فقدان الأمل

فقدان الأمل

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٨ سبتمبر ٢٠٢١

نوبات تجتاح شعوب منطقتنا بين الفينة والأخرى، وبشكل خاص في بلدنا العزيز والغالي، تحمل في طياتها محاولات تحطيم الثوابت والرواسخ من الفكر الاجتماعي والإنساني والسياسي، غايتها إنهاء العروبة وزوال الإنسان العربي وتصوير العرب على أنهم حالة استثناء من الواقع العالمي ونشر الغرب أفكاراً عنهم، بأنهم غير قادرين على مواكبة الركب العالمي، ولا يمتلكون قدرة تحقيق الديمقراطية حتى بأشكالها الأولية، ويعمل الغرب ليل نهار على تحميل العرب الموجات الإرهابية التي تصل إليهم، فكان تخطيطهم الدائم العمل على تغيير الأنظمة العربية وتدمير بناها الفوقية والتحتية، فعاثوا فساداً في السودان، ودمروا العراق وليبيا، وخلخلوا واقع تونس، وأشعلوا اليمن، وهجموا على سورية بكل ما أوتوا من قوة، سورية التي لم تستكن، ولم تستسلم لأصعب أقدارها، ظهرت عصيةً على التقسيم أو محاولات التفكيك، وأثبتت أنها تمتلك قدرات هائلة لإعادة بناء حضورها بإيمان أبنائها الخلَّص بها.
إرادة الغرب السيطرة على الفكر البشري برمته عبر نشره لمضامين دقيقة وخفية تؤدي إلى إفقاد الأمل لدى الشعوب في تحقيق أحلامها ضمن أوطانها أولاً، وثانياً تقديم أنفسهم على أنهم المخلصون، وأنهم وحدهم من يمنحون الأمل من خلال استدراج جميع هذه الشعوب لتبني عاداتهم وتقاليدهم، بعد بثِّ الفرقة فيما بينهم، وإشغالهم بالفتن الطائفية أو المناطقية، ونشر الفساد وتعميم لغة الإرهاب، وأنهم الأقوى، وأن البقاء للأقوى، وأنهم القادرون الوحيدون على منح التقدم أو حجبه، لكونهم يمسكون بنواصي التكنولوجيا، وأكثر من ذلك، أنهم وحدهم بيدهم قياس مستوى التقدم وتقييمه ومنع الحصول عليه أو الوصول إليه بإرادتهم، ومعه يعملون على بثِّ نظمهم الأخلاقية، وذلك بأحدث السبل اللاأخلاقية التي أخذت تبوء بالفشل نتاج ما أحدثته من جدل ونقاش، وكيف بها تعمل على خلق هواجس المصالح الفردية وحسابات الأنانية التي يحصدون نتائجها في الغرب، عبر نهب عقول وأفكار أبناء هذه الشعوب وترك الباقي يلهث خلفهم، من خلال ذاك البريق الذي يبثونه في بلدانهم.
لقد وسّــع الغرب الاستعماري القديم الجديد وعلى رأسه أميركا الشمالية حدوده غير النظامية إلى العالم أجمع، عن طريق فرض لغاته وثقافاته وآدابه، وأسس الكثير لذلك، ولكي يجبرك للانسياق تحت لوائه، أو إجبارك على الانكسار أمام متطلباته.
الأمل كبير ومتوافر، وأبناء سورية مدعوون لإعادة بناء ما تهدّم، وهي فرصة بالغة الأهمية لأبنائها، وكما أكدت أن بقاءها ما كان ليكون لو أنها استسلمت لما أرادوه، أو أنها استكانت أمام ما دفعوا به من إرهاب تضليلاً للحقائق، فالسوريون تمتعوا بمعارف مهمة في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة، وكلّ ما يحتاجون إليه هو إيقاف عدائية الغرب وأدواته الطامعة في مصير السوريين ومناخ الطمأنينة والتعامل مع القوانين الحديثة، وتحديث القوانين القديمة، ونشر ثقافة العمل، والإيمان بأنه وحده القادر على بناء النجاح، وكل ذلك يؤدي إلى تحقيق ليس الأمل، بل الآمال العديدة، وهذا بدأ فعلاً بعد العشرية الثانية من هذه الألفية، وكان هذا من خلال الاستحقاق المبهر الذي أظهر للعالم أجمع أن الأمل موجودٌ وقوي، وأن ردَّ الفعل على التمسك به جاء من خلال المبادرات الخلاقة السياسية والفكرية للإصلاح، فقد فرضت حضورها في حماية الأمل والاتجاه إلى العمل للخلاص من تبعيات ما جرى، وصحيح أن النجاحات السياسية حمَّلت الاقتصاد ضغوطاً مربكة، وأثرت في الفكر المدني، حيث إن التحرك في هذين المحورين أخذ يتحرك على الطريق الصحيح والسليم، من ناحية إنجاز الحلول الناجعة في اتجاه تطويرها، وصولاً إلى التساوي مع النجاحات السياسية.
الأمل متوافرٌ وبكثرة شريطة أن نتمتع بالإخلاص، هذا الذي يأخذ بنا إلى الخلاص من كل معوقات الحياة، وتحقيقه مرهونٌ بالعمل الحقيقي، الذي منه يولد الانتماء، ويتعزز الولاء بالأداء، الذي كلما كان جيداً تمتعت شخصية كلٍّ منا بالقوة والرفعة والحضور، فقد صوروا للمجتمعات العالمية بعد طرح فكرة العولمة أنها ستقودهم إلى التجانس، عبر تصوير الكوكب الحي قرية صغيرة تسهل قيادتها من خلالهم، وعبر لغة واحدة تتحكم بأفكار الشعوب والأمم المادية منها واللامادية.
د. نبيل طعمة