العدالة المناخية

العدالة المناخية

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ١٥ نوفمبر ٢٠٢٢

تداعيات التغيّر المناخي ليست خطيرة فقط على الحياة الحية في داخل أحيائها، وإنما تشمل الضوء الأحمر بكامل طاقته، فما يحدث به من تسارع إن كان في ذوبان الأنهار المتجمدة في جبال الألب الأوروبية أو الأمريكية اللاتينية، إضافة إلى القطبين المتجمدين وجبال الهملايا، ينبئ عما ستؤول إليه الحياة.

 لننظر في الذي يجري إلى ارتفاع متزايد لمستويات البحار والمحيطات، حيث ينذر بأن اختفاء مدن ودول بات قريباً جداً، وقد يصبح ما يحدث من خلاله خارجاً عن السيطرة، وقد يغدو الأمر ذهاباً بلا رجعة، لأن الهوات واسعة جداً بين المجتمعات المنتجة والمستهلكة.

تحديات جمة بدأت تظهر بقوة، وتضغط بلا هوادة على الممارسات البيئية والاجتماعية، وبشكل خاص على الصناعة السوداء، وأقصد أن جميع مخلفاتها تنفثها في الجو، أو تدفنها في جوف الأرض، هذه التي تفتقر إلى الشفافية والمقاييس غير الموحدة بين منظومات الدول الصناعية العظمى والكبرى، وبين دول العالم الثالث المتوسطة والفقيرة، ما يرينا حجم اللا عدالة التي تحول دون تحقيق العدالة والتي يجب أن يستفيد منها الإنسان، وهذا يؤكد على تحديد المسؤولية عن الاضطرابات المناخية وأسباب تطورها وانعكاسها على محاور الحياة الثقافية والصحية والعلمية ومخرجاتها، ما يرينا حجم الضغط الذي يمارس على الدول الواقعة جنوب العالم الأول، الذي ينشئ الحروب، ويدعم وقوعها من خلال تغذيتها بمنتجاته الفتاكة التي ترفع درجة حرارة الأرض.

 ملايين الأطنان من القنابل أدت إلى جفاف الأنهار نتاج الضرب الهائل على الأرض ومخرجاتها، الأبخرة والحرائق رفعت درجة حرارة الأرض في سورية والعراق وأفغانستان وإفريقيا وأوكرانيا، وأستطيع هنا القول: إن التعاون الصادق والتنسيق البنَّاء يؤديان إلى إيجاد منظومة عمل خلاقة، تسهم في إطلاق حوارات، ليس فيما بين الدول، بل أيضاً ضمن كل دولة، من خلال رفع شعار الحياد المناخي أولاً، وأقصد به الالتزام النوعي بالتوجيه إلى الاقتصاد الأخضر والبناء البيئي، ومن ثم الوصول إلى تحقيق العدالة المناخية، والتي هي محور حديثنا في هذه اللحظات الحساسة من عمر كوكبنا الحي.

 ما طرح في مؤتمر دول الأطراف "COP27" الذي انعقد في هذا الشهر تحت شعار اقتصاد أخضر، والذي أتى بعد اتفاق باريس، الذي انسحبت منه أمريكا ترامب من الحزب الجمهوري، وعادت إليه مع بايدن الحزب الديمقراطي، وما أقر في باريس حول خفض انبعاثات الغازات الدفينة، وبشكل خاص ثاني أكسيد الكربون، والذي لم ينفذ منه شيء، ورميت سواد الأسباب على سوء استخدام دول العالم الثالث باستخداماتها السيئة لهذه الغازات.

 هنا أسأل: ما حجم هذه الإساءات أمام ما تنفثه صناعات دول عالم الشمال الذي يصنع كل شيء، ويستغل أغلب موارد دول العالم الثالث، الذي لا يحصل على التكنولوجيا الدقيقة منه خوفاً من تحوله إلى منتج، ما يدعو جميع هذه الدول للمطالبة بحق عن التعويضات المالية والفنية، ويكون الخاسر الأكبر، لأن عالم الشمال يشكل السبب الرئيس من هذا الاضطراب المناخي، الذي أخذ يضرب بقوة، وفي كل الاتجاهات.

هل سيشهد العالم تكثيفاً للجهود الساعية لتحقيق الحياد المناخي الذي يولد العدالة المناخية بغاية مواجهة تحدي التغيرات المناخية، أو بالحد الأدنى التكيّف مع التداعيات المسببة لخسائر جمة، تبدأ من صحة الإنسان، وتنتهي بجودة المنتج.

الاهتمام بالمناخ العالمي أصبح أكثر من ضرورة، والاهتمام به يؤدي إلى خلق نمو مطّرد ومستدام في قطاعات الزراعة والصناعة والتكنولوجيا، وكم تتمنى الشعوب تسريع عمليات تنفيذ الالتزامات بما يتم الاتفاق عليه في المؤتمرات الخاصة بالمناخ وتقييم التقدم المحرز في تحقيق الأهداف التي يصبو إليها العالم، وأهمها الحفاظ على الحياة الحية، من خلال تنمية مستدامة تقود إلى مزيد من الفوائد الاجتماعية والاقتصادية للجميع، وهنا ينعكس على بناء الإنسان بشكل صحيح.

كيف بنا نحقق الحياد المناخي، ومعه العدالة المناخية؟ المطلوب الآن سن التشريعات التي تعيد للحياة رونقها بتوسيع المسطحات الخضراء وزراعة الأشجار وإعادة الحياة البرية التي تنجز التوازن البيئي، والمتابع يدرك حجم تقلص الغابات وانقراض آلاف الأنواع من الحيوانات نتاج الصيد الجائر وتحول المسطحات الخضراء إلى أبنية جشع متزايد وتكاثر بشري لا محدد.

 قبل مئة عام كان عدد سكان الأرض ملياري نسمة، وفي هذه الأيام وصلنا إلى ثمانية مليارات، في المقلب الآخر هناك من يقول: إن الأرض تتسع، وبحاجة إلى كثافة بشرية، لأن بها مساحات هائلة لم تستثمر، طبيعي أن ينقص الأوكسجين، وأن يزداد الكربون أمام هذه الكثافة التي فقدت كثيراً من الأخلاق، فلم يعد يُهتم بالنبات كما كان سابقاً، حيث في كل بيت العديد من الأشجار؛ ليمونة وكبادة ودالية عنب ولبلابة أو خميسة، أزلنا البيوت الكبيرة، ووضعنا بدلاً منها مكعبات صغيرة فوق بعضها.

 العدالة المناخية مطلوبة من كل فرد، ومن كل دولة، وهذا لا يتحقق إلا إذا وصلنا إلى عملية توازن بيئي، نطلق عليها في هذا الاتجاه الحياد المناخي.   

د. نبيل طعمة