عجزٌ مستمرّ في مخزون القمح: الزراعة تحتضِر

عجزٌ مستمرّ في مخزون القمح: الزراعة تحتضِر

أخبار سورية

الجمعة، ٣٠ سبتمبر ٢٠٢٢

للعام الثالث على التوالي، سَجّلت الحكومة السورية عجزاً كبيراً في مخزونها من القمح، اضطرّها، كما في كلّ مرّة، لإنفاق جزء وازن من القطع الأجنبي المتوفّر لديها، لتأمين حاجة البلاد من الخبز، من خلال استيراد الدقيق. وإذ تلعب القيود التي تفرضها «الإدارة الذاتية» على الفلاحين في مناطق سيطرتها، دوراً رئيساً في حجب كمّ رئيس من الإنتاج عن مخازن الحكومة، وبالتالي في تعميق أزمة هذه الأخيرة، فإن استمرار موجات الجفاف، وتزايُد أعداد العائلات التي تُفضّل هَجْر تجارة باتت خاسرة، ينبئ بانحسار كبير في المساحات الزراعية، وبتضاؤل مخيف في حجم هذا القطاع المنهَك أصلاً
شكّل تأمين رغيف الخبز، خلال سنوات الحرب، ولا يزال، هاجساً حكومياً يومياً، في ظلّ حفاظ الحكومة السورية على سياسة دعم هذا القطاع، والتي رتّبت عليها أعباء مادّية إضافية، لا سيما مع التراجع الكبير في إنتاج القمح محلّياً، والاتّجاه نحو توفيره، والدقيق أيضاً، من خلال الاستيراد بالعملة الصعبة. وتُنفق الحكومة، سنوياً، مبالغ طائلة لتأمين حاجة البلاد من المحروقات والخبز بشكل أساسي، ما يولّد ضغطاً هائلاً على الموازنة العامة لجهة استنزاف القطع الأجنبي المتوفّر فيها، وهو أمر كانت السلطات بغنى عنه لو تمكّنت من استعادة سيادتها على محافظة الحسكة، التي تُنتج وحدها نصف إنتاج سوريا من النفط والقمح سنوياً، بما يعادل مليون طنّ، بل ويصل إلى مليونَين في بعض المواسم. وعلى رغم أن هذا العام يُعدّ من الأعوام الشحيحة في المحافظة، بسبب موجات الجفاف وعدم توافُر مستلزمات الإنتاج الزراعي، إلّا أن الأرقام الرسمية أشارت إلى إنتاج نحو 835 ألف طنّ من القمح، في ما يمثّل أكثر من ثلُث حاجة البلاد من هذه المادّة، فيما يُقدّر كامل إنتاج كامل مناطق «الإدارة الذاتية» في شمال سوريا وشرقها، بأكثر من مليون ونصف المليون طنّ.
وفي هذا الإطار، يبيّن مدير الزراعة في الحسكة، علي خلوف، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الجفاف، والهطولات المطرية الضعيفة وغير المنتظمة، أدّيا إلى خروج كل المساحات البعلية من الإنتاج، مع تراجع إنتاج حتى المساحات المرويّة»، مفيداً بأن «الإنتاج الفعلي من القمح لم يتطابق هذا العام مع التقديرات العامّة للإنتاج، وهو ما أدّى إلى تصنيف الموسم الزراعي الحالي بأنه من مواسم الجفاف قليلة الإنتاج». وكان رئيس دائرة الإنتاج النباتي في مديرية الزراعة في الحسكة، وائل الأحمد، أعلن أن «إنتاج المساحات المزروعة ريّاً وصل إلى 275 ألف طنّ فقط»، مضيفاً أن «إنتاج المساحات البعلية صفري». وعلى رغم الجهود الحكومية التي بُذلت للحصول على أكبر كمّية ممكنة من إنتاج المحافظة، إلّا أن مراكز الاستلام الحكومية لم تُسجِّل إلّا أرقاماً ضئيلة قُدّرت بنحو 16 ألف طنّ فقط، وذلك بسبب تضييق «الإدارة الذاتية» الكردية على الفلّاحين، ومنْعها إيّاهم من تسليم إنتاجهم للمراكز الحكومية، وفرْضها غرامات مالية كبيرة على المخالفين. وبحسب مدير فرع «المؤسّسة السورية للحبوب» في الحسكة، عبد الله العبد الله، فإن «المؤسّسة قامت باتّخاذ إجراءات بسيطة وميسّرة، ومن دون أيّ شروط وبأسعار مُجزية للفلّاحين، لتشجيعهم على تسليم محاصيلهم»، لكن «معظم هؤلاء لم يتمكّنوا من إيصال إنتاجهم، بسبب التضييق عليهم من حواجز قسد، ومنعهم من التوجّه إلى المراكز الحكومية في المحافظة»، وفق ما يؤكّد العبد الله لـ«الأخبار».
في المقابل، يوضح مصدر من داخل «المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية» الكردية، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «مراكز الإدارة الذاتية في كامل مناطق سيطرتها استلمت نحو 400 ألف طنّ من القمح، وهو ما يقارب الرقم الذي تحتاجه المنطقة لتوفير رغيف الخبز»، مُدافعاً في تعليقه على منْع الإدارة الفلّاحين من تسويق محصولهم في المراكز الحكومية، بأن «الأولوية بالنسبة إلينا هي توفير حاجة المناطق الخاضعة لسيطرتنا من هذه المادّة، بما يضمن عدم اللجوء إلى الاستيراد». ودائماً ما اتّهمت الحكومة السورية، في أكثر من بيان رسمي ورسائل مُوجهّة إلى الأمم المتحدة، الولايات المتحدة و«قسد» بـ«سرقة» محصول القمح، وتهريبه إلى خارج الأراضي السورية، بهدف تشديد الحصار على المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، ومنْع الأخيرة من الاستفادة من موارد البلاد.
 
خطر الهجرة
يقضي علي إجازته في قريته خربة الصبحة في ريف الحسكة الشمالي الشرقي، قادماً من ريف طرطوس الذي انتقل إليه منذ نحو عام، بعد أن تَرك خلْفه أرضاً زراعية بمساحة تصل إلى 100 دونم، لعدم قدرته على توفير مستلزمات الزراعة، وتَحوُّل الأخيرة إلى تجارة خاسرة لغالبية الفلاحين. يقول علي، لـ«الأخبار»، إنّ «الجفاف وتوقّف الدعم الحكومي وعدم توافُر المحروقات والأسمدة، كلّها عوامل دفعتْه إلى اتّخاذ قرار هَجْر الزراعة، والانتقال إلى العمل في مزارع وبيوت بلاستيكية في ريف طرطوس»، مؤكداً أنه «لن يعود إلى زراعة أرضه، إلّا بعد عودة الدعم الحكومي وانخفاض تكاليف الإنتاج، بصورة تضْمن تحقيق هامش ربح جيّد».
وعلى امتداد ريف الحسكة الشرقي، تبدو الكثير من القرى خالية من سكّانها، في ظلّ تأكيد مصادر أهلية أن عدداً كبيراً من العوائل والأفراد تركوا منازلهم وغادروا في اتّجاه العاصمة وريفها ومحافظات سورية أخرى، في تكرار لما حصل في مواسم الجفاف بين عامَي 2000 و2010. ويقول حميد، وهو من سكّان الريف، إن «الكثير من القرى لم يَعُد فيها سوى منزل أو منزلَين مأهولَين، لأن الزراعة لم تَعُد تطعم خبزاً، في ظلّ الجفاف وغياب الدعم الحكومي، وانعدام دعم الإدارة الذاتية»، مضيفاً أن «الأهالي باتوا يفضّلون العمل في مزرعة أو معمل في العاصمة، على الخسارة السنوية من خلال زراعة محاصيلهم سواءً كانت الصيفية أو الشتوية، والتي باتت متعبة، من دون أيّ جدوى اقتصادية».