حسابات الحقل لم تنطبق على حسابات العصر.. مزارعو الزيتون محكومون بشروط المعاصر وتراجع إنتاج الزيت

حسابات الحقل لم تنطبق على حسابات العصر.. مزارعو الزيتون محكومون بشروط المعاصر وتراجع إنتاج الزيت

أخبار سورية

الجمعة، ٢٨ أكتوبر ٢٠٢٢

صفاء إسماعيل 
هموم بالجملة يعانيها مزارعو الزيتون في محافظة اللاذقية، تبدأ بارتفاع أجور النقل والعمالة، ولا تنتهي بشروط أصحاب المعاصر وتدني إنتاج الزيت الذي لم يأتِ متناغماً مع كمية الإنتاج، فيما قدّرت مديرية الزراعة إنتاج الزيتون للموسم الحالي بـ 210 آلاف طن، قدّر إنتاج الزيت بـ40 ألف طن.
وفيما تشهد أسعار زيت الزيتون ارتفاعاً ملحوظاً منذ العام الماضي، إلّا أنها حسب مزارعين وأصحاب معاصر، سترتفع أيضاً بسبب تدني نسبة الزيت في الزيتون للموسم الحالي، بدليل كميات الزيت التي يحصل عليها المزارعون من المعاصر، والتي لا تتماشى مع المواسم الماضية.
ودلل مزارعون في قرى كل من البودي وقرفيص ومتور بريف جبلة لـ”تشرين” أنه في المواسم الماضية كان كل 100 كيلو زيتون ينتج بين 15-16 كيلو غراماً من الزيت، فيما العام الحالي كل 190-200 كيلوغراماً من الزيتون ينتج 16 كيلو غراماً من الزيت، مشيرين إلى أنه بالرغم من الإنتاج الجيد للثمار فإن إنتاج الزيت ليس جيداً.
وحسب أحد المزارعين، كنا نتوقع أن يكون إنتاج الزيت متدنياً هذا العام، فمن المعلوم للمزارعين الكبار في السن الذين لديهم خبرة، أنه عندما تكون هناك وفرة في الثمار فإن الزيت يكون متدنياً فيها، ناهيك بأن ارتفاع تكاليف الإنتاج، خاصة الأسمدة، قلل من الخدمات المقدمة لأشجار الزيتون، ما يعني أن حسابات الحقل حيث الأشجار عامرة بالثمار، لم تنطبق على حسابات المعاصر التي رشحت عن كميات قليلة من الزيت.
وربط المزارعون بين تدني إنتاج الزيت وارتفاع أسعاره، فهناك الكثير من المزارعين الذين بالكاد سيحصلون على الزيت لـ(مونة) عائلتهم للعام الحالي والعام القادم، ما سينعكس سلباً على العرض الذي سيتراجع مقابل ارتفاع الأسعار.
إلى قرى ناحية الفاخورة بريف القرداحة، يضاف إلى هموم المزارعين، همٌّ جديد وهو اشتراط بعض أصحاب المعاصر على المزارعين كمية محددة من الزيتون لا تقل عن 200 كيلو لتدخل العجّانة.
واشتكى عدد من أهالي قرية نقورو التابعة لناحية الفاخورة، لـ”تشرين” من أن صاحب المعصرة الموجودة في القرية يرفض أن يستلم من المزارع كمية أقل من 200 كيلو غراماً من الزيتون بحجة “أنه ما بتوفي معه” ليقوم بتشغيل المولدة الكهربائية لعصر كمية أقل من 200 كيلو، لما يتطلب ذلك من تشغيل الحرّاق وعجن كمية الزيتون وعصرها!، مضيفين: مع العلم أن القائمين على المعصرة خلال السنوات الماضية كانوا يستلمون أي كمية مهما بلغت من المزارع، مبينين أن المعصرة كانت تابعة لاتحاد الفلاحين، لكن هذا العام تم إعطاؤها لمستثمر لمدة خمس سنوات.
وتابع الأهالي: معظم أهالي القرية والقرى التابعة لناحية الفاخورة خسروا الكثير من أشجار الزيتون خلال الحرائق الضخمة التي اندلعت عام 2020، وعليه لم تبقَ لديهم محاصيل زيتون تكفي لـ(مونتهم) ولم تعد مواسمهم تنتج أكثر من 200 كيلو في ظل ما بقي من أشجار، مشيرين إلى أن إنتاج أغلبهم لا يتجاوز الـ100 كيلو زيتون لكل عائلة.
والمشكلة، حسب الأهالي، أنهم باتوا أمام خيارين أحلاهما مرّ؛ الخيار الأول : هو أن يحملوا محصولهم الشحيح ويقصدوا معصرة أخرى في قرية مجاورة وتكبّد أعباء مادية بسبب ارتفاع أجور النقل، والخيار الثاني : هو اضطرار المزارعين إلى جمع محصولهم ليتجاوز الكمية المشترطة من قبل صاحب المعصرة.
ويؤكد المزارعون أن تشارك المزارعين في المحصول فيه ظلم للبعض، مدللين على ذلك بأن ثمار الزيتون قد تكون عند أحدهم خضراء ومشبعة بالزيت، فيما تكون الثمار عند آخر يابسة، وعند عملية العصر تختلط الثمار، وبالنتيجة يتم اقتسام الزيت مناصفة بين الاثنين، وفي رأي المزارعين، هذه القسمة فيها ظلم لمزارع قد ينتج محصوله (بيدوناً)، مقابل مزارع ينتج محصوله ربع أو نصف (بيدون)، خاصة في ظل عدم وجود معيار للفصل.
بدوره، قال صاحب معصرة نقورو نضال عدلا: للمعاصر أيضاً جدوى اقتصادية يجب ألّا تكون فيها خسارة، فالمعصرة حديثة والطاقة الاستيعابية للعجانة بين 400-600 كيلو غرام، يعني أنها غير مخصصة لعصر حتى 350 كيلو زيتون، إلّا أننا نستقبل كمية حتى 200 كيلو زيتون خدمة لمصالح المزارعين، مضيفاً: عند وضع كمية قليلة في العجانة، لا تعمل بشكل صحيح كما أنها لا تعطي الزيت كما هو مفروض، ناهيك بالأعباء المالية التي سأتكبدها، مدللاً بأن استقبال كميات قليلة سيجعل المعصرة تعمل لساعات أطول، ما يترتب على ذلك من زيادة في المحروقات التي يصعب على الجميع تأمينها، وزيادة في أجور العمال، كما يؤدي إلى إجهاد الآلات الموجودة في المعصرة.
وتابع عدلا: لم يشكُ المزارعون من الكمية المحددة للعصر، بل يقوم المزارعون، الذين قطفوا كميات قليلة من الزيتون، بجمع المحصول مع بعضهم، وعصره، واقتسام الزيت فيما بينهم، مشيراً إلى أنه لديه آلية لجمع محصول المزارعين وتوزيع الزيت بالعدل بينهم، كلٌ حسب الكمية التي عصرها.
من جهته، أكد رئيس اتحاد فلاحي اللاذقية أديب محفوض لـ”تشرين” أن مصروف المعاصر الحديثة كبير، وأن عصر كميات قليلة من الزيتون يشكل خسارة لصاحب المعصرة الذي يتكبد أعباء تأمين المازوت الصناعي وأجور العمال وصيانة الآلات وغيرها، مبيناً أن المزارعين الذين لديهم محصول قليل من الزيتون يقومون بجمعه مع مزارعين آخرين، واقتسام الزيت فيما بينهم، وأنه لم تصل للاتحاد أي شكوى بخصوص ذلك.
بدوره قال رئيس دائرة الأشجار المثمرة في مديرية زراعة اللاذقية المهندس عمران إبراهيم: في المعاصر الحديثة، طاقة العجانة تبدأ من 500 كيلو حتى 1 طن من الزيتون، وعليه لا يمكن وضع كميات قليلة من الزيتون في العجانة لأن ذلك سيكلف صاحب المعصرة الكثير من المحروقات، مشيراً إلى أن المزارع الذي يكون لديه محصول قليل يمكن أن يتوجه إلى المعاصر القديمة والمكابس التي تفي بالغرض لعصر الكميات القليلة من الزيتون، مستدركاً: كما يمكن للمزارعين، الذين يتوجهون للمعاصر الحديثة لقربها من منازلهم أو لتوفير أجور النقل، أن يشتركوا في المحصول ومن ثم اقتسام الزيت فيما بينهم كل حسب محصوله.
وأكد إبراهيم أنه كان من المتوقع تراجع إنتاج الزيت، ولذلك قدرنا إنتاج الزيت للموسم الحالي بـ40 ألف طن فقط، فيما بلغ الإنتاج 210 آلاف طن، وأضاف: عندما تكون الثمار مثمرة يكون الزيت قليلاً، ناهيك بعدم تقديم الخدمات المطلوبة للأشجار، مدللاً بأن الكثير من المزارعين لم يقوموا بتسميد أشجارهم هذا العام، وعن ارتفاع أسعار الزيت، بيّن إبراهيم أن ارتفاع الأسعار لا يقتصر على تراجع عائدية الزيت للموسم الحالي فقط، بل يرتبط أيضاً بعوامل عدة، كتراجع القوة الشرائية، ارتفاع أسعار المحروقات، وأجور العمالة، ناهيك بالعرض والطلب.
تشرين