التضخم السكاني في حماة يرخي بظلاله السلبية على الواقع الاجتماعي والاقتصادي!

التضخم السكاني في حماة يرخي بظلاله السلبية على الواقع الاجتماعي والاقتصادي!

أخبار سورية

الأحد، ٣٠ يناير ٢٠٢٢

ذكاء أسعد
لا يخفى على أحد الآثار السلبية الكارثية التي خلفتها الحرب منذ ما يزيد عن عشر سنوات، وكان من أبرزها توقف عجلة الإنتاج في الكثير من المصانع والمعامل في المدن، مروراً بالتدمير والتخريب الهائل الذي لحق بالأرياف بعد أن عاثت المجموعات الإرهابية فساداً في تلك المناطق، ما أدى لتوقف الإنتاج الزراعي ونفوق أعداد كبيرة من الثروة الحيوانية. وعلى إثر ذلك، فقد الكثير من السكان أعمالهم وممتلكاتهم، وكنتيجة طبيعية كان لا بد من الهجرة إلى المناطق الأكثر أمناً. وتعتبر مدينة حماة من أكثر  المدن السورية استقطاباً للوافدين من الأرياف ومن محافظتي إدلب والرقة وأريافهما، ما جعل هذه المدينة تشهد تضخماً سكانياً كبيراً لا زال يخلف آثاراً سلبية على الواقع الاقتصادي والاجتماعي فيها، فما هو واقع الحال في هذه المدينة جراء ما تعانيه من ضغط؟
 
ازدياد العشوائيات
 
نائب رئيس مجلس مدينة حماة مرهف حاج زين أكد أن التضخم السكاني شكّل ضغطاً كبيراً على الخدمات، مشيراً إلى أن الوافدين من محافظتي الرقة وإدلب، وحتى القادمين من الريف، كانوا أحد الأسباب التي أدت إلى ارتفاع أسعار العقارات بشكل لافت، وارتفاع أسعار بدل الإيجار، حيث وصل إيجار بعض المنازل الصغيرة إلى ما يزيد عن 200 ألف ليرة بسبب الكثافة السكانية وزيادة الطلب، والملفت حسب – حاج زين – هو انتشار العشوائيات والأبنية المخالفة بسبب اتجاه الوافدين إليها نظراً لانخفاض أسعارها كأبنية وأراضٍ، حيث لا تتوفر لدى الوافدين الموارد المالية الكافية لشراء منزل ضمن المدينة فيجدون في المشاعات ملاذاً آمناً ومناسباً لهم.
 
تحديات خدمية
 
ولم يقتصر الأمر على ارتفاع أسعار العقارات فقط، بل كان التأثير السلبي على كافة مناحي الحياة الخدمية، حيث بيّن “حاج زين” أن من تداعيات الهجرة حدوث ضغط كبير على الشبكة العامة للكهرباء، ويلاحظ هذا الأمر في الحمل الترددي، وما يرافقه من انقطاعات بسبب الأحمال الزائدة، إلى جانب الضغط على شبكة المياه وخاصة صيفاً، ناهيك عن التداعيات الأخرى المتعلقة بازدياد الطلب على الخبز وارتفاع أسعار بعض السلع.
 
هجرة قسرية
 
عضو مجلس محافظة حماة، جابر القاسم، لم يستغرب هجرة آلاف المواطنين من ريف المحافظة الذي تعرض في جزء كبير منه للاعتداءات والتخريب بفعل المجموعات الإرهابية، ما دفع السكان للهجرة بشكل قسري للبحث عن مناطق جديدة كملاذ آمن، بعد أن أصبحت قراهم شبه مدمرة ومنهوبة، شجراً وحجراً وممتلكات، مشيراً إلى أن الجيش العربي السوري استطاع تحريرها، لكنها تحتاج اليوم إلى إعادة إعمار وتأهيل للخدمات، وخاصة ما يتعلق بشبكتي الماء والكهرباء والصرف الصحي والمدارس، لافتاً إلى أن المحافظة تعدّ الخطط لذلك ليعود السكان إلى قراهم ويستثمرون فيها.
 
ما زالوا قادرين
 
بدوره اعتبر عضو مجلس محافظة حماة، تامر أسعد، أن الفقر والبطالة هما وراء هجرة الكثير من أهل الريف باتجاه المدينة بحثاً عن عمل ومصدر رزق يضمن سبل العيش في ظل الوضع المعيشي الصعب الذي يعاني منه سكان الريف، بعد أن زادت تكاليف الزراعة، وغاب الدعم اللازم لها وللثروة الحيوانية، لذا كان من الطبيعي – برأيه – أن تحصل الهجرة في ظل هذه الظروف القاهرة وخاصة هجرة الشباب.
 
إلا أن البعض اعتبر أن الهجرة الطبيعية قليلة، حيث أكد الخبير التنموي أكرم عفيف أن سكان الريف الآمن ما زالوا قادرين على تأمين احتياجاتهم عن طريق بعض الزراعات المنزلية وتربية المواشي والدواجن، ورغم نقص الخدمات في الريف والصعوبات الزراعية، إلا أن الحياة المعيشية فيه تبقى أكثر يسراً من المدينة.
 
رأي اقتصادي
 
وحسب الباحث الاقتصادي الدكتور محمود كدالم، فإن الهجرة الزائدة تؤدي دائماً إلى زيادة الإنفاق العام على المناطق التي تعاني من تضخم سكاني مقابل تدني الإنفاق على المناطق الفقيرة سكانياً، ما يؤثر على التنمية في هذه المناطق، إضافة إلى الخلل الكبير الحاصل في العوائد الاقتصادية الآتية من المناطق المهاجر منها نتيجة ابتعاد سكانها عنها وعن أعمالهم الزراعية وتربية المواشي وما إلى ذلك، كما هو حاصل اليوم في الهجرة باتجاه المدينة، ما أثّر على مستوى الطلب الأساسي للسكان، وخاصة عندما تكون البنية التحتية غير مؤهلة بالأساس لتحمل هذا الضغط، وما يزيد الأمر سوءاً اللجوء إلى الإنفاق العام بشكل عبثي لاستدراك الثغرات دون دراسة مناسبة أو خطط واضحة ما يؤدي إلى هدر الأموال العامة بشكل واضح.
 
ورغم سلبيات الهجرة، لكن قد يكون لها آثار إيجابية – بحسب كدالم – فقد تؤدي في بعض الأحيان إلى تنشيط الحركة الاقتصادية، وتغيير عادات السكان المحليين الاقتصادية. وعلى سبيل المثال طرطوس محافظة زراعية، حيث يعمل غالبية سكانها بالزراعة، لكن نتيجة هجرة بعض سكان حلب إليها بسبب ظروف الحرب، لوحظ ارتفاع المستوى الاقتصادي، إضافة إلى تنشيط الحركة التجارية لدى سكان طرطوس أنفسهم والبدء بالعمل التجاري أيضاً.
 
بالمحصلة.. تعاني مدينة حماة اليوم ضغطاً سكانياً كبيراً  أدى إلى تفاقم الوضع فيها، سواء اقتصادياً أو خدمياً أو اجتماعياً، لذلك لابد من تضافر الجهود الحكومية لإعادة إعمار الريف، وتأهيل ما دمره الإرهاب من مؤسسات وبنى تحتية، وتحسين الواقع الخدمي ليتمكن السكان من العودة إلى بلداتهم وقراهم ليستثمروا فيها.