المنظومة العمرانية الجديدة تحدٍّ اقتصادي وهندسي.. خبراء يوصون بـ«مسبق الصنع» وآراء فنية تركّز على المتانة والمرونة والطراز العمراني

المنظومة العمرانية الجديدة تحدٍّ اقتصادي وهندسي.. خبراء يوصون بـ«مسبق الصنع» وآراء فنية تركّز على المتانة والمرونة والطراز العمراني

أخبار سورية

الأربعاء، ١٥ مارس ٢٠٢٣

رشا عيسى:
عند الحديث عن المنظومة العمرانية الجديدة المرتقبة بعد الدمار الكبير الذي خلفه الزلزال الكارثة في المحافظات المنكوبة، يبدو أن هناك إشارات لا يمكن إغفالها تتعلق بعامل الوقت اللازم لإتمام هذه المنظومة بشكل يخدم الوضع القائم، وضمن الإمكانات التي قلصها الزلزال وقبله الحصار والحرب..من هنا تنطلق مجموعة أسئلة: كيف ستكون هذه المنظومة وفقاً لاقتراحات الخبراء اقتصادياً وهندسياً ؟.
الاتجاه نحو الأبنية مسبقة الصنع ذات الطوابق المتعددة أو الواحدة يبدو حلاً اسعافياً عملياً يقدمه الخبراء بعيداً عن المشروعات العمرانية المستدامة التي تحتاج اقتصاداً قوياً قادراً على تحمل أعباء إقامتها، والرأي الهندسي يؤكد التقيد التام بكل الشروط المتواجدة في المخططات الهندسية من المتانة والمرونة والشكل المعماري مع الرقابة الفعلية في كل مرحلة من مراحل البناء.
أبنية مسبقة الصنع
 
الباحث الاقتصادي الدكتور مجدي الجاموس يرى أن الاتجاه نحو إقامة بيوت مسبقة الصنع إما طابقية أو أبنية مؤلفة من طابق واحد حلٌّ مقبولٌ بعد أن يتم إجراء مسح للأراضي بشكل دقيق وتحديد الأماكن القريبة والمسموح التشييد فيها، وفق توقيت زمني محدد، وإعلام الأهالي المنكوبين بالمدة المقترحة لأن عامل الزمن مهم جداً لإعادة الأمل، أما ترك الأمور من دون تحديد يكون له أثر سلبي على الأهالي المنكوبين.
 
ولتجنب الوقوع في أزمات اجتماعية يقول الجاموس لـ(تشرين): من المهم أن تكون المنطقة المقترحة للبناء قريبة لمناطق السكن الأصلية حفاظا على البيئة الديمغرافية والنسيج الاجتماعي للأهالي المتضررين، مع ضرورة وجود لجنة مختصة تكون مرجعية لاستقبال المساعدات وأيضاً تحديد آلية البناء والإعمار، المترافق مع دور فعّال للمجتمع الأهلي.
 
خبير عقاري: لا بدّ من تحديد خريطة طريق واضحة لإعادة البناء
 
خريطة طريق
 
أما المهمة الأساسية للجنة فهي تحديد خريطة طريق واضحة لإعادة البناء ويمكن أن تقسم الخريطة الى أربعة أقسام؛ القسم الأول يتضمن الأبنية المهدمة والتي يمكن أن تترك ونتوجه لمناطق أخرى ويتم البناء الجديد فيها، والقسم الثاني، يقيّم الضرر إن كان بالغاً ويستوجب هدمه، أما إن كان متوسطاً فيقترح أن يتم تدعيم البناء وتعزيزه تمهيداً لعودة الأهالي ، وقسم رابع يصنف كضرر بسيط يتم إصلاحه مباشرة.
 
الخيار الثاني
أما الخيار الآخر الذي نتمناه- كما يشير الجاموس- فهو أبنية مستدامة ذات بنية تحتية متطورة تتضمن تجديد شبكة الطاقة والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، لكن هذا الخيار يتطلب وجود اقتصاد قوي ويحتاج مدة زمنية أطول لا تتناسب مع الظرف الاقتصادي الذي يمر به بلدنا بسبب مفرزات حرب ارهابية و كذلك بسبب الحصار والعقوبات الخانقة، فضلاً عن الدمار الكبير الذي أحدثه الزلزال وأثّر مباشرة في البنى الاقتصادية عموماً.
 
خيار لابدَّ منه
 
للمهندس المدني منتجب عبد العزيز سلوم، الذي يوضح في حديث لـ( تشرين) أنه عند بناء أي منشأة، تتم مراعاة دوماً ثلاث نقاط رئيسة وهي المرونة والمتانة والشكل المعماري المناسب.
 
المرونة، تعد العامل الضروري للصمود في وجه الزلازل الأقل قوة، من النوع الذي يمكن أن يضرب أي مبنى 3 أو 4 مرات خلال عمره الافتراضي.
 
إعادة بناء الأبنية المهدمة خيار لا بدّ منه
 
وفي هذا المستوى، نهدف كمهندسي إنشاءات إلى الحيلولة دون حدوث أي أضرار تحتاج لإصلاح في المبنى من جراء هذه الزلازل ضعيفة القوة، ما يعني أن يكون التصميم مُحكماً على نحو يمُكّن البناء من مواجهة أي من هذه الهزات الزلزالية من دون أن تلُحِق به الأذى، وهنا يلعب التصميم الإنشائي والدراسة العامل الأهم لاختيار النظام الإنشائي الخاص بالمبنى، إما جمل جدارية قصية أو جمل إطارية أو مختلطة من الإثنين أو إضافة مخمدات زلزالية أو أنظمة أخرى يتعين استعمالها حسب الحاجة و وظيفة المبنى ومدى ارتفاعه وقربه أو بعده من مركز الزلزال ، وفي بلادنا الجمل الثلاث الأولى كافية ووافية وأثبتت فعاليتها بشكل جيد إذا نفذت وجرى تطبيقها جيداً وكما ترد في المخططات.
المتانة
وتتمثل المتانة في تعديل وتصحيح مقاومة وصلابة العناصر الإنشائية منفردة، أو الجملة الإنشائية ككل، وذلك لتحسين أداء المبنى ضد الزلازل المفترضة، وتشمل التقوية، وغالباً زيادة مقاومة العناصر المنفردة أو مطاوعتها أو إضافة عناصر إنشائية جديدة لزيادة مقاومة المبنى للقوى الجانبية بشكل جيد، ويعد حديد التسليح المادة الأقوى في البناء، ويستخدم الحديد نظراً لمقاومته العالية لقوى الضغط والشد بنفس الكفاءة، ويعد من أهم المواد المطاوعة، ما يجعله مساعداً على تحقيق مطاوعة أعلى في المباني الخرسانية، بقدرته على احتواء أحمال أعلى من دون انهيار مفاجئ .
 
والمادة الثانيه التي لا تقل أهمية عن الحديد وهي البيتون المجبول أو الخرسانة المستعملة في البناء وهي التي تشكل مع الحديد المتانة والصلابة لأي منشأة ، وكلما كانت المواد المستعمله بجودة كبيرة ، كانت النتائج أفضل، وكما توجد اختبارات للحديد لبيان مقاومته للشد ونسبة الاستطالة والمرونة فيه كذلك توجد اختبارات لكل من البحص والرمل والإسمنت والمياه الداخل في تركيب الخرسانة واختبارت أيضاً بعد الحصول على البيتون الجاهز للاستعمال أو الآتي من المجابل المختصه بإنتاجه عند وصوله.
العامل المعماري
ويجب علينا عند التصميم المعماري كما يشرح سلوم مراعاة ما يلي:
1_يمكن أن يحدث تصادم بين الأبنية المتجاورة والقريبة كثيراً من بعضها نتيجة الاهتزازات الأفقية للكتل الناتجة عن الزلزال, وستكون القوى الناجمة عن التصادم أكبر مع زيادة ارتفاع المبنيين حيث إنه إذا كان المبنيان متجاورين واحدهما أكبر من الآخر قد يرتطم سقف المبنى الأقصر مع الأطول نتيجة الاهتزاز وهذا الأمر خطير جداً.
2_تؤدي الانحرافات المفاجئة في مسار نقل الحمولة على طول ارتفاع المبنى إلى ضعف أداء المبنى فلا يجوز البدء بجدران بيتونية مسلحة من الأساس ثم يتم وقفها في طابق ما معمارياً والعكس صحيح, لا يجوز بناء جدران بيتونية من الأعلى غير مستمرة إلى الأساس وفي هذا الصدد أيضاً يجب تجنب الأعمدة المزروعة قدر الإمكان لنفس السبب المذكور وهو الانقطاع في مسار الحمولة.
3_يجب البناء على أرض مستوية والابتعاد عن أبنية على المنحدرات لأنها تسبب أعمده غير متساوية الارتفاع، وبالتالي حدوث فتل وتضرر الأعمدة القصيرة وأيضاً تجنب الأراضي المثلثة أو متوازي الأضلاع، وذلك لما تشكله من فرصة لتمركز إجاهدات الزلازل في الأجزاء الضعيفة منها، وكذلك لتولد إجهادات عزوم التواءات شديدة بها نتيجة الزلزال.
4_ تجنب الأبنية المتغيرة في الارتفاعات الطابقية حيث من خلال الأبحاث والتجارب تبين أن الأذى يكون كبيراً في هذه الأبنية ، ويبدأ من الطابق ذي الارتفاع الأكبر من غيره كالأبنية التي تستخدم فيها مولات أو صالات أو كراجات في الطابق الأول.
5_ الاستمرارية في الكتل الراسية وتجنب التراجعات فيها أي يبدأ المبنى سوياً ثم ينتهي جزء ويكمل جزء آخر بارتفاع أكبر حيث يؤدي هذا إلى قفزة مفاجئة في القوى الزلزالية نتيجة عدم الاستمرارية ككل واحد.
6_تجنب الأبنية الطويلة والمتغيرة المقطع وإذا اضطررنا يجب عمل فواصل بينها بحيث يعمل كل جزء بشكل منفصل عن الآخر حيث تبين أن الأبنية التي لها شكل بسيط تقاوم بشكل جيد أكثر من الأبنية ذات شكل u..h..l .
7_ تجنب المباني التي لها بعد كبير جداً أو صغير جداً، بالنسبة إلى البعدين الآخرين، لأنها لا تعمل بشكل جيد أثناء الزلزال كمباني المستودعات والصالات والمولات.
8_ وأخيراً تجنب المنشآت المعماريه المعقدة والخيالية على الأقل في مناطق معينة.
مقترحات إنشائية
 
وبالنسبة لمناطقنا المنكوبة و للأبنية القديمة فيها تحتاج إنشاء جداول خاصة من قبل الجهات المختصة بعمر تلك الأبنية الذي يجب ألّا يتجاوز عمرها خمسين سنة، والأبنية التي لا يمكن معرفة زمن إنشائها يجب أن يتم تقديره من قبل اللجان المختصة ومتابعتها في الأوقات المناسبه، أما بالنسبة للأبنية الأثرية القديمة والتي تخص الآثار وتراث البلد فيجب تقييمها ومتابعتها بشكل دوري من قبل لجان مختصة بالتدعيم والترميم.
 
مراقبة عمليات البناء أمر أساسي، مع الأخذ بالحسبان الاختبارات التي يجب إجراؤها في كل مرحلة لضمان مطابقة المواد الداخلة في البناء مع المعايير المطلوبة في الدراسة
 
وبالنسبة لإعادة بناء ما تهدم يؤكد سلوم عدة نقاط ينبغي مراعاتها مع التشديد في المراقبة والمتابعة في تنفيذها وهي:
أولاً، تنظيف أماكن الردم والهدم للأبنية بشكل تام وعدم استعمال أي شي منها إلّا في أعمال الردم اللاحقة وضمن الأصول والطرق الهندسية التي تراعى قواعد هذا البند فيها.
ثانيا،عدم الاعتماد على أي عنصر باقٍ من الأبنية المتهدمة حتى لو لم يتضح عليه أي أثر من آثار الضرر ويجب إزالة كل الأجزاء، و البدء من الصفر فيها.
ثالثاً،عند الوصول إلى منسوب التأسيس في تلك المباني يجب علينا أخذ سبور للتربة التي سيقام عليها البناء من قبل مهندسي الجيوتكنيك المختصين والمعتمدين من الجهات الحكومية أو أفرع نقابة المهندسين و يجب عدم الاعتماد على التقارير والفحوصات القديمة حتى يتم فحصها وحساب مقاومة تلك التربة ومدى صلاحيتها للبناء وعلى أساسه يتم اتخاذ بقية خطوات البناء.
رابعاً،لا يتم البناء والبدء بالتنفيذ قبل أن تكون المخططات المعمارية والإنشائية صادرة ومصدقة من نقابة المهندسين والبلدية المختصة ومدققة ومحررة أصولاً، وهذه المرحلة تتطلب اعتناءً خاصاً فهي مرحلة التصميم ومراجعتها وتدقيقها من قبل المسؤولين لأكثر من مرة.
 
خامساً، وبعد صدور المخططات لا يتم البناء بالتنفيذ إلّا من قبل مهندس معين من قبل المقاول والذي من الأفضل أن يكون مهندساً أيضًا.
سادساً، مراقبة جميع عمليات البناء أمر أساسي، مع الأخذ بالحسبان الإختبارات التي يجب إجراؤها في كل مرحلة لضمان مطابقة المواد الداخلة في البناء مع المعايير المطلوبة في الدراسة من اختبارات الحديد واختبار الخرسانة البيتونية في كل مرحلة صب وعدم التهاون في هذا التفصيل إطلاقاً.
 
عامل الرطوبة
وأشار سلوم إلى ضرورة الانتباه في المناطق الساحلية لموضوع الرطوبة العالية ما يضعف مواد البناء الأساسية الحديد والبيتون فيجب التقيد ببنود عزل القواعد والأساسات، ولا بدّ من إعطاء هذا البند أولوية عالية لأنه ومع الزمن الرطوبة تضعف البناء وتجعل متانته أضعف، ما يعد بنداً رئيساً في كل مرحلة من الأساسات وصولاً إلى الانتهاء من الهيكل حيث يجب استخدام المواد العازلة في كل مراحل البناء اللاحقة.
 
تجارب دولية
 
الباحثة الأكاديمية الدكتورة مي سليمان تقدم عرضاً عن الآليات المتبعة عالمياً في البلدان التي تكثر فيها الزلازل مع تأكيدها عدم المقارنة بالنسبة للأوضاع الاقتصادية بين بلدنا وبلدان أخرى في هذه المرحلة.
 
التقنيات الحديثة تركز على تبديد طاقة الزلزال بدلاً من أن تصيب الأبنية مباشرة وتؤدي إلى تصدعها أو انهيارها
 
وتقول: يمكننا الإشارة إلى عدة آليات في استراتيجية اليابان لمقاومة آثار الزلازل، وتخص اليابان بالذكر لأنها تتعرض إلى مئات الزلازل والهزات الأرضية سنوياً بسبب موقعها الجغرافي على طول منطقة تسمى (الحزام الناري) في المحيط الهندي و تنشط فيها الزلازل والانفجارات البركانية والتي تعد الأكبر في العالم، حيث تعمل الجهات المختصة فيها على تقييم الأضرار وقابلية إعادة تأهيل المباني على مستويين: الأول سريع يتبع حدوث الزلزال مباشرة، والثاني لاحق ويعدّ أكثر دقة حيث يحدد ما الطرق الأسلم والأفضل لتأهيل المباني .
 
وتوضح أن تقنيات البناء الحديث توجه فعال في البلدان التي تنشط فيها الحركة الزلزالية والتي اعتمدت بعد أن تعرضت لزلزال مدمر وبالتالي تتيح هذه التقنيات مقاومة الزلازل في المستقبل.
ترتكز هذه التقنيات بشكل أساسي على تبديد طاقة الزلزال بدلاً من أن تصيب الأبنية مباشرة وتؤدي إلى تصدعها أو انهيارها، من خلال اعتمادها على الهياكل المعدنية عبر استخدام إطار فولاذي في قلب المبنى، بخلاف الإطار الخرساني المسلح الشائع في الهياكل العادية، كما تستخدم العوارض والأعمدة الفولاذية بدلاً من الخرسانية، وكذلك كرات بندول الفولاذية الهائلة التي تتحرك إلى الأمام والخلف لمواجهة أي حركة للمبنى نفسه، وهياكل شبكية بين مستويات المبنى للمساعدة في تحصينه.