أزمة النقل تتفاقم وتصل إلى طرق مسدودة.. طلاب وموظفو الريف يعجزون عن مواصلة الدوام

أزمة النقل تتفاقم وتصل إلى طرق مسدودة.. طلاب وموظفو الريف يعجزون عن مواصلة الدوام

أخبار سورية

الجمعة، ٣ مارس ٢٠٢٣

 ضياء الصفدي:
موظفون يحاولون الاستفادة من  كل أنواع الإجازات لتخفيف أعباء مصروف المواصلات من الأرياف إلى مدينة السويداء، وطلاب يكثّفون محاضراتهم ودوامهم بيومين أو ثلاثة  لتخفيف عبء مصروف أجور الطريق على أهاليهم، إذ باتت أعباء المواصلات لا تطاق في ظل ارتفاع الأجور من السائقين بشكل شخصي متذرّعين بأن المخصصات المدعومة لا تكفي ويشترون بأسعار السوق السوداء  بسعر ٧٥٠٠ ليرة لليتر المازوت و٦٥٠٠ ليرة للبنزين، وفي واقع الحال يأخذ بعض أصحاب الباصات والسرافيس مخصصاتهم ليتاجروا بها في السوق السوداء، والبعض الآخر يعاني بالفعل من نقص المخصصات.
 
حبر على ورق
لم يختلف أبداً قرار تعرفة أجور النقل الأخير للسيارات، السرافيس- الميكرو باصات، العاملة على الخطوط الداخلية للمحافظة، عن القرارات التي سبقته، فالقرار بقي حبراً على ورق وكل سائق يفرض الأجور بناء على قراراته وربما تقديراته الشخصية وسعر الليتر من المازوت أو البنزين “الأسود”.
 
كل سائق يفرض الأجور بناء على قراراته وربما تقديراته الشخصية وسعر الليتر من المازوت أو البنزين “الأسود”
 
عدد من الطلاب والموظفين ممن التقتهم “تشرين” في المكان المفترض لتجمّع السرافيس وباصات النقل تحدثوا عن غياب الرقابة والفوضى والعشوائية في دور الباصات وتقاضي أجور زائدة، مضيفين: إن رواتبهم تُدفع بالكامل أجور نقل وهناك الكثير من طلاب الجامعات اقتصر دوامهم على يوم واحد أو يومين بالأسبوع، وبعض الموظفين يفضلون الاستقالة لأن أجور النقل فاقت رواتبهم، ويعطون أمثلة من واقعهم اليومي،  فالسائق يطلب أجور نقل على خط السويداء – صلخد التي تبعد ٤٥ كم، من ٢٠٠٠ حتى ٢٥٠٠ ليرة، بينما التسعيرة الأخيرة هي ١١٥٠ ليرة، وعلى خط القريّا يتقاضى السائق ١٥٠٠ ليرة أجرة نقل،  بينما التسعيرة هي ٨٥٠ متذرّعين بارتفاع أجور الصيانة وقطع التبديل والمازوت في السوق السوداء.
وتقول طالبة في كلية التربية بالسويداء:  إن معاناتها اليومية متواصلة منذ أشهر، فـالمسافة من قريتها إلى مدينة السويداء لا تحتاج أكثر من ١٥ دقيقة بأي وسيلة نقل، أما في هذه الأزمة فإنها تتطلب أكثر من ساعة  صباحاً ومثلها ظهراً، وتضيف: “أحياناً يحالفنا الحظ فنصل إلى الجامعة قبل ساعة من الدوام، وأحياناً أخرى نضطر لدفع أجور مضاعفة من أجل الوصول على الموعد المحدد، ومهما يكن فهناك من ساعتين إلى ثلاث ساعات متعبة ومهدورة يومياً.
رئيس دائرة حماية المستهلك بالسويداء جهاد طرابيه بين أن تعرفة الأجور باتت معروفة وكل سائق يتقاضى أجوراً زائدة يجب التقدم بشكوى ضده، وأي شكوى تردنا يتم تنظيم ضبط بحق السائق. بينما أشار فتحي العبد رئيس دائرة الأسعار في مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك في السويداء إلى أن التسعيرة عدّلت على أساس السعر الأخير لليتر المازوت، ويتم تحديد السعر على أساس المسافة الكيلومترية المقطوعة.
 
قرارات بلا تنفيذ
وكان آخر قرار صدر عن المكتب التنفيذي في المحافظة حدد بموجبه أجور نقل الركاب في وسائل النقل الجماعي ضمن الحدود الإدارية للمحافظة، وداخل مدينة السويداء، للميكروباصات العادية والحديثة للراكب الواحد من مدينة السويداء إلى مدينة صلخد بــ١١٥٠ ليرة، وإلى مدينة شهبا وبلدتي القريّا والمشنّف ٨٥٠ ليرة، وإلى بلدات المزرعة ٧٠٠ ليرة، وقنوات ٥٥٠ ليرة، والثعلة ٦٠٠ ليرة، بينما تراوحت الأجور لباقي القرى والبلدات بين ٤٥٠ و ١٤٠٠ ليرة للراكب الواحد حسب المسافة الكيلومترية، وحدد القرار أجرة الراكب في الميكروباصات العادية والسرافيس من 9 إلى 14 راكباً العاملة على المازوت والبنزين ضمن الحدود الإدارية لمدينة السويداء بـ 350 ليرة على كل خطوط النقل الداخلي،  وشدد القرار على معاقبة المخالفين لأحكامه، لكن المخالفات استمرت والأزمة تفاقمت، ومعظم السائقين لم يتقيدون بالتسعيرة.
مراقبة الخطوط أفضل حل
مشاهد باتت مألوفة، تجمعات كبيرة في الكراجات، وجود الركاب على أسطح الباصات أصبح مكرراً على العديد من خطوط النقل،  تساؤلات عديدة حملناها لأصحاب الباصات، وكانت الأغلبية تضع اللوم على مخصصات الوقود، فمخصصات باصاتهم من مادة المازوت البالغة 80 ليتراً لعشرة أيام تكفي فقط لنقلتين باليوم ، بينما حاجة الخط أربع نقلات على الأقل لكل باص، ما يؤدي إلى الازدحام، وطالب أصحاب الباصات بتحقيق عدالة التوزيع من حيث المسافات وعدد السكان، فهناك خطوط تأخذ الكميات نفسها، علماً أن مسافاتها أقصر وعدد سكانها أقل، ما يتطلب المساواة في التوزيع لتحقيق العدالة بين السائقين.
 
أصحاب الباصات: مخصصات مادة المازوت البالغة ٨٠ ليتراً لعشرة أيام تكفي فقط لنقلتين باليوم.. وحل المشكلة يحتاج ٤ نقلات
 
لكن المشكلة الأكبر هي في  ساعات الظهيرة، فالعودة من الجامعات والمدارس والعمل إلى الأرياف عصية على الوصف، حيث قال عدد من المواطنين: إن أزمة النقل ملازمة لهم منذ أكثر من عام نتيجةً للعمل المحدود لسائقي السرافيس، بذريعة تخفيض مخصصات سرافيسهم من مادة المازوت بنسبة خمسة وعشرين بالمئة، كما أن عدم توافر وسائل النقل دفع من يريد الوصول إلى مكان عمله للتوجه نحو سيارات الأجرة، وكلنا يعرف الأسعار الفلكية “بالنسبة للموظف والطالب”  التي يتقاضاها سائقو التكاسي، ما رتّب على الأهالي أعباءً مالية إضافية، كانوا بغنى عنها لو قامت إدارة مراكز الانطلاق بتطبيق نظام المناوبات على السائقين، وخاصة في فترة ما بعد الظهر، فالمتعارف عليه أن دوام الدوائر الحكومية هو للساعة الثالثة بعد الظهر، إلا أن من يزور مراكز الانطلاق سيجدها شبه فارغة، والحلول أمام المواطن هي الركض خلف أي سيارة نقل بضائع أو سيارات مواد البناء أو أسطح الباصات والسرافيس وفي كل الأجواء.
رئيس مكتب النقل في اتحاد عمال السويداء سليم العربيد بيّن أن كمية المازوت التي يحصل عليها السائقون يومياً لا تتجاوز 8 ليترات، بينما احتياج السرفيس الفعلي لتغطية خطه كاملاً هو خمسة وعشرون ليتراً، مضيفاً : إن السائق وبالكميات “المقننة” المعطاة له مطلوب منه العمل يومياً بما يعادل نقلتين، وهذا شبه مستحيل , وخاصة الخطوط الطويلة، والحل يكمن بزيادة مخصصات السرافيس من مادة المازوت، لكون الكمية التي يحصل عليها السائق لا تكفيه لنقلة واحدة.
 
البنزين سبب
ويرى مواطنون أن رفع سعر مادة البنزين أرخى بظلاله على أزمة النقل والضغط على الباصات, ولاسيما أن أغلب أصحاب السيارات والمتعاقدين  توجهوا للركوب بباصات النقل، ما شكّل ضغطاً إضافياً على حركة النقل، كما أن ارتفاع أجور التاكسي أيضاً كان سبباً للتوجه للتكاليف الأقل وهي وسائط النقل العامة، وكان لسان حال المواطنين ممن طرحوا حلولاً لمشكلات النقل هو المراقبة وبالتالي الحل المطروح اليوم لضبط حركة الآليات وتحديد مسارها بدقة وبالتالي كميات الاستهلاك الفعلي هو تركيب أجهزة “جي بي إس” إلا أن السائقين أبدوا تخوّفهم وامتعاضهم في الوقت ذاته من تلك الأجهزة لعدم قدرتهم على تحمل ثمنها ، في الوقت الذي هم فيه غير قادرين على تأمين قوت أطفالهم، إضافة إلى النفقات الأخرى كأجور الإصلاح والترسيم  وغيرها.
باصات نقل داخلي للأرياف
قبل أيام قرر المكتب التنفيذي في محافظة السويداء تخصيص خمس بلديات بباصات نقل داخلي للمساهمة في تخديم عدد من الخطوط على ساحة المحافظة، منها بلديات الهويا و سهوة الخضر و الغارية و رامي وملح ، على أن تكون البلديات المعنية مسؤولة عن تأمين سائق للباص وأعمال الصيانة والإصلاح،  ويتم تحديد التعرفة من مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالتنسيق مع البلديات.
 
رفع سعر البنزين دفع أغلب أصحاب السيارات للركوب بباصات النقل، ما شكّل ضغطاً إضافياً على حركة النقل
 
عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل علي الحجار أشار إلى أن القرار اتخذ بعد أن تم توزيع خطوط السير بتكليف من محافظ السويداء بسام ممدوح بارسيك وبالتشاور مع البلديات المستفيدة منها ، وصولاً إلى تغطية حيز كبير من مساحة المحافظة وتخديم عدد من القرى التي كانت تعاني من ضعف حركة النقل باتجاهها. قرار جديد، جدد معه أمل موظفين والطلاب في الأرياف بتخفيف الأعباء عنهم بأن تكون الأجور رمزية وليست تنافسية مع أجور السائقين الكيفية والتكيفية مع السوق السوداء.
 
حلول عقيمة
ختاماً إن هذه الحلول الجزئية والمتأخرة التي يتخذها أصحاب القرار  تعالج مشكلة وتفتح عشرات المشكلات وهذا يتطلب وجود رؤية متكاملة لجميع المشكلات المترابطة،  بعيداً عن التجريب والتكهنات, وخاصة أن أزمة النقل مهددة بالتصاعد أكثر، والوضع على الأرض يحتاج إلى حلول مدروسة ومتماشية مع الواقع، فالنقل المجاني أو شبه المجاني بسعر التكلفة المدعوم هو الحل الوحيد للمواطن في هذه الظروف الاستثنائية التي يعيشها البلد.