“الصحة” نائمة في العسل.. أجور المشافي الخاصة تتخطى الـ”خمس نجوم” والبازار شغال على الأسرّة!

“الصحة” نائمة في العسل.. أجور المشافي الخاصة تتخطى الـ”خمس نجوم” والبازار شغال على الأسرّة!

أخبار سورية

الخميس، ٣ فبراير ٢٠٢٢

شكاوى كثيرة وصلت ولا تزال تصل بشكل دوري إلى وزارة الصحة حول أجور المعاينات والعمليات الجراحية في أغلب المشافي الخاصّة، حيث فاقت تسعيرتها الـ”خمس نجوم”، وفي تعاملها غير الإنساني مع المرضى ممن يضّطرون للنزول فيها جرّاء حادث مفاجئ أو مرض بحاجة إلى عناية خاصّة قد لا تتوفر في المشافي الحكومية، فالأولويات المادية تسبق الإسعافية فيها، وخاصّة مع  فقدان أغلب أصحاب تلك المشافي أدنى درجات الإنسانية في تعاملهم عند دخول مرضى بحالات إسعافية ومطالبتهم بتقديم “دفعة سلف” قبل دخولهم، ناهيك عن الأرقام الفلكية التي تطلبها الإدارة للإقامة ليلة واحدة في المشفى والتي تجاوزت الخمسة ملايين ليرة في أحد المشافي، ورغم الشكاوى والوعود والإنذارات التي تُصرّح بها وزارة الصحّة، إلّا أن شيئاً لم يتغيّر، بل على العكس باتت تسعيرة المشافي الخاصّة تتناسب طرداً مع تذبذبات سعر صرف الليرة مقابل الدولار، بل وتفوقه في أحيان أخرى حسب “جيب المريض”، وتُرضي طبقات اجتماعية معيّنة بعيدة كل البعد عن عامّة الناس ممن لا يتجرؤون على الوقوف أمام عتبة تلك المشافي ومُجاراة فواتيرها الفلكية!.
 
زمن “البقشيش”!
 
وبين معادلة الخاص والعام في المدارس والجامعات والمشافي، يبقى المواطن رهن المال الذي يملكه والتسعيرة التي تفرضها تلك المؤسسات والتي لا تتبع لأي ضبط أو قانون يُلزمها برقم معيّن، ولعلّ القطاع الطبّي هو أكثر تلك القطاعات حساسية، ولاسيّما أن خيار النزول في مشفى خاص ليس بقصد الرفاهية كالمدارس الخاصّة أو الجامعات، إذ لطالما كان المتعارف عليه أن سلوك الطبيب المتعاقد مع مشفى حكومي يختلف في حال قُمت بزيارته في عيادته الخاصّة أو حتى المشفى الخاص في حال كان متعاقداً معهم، ليروي لنا أحد المرضى ممن كان لهم شرف العلاج في مشفى حكومي على يد أحد الأطباء الذي أقنعه بإكمال علاجه في مشفى خاص تحت ذريعة الاهتمام والعلاج الأنفع وغيرها من المبررات التي تصبّ في النهاية المال في جيب الطبيب الذي يحظى بنسبة من المربح كونه استطاع جذب المريض إلى الخاص.
 
ولا تتوقف التسعيرة المرتفعة في المشافي الخاصة على حجز الغرف والمعاينة والعلاج والتصوير والعمليات، بل تتعداها إلى “البقشيش” الذي لا يُسمح لك في حال كنت أحد نزلاء ذلك المشفى بنسيانه أو التغاضي عنه، ويختلف “البقشيش” للممرضات في المشافي الخاصّة عن الحكومية، وخاصّة إذا كان المريض أو مرافقته من ذوي الدخل اللامحدود، لتؤكد لنا إحدى فنيات الأشعة في مشفى خاص اعتمادهم على “البرّاني” الذي يتجاوز الثلاثين ألف ليرة في بعض الأيام، الأمر الذي جعل الكثير من العاملين في المشافي الحكومية يقدمون استقالتهم ويتجهون إلى الخاص الذي يضاهي “البقشيش” فيه خلال شهر واحد الأجر الشهري في المشفى الحكومي.
 
مخالفات بالجملة
 
لسنا هنا بصدد إطلاق أحكام اعتباطية على عمل المشافي واتهام المشافي الحكومية بالإهمال والتقصير والأخطاء الطبيّة والمشافي الخاصّة بالحرفية والرعاية التامة، إذ لا يخفى على أحد الإنجازات والعمليات التي قام بها الأطباء في المشافي الحكومية وامتلاك أغلب هذه المشافي تجهيزات تفوق المشافي الخاصّة، لكن الرعاية والنظافة والاهتمام وغيرها من المستلزمات البسيطة التي لا تعجز عن تقديمها المشافي الحكومية هي ما يبحث عنه المرضى في الخاص، ناهيك عن نظرة طبقة معيّنة من المجتمع إلى المشافي الحكومية التي لا يسمح لها “برستيجها” الدخول إليها والاستطباب بها كنوع من التفاخر وسط محيطهم، واعتقادهم بأن الأخطاء الطبية لا تحصل إلاّ في المشافي الحكومية نظراً للإهمال الذي يرافق الأجور المتدنية للعاملين فيها، ليؤكد لنا أحد الإداريين العاملين بدوام صباحي في مشفى حكومي ودوام مسائي في مشفى خاص أن حالات الأخطاء الطبية تتكرّر في الخاص، فأي طبيب معرّض للخطأ الطبي، سواء أكان في مشفى حكومي أو خاص، إضافة إلى توجيه الإنذارات والتنبيه للأطباء في المشافي الخاصّة في حال مخالفتهم أو ارتكابهم أخطاء طبيّة، لافتاً إلى قيام هذه المشافي برفع تسعيرتها بشكل ذاتي كل فترة دون التقيّد بالأجور التي تضعها وزارة الصحّة، ناهيك عن قيام بعض المشافي الخاصّة ببيع الأدوية لغير المرضى في المشفى واستقبال مرضى أكثر من العدد المحدّد للمشفى.
 
قوانين ورقابة
 
في المقابل يؤكد مديرو المشافي الخاصّة الالتزام بالتسعيرة التي تضعها وزارة الصحّة رغم أن تكاليف العلاج والإقامة تفوق الأرقام الموضوعة أضعافا مضاعفة، ولا يمكن لصاحب المشروع الخاص أن يستمر بتقديم الخدمات نفسها وبذات الجودة مقابل خسارة مادية و”صيت” يؤذي سمعة المشافي الخاصّة بتحول مشافيهم إلى فنادق خمس نجوم، الأمر الذي قاد الكثير من الأطباء للتفكير بالهجرة خارج البلد خلال السنوات الماضية. في حين أكد بشار كناني معاون مدير المشافي في وزارة الصحة أنّ التعرفة الطبية لتكلفة العلاج والإجراءات الجراحية تُحددّ وفق القرار 79/ت لعام 2004 وتعديلاته، كما تتمّ العقوبات للمشافي التي تتقاضى أجوراً زائدة وفق القرارات المنظمة لعمل المشافي، وتتدرج العقوبات حسب تكرار المخالفة على الشكل التالي: تنبيه- إنذار- إغلاق إداري- إغلاق بالشمع الأحمر، وذلك وفق القوانين والأنظمة النافذة. ولفت كناني إلى أن الرقابة على المشافي تتمّ بشكل دوري وفق استمارة رقابية تقوم بها مديرية الصحة المعنية وبناءً على أي شكوى ترد بحق أي مشفى، كما تتمّ دراسة الفواتير عند ورود الشكوى في مديرية الصحة المعنية واتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المخالف وفق القوانين وحسب طبيعة الشكوى، وبيّن معاون مدير المشافي أنّ عدداً من الشكاوى العام الماضي شملت 26 شكوى إهمال طبي و41 شكوى تسعير، حيث تمّت معالجة 31 شكوى و10 شكاوى قيد المعالجة والمتابعة، وهذا العدد فقط في مديرية المشافي ولا يشمل أعداد الشكاوى المقدمة والمعالجة في مديريات الصحة. وفيما يتعلق بتسرّب الكادر الطبي من المشافي الحكومية إلى المشافي الخاصّة أكد كناني أن هذا الأمر مُبالغ فيه وغير دقيق، لأن معظم الكادر يستطيع العمل خارج أوقات الدوام الرسمي في القطاع الخاص.
 
قطاع متهالك
 
عضو مجلس إدارة جمعية حماية المستهلك بدمشق وريفها عامر ديب أكد عدم وجود رقابة حقيقية من قبل وزارة الصحة على المشافي الخاصة التي تشهد حالة من الفوضى في الخدمات المقدمة والأجور الخيالية التي لا تتناسب مع تلك الخدمات مطلقاً، لافتاً إلى غياب ثقافة الشكاوى لدى المواطنين، الأمر الذي ينجم عنه مخالفات جسيمة في تلك المشافي تبدأ من رفع أجورها وأسعار أدويتها وعدم وجود معايير وضوابط تتقيّد بها في رفع تلك الأجور تحت ذريعة “كذبة الكلف”، مشيراً إلى أن الاستراتيجيات والأسعار فيها غير مبنية على كلف حقيقية، إضافة إلى أن الرعاية الصحية المقدّمة لا تتناسب مع الأسعار التي تزيد الوجع على المرضى وذويهم. وأكد ديب عدم متابعة وزارة الصحة للشكاوى التي ترد من المرضى، لنصل إلى قطاع صحي تجاري متهالك غير متعاون مع الجهات الأخرى، مشدداً على ضرورة ضبط تسعيرة المشافي الخاصة ضمن ضوابط رسمية، ولاسيّما مع تحوّل أغلبها إلى فنادق وبازارات للظفر بسرير فيها، إضافة إلى ضرورة دعم المشافي الحكومية لتحسين آلية عملها ومنافسة الخاص، وتساءل عضو مجلس الإدارة عن عدم وصول أي ردّ من وزارة الصحة  بخصوص الكتاب الذي أرسلته جمعية حماية المستهلك لضبط تسعيرة المشافي الخاصة!، هو سؤال نأمل أن نلقى إجابة شافية له، فلا يعقل أن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذا الاستغلال لآلام المرضى!!.
 
ميس بركات