بالرغم من المعارضة الاميركية الشديدة، ومع تطوَّر الموضوع الى حرمان أنقرة من مشروع تصنيع وامتلاك قاذفة الجيل الخامس الاميركية اف 35 ، وما كان يمكن ان يؤمن لها من تلك الصفقة ماديا وعسكريا، تبدو موسكو غير معنية حاليا لزيادة الضغط على انقرة في الموضوع السوري، وذلك مع بروز نواة صفقة أخرى روسية تركية، تقوم على امكانية أستلام انقرة المقاتلة الروسية سوخوي 35 ، والتي تماثل المقاتلة الاميركية اف 35 في المميزات والقدرات.
اذن، لا يمكن القول ان هناك انذارا روسيا جديا وحاسما لتركيا في ضرورة التنفيذ الفوري لما التزمت به في اتفاق سوتشي، ولكن مع الاصرار السوري الشرعي على تحرير ادلب بالقوة اذا لم يتسنَ ذلك سياسيا عبر الاتفاقات المعنية ومنها استانة وسوتشي، ومع خطورة ما اصبحت تشكله خروقات الارهابيين للاتفاق، على المناطق المدنية السورية من جهة، وعلى مواقع وحدات الجيش العربي السوري والقواعد الروسية وخاصة في حميميم من جهة اخرى، ومع اكتشاف تركيا فعالية وجدية التقدم الذي اظهرته الوحدات العسكرية السورية مؤخرا في ريف حماه الشمالي، لناحية الامكانية الواضحة في تغيير خارطة السيطرة في ادلب بشكل واسع لمصلحتها، الامر الذي استدعى طلبا تركيا عاجلا لوقف النار والتقدم.
مع كل ذلك، لا بد وان تأخذ تركيا هذه المرة بعين الاعتبار كل هذه المتغييرات والمعطيات على محمل الجد، وتذهب من تلقاء نفسها، ومن دون انذار روسي، لتنفيذ ما التزمت به في سوتشي، حيث اصبح واردا جدا وبقوة، ان نشهد اجراءآت تركية جدية وعملية على طريق تنفيذ اتفاقي استانة وسوتشي .