احتجاجات «السترات الصفراء» تدخل أسبوعها الـ27

احتجاجات «السترات الصفراء» تدخل أسبوعها الـ27

أخبار عربية ودولية

الأحد، ١٩ مايو ٢٠١٩

استبق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم التعبئة للأسبوع السابع والعشرين لـ«السترات الصفراء» بإغلاق الباب أمام أي تنازلات جديدة أو تدابير إضافية. وفي الوقت الذي دخلت فيه الحركة الاحتجاجية شهرها السابع، وهي الأطول في الثلاثين سنة الأخيرة، اعتبر ماكرون في تصريح أدلى به مساء أول من أمس أنه «قام بما يتوجب عليه»، و«استجاب» للمطالب التي كانت صلب انطلاق «السترات الصفراء». في إشارة إلى الإجراءات والتدابير التي أعلن عنها على دفعتين.
وخلاصة تصريحات ماكرون أنه لم تعد هناك «استجابة سياسية»، تستطيع النواة الصلبة من المتظاهرين انتظارها من السلطات، بمعنى أنه لم يعد لديه ما يعطيه. وفي أي حال، فقد شدد الرئيس الفرنسي على أن اللعبة الديمقراطية «لا تنحصر بالتظاهرات التي تجري كل يوم سبت، ومن له تصورات وطروحات فإن الطريق إلى تحقيقها يمر عبر صندوق الاقتراع، وبالتالي يعني على الجميع العودة إلى الحياة الطبيعية».
ويأتي يوم التعبئة الجديد قبل أسبوع من استحقاق الانتخابات الأوروبية التي ستجرى في باريس الأحد المقبل، والتي ستتنافس فيها 33 لائحة، بينها لائحة من «السترات الصفراء».
وبعد التراجع الحاد في أعداد المتظاهرين وتوصل القوى الأمنية، أخيرا، إلى خطة ناجحة لاحتواء التظاهرات، والسيطرة على أعمال العنف، يبدو أن الدولة قد «قلبت» الصفحة، وباتت تعتبر أنها استعادت المبادرة أمنيا وسياسيا، الأمر الذي يسمح لماكرون بالدعوة لاستعادة الحياة العادية، وإقفال الباب أمام أي مطالب.
بيد أن مجمل هذه الإجراءات لا تبدو كافية في نظر المجموعات الأكثر تشددا داخل «السترات الصفراء»، والتي ترى أن ما أعطته الدولة لا يمثل سوى الفتات «خفض معتدل للضرائب عن كاهل الطبقة الوسطى، وإعفاء المرتبات التقاعدية الدنيا من زيادات المساهمات الاجتماعية الضريبية، والامتناع عن فرض ضرائب جديدة، وإلغاء زيادات الرسوم على المحروقات…». لكن هذه الإجراءات، التي يراد منها رفع القدرة الشرائية للمواطن، لم تصمد أمام الزيادات التي طرأت منذ عدة أسابيع على أسعار المحروقات والكهرباء، وعلى سلع أخرى، الأمر الذي يعيد من جديد طرح المطالب، التي كانت في أساس انطلاق الحركة الاحتجاجية.
وشهدت باريس أمس ست تظاهرات متفرقة، انطلقت إحداها من أمام مركز شركة توتال النفطية للاحتجاج على غلاء المحروقات. واللافت أمس أن مطالب المتظاهرين أخذت تذهب في كل اتجاه، الأمر الذي يدل على الوهن الذي ألم بها، وتفرق الذين كانوا يناصرونها. ومن ذلك مثلا أن أكثر من مظاهرة كانت ترفع شعارات تندد بشركة باير – مونسانتو للأدوية والأدوية الزراعية، التي يرى المتظاهرون أنها مضرة للإنسان والبيئة، ويطالبون بمنع عدد من أدويتها الزراعية، واعتماد «نموذج إنتاج زراعي» مختلف عن النماذج الحالية السائدة. ومونسانتو معروفة بترويجها للزراعة المعدلة جينيا، الأمر الذي يلاقي رفضا شعبيا يتناقض مع التيار الجديدة للزراعة «النظيفة».
ويوم السبت الماضي، بينت أرقام وزارة الداخلية، التي يرفضها المحتجون، أن عدد المتظاهرين قد قل عن 19 ألف متظاهر داخل كافة الأراضي الفرنسية، وهو رقم لا يمكن مقارنته ببدايات الحركة. واللافت أيضا أن السلطات الأمنية وجدت «الحل السحري» للسيطرة على أعمال العنف، وذلك عن طريق منع التجمع في جادة الشانزليزيه، ومحيط كاتدرائية نوتر دام وساحة الكونكورد، والأماكن الحساسة في باريس، والمدن الأخرى لتجنب مشاهد العنف التي عرفتها شوارع فرنسا؛ خصوصاً العاصمة في الأشهر الست الماضية.
وأمس شهدت باريس مسيرات متواضعة، وتظاهرات في مدن نيس وبوردو ورينس ونانسي وبيزنسون، وليون وسان ناذير وأميان… وبالنظر إلى تراجع الحركة فإن بعض أعلامها، وأبرزهم أريك درويه، دعوا إلى إعادة النظر فيما يتعين القيام به، لأن ما يحصل أصبح «سخيفا»، حسب تعبيرهم. وأفادت وزارة الداخلية ظهر أمس بأن أعداد المتظاهرين كانت دون الثلاثة آلاف، منهم 1100 في باريس.
وأمس، لم تكن باريس هي «عاصمة» الاحتجاجات، بل مدينة رينس «شرق» التي شهدت مناوشات بين قوى الأمن والمتظاهرين وعمليات تهشيم لعدد من واجهات المحلات. وجاءت دعوات متكاثرة حثت المتظاهرين على تحويل تظاهرة رينس إلى «بحر أصفر». وحتى ظهر أمس لم يكن قد تجمع سوى ألف متظاهر في هذه المدينة المعروفة بإنتاج الشمبانيا.
وأفادت أرقام أخرى لحصيلة التظاهرات والاحتجاجات منذ ستة أشهر بأن ما يزيد على 47 ألف تظاهرة وتجمع احتجاجي عرفتها فرنسا منذ انطلاق حركة «السترات الصفراء»، والتي أسفرت عن توقيف مئات الأشخاص. لكن رغم ذلك كله، ما زالت هذه الحركة قائمة وإن ضعفت شكيمتها.