الشكوى.. كيف نفعّلها لتتحول إلى ثقافة مجتمعية؟.. على المواطنين الإخبار عن أي مخالفة أو مادة مشكوك في أمرها لمعالجتها

الشكوى.. كيف نفعّلها لتتحول إلى ثقافة مجتمعية؟.. على المواطنين الإخبار عن أي مخالفة أو مادة مشكوك في أمرها لمعالجتها

أخبار سورية

الثلاثاء، ١٠ ديسمبر ٢٠١٩

إلهام العطار ـ دينا عبد:   
خبير التنمية: يجب أن نُعرِّف المواطن أن الشكوى ضد المستغلّين ليست ضرراً بل هي تصويب
يكاد لا يخلو يوم من هذه الأيام التي يعيش المواطنون ظروفها الصعبة، سواء كانوا طلاباً أو كوادر داخل المدرسة أو الجامعة أو مرضى وموظفين ومراجعين لإحدى المؤسسات العامة أو الخاصة أو رواداً على خجل للأسواق التي توحشت بأسعارها، من مواقف تحمل بين طياتها الكثير من الظلم والغبن الذي قد يصل بالبعض حد الاكتئاب والشعور بالضعف والعجز ممن يمضون من دون أن يفكروا حتى بمجرد رفع صوتهم أو المطالبة بحقوقهم وتقديم شكوى للتنفيس عن غضبهم ولو قليلاً!!!
«الشكوى لغير الله مذلة»، قناعة «عششت» في نفوس الكثيرين منا، والأسباب بالطبع إلى ذلك كثيرة كما شرحها وحللها ضيوف ملفنا المتخصصون في أكثر من مجال، وأمام تلك المسوغات التي اعتاد الناس تكرارها خوفاً وتهرباً من تقديم شكواهم، تساؤلات تطرح نفسها وبقوة: إلى متى ستظل هذه الذهنية مسيطرة على عقول أفراد المجتمع، هل هناك قضايا وعوامل مساعدة يمكن العمل عليها للمساهمة في تحويل الشكوى إلى ساحة التطبيق الفعلي لتصبح عندها ثقافة مجتمعية تعيد الحقوق للمظلومين وتوقف كل من تسول له نفسه التعدي على حقوق الناس في أي مجال كان عند حده؟
«مين رح يرد علينا»
في جولتنا التي لم نتوقف فيها عند القضية الساخنة التي تعد حديث الشارع وهي ارتفاع الأسعار فحسب، بل حاولنا رصد آراء العديد من المواطنين خلال وجودهم في أماكن مختلفة، تداخلت وجهات النظر حول الشكوى وقد كان لافتاً أن الكل يتهرب من تقديمها بشكل رسمي، تاركاً المهمة للفيس وأخواته، مترقباً النتائج عن بعد، تقول سهام وهي مدرسة رياضيات: «الفيس ما ترك شي ما حكى عنه، والصفحات كل يوم عم تنشر عشرات الشكاوى، لكن للأسف ما في حدا يرد أو حتى يهتم»، وجع تقاسمته معها أم علاء التي لم تتكئ على الفيس لنشر شكواها من ارتفاع الأسعار واختفاء المواد الغذائية من المحال التجارية ومؤسسات «السورية للتجارة»، فكانت النتيجة الخط مشغول دائماً، وعندما حالفها الحظ وسجلت شكواها قام صاحب المحل بإغلاقه مدة أسبوع كامل من تلقاء نفسه وهو أسلوب، كما قالت، يتبعه التجار لإنقاذ أنفسهم والتهرب من دوريات التموين ومن المخالفة والغرامة.
وغير بعيد عنهما كان للمهندس سومر وجع آخر، فالقرار الذي صدر وألزم طلاب الدراسات العليا بالتفرغ وتقديم إجازة بلا راتب من مكان عملهم، كان ظالماً، ولم تتمكن الشكاوى التي تقدمنا بها إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والشكاوى التي نشرت في وسائل الاعلام من تغييره أو حتى إعادة النظر فيه.
المهندسة راما شيخ الأرض كانت تقف في ممر أحد المشافي تنتظر دور والدتها وعند سؤالها عن سر غضبها أفادت أن دور والدتها كان الأول وها قد مضت ساعة وبدأ تصوير المرضى ولم يأت دورها، وعن سبب عدم تقديمها شكوى للمسؤولين في المشفى، ضحكت ضحكة صفراوية وقالت: «أي شكوى، ومين رح يرد علينا، المسؤولون عم يسمعوا أصواتنا بس للأسف مطنشين، على مبدأ كل واحد يدبر حالو».
عند باب إحدى المدارس وقفت أم سامر تنتظر خروج المرشدة النفسية لتبثها شكواها من معلمة ابنتها التي ظلمتها ونقصت لها علامة من أجل ابن إحدى المدرسات، وتابعت بغصة: «ما في اشتكي للمعلمة أو عليها حتى ما تضايق ابنتي ع الطالعة والنازلة، فالامتحانات على الأبواب» كلام عارضته ريتا النشواني طالبة حقوق سنة رابعة، مبينة أن الكثير من الناس لا يعرفون أن تقديم الشكوى خصوصاً في المشكلات التي تعترضهم هو من أبسط حقوقهم والسبب في ذلك بعض العادات والتقاليد والموروثات الاجتماعية والخجل والخوف، لافتة إلى أن النساء يضيعن حقوقهن وحقوق أطفالهن عندما يتعرضن للعنف لخوفهن من تقديم الشكاوى.
المضحك المبكي كان عند قصة أبو عمار الذي قال: تقدمت بشكوى ضد جاري الذي يسرق من كهرباء الشارع من مبدأ حرصي على الطاقة الكهربائية، فكان الرد على الشكوى بفصل ساعة كهرباء شقتي بحجة تأخري عن تسديد الفاتورة دورتين متتاليتين، أما ذلك الجار فلم يقترب منه أحد، فانظروا يا رعاكم الله.
محاربة لوضع أو حالة خاطئة
الشكوى هي اعتراض أو إبداء الرأي أو محاربة وضع أو حالة خاطئة أي إنها تنطلق من الإحساس بأن الوضع غير سليم ومرفوض ولا يسير بالاتجاه الصحيح، عبارات أوجزت من خلالها الدكتورة في قسم الفلسفة والمجتمع رشا شعبان تعريف مفهوم الشكوى.
وعن الأسباب التي تمنع الناس من ممارسة هذا الحق؟ رأت د.شعبان أن ذلك يتمثل في المعرفة التي ترسخت في عقولهم بعدم فعالية الشكوى أو الخوف من ارتدادها سلباً على المشتكي، بدوره عبد المنعم رحال- معاون مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في دمشق ورداً على السؤال ذاته أوضح أننا لا نزال نعيش في زمن «الشفقة والخطي» فلا أحد يتمنى الضرر للآخر سواء إغلاق محل أو تنظم ضبط على الرغم من أن الناس ارتدعت من خلال الضبوط التي تنظم بحق المحال المخالفة، ودعا رحال كل المواطنين للإخبار عن أي مخالفة أو مادة مشكوك في أمرها لمعالجتها والتعاون مع مراقب التموين بشكل مستمر مؤكداً وجود الدوريات للمراقبة في الأسواق على مدار الساعة.
وفيما يتعلق بطرق تقديم الشكوى قال: في الفترة الماضية كان هناك تفاعل كبير من قبل المواطنين مع الشكوى وذلك من خلال الاتصالات، حيث يمكن للمواطن تقديم الشكوى بعدة طرق إما خطية مكتوبة متضمنة عنوان الشاكي ورقم هاتفه أو باتصال هاتفي أو عبر صفحات التواصل عبر الفيس بوك، والحالة الأخيرة تعد إخبارية من دون معرفة اسم الشاكي حيث نقوم بالتأكد من مدى صحتها وإرسال دورية، وعن آلية المعالجة بين رحال أنه بعد التحقق من وجود الشكوى نأخذ رقم المشتكي ونتواصل معه، إذا كانت هناك مخالفة يتم تنظيم الضبط اللازم بحق صاحب الفعالية وإذا لزم الأمر نغلق المحل وذلك يعود حسب طبيعة المخالفة وتحال بعض الضبوط إلى القضاء وهو من يحدد الغرامة المالية، وقد بدأنا حملة المراقبة التموينية بشكل مكثف من تاريخ 21-11-2019 وحتى تاريخه وتم تنظيم مئات الضبوط لمخالفات متعددة بين غذائية وتموينية، إضافة إلى الكثير من الإغلاقات.
ثقافة عامة
الشكوى باتت مطلباً ملحاً في ظل زيادة الأسعار وحالات الغش وغيرها من الأمراض الاجتماعية، ولتفعيلها طرق وسبل متعددة وهي تبدأ، وكما ذكرت الدكتورة شعبان، من التربية في البيت وتتعلق بثقافة الديمقراطية، فالديمقراطية تنطلق من إبداء الرأي والقدرة على التعبير عنه، فالبيت الديمقراطي هو الذي يتمتع أهله بفن الحوار، وإلى جانب البيت هناك المدرسة التي يجب عليها تعزيز مبدأ حرية الرأي حيث يمكن للطالب إعطاء رأيه من دون أي خوف أو وجل من العقاب، ولكن نحن للأسف قد تناسينا وفي كل المجالات تنمية هذه المفاهيم لمصلحة تنمية ثقافة التبعية والخوف، أضف إلى ذلك القوانين وتطبيق العدالة الاجتماعية، فهي من وسائل الضبط الاجتماعي التي تسهم في حماية المشتكي وفي البحث عن الحقيقة وفي تفعيل ثقافة الشكوى عند أفراد المجتمع.
المرشدة الاجتماعية والنفسية- سها الطباع رأت أن الشكوى حق مشروع لأي شخص للمطالبة بحقه وتصحيح الخطأ، وأن أثرها قد يطول المجتمع بأكمله لتجنب حدوث مثل هذه الأخطاء مع الآخرين وأضافت: في جميع الأماكن ومنها المدرسة يمكن أن يتعرض الشخص للظلم ولذلك فنحن نشجع طلابنا وفي كل مناسبة على الجلوس مع المرشدة والتحدث اليها عن المشكلة مهما كانت والابتعاد عن الفوضى والعشوائية وعدم التصرف بأسلوب لائق مع أي شخص كان، كما إننا نتحدث مع الكادر التدريسي والإداري في حال حدوث مشكلة في المدرسة إن على المعلم أو المدير احتواء الطالب وتفهمه ومحاورته والأهم الاستماع له ولذويه والبعد عن الجانب الشخصي من الموضوع.
القانون فوق الجميع
الشكوى معناها اللجوء للقانون لعودة الحق إلى أصحابه رؤية استند عليها محمد خير لبابيدي- مدرب تنمية بشرية وفي سؤالنا عن تشجيع الناس على ثقافة الشكوى لتصبح ثقافة عامة في المجتمع أجاب: بكل تأكيد طبيعة مجتمعنا تغلب عليها فكرة عدم الضرر بالآخر و«الحرام» وعدم قطع الأرزاق، فطيبة المواطن الزائدة تجعله ضحية ناس جشعين لا يقدرون، لذلك يجب أن نقنع المواطن اليوم بحقه وبضرورة المحافظة عليه والمطالبة فيه عندما يلزم الأمر فلا يترك حقه يذهب هباءً منثوراً، مبيناً أن المواطن يخاف أن يكون سبباً في ضرر الآخرين، ولكن يجب أن نُعرِّف المواطن أن الشكوى ضد الناس الجشعين والمستغلين وعديمي الرحمة والضمير ليست ضرراً لهم بل هي تصويب وتصحيح لمسارهم ومسار غيرهم، حتى لا يستمروا بأذية واستغلال الناس الضعفاء، والقانون فوق الجميع وهو الذي يحفظ حقوق الناس.
مدربة التنمية البشرية- نجوى أبو عاصي استطردت بقولها: من أبسط حقوق المواطن أن يعرف ما له وما عليه، وأن يتمتع بالوعي القانوني والاجتماعي من منطلق أن الحياة بلا قوانين تسودها الفوضى، فمعرفة المواطن بأصول وأساسيات وصيغة تقديم الشكوى، تجنبه الوقوع في مطبات الشكاوى الكيدية التي من الممكن أن تتسبب له بأضرار مادية ومعنوية، لذلك فإن توعية المواطن بحقوقه أمر بالغ الأهمية وهذه المسؤولية تتحملها وسائل الإعلام التي يجب عليها إقامة دورات تدريبية لرفع الوعي عند جميع أفراد المجتمع وفي كل المؤسسات، وعقد الندوات التي يتم من خلالها تعريف المواطنين بثقافة الشكوى وطريقة تقديمها، وما هي حقوق الشاكي والمشتكي والجهة التي يتم تقديم الشكوى إليها. لتختتم حديثها بالتشديد على أهمية نشر هذه الثقافة في أوساط التربية والتعليم الجامعي وما قبل الجامعي.
دور وسائل الإعلام
للإعلام دور مهم في تفعيل ثقافة الشكوى وفي ذلك قال لبابيدي: يقع دور كبير على وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية بنشر هذه الثقافة وتعريف المواطنين من كل الشرائح بفوائدها ولاسيما على صعيد توافر المواد وعدم غلاء أسعارها، وعلينا نحن كمواطنين أن نلتزم الحكمة القائلة (رشد النعمة..تدوم)، وكما قال الله تعالى (و بالشكر تدوم النعم) وشكر النعمة يكون بالمحافظة عليها وعدم التبذير في إسرافها.
نحن بحاجة إلى هذه الثقافة
من جهته د. محمد العمر- عميد كلية الإعلام في جامعة دمشق قال: نحن بحاجة إلى هذه الثقافة، ولفت إلى أن ثقافة الشكوى تترسخ لدى المواطن عندما يلمس نتائجها على أرض الواقع، لأن المواطن ثقته ليست دائمة بأنه إذا اشتكى سوف يحصل على نتيجة، لذلك يجب أن يلمس المواطن نتائج من قبل المعنيين فيما يخص شكواه سواء في الجامعة أو في المحلات أو في أي قطاع، وبيّن أن المجتمع لن يتطور بكل قطاعاته إلا إذا تكرس مفهوم الشكوى لديهم فهي تحسن من نوعية أي موضوع. وأشار د. العمر إلى أن من مهام وسائل الإعلام تكريس أي ظاهرة إيجابية في المجتمع، فدور الإعلام يتجلى في مساعدة تشكيل رأي عام عند الجمهور، أو تشكيل رأي عام سواء أكان إيجابياً أم سلبياً هذا من صلب عمل وسائل الإعلام المقروءة والمكتوبة والمسموعة والمرئية أن تكرس هذه الثقافة وتساعد في انتشارها وتبين نتائجها. وأضاف د. العمر بشأن دور مواقع التواصل الاجتماعي: اليوم مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس وغيرها تتفاعل بشكل كبير مع المواطنين بغض النظر عن عدم «مصداقيتها بشكل دائم» إلا أن لها تأثيراً كبيراً في هذا الموضوع، وتالياً مهم جداً ما يكتب وما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيما يخص هذا الموضوع.