الروليت والدومينو

الروليت والدومينو

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٢١ أبريل ٢٠٢١

لا أحد ينكر حجم ما جرى في سورية منذ عشرة أعوام، وما مرت به خلالها، وما أريد لها من خلال اصطناع خصوم لها، إن كان في الجانب العربي أم الجانب التركي الصهيوني، أم في الأوروبي الأمريكي، وحتى في داخل حدودها، والكل راهن بقوة على إسقاط الدولة من خلال تدمير بناها المادية وقوتها الذاتية العسكرية والفكرية وإنهاء رموزها الوطنية وقياداتها السياسية والاقتصادية، وجهزوا لذلك معارضات وأشكالاً إرهابية اعتبرت الأعنف في تاريخ البشرية الحديث داعش والنصرة، وأخذ الكل يفرك يديه؛ عربٌ وصهاينةٌ وتركٌ وغربٌ، انتظاراً للنهاية، في وقت لم يدرك العرب بالذات أن سورية قادمة على تجاوزها، وإيجاد بدائل عنهم، وأنها أيضاً مجالهم الحيوي الذي يحافظ من خلالها على مصالحهم السياسية السيادية.
لا أغالي إذا قلت إني أتابع على مدار أيام الأزمة عبر عقدها الزمني أغلب ما يرد من تحليلات في الصحف، وما ينتج عن مراكز الدراسات الفكرية السياسية والمواقع الإلكترونية وقرارات التجمعات الأممية بشأن ما حصل مع سورية، وتابعت منها الغث والسمين، وبين هذا وذاك وجدت من شرح الأزمة، وقدم الكثير من الحلول المقنعة من وجهة نظره، وبينهم الجاهل والمدعي والحاقد الذي يرمي الزيت على النار، ومازال من دون أن يدرك الجميع أن سورية أرض الحروب المقدسة، وعلى أثرها يخسر المنحازون للشيطنة، وخسر قبل ذلك كل الحاقدين، وإضفاء القدسية على أي حرب ما هو في النهاية إلا تضليل ودعاية تخفي وراءها مآرب خبيثة، الجرأة العالمية مع الصبر الحذر والمؤلم، تمتعت بهم الدولة الوطنية السورية، وحمل وتحمل كل ذلك قائدها ورئيسها بشار الأسد أمام جهل المحيط الذي اعتقد سقوطها بسهولة وخبث.
الغرب الذي يبتز الجميع وهو عالم بالقدرات الخفية المتوافرة في عمق السياسة السورية، نجده حرك الحاقدين من كل الأطراف، بمن فيهم بسطاء الداخل السوري الذين تحركوا من خلال تحريك الفكر الديني الماضوي وتفعيله، كما فعل مسلمو العالم بذلك، وخاطبهم أن الأخلاق الإسلامية تتطلب منكم أن تذهبوا إلى الحرب في سورية، كما طالب الدول العربية بالتدخل، لكنه اكتشف أنها غير قادرة على فعل ذلك، فاكتفى بمطالبتهم بتقديم الحاضنة والدعم المادي، وأيضاً وجدهم فشلوا حتى في ذلك.
لم يصلوا في النتيجة إلى شيء، فكان الأمريكي أن دفع بالتركي لاحتلال بعض من الأرض، ومن ثم كشر عن أنيابه، ونزل كمحتل مباشر على بعض من الأرض السورية أيضاً، ما أودعه في متاهة كبرى أدت لظهور أقطاب متعددة وتحالفات نوعية، تقف الآن في وجهه كالصين وروسيا وإيران وسورية، هذه التي تحاول عرقلة حضورها وتفوقها، رافعاً عصاه الغليظة وعقوباته التي يهدد بها، وهي حجج الخاسر المتألم من نتائج أخطائه التي تراكمت، ما جنّد سواد العالم ضده.
غادر البيزنطيون سورية، وبعدهم اندحر الأتراك العثمانيون، وحدث الجلاء الفرنسي عن ترابها، وهكذا سيرحل الأمريكي والتركي والصهيوني، الذين أرادوا إخضاعها، والكل اليوم ينتظر بعد أن استوعب التجربة السيئة الذكر، التي مارسوها على سورية، وكيف يتم علاجها من القيادة السياسية فيها، والسوري الذي كان ومازال يسعى للوصول إلى تكامل عربي في السياسة والاقتصاد، وأنه ضرورة لمواجهة التحديات التي تهدد مصالحهم ووجودهم، وأن ذلك الخيار الوحيد الذي لا بديل منه لإفشال مخططات التقسيم وتغيير الهوية والجغرافية.
الأزمة والعلاج لعبة روليت هي في الأصل لعبة الغرب، لعبها الرئيس الأسد بدقة وحرفنة أذهلتهم بعد أن مهدوا باستخدامهم لعبة الدومينو، معتقدين إسقاط من ارتدوا عليهم بنقرة واحدة، وفي الخفاء هي روليت خفية، مقدمتها الدومينو التي أوقفت في سورية، وانتهت بعد أن أسقط الكثير، وأخضعت الروليت الكثيرين لمشيئتها، وبقي الرئيس الأسد في المواجهة أهم لاعب فيها، بل أكثر من ذلك أخذ يقودها بقوة، ويعكسها على من نفذوها، أولئك الذين بدؤوا الآن مرحلة الاستدارة باتجاهه وهو الذي نبههم إلى أن اللعبة التي قاموا بها بدأت تتجه آثارها إليهم، هي ألعاب دومينو أو روليت سياسية واقتصادية، ليس من دخل فيها للحلال أو الحرام، إنما للنتائج، تحكم الفائز أو الخاسر، وتخضع للصح أو الخطأ.
د. نبيل طعمة