خيبة الطب

خيبة الطب

افتتاحية الأزمنة

الأحد، ٣١ مايو ٢٠٢٠

يبدو أن المصالح الخاصة بمجموعتي السبع زائد الخمس فوق المبادئ والقيم، فلا أمريكا مقتنعة بالديمقراطية أو تخاف عليها، ولا روسيا حافظت على الشيوعية أو على القيم الاشتراكية، وأوروبا تائهة بينهما، والبشرية بشعوبها وأديانها وسياساتها مازالت تعتقد بأن هناك شيئاً اسمه العدالة الدولية، ومنه نجد أن العلم والعلماء عجزوا حتى اللحظة أمام ما ينتاب العالم.
 هذيان محموم أظهر جهل الإنسان وضعفه، هذا الذي يجب أن يكون شعاره السعي، ويجب عليه أن يسعى ويجد ويجتهد، يكد ويشقى، يقاتل الحياة ويقتل بعضه، يخاصم ويحتكم، وهو الذي امتلك أعتى الأسلحة، وغدا أقوى أقوياء الحياة، نجده يقف عاجزاً أمام مرض، وهو ليس بالمرض، جرثومة صغيرة، ولكن أين هي؟ فيروس مجهري أوقف العلماء وأحارهم، كيف وهم أصحاب الإنجازات الذين كم كدّوا حتى وصلوا إليها، محولاً إياهم إلى حائرين رغم متابعتهم للبحث والسهر والاجتهاد واختراع كل ما يسهم في اعتداء الإنسان على الإنسان، مدمرات وصواريخ عابرة للقارات وقنابل نووية وحرب نجوم ووسائط رفاهية للنخب العالمية، كل هذا يعملون عليه متناسين أو غافلين عن أهم شيء وهو صحة الإنسان، وليتهم مع إبداعاتهم لكل ذلك تفكروا باختراع علاج واقٍ لأنواع الإنفلونزا أو الكريب، والتي منها كورونا، وليتهم توقفوا عن الاستمرار في التخطيط لتجريب كل أنواع الأسلحة التي تسحق الإنسان وتقضي على البشرية، وتدمر المدنية كل ما أنجزه التاريخ الإنساني من حضارات، وليتهم حين يفعلون ذلك أخذوا العبرة من "نوبل"، ذلك العالم الذي اخترع الديناميت، ومن ثم ندم وأصر على التكفير عن ذنبه بحق الإنسانية، ليتبرع بماله الذي جناه لكل منجز يفيد الإنسانية عبر جائزته التي توزع كل عام على المبدعين والمخترعين في كل أصناف العلوم والآداب.
تتناهب الأفكار بصري وبصيرتي، تديرها في الرأس المتعب من صخب الحياة التي يعمل أبناؤها على أن تكون لا إنسانية، فأدعوكم معي لمتابعة ضجيجها والكيفية التي تأخذ بنا للبحث عن الأشباح والسمادير بعد تقزم الإنسان لدرجة الأنا، حيث غدا همه الأول والأخير أن يخاصم أخاه الإنسان من أجل توافه الأشياء المعرفة وغير المعرفة، صراعات اقتصادية وجغرافية سياسية ودينية، ويتناسى أنه يقف عاجزاً أمام فيروس لا يقدر على مقاومته، فلم يتم التخيل أن هذا الفيروس سيكون واقعاً مذهلاً، تئن البشرية من ضغوطه القاسية عليها، ورغم أن الأزمات التي مرت بها كثيرة وعنيفة، إلا أن تفاصيلها سرعان ما كانت تتكشف أثناءها أو قبلها وقليلاً بعدها، ولكن معه سبب رعباً قل نظيره.
يبدو أن من يفكر بهذا الفيروس اللعين يشاغله قبل أن يدخل إليه، ومع انتشاره أخذت البشرية تتلمس حرارتها بين اللحظة واللحظة، هل ارتفعت؟ ومفاصلي هل تشنجت مبدية إنهاكها؟ هل هو نوع من "الكريب" الذي ينهك الجسد أم الإنفلونزا المتعددة الأسماء؟ طيور، خنازير، جنون بقر، سيدا، إيبولا... تجعل من المرء يكتئب وينظر إلى حجم الوجود الكبير على أنه صغير جداً، حتى إنه لا يتسع لجسده، فلهيب الحمى الناتجة عنه تفعل فعلها في الصدر، وتتجول بين القلب والعقل، وفعلاً تصغر الدنيا، لنراها أنها لا تساوي شيئاً، ومهما بلغ إنجازنا فيها، حيث كانت الدنيا ممتلئة بالحيوية والنشاط، لتتوقف فجأة مجبرة الجميع على الخضوع له.
مؤكد أن هناك ندرة من البشر تدرك الحاصل، وهذه الندرة تعلم ما لا يعلمه سواد البشرية، وربما تكون هي المتحكمة فيما يحدث، هذا في لحظة مفصلية، من أجل ماذا؟ هل له علاقة بالمناخ ودرجة اتساخه؟ حيث الغازات المنبعثة من عوادم الصناعة ووسائط النقل هذه التي ثقبت طبقة الأوزون، ومخلفات الإنسان الذي أصبح رغم كل المدنية أكثر وساخة وقرفاً، وهناك ضرورات تدعو للتخلص من بعضه نتاج تكاثره الهائل، وكلما تعمقت الأبحاث تجد أن العلماء يوصون بالتخفيف من الأعداد البشرية الهائلة، هذا التي لم تنجح به حتى الآن من ضبط الإنجاب أو تنظيم الأسرة، رغم ما قدم من أبحاث التوعية، وهل الغاية التخلص من كبار السن الذين أصبحوا يشكلون ثلث سكان العالم، هؤلاء المتحولون في نظر الحكومات إلى أعباء اقتصادية كبيرة، أي ينظرون إليهم كمستهلكين للناتج القومي بحكم تقاعدهم، متناسين أن دورهم كان أساسياً في إنجاز الاختراعات والإبداع وتطوير الإنتاج ودورته وإدارة نظم الشعوب والدول والأمم.
أجل إنها خيبة هائلة في عالم الطب الذي طور أدوات القتل والمواصلات والاتصالات، وكما ذكرت حتى أدوات الطب وصلت إلى درجة مذهلة، وخرّج الملايين من الأطباء والمساعدين والممرضات، كل هؤلاء دفع بهم إلى واجهات العلاج، وليكتشف أنه بقي عاجزاً أمام الدواء الذي يتحكم من خلاله بمصائر البشر، فهل الحقيقة تقول: إنه لا دواء؟ أم ماذا دققوا في مسألة مرضى السرطان وما يجنونه من أموال طائلة، وما يرمون به بين الفينة والأخرى مثل إنفلونزا الطيور والسارس والخنازير وجنون البقر والقادم بعد كورونا أعظم؟ فهذا كله مبرمج من خلال خبث خطير من الندرة السياسية القابضة على الشأن العالمي الموجودة في مجموعة الخمس زائد مجموعة السبع، اللتين يشكل مجموعهما رقم اثنتي عشرة عيناً، لكل منهما مشربه ومذهبه، وهم يمثلون في الوقت ذاته الأسباط أبناء يعقوب "إسرائيل"، وهم المتحكمون القابضون على القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية وحتى الصحية العالمية، وها هي البشرية تكتشف حجم الخداع القادم من القيادة العالمية السرية والعلنية، وكيف بهم يقودون العالم كالقطيع كيفما يشاؤوا، تباعدوا اجتماعياً لحجر في المنزل، حافظوا على صحتكم.
الأسئلة كبيرة وكثيرة، وأهمها ما الإجراءات الحقيقية لحماية الجنس البشري من الحروب البيولوجية؟ وما سرّ المختبرات في ووهان أو واشنطن أو موسكو؟ لأنه وكما يبدو أن الحرب العسكرية لم تعد تجدي، ولذلك نجد أن جميع الدول تتسابق لاتخاذ إجراءات تدفع بهذا الوباء عنها، ولا شك أن مستوى القلق البشري وصل أعلى مراتبه، لأن هذا الوباء كان استثناءً في كل شيء عن كل ما سبقه من أمراض انقضت دون تحقيقها لمبتغاها.
تتكاثف الأسئلة، وتتفتق الجروح، ولا أجوبة ولا دواء، وما لا يقال صراحة: إن جميع الدول تحيا إرباكاً كبيراً، لأن الغموض كبير حول طبيعة ما يجري، والأخطار أكثر من مفجعة، حتى لدى الدول المتقدمة جداً، فكيف الحال مع المتوسطة التقدم والمتخلفة، ووسط كل ذلك تجد تفعيلاً مخيفاً لشهوة المال، واستيقاظاً مرعباً لغرائز جني المكاسب بعد إدراك أن عولمة العلم لم تعد تجدي، وأنها أضعف من أن تقاوم حشرة، فكيف بها تقف في وجه فيروس؟ لم تقدر حتى اللحظة على فك شيفراته أعتى المختبرات التي يشرف عليها علماء الطب والصيدلة، لنجد أن الساسة والاقتصاديين ورجال الدين ركبوا على موجة الفيروس، وأخفوا مشاكلهم، وما تحتاجه شعوبهم، ليتنفسوا الصعداء لحين، وأخذوا في توجيه الاتهامات لبعضهم، فالذي أرادته العولمة دمج كل شيء، وتحويل العالم إلى قرية صغيرة كشفته الأمراض والحروب بأنواعها على أنه قرى ومدن ودول يفصل بينها هوات كبيرة، تتسع مع كل يوم، ولكل منها مشاكله وعقده وأوهامه وأمنياته، ناهيكم عن انتشار التشاؤم العالمي الذي أخذ يتمركز في نفوس البشرية بعد انكشاف كل شيء إلى حد كبير، والأخطر أن الجهل أكبر من أن يتوقعه حتى العارفون ببواطن الأمور، ما أظهر الحسرة والخيبة ليس من الطب وحده، وإنما من جميع إدارات العالم هل ستنكشف اسرار الخيبة وتتحول إلى اطمئنان هذا ما ستخبرنا عنه الأيام.

د. نبيل طعمة