التعايش مع الفساد

التعايش مع الفساد

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ١٤ يوليو ٢٠٢١

أبدأ بسؤال أباشر به مقالتي، هل الفساد ضرورة لاستمرار الحياة؟ أم إنه حالة طارئة عليها يبدو أنه غريب إلى حدٍّ ما؟ وهل وجوده يعني صراعاً مستمراً من أجل نجاح الحياة؟ ويعتبر النجاح أمامه انتصاراً لقوى الخير والحق والعدالة.
ألم يكن التعايش ضمن السنوات العشر المنصرمة ضرورة فرضتها ظروف الحرب؟ تم قبوله ضمن المنظومة الاقتصادية والثقافية والسياسية، لكن ارتفاع نسبته في مجتمع عانى الكثير ومازال، تصبح مسألة أكثر من خطيرة، كيف وبماذا تنجح دول وتفشل أخرى؟ وما أثر استمرار التنمية والتفكير بالعمل على ديمومتها؟
لماذا يفكر الشباب في الهجرة والهروب من الواقع إلى أي مكان دون استثناء؟ من ينشر ثقافة الكراهية للوطن؟ الفكر المتطرف بكل أشكاله؛ ديني مذهبي طائفي إيديولوجي، كيف بنا نعالج اضطراب واقعنا الذي تنعكس عليه اضطرابات محيطنا وأزماته المتلاحقة؟ كيف بنا نخرج مما نحن منه وعليه بطريقة لائقة؟ هل على مجتمعنا أن يخوض الأنفاق كي يصل إلى الأضواء المتوافرة في نهايتها؟ أم علينا وضع الضوء والإشارة إليه بأنه هنا نفق، فيبتعد عنه الجميع إلا هواة المغامرة الفاشلة؟
كيف ستتأقلم الناس مع الواقع؟ هل يمكن حدوث هذا؟ هل ستستمر الحكومات القادمة في استقرارها؟ أي تجلس على مقاعدها في حالة سكون لا تعطي من وقتها الاهتمام لمصالح الوطن والمواطن، وأمامها أكوام من القضايا المحتاجة لحلول منها الإسعافي، ومنها المديد، بحكم وجوده في الأقبية والحدائق الخلفية لوزاراتها.
النجاح والخلاص يحتاجان إلى الإرادة والتصميم وإيثار إيجاد الحلول الوطنية على المصالح الشخصية الضيقة.
تعتبر الحرب على الفساد من أهم عوامل نجاح التنمية، ويحدث هذا بفضل القوى الذكية الممتلئة بالحيوية والمؤمنة بالواقعية السياسية، التي تدعو لإنهاء أي أزمة وأي نزاع أو صراع داخلي وخارجي قديم أو حديث بطرق منطقية عاقلة وعادلة، يكون من خلالها التركيز على السبل المثلى للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، هذه التي يختارها النظام السياسي المستقر بفضل الدعم القادم من مؤيديه الأخلاقيين، الذين يرسخونه لإيمانهم بأن نجاح الاقتصاد يحتاج إلى برنامج ومنهج مختار وواضح المعالم ومتابعة نموه ودعم برنامج ثقافي مستنير ونظام قضائي ترتقي به مستويات العدالة إلى الحدود المطمئنة، تمنح الشعب إيماناً بوطنه وبسياسته واقتصاده، هذا الإيمان الذي يكتب به نهاية المأساة وبداية جديدة خلاقة.
نعم لقد خاضت الدولة حروباً حقيقية متعددة الجوانب، وحققت معها نتائج مبهرة ونجاحات أذهلت العالم، كان هذا بفضل الاستقرار السياسي المؤسس بدقة على تحمل أعتى الظروف، وصحيح أن هذا النظام لم يصل إلى مبتغاه النهائي، لأن آثار الحرب ومخرجاتها مازالت حاضرة في بعض مناطق البلاد، إلا أن الحرب الأكبر هي الآن في الواقع الاقتصادي الذي استشرى فيه الفساد والغش، وضعف الانتماء الذي أعليت فيه المصلحة الفردية على المصلحة العامة، من خلال اختراق الفساد لكامل الطبقات العامة والخاصة والمشتركة، هذا الفساد الذي يجب ألا يتم التعايش معه والإسراع في حصره والتضييق عليه بالدفع للعمل، وأن يكون العمل خلاقاً، لأن الفساد بالشكل العام حالة تاريخية أشارت إليها المقدسات الروحية، واعتبرته صراعاً معه يجب ألا ينتهي، فإذا انتهى انتهت أدوارها، وعليه يكون النظام السياسي المستقر الذي قدر على دحر الإرهاب إلى درجة كبيرة قادراً على لجمه وقادراً أكثر على إخراج الدولة من اضطرابها الاقتصادي والاجتماعي، وبطريقة ترضي المنطق العقلي للشعب، فدعم الاستقرار السياسي يعني الخروج من المآزق إلى حدٍّ كبير، وضرورة الآن أكثر من أي وقت مضى.
لماذا نذهب بعيداً وأمامنا المشاهد الواضحة عبر تعاقب الحكومات وتجاربها، التي لم تتمتع بلغة إستراتيجية واقعية، إنما غلبت عليها الآنية والحلول الفردية المؤقتة، ما أدى إلى وصولنا إلى ما نحن عليه اقتصادياً واجتماعياً.
التعويل اليوم على الاستحقاق الرئاسي الذي تمّ بنجاح باهر، وما الذي سيكون عليه المجتمع في القريب العاجل، فالشعب فوض السياسة بقوة لمعالجة كل الشؤون والعودة بالجميع إلى السبيل الوطني السليم.
د. نبيل طعمة