توفيراً للنفقات في ظل محدودية الإنتاجية وعدم جدواها الاقتصادية..تجربة “تقليص أيام الدوام الرسمي”..برسم الجهات الحكومية

توفيراً للنفقات في ظل محدودية الإنتاجية وعدم جدواها الاقتصادية..تجربة “تقليص أيام الدوام الرسمي”..برسم الجهات الحكومية

أخبار سورية

الاثنين، ٢٠ يونيو ٢٠٢٢

رامي سلوم
نفت مصادر في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وجود دراسة حول “شائعة” تقليص أيام الدوام الرسمي في الجهات الحكومية، وزيادة أيام الإجازة الأسبوعية إلى ثلاثة أيام بدلا من يومين، في الوقت الذي اختلفت فيه آراء معنيين وخبراء حول جدوى تعديل أيام الدوام الرسمي الأسبوعية لتوفير إنفاق حوامل الطاقة التي تستهلكها المؤسسات الحكومية وموظفيها بشكل يومي، من دون تحقيق جدوى اقتصادية فعلية، كونها تعمل بطاقة إنتاجية محدودة للغاية بفعل توقف الشبكة الكهربائية وعدم وجود ما يكفي من الوقود لتشغيل المولدات واستمرار عملية الإنتاج.
وبدأت العديد من الدول العربية تطبيق ما بدأته دول اسكندنافية بتمديد العطلة الرسمية إلى 3 أيام أسبوعيا والتي وصلت في بعضها إلى أربعة أيام عطلة في الأسبوع في مقابل الحفاظ على ليس على الإنتاجية فقط بل زيادتها، وهو ما دفع عدد من المحللين إلى اقتراح تطبيق الآلية الجديدة بوصفها حلا للواقع الراهن شرط توافر جملة من الشروط والتعديلات الأخرى خصوصا من حيث الخدمات الإلكترونية والتوصيفات الإدارية المستحدثة.
أما محليا فقد نفى مسؤولون رسميون في وزارة العمل وجود أي تعديلات على أيام الدوام الأسبوعية، لافتين إلى أن الموضوع بحاجة لدراسة معمقة تتعلق بالعديد من الجهات الرسمية خصوصا وزارة التنمية الإدارية واتحاد العمال وغيرها، كما تحتاج لنقاش طويل مع الشركاء في القطاع الخاص، مبينين أنه في النهاية يصدر القرار وفقا للمصلحة وللفائدة الاقتصادية والاجتماعية التي قد تجنى منه.
يأتي طرح موضوع “زيادة أيام العطلة” استنادا لما تعانيه الخدمات الحكومية من تباطئ بفعل انقطاع التيار الكهربائي والاتصالات في بعض الأحيان، ما يؤدي إلى توقف الخدمة، وبالتالي بقاء الموظفين في الدوام من دون إنتاجية حقيقية والعمل لنحو ساعتين يوميا من أصل ساعات العمل اليومية، وهو ما دفع مواطنين للمطالبة بتأمين حوامل الطاقة اللازمة للمؤسسات الخدمية تفاديا للزحام وساعات الانتظار الطويلة، ولو من خلال زيادة أيام العطلة الرسمية وتوفير نفقاتها لتأمين مستلزمات العمل الأساسية ليوم عمل كامل، مشيرين إلى إمكانية تحديد أيام الدوام الجديدة للوظائف والخدمات الإدارية واستثناء القطاعات الإنتاجية.
مسألة بعيدة
من جانبه استغرب الخبير الاقتصادي علي كنعان إطلاق مثل هذه الأنواع من الطروحات في ظل حاجتها للعديد من الوسائل المساعدة قبل التفكير فيها وزيادة الصعوبات على قطاع الأعمال والمواطنين، الذين ينتظرون لأيام إنجاز معاملاتهم الرسمية قبل الخوض في قرارات جديدة لتقليص الدوام.
وتابع كنعان بأن إنجاز التحول الإلكتروني والتحول الرقمي ونجاح الخدمات الإلكترونية الشاملة في وقت لاحق يعتبر عاملا أساسيا للتفكير في أنواع وساعات الدوام الرسمي، لافتا إلى أهمية توافر البنى التحتية والعمالة المؤهلة وغيرها من الأدوات الإدارية العصرية لتطبيق مثل تلك الممارسات، التي لا تزال تطبق على نطاق ضيق ضمن نظام العمل العالمي.
وأوضح كنعان بأن الحديث عن تقليص الدوام الرسمي، يأتي ضمن خطة شاملة للتطوير الإداري، وتعديل الصلاحيات والمسؤوليات بحيث يتمكن الموظف نفسه من إنجاز المعاملة التي تأخذ حتى اليوم نصيبها من التواقيع (الحية) عبر مرورها على عدد من الموظفين، وذلك ضمن نظام مؤتمت موحد، وهو الأمر غير المطبق حاليا في المعالات الإدارية في الوقت الحالي لطرح حلول قد تضر في مضمونها أكثر مما تنفع.
ودعا كنعان إلى تطوير النظم الإدارية ووضع توصيف جديد للمهام والوظائف، غير أنه في الوقت نفسه علق على وجود مسابقة مركزية بوصفها تطلب مهن ومهام تقليدية لا يبدو من خلالها قرب تفعيل التوجه للتحول الرقمي للمعاملات، وفقا للأعمال والخبرات المطلوبة، لافتا إلى أن عدد الموظفين الكبير وحده كفيل بالإشارة إلى أسلوب العمل الإداري القائم فضلا عن شواغر الجهات الحكومية التي تزيد على 100 ألف، فإن كتلة الوظائف في الدوائر الحكومية ماعدا القطاعات الإنتاجية تصل إلى نحو 800 ألف موظف وهو العدد نفسه للموظفين في الولايات المتحدة الأمريكية التي يصل عدد سكانها إلى 400 مليون نسمة على مساحة تفوق مساحة القطر بأضعاف.
حلول تعالج الأسباب
بدورها، لفتت الباحثة الاقتصادية الأكاديمية رشا سيروب إلى أهمية إيجاد الحلول بناء على  دراسة الأسباب ومعالجتها وعدم اللجوء لحلول غير واقعية تؤدي لإضافة أعباء ومشكلات جديدة على الواقع الاقتصادي والإداري، متسائلة عن وجود دراسة حقيقية تبين حجم إنفاق المؤسسات الحكومية من الطاقة، وكفاءة خدماتها قبل اتخاذ القرار أو اقتراح حلول قد لا تؤدي لأي فوائد على المستوى العملي.
وأوضحت سيروب أن التقارب مع التجارب العالمية لا بد أن يتم مع الدول الشبيهة من حيث الواقع الاقتصادي والتكنولوجي والإداري، ولا يمكن البناء على تجارب بعيدة من حيث الشبه، واستنساخها بشكل عشوائي، معتبرة أن العمل على تقليص أيام الدوام تنشط الاقتصاد من خلال العطل الأسبوعية الطويلة بالإضافة لتقليص نفقات الدوائر الحكومية مع استمرار تعزيز إنتاجيتها الفعلية عبر دعمها بنظام إلكتروني حقيقي، ورسوخ مفهوم المعاملات الإلكترونية والتحول الرقمي في كافة مناحي الحياة، فضلا عن العديد من التعديلات الإدارية الضرورية.
كذلك أشارت إلى أهمية إطلاق دراسة واقعية للخدمات الحكومية وتحسين جودتها وكفاءتها وتسهيلها إداريا وإلكترونيا بحيث يمكن الحديث عن زيادة إجازات الجهات والمؤسسات، أما الحديث عن مثل تلك المبادرات اليوم فيعني مزيدا من المعاناة للمواطنين الذين ينتظرون معاملاتهم لأيام وربما أسابيع في ظل دوام عادي من دون تقليص، مرتأية أن الحل يجب أن يعالج الأسباب ولا يخلق مشكلات أخرى، مثل حلول الطاقة البديلة التي لم يتم تطبيقها بشكل فعلي وواسع يحقق قيمة مضافة لحوامل الطاقة السورية ولا تزال ضمن إطار محدود للغاية، رغم أنها قد تشكل حلا حقيقيا للمشكلة.
في خانة “رفض المعتاد”..!
الخبير في شؤون العمل الدكتور راكان الإبراهيم أعتبر أن الممانعة الظاهرة على موضوع زيادة مدة الإجازة الأسبوعية تتعلق بالعادات وتندرج ضمن إطار الممانعة العادية لأي تجديد متسائلا عن إنتاجية الموظف الحقيقية خلال أيام الدوام الأسبوعي؟، وهو الأمر الذي لابد من دراسته وتحديده لمعرفة التأثير الحقيقي ليوم الإجازة الإضافي من دون زيادات أو مبالغات، لافتا إلى أنه ووفقا لدراسة صادرة في العام 2011 كانت إنتاجية الموظف العربي لا تزيد على 15 دقيقة يوميا، معتبرا أن سورية مرت بظروف استثنائية كبيرة وعانت من حرب إرهابية أضرت بمقوماتها ومواردها ما جعل إنتاجية العمل الحكومي في تراجع واضح بفعل انقطاع الطاقة عن الجهات والمؤسسات الحكومية بشكل مستمر، مبينا أن توفير الطاقة للإنتاج خلال أيام أقل سيحسن الأداء بدلا من الدوام الظاهري من دون فاعلية.
وأشار الابراهيم إلى أنه كان شاهدا على قرار  تمديد العطلة الأسبوعية ليوم السبت بعد أن كانت العطلة الأسبوعية يوم الجمعة وحده، وأنه كان أول من وافق على القرار وقتها والذي حصد ممانعة واسعة من العديد من الجهات إضافة للقطاع الخاص، والذي اعتاد الأمر بل وتبناه في العديد من المؤسسات التي تعطل العطلة الحكومية نفسها.
وشرح الابراهيم أن الذرائع الاقتصادية المرتبطة بالأسواق والمعاملات التجارية، لضرب قوانين العمل في صميمها وتشغيل العمال لساعات إضافية من دون مردود ليست محقة، وان دولا أجنبية تتسم باقتصاد غني ومزدهر تتوقف فيها المحال التجارية عن العمل في ساعات مبكرة بعد إتمام ساعات الدوام الرسمية، من دون أن يضر ذلك باقتصادها.
استنزاف إداري
وأكد عدم وجود أي دراسة حالية لزيادة أيام العطلة الأسبوعية، لافتا إلى أنه لابد من دراسة اقتصادية واضحة تبين حجم المنفعة والأضرار التي قد تنجم عن تمديد العطلة، وتحديد المعالجات، واتخاذ القرار بناء على المصلحة الاقتصادية والاجتماعية العامة، من دوم ارتجال، معتبراً أن إنتاجية الموظف الحكومي حتى  في حال عمله لا تحقق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، وهي استنزاف إداري من دون جدوى فعلية، ما يبرر عدم حصول تغيير حقيقي في حال وجود عُطًل إضافية مع تحقق بنية إدارية وإلكترونية تساهم في تسريع وتسهيل معاملات الأشخاص وأعمالهم.
البعث