لم تنجُ من آثار الحرب.. آخر أخبار الثروة الحيوانيّة في أهم مناطق تربيتها.. تقهقر ونفوق ولم يعد لها من اسمها نصيب..

لم تنجُ من آثار الحرب.. آخر أخبار الثروة الحيوانيّة في أهم مناطق تربيتها.. تقهقر ونفوق ولم يعد لها من اسمها نصيب..

أخبار سورية

الثلاثاء، ٦ ديسمبر ٢٠٢٢

عثمان الخلف:
مجريات الأحداث التي عاشتها دير الزور فترة سيطرة المجموعات المسلحة، وما رافق ذلك من تدمير البنى التحتيّة ومرافقها، وما فرضه هذا الوجود من تغييب إجباري لخدمات الجهات ذات الصلة، تركت تأثيراتها على واقع قطاع الثروة الحيوانيّة، إذ لا تمتلك دوائر مديرية الزراعة ذات الشأن أرقاماً بأعداد هذه الثروة في منطقة الجزيرة الواقعة تحت سيطرة الاحتلال الأمريكي وميليشياته، فإن ذلك لا ينفي حجم الاستنزاف الذي طالها، إما نتيجة مباشرة للأمراض التي تصيبها لعدم توفر الرعاية الصحيّة التي كانت تحظى بها لجهة الدواء واللقاحات، أو لما تعرضت له من تهريب، ومنع ميليشيا ” ق*س*د” الأهالي من نقل تلك الثروة لمناطقهم الواقعة تحت سيطرة الدولة السورية، ليبقى واقعها المرصود في مناطق السيطرة يشكو قلة الدورات العلفية واقتصارها على نوع واحد من الأعلاف وانعدام الأدوية العلاجيّة، وغياب المراعي، مُضافاً لذلك ما تعانيه الجهات ذات الشأن من مشكلات على صعيد واقع عملها.
الأعلاف ثم الأعلاف
شكّل خروج مراعي البادية عن الخدمة كنتيجة للأوضاع الأمنيّة السائدة منذ سنوات معاناة كبيرة لمربي الثروة الحيوانيّة، ولاسيما الغنميّة منها، إذ لم تعد تلك القطعان تجد غذاءها المُستمر والمجاني كما في السابق, فباتت مساحات من الأراضي الزراعية بمُخلفات محاصيلها من قمح وقطن، وحالياً الذرة الصفراء الملاذ الوحيد للرعي الذي يستمر فترات محدودة، يقوم هؤلاء المربون خلال ذلك بشرائها من المزارعين، أو إنهم أنفسهم يملكون أراضي مزروعة بتلك المحاصيل، لتعود المواجهة مجدداً بحثاً عن المواد العلفيّة عبر دوراتها التي يُعلنها فرع مؤسسة الأعلاف، والتي يراها مربون غير كافية لجهة كمياتها، وتباعد فترات توزيعها خلال العام، إضافةً لاقتصارها على نوع واحد على الأغلب وهي مادة (النخالة)، إذ يقتصر التوزيع خلال العام على دورتين فقط بكميات بلغت 10 كغ للرأس من الأغنام، أما الأبقار فيُعطى الرأس الواحد 30 كغ.
المربون أكدوا ضرورة تنويع المواد العلفيّة من فرع مؤسسة الأعلاف والسماح بفتح المراعي في البادية لمسافات لا تتجاوز 10- 15 كم بغية توفير إمكانات الرعي لما يوفره ذلك من تكاليف مرتفعة عليهم تؤثر في حيازاتهم، وأخذ وزارة الزراعة دورها السابق في توفير الأدوية العلاجيّة اللازمة.
قبل والآن
كانت دير الزور تمتلك أعداداً هائلة من الثروة الحيوانيّة من أغنام وأبقار وماعز، ناهيك بمنشآت الدواجن الخاصة والمباقر ومزارع الأغنام، وبمجموعها شكّلت مصدراً مهماً للسوق السوريّة والمحليّة بمنتجات الحليب والألبان ومشتقاتها، كذلك بالنسبة للفروج والدجاج، ويؤكد رئيس دائرة الإنتاج الحيواني في “زراعة دير الزور” المهندس لؤي المسعود لـ”تشرين” أن تعداد الأغنام في إحصاء العام 2012 وصل إلى مليونين و597 ألف رأس، فيما الأبقار كانت 248.387 رأساً، والماعز أكثر من 174 ألف رأس.
وأضاف: “يشمل الإحصاء المذكور جميع مناطق المحافظة قُبيل تفاقم الأحداث وسيطرة الإر*ه*اب، فيما جاءت أعداد الثروة الحيوانيّة بمناطق السيطرة وفق تعداد العام المنصرم بالنسبة للأغنام والماعز بأكثر من 900 ألف رأس، والأبقار 42.7 ألفاً، أما الرقم الإحصائي لأعدادها هذا العام فلم يصدر بعد”.
وأكد المسعود انخفاض هذه الثروة بفعل الأحداث التي عاشتها المحافظة لسنوات، والضرر الكبير للمنشآت الخاصة من مباقر ومزارع أغنام ومداجن، فهي مابين المتوقفة عن العمل بفعل الخراب الذي تعرضت له أو إنها في مناطق خارج سيطرة الدولة السوريّة، كما ترك خروج مناطق الرعي في البادية من الخدمة تأثيراته مُضاعِفاً مشكلات هذا القطاع مقابل قلة الأعلاف وارتفاع أسعارها وما ينجم عن ذلك من صعوبات تأمين المادة العلفيّة بشكل كافٍ، والمنشآت المرخصة تصل إلى 8 مباقر، منها 2 بمناطق سيطرة الدولة، والبقية خارجها، أما مزارع الأغنام وعددها 39 فجميعها خارج السيطرة، ويصل عدد المداجن إلى 29، منها 10 خارج السيطرة، كان يُربى فيها 523 ألف طير، وما هي ضمن مناطق السيطرة فمتوقفة نتيجة التخريب الذي طالها، ويُقدر إنتاجها في سنوات ما قبل اندلاع الأحداث بمئات الأطنان من حليب وألبان وزبدة وسمنة، فيما تقديراتنا الإنتاجيّة للعام الجاري لم تصدر بعد.
واقعها الصحي
 
يُجملُ رئيس دائرة الصحة الحيوانية الدكتور طارق الحسين صعوبات العمل التي تؤثر في توفير الخدمات لقطعان الثروة الحيوانيّة بقلة أعداد الأطباء البيطريين، فهم الآن 46 طبيباً, بعضهم على وشك التقاعد، بينما كان عددهم قبل الأزمة 226 طبيباً، كما تفتقد دائرته لآليات المتابعة ميدانياً، ناهيك بعدم توفر الكهرباء بشكل دائم.
عن الأمراض وشكاوى الإجهاضات التي تُصيب الأبقار والأغنام، ولاسيما ما نوهت به إدارة مركز “داء الكلبْ والأمراض المشتركة”، في تقارير سبق وأشارت لها “تشرين” عن وجود بؤر لإصابات الحمى المالطيّة كما في الريف الغربي، أكد الحسين أنّ الأدوية العلاجيّة غير موجودة في خطط وزارة الزراعة لعدم توفر الإمكانات عكس سنوات ما قبل الأزمة، ودور الصحة الحيوانية يقتصر على تلقيح (الفطام) من عمر 3- 6 أشهر كي لا تُصاب بالحمى المالطية، أما الكبيرة من تلك الحيوانات فعلاجها على نفقة المربي، نافياً وجود أوبئة تُهدد الثروة الحيوانيّة في دير الزور: “دائرة الصحة تُقدم كافة أنواع اللقاحات للأمراض، سواء ما يتعلق منها بالأبقار أو الأغنام, وما أورده مركز “مكافحة داء الكَلَب والأمراض المشتركة” حول بؤر للحمى المالطيّة لا علاقة لدائرة الصحة الحيوانية به، بل هي مسؤولية المربين، مشيراً إلى أن اللقاحات جميعها آمنة وضمن شروط حفظ وتخزين سليمة.
ماذا عن الأعلاف؟
ما هو غائب عن بال كثير من المربين بما خص شكاوى الأعلاف وقلتها، يعود لعدم إدراك المربي لدور مؤسسة الأعلاف -حسب تصريح مدير الفرع المهندس يحيى الراوي لـ”تشرين”- الذي أضاف: “ما يُقدم من مواد علفيّة يأتي مساعدة لهم لتأمين الغذاء لقطعانهم في فترات مُعينة وليس بشكل دائم، واقتصار التوزيع على صنف واحد هو نتيجة افتقاد مصادر الإنتاج كما السابق من شركات زيوت ومطاحن، فالتشكيلة العلفيّة سابقاً كانت تضم مواد كالشعير والكسبة والمُركبات التي تُصنع من الذرة الصفراء، وقشرة القطن، كان ما يورد من نخالة عبر مطحنة الفرات بشكل يومي يصل إلى 60 طناً، حالياً لا تتجاوز الكميات 8 أطنان، وهي ما يوزع اليوم لقطعان المربين حسب قوائم من مديرية الزراعة، الذرة الصفراء كمصدر غذائي مهم كانت تُورد لتُصنع في شركات ومعامل خاصة ما يؤمن كميات كافية من المركبات الناتجة عنها”.
الراوي أوضح أنّ ما تعرضت له سورية بشكل عام أفقدها مصادر الإنتاج, ما انعكس سلباً على وفرة الأعلاف المُصنّعة.
 
“ق*س*د” تمنع نقلها
فرضت الأحداث التي عاشتها دير الزور وكثرة تنقلات الأهالي تواجدهم وقطعانهم التي يملكونها في قرى وبلدات الجزيرة المحتلة، ومنع “ق*س*د” نقلها إلى المناطق المُحررة، ما اضطر مالكيها لنقلها تهريباً، ويُفيد هؤلاء أن ثرواتهم الحيوانيّة تتعرض لعمليات سطو وسرقة نتيجة الأوضاع الأمنيّة المُنفلتة، ناهيك بغياب الرعاية الصحيّة بالمطلق، والخبرات البيطرية، وتُشير مصادرنا المحليّة إلى تمكن المالكين من نقل أكثر من 60 ألف رأس أغنام وأبقار، إضافةً لعشرات وسائل النقل من سيارات وصهاريج مياه وسواها من آليات، الأمر الذي يرى فيه معنيون تعزيزاً لقطعان الثروة الحيوانيّة وتأمين سلامتها وحفظها من عمليات التهريب التي سهّلتها “ق*س*د” إلى بلدان الجوار.
ما الحلول؟
يضعُ رئيس دائرة الإنتاج الحيواني مقترحات عدة لأمن قطعان الثروة الحيوانيّة، بدءاً بتقديم قروض مُعفاة من الفوائد أو بفوائد رمزية لمساعدة المربين على ترميم واقع هذه القطعان ورعايتها، وتقديم قروض عينيّة كالأعلاف وتشجيع الزراعات العلفيّة، ناهيك بدعم قطاع الصحة الحيوانية ورفده بالمعدات والأدوية اللازمة، والعمل على زيادة الاهتمام بالسلالات المحليّة وتحسينها وراثياً لزيادة إنتاجها وأعداد المواليد، كذلك العمل على تأهيل كوادر العمل على هذا الصعيد، مبيناً أهمية تأهيل المحميات الرعوية ومراكز إنتاج الغراس الرعوية وإدخالها الخدمة، ليبقى فتح مراعي البادية أحد أبرز الحلول على صعيد وفرة الغذاء لتلك القطعان رهن الأوضاع الأمنيّة وتحسنها بانتهاء مخاطر فلول تنظيم “د*ا*ع*ش” الإر*ها*بي والذي توفر له قوات الاحتلال الأمريكي بيئة آمنة لتحركاته في البادية السورية، مع الإشارة لما ارتكبه من مجازر بحق الرعاة وسرقة ثرواتهم تلك.