مجهولو النسب .. أيتام منسيون ..قلة منهم يتنعمون في أحضان الأسر الكريمة

مجهولو النسب .. أيتام منسيون ..قلة منهم يتنعمون في أحضان الأسر الكريمة

أخبار سورية

الجمعة، ٢٩ أبريل ٢٠٢٢

غيداء حسن
(روح ) ..هكذا صار اسمها, رضيعة مجهولة وجدت مرمية في إحدى المحافظات بانتظار يدٍّ حانية أرحم عليها من ذويها الذين تخلّوا عنها, لينتهي بها المآل إلى مجمع لحن الحياة في ضاحية قدسيا , المخصص لرعاية مجهولي النسب.
حالة “روح” كحالات كثيرة لأطفال مجهولي النسب, تم العثور عليهم بعمر أيام أو أشهر في أماكن عامة أو على رصيف, ويرى البعض أنها باتت تشكل ظاهرة و الأعداد في تزايد ….. فهل هو الخوف من العار أم الظروف المجتمعية والاقتصادية الخانقة أو الجهل أو ربما الخجل من وجود ذوي احتياجات خاصة في الأسرة , أحد تلك الأسباب أو كلها تدفع الأهل لأن يرموا فلذات أكبادهم على قارعة الطرقات بانتظار المجهول ؟
تساؤلات عدة حول مجهولي النسب من الناحية القانونية والمجتمعية, ما مصيرهم ومستقبلهم , هل أصبحوا يشكلون ظاهرة بالفعل ؟.. محاور سلّطت “تشرين” عليها الضوء مع عدد من المعنيين والمتخصصين .
ثلاث حالات شهرياً
تنفي مسؤولة الخدمات في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل هنادة الخيمي تزايد أعداد مجهولي النسب وتؤكد أنهم بمعدل 3 أطفال شهرياً بما في ذلك فترة الحرب ولكن تسليط الضوء عليهم مؤخراً أشعر الناس بتزايد أعدادهم إلى ما يشكل ظاهرة . وتوضح أن الرضّع لا يبقون في مجمع لحن الحياة بل يتم إلحاقهم بأسر , وليس بالتبني, كما لا يلحق الطفل باسم العائلة , بل على مبدأ كفالة اليتيم , و يبقون متابعين من قبل “الشؤون الاجتماعية” بعد الإلحاق بأسر بشكل دوري .
وأضافت : إن أغلب من يلحقون بأسر يكونون وحيدين لدى تلك الأسر ولذلك فهم يتمتعون باهتمام ورعاية كبيرين، وكلهم بمرحلة الرضع بين شهر إلى ثلاثة أشهر, لافتة إلى أن الشريك المعني جمعية صندوق الرجاء الخيري تقدم المستلزمات وتدعم الجانب التربوي وهناك رعاية طبية دورية , وبالنسبة للكبار ممن لم يتم إلحاقهم سابقاً بأسر، فمن أراد منهم مغادرة المجمع فله ذلك ومن لم يرد فالمجمع بيته ويكمل دراسته .
حوالي 100 حالة في المجمع
في مجمع لحن الحياة المخصص لرعاية مجهولي النسب كانت لـ”تشرين” جولة للاطلاع على واقعهم وما يقدم لهم, حيث أكدت إدارة المجمع وجود حوالي 90 إلى 100 مجهول نسب من عمر أيام وحتى سن الجامعة وجميع من هم في سن الدراسة يتابعون دراستهم فهي إلزامية, وبالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة منهم فيدرسون ويتابعون بإشراف متخصصين بالتعامل مع حالاتهم .. وهناك طلاب ملتحقون بمدارس المتفوقين ومنهم مقبولون بمنح الجامعات الخاصة وخريجون وطلاب في اختصاصات الهندسة ورياض الأطفال وإدارة الأعمال .
يضم المجمع بناءين عبارة عن مجموعة شقق, أحدهما مخصص للأطفال والثاني للشباب , تضم الشقة 7 أطفال وتهتم بهم أمٌّ وخالة ليعيشوا في جو أسروي, كما يضم المجمع قاعات للمطالعة والقراءة والحواسيب وقاعة مونتيسوري و يستقدم للأطفال أساتذة لترميم النقص في المعلومات, و تقام لهم رحلات ترفيهية .
و بينت إدارة المجمع أنه إذا تم إلحاق طفل بأسرة وكانت بحاجة للدعم يتم دعمها وخاصة في الظروف الحالية ومن الكبار من تزوجوا من خارج المجمع أو من ضمنه وتمت مساعدتهم في السنة الأولى من الزواج.
يحصل على (هويّة )
من الناحية القانونية يبين القاضي يحيى الخجا – المحكمة الشرعية بدمشق
أن هذه الحالات موجودة على مّر البشرية ولا جديد فيها , ولم تتزايد الأعداد بشكل ملحوظ حتى خلال الحرب فهناك حالتان أو ثلاث حالات شهرياً وربما إذا زادت حالة مؤخراً فهي لا تشكل ظاهرة لكن تسليط الضوء مؤخراً من وسائل التواصل الاجتماعي على عدة حالات اكتشفت جعلها تأخذ ضجة كبيرة.
وعن آلية معالجة وضع مجهول النسب أشار الخجا إلى أن القانون حدد ؛ أنه من يعثر على طفل مجهول النسب فعليه إبلاغ أقرب وحدة شرطية و بدورها تأخذه إلى وحدة رعاية أولية بمشفى الأطفال أو أي جهة صحية لدراسة وضعه الصحي وبعدها يحال إلى دار مختصة لرعاية مجهولي النسب لدى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ويرسل مندوب من هذه الدار إلى السجل المدني لتسجيل هذا الطفل , فإذا كان غير معروف الأب والأم ينتحل له من قبل أمين السجل المدني اسم أب واسم أم وكنية وخانة, شرط أن يذكر في البيانات أن الأب متوفى, يسوّى وضع الطفل ويحصل على بيانات من السجل المدني تؤهله لممارسة حياته بشكل طبيعي ويحصل على (هويّة) وله الحق بالتعليم الحكومي والتوظيف وكل الحقوق.
إلحاق وليس تبنياً
وعن آلية إلحاق الطفل بأسرة أشار الخجا إلى أن القانون أتاح لأي أسرة تريد تكفّل طفل أن تجري عقد إلحاق وليس تبنياً لأن التبني مخالف للشريعة الإسلامية وللنظام العام في سورية , ويوقع العقد بين الأسرة طالبة الإلحاق والمركز المتخصص ضمن شروط معينة لحماية الطفل ورعايته وبمتابعة دورية, ولإدارة المركز أن تفسخ هذا العقد في حال أي تقصير أو أمر موجب لهذا
 
الأمر .
الحبس من ثلاثة أشهر لسنة
 
وعن عقوبة أهل الطفل في حال وجدوا ؟ بيّن أن العقوبة لكل من سيّب طفلاً سواء أكان أباً أم أماً وسواء أكان الطفل شرعياً أم غير شرعي فعليه عقوبة جنحوية الوصف يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة ويمكن تشديد العقوبة إذا كان المجرم أحد الأصول للولد .
 
مجموعة من الظروف
يرى الدكتور حسام الشحاذه – الباحث في القضايا النفسية والاجتماعية أن هذه الظاهرة مازالت ضمن النسب المحدودة والخاضعة للسيطرة الأخلاقية والاجتماعية والقانونية، ولا يزال مجتمعنا السوري متماسكاً ومحافظاً باتجاه عدم انتشارها ، ولاسيما خلال سنوات الحرب ، رغم أن النسب قد ارتفعت نوعاً ما بسبب تفاعل مجموعة من الظروف؛ ومن أهمها : حالات حمل السفاح الناتجة عن اغتصاب مواطنات سوريات في المناطق التي شهدت أعمالاً إر*ه*ابي*ة أو خرجت بشكل مؤقت عن السيطرة الأمنية للدولة ، ثم عادت تلك المناطق لتخضع لسيطرة الدولة مُجدداً وتم اكتشاف تلك الحالات، وارتفاع حالات الاتصال الجنسي غير الشرعي بين المراهقين، وما نجم عنه من إنجاب أطفال مجهولي النسب، ولاسيما مع انتشار مفاهيم وقيم أخلاقية دخيلة على مجتمعنا السوري المحافظ عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو من خلال بعض المنصات الإعلامية المشبوهة التي عرضت نوعاً مستهجناً من الدراما وبشكل غير منضبط أخلاقياً، وروَّجت لاستساغة هذه الممارسات بين فئات اليافعين والشباب، وأيضاً ارتفاع الأسعار وانخفاض المستوى المعيشي، وما رافقه من حالات التفكك الأسري، وغياب مُعيل الأسرة، ما اضطر بعض الأمهات ممن يفتقدن أي مصدر للرزق والعيش الكريم إلى رمي أبنائهن في الأماكن العامة بسبب ظروف قاسية من انعدام أدنى مصادر للعيش الكريم.
قليلة نسبياً
ويتابع د.الشحاذه أنه ورغم كل تلك الظروف والمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية القاسية إلا أن تكرار حالات الأطفال مجهولي النسب لا تزال ضمن إحصاءات قليلة نسبياً بالمقارنة مع بقية دول العالم، ولاسيما ما يتعلق بالحالات المُصرّح عنها من قبل الجهات المعنية.
مؤلمة نفسياً أو عارضة
وعن الآثار النفسية والانفعالية والاجتماعية السيئة التي يمكن أن يعيشها الفرد (طفلاً كان أو بالغاً) بعد معرفته بأنه شخص مجهول النسب من الأب أو الأم أو من كليهما، بيّن د.الشحاذه أن تلك الآثار تكون مؤلمة من النواحي النفسية والانفعالية والاجتماعية، أو قد تكون عارضة وغير مؤثرة في تكوين الشخصية، وذلك يرتبط بعدة عوامل, أهمها الوعي الاجتماعي لاحتضان الفرد مجهول النسب، والسعي لإدماجه في المجتمع، ومدى الاحتضان العاطفي والانفعالي الذي من الممكن أن يتلقاه من المجتمع والأقران ومجتمع المدرسة أو الجامعة أو بيئة العمل، باعتبار أن حالته كشخص مجهول النسب لم تكن من اختياره الشخصي، بل هو فعل آثم قام به رجل وامرأة وقع خارج إرادته، وبالتالي فإن مقدار التفهم الاجتماعي وما يرتبط به من مُيسرات الاندماج في المجتمع كلها عوامل مهمة يمكن أن تسهم في تكوين شخصية سوية ومستقرة وتتمتع بالصحة النفسية والتكيّف الاجتماعي، ليكون المجتمع بكل أفراده ومؤسساته مسؤولاً عن عدم تحويل مجهول النسب إلى قنبلة موقوتة تحمل في ثناياها ميولاً مضادة للمجتمع، أو أفكاراً هدامة تؤذي الذات أو الآخرين المحيطين، فعلى سبيل المثال يُمكن من خلال التشجيع والترويج الإعلامي حثّ الأزواج ممن لم يرزقهم الله بذرية، على مشاركة الأطفال مجهولي النسب ليكونوا أسراً بديلة لهم، من دون أن تتحول إلى حالات تبنٍّ، فالشرع والدين الإسلامي لم يُجز ذلك، كما يمكن من خلال حملات التوعية التي تُنظم في المدارس والجامعات المساهمة في تمكين الأشخاص مجهولي النسب من الاندماج في الحياة الاجتماعية والمهنية لاحقاً مع الأشخاص الطبيعيين، وتعريف المجتمع المحلي بحقوق هؤلاء الأشخاص وواجبات أفراد المجتمع تجاههم، وتقبلهم في مختلف مفاصل المجتمع من دون تمييز، انطلاقاً من المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، كما يمكن لإستراتيجية الحفاظ على سرية الحالة أمام الشخص مجهول النسب ذاته وأمام المجتمع أن يكون حلاً فاعلاً وذا كفاءة عالية في الحفاظ على الأمن النفسي والاجتماعي له، ويرجع ذلك إلى معالجة كل حالة بشكل منفصل، ومراعاة ما يتميز به الشخص مجهول النسب من مستوى الصلابة النفسية والانفعالية لتقبل حقيقة وضعه الاجتماعي والتعايش معه.
احتضان
 
وعن الجهود المبذولة من الجهات الحكومية ذات العلاقة برعاية الأيتام ومجهولي النسب بالتضافر مع جهود المنظمات غير الحكومية والجمعيات الأهلية؛ بيّن د.الشحاذه أن الجمهورية العربية السورية تعدّ رائدة في رعاية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة عموماً، والأيتام ومجهولي النسب على وجه الخصوص، وهناك جهود حميدة تشكر في هذا المجال، وذلك برعاية وزارات الشؤون الاجتماعية والعمل و العدل و التربية، فالحقوق المتعلقة بالتعليم والصحة والعمل مكفولة لهؤلاء الأشخاص، ومستوى الرعاية النفسية والاجتماعية لهم هي من مستوى جيد جداً، وهناك
 
احتضان نفسي وعاطفي واجتماعي لهم حتى بلوغهم سن الرشد، ومنهم من أكمل تحصيله العلمي ودخل الجامعة واندمج في مجتمع العمل المهني، ومع ذلك فإن الواقع الحالي يحتاج مزيداً من التطوير، والطموحات ترتقب إنجازات أكبر وأكثر أهمية.
أخيراً :
مهما كانت الرعاية والدعم المقدمان لمجهولي النسب صحياً و نفسياً و قانونياً لكن لا شيء يعوضهم عن الجو الأسروي و يرمم ما تحطم في دواخلهم , ومهما كانت الأسباب في إيصالهم إلى هذه الحال فرميهم جريمة لا تغتفر ولابدّ من تعديل العقوبات إزاءها لتكون أشد صرامة وردعاً لأن السجن لثلاثة أشهر أو سنة عقوبة غير رادعة لمن يعرّضهم إلى تنمر المجتمع أو الحرمان النفسي وتبعاته طوال حياتهم, , كما لا يغيب عن الذهن أن الأعداد المصرّح عنها بثلاث حالات شهرياً تعني 36 حالة سنوياً, فما بالنا إذا قيست على مدى سنوات عدة , وما بالنا في حالات غير مبلّغ عنها أساساً ؟.