حل الدولتين

حل الدولتين

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٣ أغسطس ٢٠٢٢

بعيدٌ جداً، هذا ما تحدث به الرئيس الأمريكي جو بايدن في أثناء زيارته لإسرائيل المحتلة للأرض والإنسان، وذهب أبعد من ذلك، حينما سئل عن وضع القدس فقال: القدس مدينة يعيش فيها الجميع، وقبل هذا القول وذاك تحدث عن أن أمريكا أخطأت عندما تركت الشرق الأوسط، أو ابتعدت عنه، محملاً تلك التبعيات للإدارة السابقة، منتقداً ترامب الرئيس السابق له.
هل انتبه الجميع لمعنى «الحل بعيد»؟ وأن القدس ليست للجميع، إنما يعيش فيها الجميع، والسؤال المباشر الذي يتبادر إلى الذهن: ما البديل، ومن يحكم القدس؟ وبما أن إسرائيل هي في قلب أمريكا، فيعني هذا أنها وحدها ستحكم فلسطين، والقدس هي العاصمة الأبدية لها ضمن المنظور الأمريكي، الذي نقل سفارته لها بعهد الرئيس ترامب، وبما أن حل الدولتين بعيد، يعني أن هناك حلاً قريباً، يكون إما بفيدرالية أو كونفيدرالية أردنية، يسمح لها بالإشراف على المقدسات الإسلامية مع ترحيل الفلسطينيين إليها، وإما مع مصر، حيث يدمج قطاع غزة مع سيناء التي تشتغل عليها الآن، لتكون متمماً لمشروع نيوم، وأيضاً يرحل الفلسطينيون إليها.
الأمريكي من هذا الذي نتطلع إليه يرينا أنه يفكر بالعقل الإسرائيلي الصهيوني، وخاصة أن سواد الرؤساء الأمريكيين من دون استثناء يعتبرون أنفسهم صهاينة، وأكد ذلك الرئيس الأمريكي جو بايدن، وبأنه يفتخر بأنه صهيوني، والصهيونية تعني أنها فلسفة الفكر السياسي للديانة اليهودية.
إذاً إسرائيل فوق الجميع، وأمنها والدفاع عنها ودعمها وحفظ تفوقها على جميع من في الشرق الأوسط هدف إستراتيجي أمريكي، ولكل المتحدثين بزوال إسرائيل، آمل أن يدركوا معنى أحاديثهم، فزوالها مرتبط بزوال أمريكا، أو بفك أمريكا الارتباط بها، أو بوحدة الشرق الأوسط ضدها بعد تسلحه بالعلم وأدواته المادية والعلمية والعسكرية، أما حديث الرئيس بايدن عن الخطأ المرتكب بابتعاد أمريكا عن الشرق الأوسط فهي خديعة واهية جداً، فقواعده المنتشرة في الخليج والأردن والعراق وتركيا ترينا عكس ذلك، وهذا الحديث الذي أدلى به فيه الكثير من الصح، لأن الإرادة الأمريكية تسمح ببداية جديدة لإسرائيل الأمريكية بعد أن ثبّتت غزوها الغربي الثالث لفلسطين «وعد بلفور» التي غزتها قديماً من الشرق أبرام وحفيده يعقوب «إسرائيل» وبعدها من الجنوب «موسى» للهيمنة على كامل المنطقة، ومن أجل أن تكون لها اليد الطولى، فمعنى المشروع الإبراهيمي القديم الجديد يحمل تثبيتاً للشعار القائل: إن حدود إسرائيل من الفرات إلى النيل، هل تغيّر العلم الإسرائيلي؟ وهل استبدلت نجمة عشتار أو داود؟ وربما البعض يعرف مشروع مارشال، الذي قدّم لمنطقة الشرق الأوسط نهاية ستينيات القرن الماضي القائم على العقل اليهودي والذراع العربية والمال الأورو أمريكي الخليجي، وبأنه جوهر المشروع الإبراهيمي، الذي بموجبه تعطي الإدارة الأمريكية لإسرائيل مهمة قيادة الشرق الأوسط، الذي اخترعوا له مسبقاً «بعبعاً» نووياً وإسلامياً اسمه إيران، وذهبوا للتجييش ضده وضد المتعاونين معه «محور المقاومة»، واخترعوا إلى جانبه ربيعاً دموياً هدفه القضاء على الفكر الروحي الديني والعروبي والقومي، الذي تنامى بقوة في الأقطار الجمهورية من الأمة العربية، وحققوا من خلاله الكثير من النتائج، أهمها اندفاع الكثير من الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل، واعتبارها من أهم حماة أمنهم القومي، لتبقى الندرة من الأمة تقاوم وتحاول إعادة الوعي لإدراك المرسوم والمخطط الذي تسير عليه إسرائيل برعاية فائقة من الأمريكي.
للأسف إن مجموعاتٍ متعددةً تعمل على إحباط الواقع العربي وتعزيز تخلفه، وتعميق جهله، ومنها الدينية وما يثار حول ظهور المهدي المنتظر أو عودة المخلّص، أو وصولنا إلى آخر الزمان واقتراب ظهور «الأعور الدجال». والثقافية حيث يعتمد كثيرٌ من المثقفين العرب على الفكر الأورو أمريكي الصهيوني والترويج له بخبث، وغدا علناً الحديث عن أبناء العمومة والدعوة المشددة بأنهم أصحاب الأرض التاريخيون، وطرحهم للأفكار التي تدعم الفكر التطبيعي، وهنا أوثق فيما أنحو إليه أننا أصحاب حق وعدل، وليس لنا عداوة مع أحد إلا من باب الحق، فالذي اغتصب الأرض هو عدو حق، فإذا أعادها انتهت العداوة، وإذا كنا أمة فعلينا فهم معنى الأمة وضرورة الدفاع عن بنائها وثوابتها ومقدساتها، وحتى البعض من الساسة نشهد بأنهم يعملون على إنهاء الصراع من خلال التبعية بإدراك أو من دونه ضمن برمجة معينة، وما يهمنا في الناتج أن نمتلك نواصي ما يهمّ أمتنا التي تشرذمت إلى درجة خطيرة، ومعها فقدت هذه الأمة قيادتها لحل مشاكلها، وأهمها قضية فلسطين التي ذهب حلها بعيداً، والقدس غدت أبعد، والتطبيع مستمر مع الصهيونية العالمية، التي تجسد إسرائيل وفكرها التاريخي، أسسها وحواضنها، وسواد العرب يقول ليس لنا عداوة مع الإسرائيلي، وللباقي عليكم إيجاد الحلول، وذاك التداعي الذي تمّ في جدة برئاسة بايدن يشير بقوة إلى حالة اللا انتماء إلى العروبة، وفتح الباب لتحقيق الحلم الإسرائيلي بأبخس الأثمان، فهل نبحث ونحلل ما تريده أمريكا «إسرائيل» بدقة من الشرق الأوسط، ومعنى ما طرحه بايدن إن كان في القدس عاصمة النبوات، أم في جدة مركز حماية الرسالة المحمدية ومقدساتها؟ مرة ثانية: هل أدركت القيادات الفلسطينية المتشرذمة بين هنا وهناك المعاني الخفية، ومعها القيادات العربية المتوافقة مع القيادات الأمريكية؟.
د. نبيل طعمة